السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مساء الخير يا أصحاب
جئت بعد هم من امتحانات وتعب وجهد .. فاعتذاري لكم كبير وصغير ، فاقبلوه مني إخوتي الأعضاء وسامحني يا أبا نورة ويا ماجد الأول .
ذكر لي أحد الإخوة هذا الموضوع فقلت علّي أشارك بما عندي وليس عندي ما هو بقدر ما عندكم ، إن عندي إلا القليل .
أولاً لعلي أقول للأخ مبشر أن رأيك هذا قد وجد له من العلماء السالفين من يعاضده ويؤيده كابن الأثير وغيره ، وسأذكر بعضاً من هذه القوال ثم سأسوق رأيي :
اختلف الكثير من المستشرقين والأدباء في نفسية المتنبي وهل هو رهيف الحس رقيق المشاعر يتأثر بكل شيء أم ماذا ، وهل مر بقصة حب وهل ما صدر من أبيات له في الحب واشوق واللوعة تعتبر ناتجة من معاناة أم تصنعاً وهل نستطيع أن نحكم عليها بالصنعة وهي بهذا الجمال والقوة ؟!!
يقول الأستاذ الكبير محمود شاكر في كتابه ( المتنبي ، رسالة في الطريق إلى ثقافتنا ) وذكر كلاما طويلا عن حب المتنبي ، ير أن المتنبي أحب خولة أخت سيف الدولة حباً عظيماً لا يتخيله أحد ويمثل لذلك بمرثيته لها :
طوى الجزيرة حتى جائني خبر .. فزعت فيه بآمالي إلى الكذب
حتى إذا لم يدع لي صدقه أمل .. شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي
وقوله كذلك فيها :
يعلمن حين تحيا حسن مبسمها .. وليس يعلم إلا الله بالشنب
طه حسين يرى أن المتنبي لم يحبب أخت سيف لدولة التي رثاها بقصيدة مطلعها :
يا أخت خير أخ يا بنت خير أب .. كناية بهما عن أشرف النسب
ويقول : ( أنه يصنع الحب والغرام صنعاً ، وذوقه غليظ ، ويريد أن يكره أذواق الناس علة قبول ما يصنع ) .
بلاشير المستشرق يجعل من المتنبي عدوأ للمرأة مستشهداً لذلك :
إذا غدرت حسناء وفت بعهدها .. فمن عهدها ألا يدوم لها عهد .
ويقول
أن الشاعر الذي يعبر عن رأيه في النساء بهذا الشكل لا يستطيع الإشادة بالمرأة إلا مضطراً مكرها ) !!.
الأستاذ شفيق جبري يرى أن في نسيبه أثر صنعة .
كل هذه الأقوال مما يدعم رأيك بأنه شاعر حكمة وليس شاعر وجدان أو حب أو روماسية أو غير ذلك .
ولكن رأيي أن هذا الكلام وهذه الأقوال جانبت الحقيقة في نظري .
والسبب أن المتنبي شاعر حب وكتب أبياتاً في الحب لم يسبق إليها ولو كان متمرداً على كل ما هو قديم أو أنه لايرى من قبله ولا يرى شعر من هم قبله أو بعده فإني أقول له أنك اتبعت طريقتهم بالتقدمة بالنسيب ثم لدخول للغرض وهذه طريقة السالفين ولا أظن أنها قال إلا في موقف أجبر وألزم أن يقولها ، وعزة المتنبي وجبروته مما يحمد له فهو لم تكن عزته فقط في احتقار الشعراء والناس كلا إنما هو يحافظ على كرامته ويمشي على مبادئ سامية رسمها لنفسه من ذلك حين جعله الملك من ندمائه وجلسائه في قصره اشترط على الملك أن حين ينشده شعره فإنه ينشده إياه جالساً لا واقفاً . يا أخي مبشر هل تعتقد أن هذا احتقار للملك . أنا أعتقد أنه عزة في نفسه ومبدأ يسير عليه عند كل أحد .
عزيزي مبشر أنت قصرت شعر المتنبي على غرضين اثنين وهذا من الظلم كما أزعم ؛ لأن للمتنبي مواقف في أغراض أخرى غير هذه من ذلك شعر ( الهجاء ) وهو يتميز بهذا كثيرا وما خوف كافور الإخشيدي منه قبل عيد الأضحى ووضعه تحت المراقبة الكاملة خشية أن يفر المتنبي من مصر فيهجوه هجاء لم يمر على الدنيا مثله ، وحدث ما كان يخشى فجاءنا بهجائية متميزة وقوية :
لا تشتري العبد إلا والعصا معه .. إن العبيد لأنجاس مناكيد
المتنبي يتواجد في أغراض الحكمة والحماسة والوصف والغزل والوجدان والهجاء والذي يفتقد فيه كثيرا غرض الاعتذار وإن وجد فقليل وهذا نابع من طبيعته النفسية .
مما عنده في الغزل وهو ما أسوقه لك :
إن التي سفكت دمي بجفونها .. لم تدر أن دمي الذي تتقلد
وهذا البيت جعله صاحب اليتيمة من جيد غزله وهو قوله :
نفذت عليّ السابري وربما .. تندق فيه الصعدة السمراء
وقوله : كل جريح ترجى سلامته .. إلا فؤادا دهته عيناها
* مالنا كلنا جوٍ يا رسول .. أنا أهوى وقلبك المتبول
أفسدت بيننا الأمانات عيناها وخانت قلوبهن العقول
*وفتانة العينين قتالة الهوى .. إذا نفحت شيخا روائحها شبّا
ومن جيد وجدانياته :
وحيد من الخلان في كل بلدة . إذا عظم المطلوب قلّ المساعد
وأظن ظنا جيدا أن المتنبي لم يحبب امرأة بعينها إلا خولة أخت سيف الدولة ولكن قبل هذا كان يحب لغرض ما وما كان للنساء عنده في قلبه شيء ولم يحبب كا عترافه بأنه لم يحبب ولكنه اعترف كذلك بأنه يحب أخيرا فقال :
وما كنت ممن يدخل العشق قلبه .. ولكن من يبصر عيونك يعشق
هذا حديث سريع وعلى عجل وإن شاء الله أعاود الإكمال .
والمعذرة على الإطالة .