عرض مشاركة واحدة
قديم 19-05-03, 02:29 am   رقم المشاركة : 4
التاج
(كاتب في شؤون مدينة بريدة)






معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : التاج غير متواجد حالياً

[c]من تكون عابرة سبيل ؟؟؟ [/c]



تقول في إحدى قصائدها :

[poet font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
أنا عجوز مطلقة وأم ورعان= وأيضاً مدام وبنت وآنس وعانس
أنا بدوية وعايشة عند حضران= وبنت البحر وأبوي زارع وغارس
أمّية ما تعرف حروف وألوان= وتلميذة دشت جميع المدارس
ظفرة وخبلة عاقلة فيّ نقصان= شرود وانطح لي ثمانين فارس
خلون أعيش العابرة دون عنوان= طيفٍ يمر بلا رقابة وحارس

[/poet]

أبيات خفيفة طريفة تلوّن بها عابرة سبيل صفحات حدود حياتها . في هذه الأبيات نجد القدرة على جمع الكثير من المتناقضات بصورة تجذبنا نحو معرفة المزيد منها فعندما تقول عن نفسها : عجوزاً ننتظر بعدها وصفاً لحالة تلك العجوز ولكنها تفاجأنا بوصف آخر بعيد كل البعد عن تلك العجوز فمن القليل النادر وجود عجوزاً مطلقة !!! فالعجوز إما أن يموت رجلها وهذا هو الغالب أو تكون مريضة لا تقدر على الحركة والشاعرة هنا رسمت لنا صورة جديدة لعجوز مطلقة وهي لا تقصد ذلك عمداً بل تأتي بهذا الوصف كجمعٍ للأضداد ورغم أنها مطلقة وهذا الهم يكفي لعجوز تشعر بغربتها في الحياة نجد أن الشاعرة تثبت أحقية تلك العجوز بالهم فهذه العجوز لها أولاد وعلى ما يبدو أن هؤلاء الأولاد لم يحسنوا صنعاً بأمهم لذلك ذكرتهم على سبيل تفخيم أمر تلك العجوز المسكينة !!! ثم تكمل البيت بهذا الشطر الطريف إن العجوز هي بنت إذا هذه العجوز بنت لأنها تحس بذلك فبعد أولادها وطلاقها يجعل لها خياراً بقبول هذا الوصف مدحاً على الأقل !!! ولا ننسى وصفها تلك العجوز بالمدام وكلمة مدام أخذتها الشاعرة من متدوالات هذا العصر اللفظية وهنا يظهر تأثر الشاعرة بالبيئة التي تعيشها ولا تكتفي بذلك فهذه المرأة العجيبة آنس وعانس في نفس الوقت ولاحظ الجناس في هاتين الكلمتين أوجد نوعاً من الخفة والقبول لدى أذن السامع . هذه المرأة من أصل بدوي ولكنا تعيش وسط الحضر وهذا الأمر يجعلها خبيرة بشؤون كلا النوعين البدو والحضر ويقل هذا النوع من النساء ولكنها لا تكتفي بذلك بل تأتي إلى سكان السواحل فتقول : إنها بنت البحر . وكأن الشاعرة قد اختارت من كل أرض صفة لها فهي الأقدر على وصف كل هموم بنات جنسها في أرض العروبة . هذه المرأة ابنة فلاح جل وقته بالحقل يزرع ويغرس ولاحظ قرب الكلمتين ( زارع وغارس ) من بعضهما البعض فالشاعرة على علم بأن الزرع يختلف عن الغرس وهذا دليل على قوة ملاحظة الشاعرة . إذاً الشاعرة ما زالت ترسم لنا تلك المرأة الغريبة العجيبة فهي عجوز وما تلبث أن تكون بنتاً وهي بدوية وحضرية وبحرية وفلاحة كل تلك الصفات توجد بها وكأن الشاعرة تلمح إلى أنها قادرة على جمع كل تلك الصفات في شخصيتها !!! في البيت الثالث نجد معنًى ليس بالجديد فهي توجد أنواع البنات فمنهن الأمية ومنهن المتعلمة ولكن هذه المتعلمة تعدّت غيرها من البنات لأنها درست في جميع المدارس وكأن الشاعرة تريد أن تخبرنا عن سعة اطلاعها وكثرة قراءتها !!! في البيت الرابع توجد كعادتها في أبيات هذه القصيدة تناقضاً آخر فهذه المرأة تصل حد الخبل ولكنها في نفس الوقت عاقلة ومع ذلك تحس دائماً بالنقص الذي يدفعها للأمام وفي الشطر الثاني تصدمنا الشاعرة بشخصية تخالف الخبلة التي ذكرتها فهي شرود وقادرة على نطح ثمانين فارس!!! هنا نرى حقيقة لشخصية هذه المرأة فهي وإن كانت تخطئ وتعبث كثيراً إلا أنها في وقت الشدائد تخرج امرأة أخرى فتقف في وجه كل من يمد عليها لساناً أو يداً وهنا نتساءل عن هذه الشخصية هل فعلاً توجد امرأة بهذا النوع ؟؟؟ في البيت الأخير تقرر الشاعرة أنها ترضى باليسير من العيش فهي لا ترى ضرورة ذكر اسمها لأنها راضية بلقبها العابرة فهي تلتمس من هذا اللقب الدفء الذي يوصلها دائماً للحقائق !!! إن هذه العابرة ترى وجودها في الشعر كالطيف الذي يمر فإن وجد هذا الطيف حباً ازداد تلطفاً وإن وجد غير ذلك مر من دون رقابة وحارس !!!

