(2)
كانت الأنظار ترمق فأرنا الكريم .. وتستنطقه كُنْهَ الاجتماع وماوراءه ومالخطب الذي دَهَمهم .. مع علمهم سلفا بمن أوعز له .. فهم يعلمون جميعا من أين يقتاوت ومن يشبع شهواتهم .. ولكن فأرنا العزيز لم يُرد خوض غِمار القضية الجلل مالم تكتمل الكوكَبة المباركة .. وخصوصا الفأر الكبير .. وبينما هم يتبادلون النظرات .. ويتداولون المجاملات التي تخفي ورائها ضمائر داكنة كدكونة جلودها بل أشد .. إذ ولج الفأر الكبير يثني عطفيه ويحرك ذيله وقد رفع أحد حاجبيه وأرخى الآخر رامقا الحضور بركن عينه وقد تأبط جريدةً وسيّرخلفه فأراً "بنجاليا" كسائق ومدير أعمال ومنسق مؤامرات .. كان هذا البنقالي لا يفارق سيّده .. وقد اقتبس من سيّده شيئا من الأهمية والاحترام لدى الفئران الأخرى ..
أخذ الفأر الكبير ذو الجريدة المتأبطة موقعه من الاجتماع .. وأومأ إلى سائقه المدعو : "غلام أكبر خائن أمّة الاسلام" أن يأخذ هو الآخر مقعدا .. ثم قال وهو يجر كرسيّه تحته ليمكن مقعدته الثخينة منه :
-مرحبا بكم أيه الفئران الأحرار .. مرحبا بكم أيه التنويريون التقدميون .. أشكر لكم توافدكم هنا .. ولتهنأ بكم "مزابل التاريخ" .. !! ..
ثم أومأ إلى ذي الناب ليفتتح الجلسة الفئرانية غير الاعتيادية ..
تنحنح ذو الناب وقد أجال بصره في الحضور الكريم وهو يتصنع وقارا مفقودا وأخذ تنهيدة طويلة استهل بعدها الاجتماع بالثناء على مزابل العالم وسبح بحمد القمائم الأجنبية .. خصوصا القمامة التي في الجانب الغربي من القرية .. ثم قال وهو يهز رأسه وقد شبّك أصابعه على أوراقه المرتبة "وهي عبارة عن بقايا علبة كرز مالبورو" :
-لا يخفى عليكم يا سادة ما يقوم به بعض الرجعيين المتخلفين من بين البشر من محاولة القضاء علينا .. والغائنا .. ورمينا بأقبح الصفات .. ولم يقف الأمر عند هذا الحد .. بل أوغل احدهم .. فأراد أن يقتل فأرا وهميا .. وقد دعوت إلى هذا الاجتماع الطارئ لطرح هذه القضية المأساوية الجلل لمناقشة هذه الأزمة .. !! ..
يتبع ....