الحلقــة الثانيــة
مع آذان الفجر كنت نايم والوالدة حفظها الله.. مغللتن (الغلالة) تكون بشماغ او اي قطعة قماش سميكة تلف على الرأس والرقبة ويتم ربطها بإحكام خصوصاَ والوازلين (الوالزلين) كريم هو الأكثر والأرخص في ذلك الوقت ..والمعروف بالفازلين حالياَ ..يكون لجسم كله مطلي
عن المشق ..(المشق) تشققات تصيب الجلد بسبب البرد والجفاف ..!
المهم كنت نايم وصحيت على وقع تحميل العفش وتوديع الوالدة والوالد لجدتي رحمها الله ..فقد عزموا على السفر إلى مكة والمدينة !
حاولت اتماسك امامهم لكني لم استطع واجهشت بالبكاء لأني لم اعتاد مفارقة امي وكيف بها تسافر وتتركني ..!
المهم ..اعطاني الوالد قطعتين ..من (اربع قروش) وقطعتين من (قرشين ) وقال هذولي لك أشر بهن حلاوة ومصيص وبليلة من الجيران
كنت أشاهد تلك السيارة التي تقل مجموعة كبيرة من الرجال والنساء ..! المعروفة بذلك الوقت (حمالية ) وهي فورد ونيت موديل قديم جداَ
لكنه متين وقوي ..عملوا له دورين الدور الأول للرجال واللي بالأسفل للنساء ...وفوق الشراع الشنط والعفش ..والخيام تم ربطهن على جنب السيارة ..!
كان منظر مهيب جداَ ..والحارة كلهم خرجوا مع الفجرصغيرهم وكبيره يتفرجون على تحميل العفش ..طبعاَ بعضهم لايخلو من الشهابة وحب الإشراف !! لكن معظمهم كانوا متتواجدين يساعدون على التربيط والتحميل ويدعون لهم بالسلامة والقبول ومودعين للحجاج ..!
ركب الوالد مع الرجال ..وركبت الوالدة مع الحريم ..وارتفعت الأصوات للتهليل والتكبير ..وكان السائق مثل كابتن الطيارة (مدلل ) مايلمس شيء ! ماله إلا القيادة ..جالس يتقهوا ويفطر والرجال هم من يشتغل ..! والكل ينظر إلا السائق على انه القائد المظفر
المهم غادر الحجاج والدموع تنهمر لفراق امي وابي ..والكل ينظر لي بعين العطف ..والتشجيع !
دخلت مع جدتي للبيت .وسألتها متى يجون من الحج ..قالت يجون بعد عشرين يوم إن شاء الله .! معهم حلاو ملبس وقريض وسبال وحلاو شكليت وطنيب ودرابيل من مكة ..!
وكان حلاو الملبس والسبال افضل انواع المكسرات ! بل لايوجد غيرهن بالمجتمع البريداوي آنذاك !
كانت العشرين يوم بالنسبة لي مثل العشرين سنة ..لاحس ولاخبر عن الحجاج ..لا تليفونات عندنا ولاجوالات ..ولايحزنون ...مالنا إلا الإنتظار فقط ..! كل يوم يمر كأنه سنة والبرزان بالحارة ليس لهم
سالفة سوى التعليق علي ..يقولون ياويلي راحت امه واتركته ..! (اهب على نجاستهم مايرحمون)!
ادخل لجدتي وهي جالسة بالقبة تطحن العيش (بالرحاة ) الرحاة عبارة عن حجر مدور يركب له يد خشبية
تقوم بدورانه على حجر مماثل له تضع العيش (القمح ) بفتحة اثناء دورانها للرحاة (الرحا) وتبدأ عملية الطحن مع القصيد ..وهي تقصد بالحجاج وتدعو الله بعودتهم قريباَ سالمين غانمين مقبول سعيهم ..!
وكل ماتشوفون اصيح ..تقوم بإعطائي حلاوة آكلها وانام على رجلها ..وتواصل العمل الدؤوب لكي تطحن العيش ..لأن عشانا سيكون جريش ..هذا اليوم مافيه مجال لتدليل البزران جد وعمل لاينقطع من جدتي رحمها الله حتى النوم ..ايه ذوليك (حريم اول ) !!..!
ماودي اطول عليكم ...نكمل الحديث بالحلقة القادمة ..!
وسلامتكم