تعرفنا على حقيقة هذه الشاعرة الغريبة والتي تأخذ من كل شيء صفة لها ، واقرؤوا معي هذين البيتين لتروا هذه المرأة عن كثب :
[poet font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
مسافرة مسافرة وجمعت أنا أشيائي= باروح أدور لي أرض غير مأهوله
أفكار مبعثرة والمشي عشوائي= والدرب محظور والأحلام مشلوله

[/poet]

رغم ضبابية الرؤية في هذه الأبيات إلا أننا نجد صدقاً عميقاً يجعلنا نقرأ هذين البيتين أكثر من مرة . ورغم كل تلك التركيبة العجيبة ها هي تلك المرأة تعترف من جديد باعتراف يوقفنا كثيراً خصوصاً بعد تلك القصيدة فهذه الشاعرة أثبتت وقررت أنها العابرة وهي هنا تؤكد هذا الاعتراف بأنها مسافرة ولكن إلى أين ؟ إنها ذاهبة إلى أرض خالية من البشر !!! لماذا هذا الهروب هل هو ضعف أم عجز ؟؟؟ سؤال يدخلنا سراديب أحزان هذه المرأة العجيبة هل يأست من البشر لتبحث عن أرض جرداء لا ماء فيها ولا كلأ !!! حزن عميق تضفيه علينا هذه الشاعرة ونحن بانتظار إعلان اسم تلك الأرض على الأقل حتى نتمكن عندما نحس بمثل إحساسها الذهاب لتلك الأرض ولعل هذا البيت فيه تبطين للشعور بالغربة والموت فهل أحست عابرة سبيل بموتها ؟؟ لا ليس الأمر بما نتوقع فهذه القصيدة قالتها في زمن ماضٍ وليس لموتها علاقة بهذا البيت ولكن حقيقة هذا البيت هو اليأس من هذه الحياة !!! وتصف حالتها في البيت الثاني فأفكارها لم ترتب ومشيها عشوائياً وهي بهذا تلمح إلى أشياء كثيرة في هذه الحياة فلم يعد المتخصص متخصصاً فالكل عالم والكل ناقد لذلك ترى هذه الشاعرة أن المشي أصبح في هذه الحياة عشوائياً فلا أحد يعرف مد رجليه للأمام ومع كل هذا التبعثر يقف الحظر بوجه آمال تلك الشاعرة فهل أصبح الحظر حاجزاً أمام الإبداع ؟؟ إن الشاعرة تقرر وهي تعلم ذلك أن الحرية مطلب الجميع ومتى ما فقدت أصبح كل شيء محظوراً !!! ولم تكتفي بكل ما ذكرت فهي امرأة تحلم كغيرها من الناس ولكن لا تجد لها حلماً يتحرك فكل أحلامها مشلولة غير قادرة على التوافق مع مجتمع قائم على الماديات !!! لقد اختصرت هذه الشاعرة في هذين البيتين الكثير من الأبيات الطويلة المملة لتقول وبلسان الواثق من نفسه : دعوا الحياة تسير فما زلنا أحياء !!!

[c]انتظروا الحلقة الثالثة(( بماذا تحلم عابرة سبيل؟ وما موقف أهلها من كونها شاعرة ؟ )) [/c]


[c]تحياتي لكم [/c]



[c]التاج [/c]







التوقيع

الناجح هو شخص يكسب أصدقاء مزيفين ، وأعداء حقيقيين