![]() |
إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه".
إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه". فالإتقان سمة أساسية في الشخصية المسلمة يربيها الإسلام فيه منذ أن يدخل فيه، وهي التي تحدث التغيير في سلوكه ونشاطه؛ فالمسلم مطالب بالإتقان في كل عمل تعبدي أو سلوكي أو معاشي؛ لأن كل عمل يقوم به المسلم بنية العبادة هو عمل مقبول عند الله يُجازى عليه سواء كان عمل دنيا أم آخرة. قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}. (الأنعام: 162-163). فهل نحن نربي الآن في مجتمعنا المسلم الشخصية المسلمة التي تهتم بإتقان أمور الحياة كلها؟ فردية أو جماعية؟ وهل سبب تخلفنا وتأخرنا يرجع إلى فقدان هذه الخاصية؟ وما قيمة الشعائر والوسائل التعبدية التي لا تغير في سلوك الإنسان ونمط حياته ووسائل إنتاجه؟ إننا فعلا نفتقد التربية الأسرية والمدرسية والاجتماعية التي تجعل عمل الإتقان في حياتنا مهارة داخلية تعبر عن قوة الشخصية التي تكسب الإنسان الاتزان والثقة والاطمئنان والتفرد إلى جانب اكتساب المهارة المادية والحركية. لذلك نحن مطالبون بترسيخ هذه القيمة التربوية الحياتية في واقعنا وسلوكنا؛ لأنها تمثل معيار سلامة الفرد وقوة شخصيته وسمة التغيير الحقيقي فيه، كما أننا مطالبون ببذل الجهد كله في إتقان كل عمل في الحياة يطلب منا ضمن واجباتنا الحياتية أو التعبدية. الإتقان في المفهوم الإسلامي إن الإتقان في المفهوم الإسلامي ليس هدفا سلوكيا فحسب، بل هو ظاهرة حضارية تؤدي إلى رقي الجنس البشري، وعليه تقوم الحضارات، ويعمر الكون، وتثرى الحياة، وتنعش، ثم هو قبل ذلك كله هدف من أهداف الدين يسمو به المسلم ويرقى به في مرضاة الله والإخلاص له؛ لأن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا لوجهه، وإخلاص العمل لا يكون إلا بإتقانه. ولعلنا نلحظ أن من أسباب التخلف في المجتمعات الإسلامية افتقادها خاصية الإتقان كظاهرة سلوكية وعلمية في الأفراد والجماعات، وانتشار الصفات المناقضة للإتقان كالفوضى والتسيب وفقدان النظام وعدم المبالاة بقيمة الوقت واختفاء الإحساس الجمعي والإهمال والغش والخديعة، وهذا منعكس في فقدان المسلمين للثقة في كل شيء ينتج في بلادهم مع ثقتهم فيما ينتج في غير بلاد المسلمين مع أن صفة الإتقان وصف الله بها نفسه لتنقل إلى عباده {صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} (النمل: 88). الإتقان والإحسان إن الإحسان ذو جانبين، عمل الحسن أو الأحسن ثم الشعور أثناء العمل بأن الله يرانا أو كأننا نراه، وهذا هو تعريف الرسول صلى الله عليه وسلم للإحسان بأن "تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك". فالإحسان مراقبة دائمة لله، وإحساس بقيمة العمل، وعلى هذا تندرج كل عبادة شرعية، أو سلوكية أو عائلية تحت مصطلح الإحسان الذي يعني انتقاء الأحسن في كل شيء؛ فالشخصية المسلمة تتميز بالإحسان الذي يرتبط بالتقوى وعبر عنه كمرحلة سامية من مراحل الإيمان المصاحب للعمل، يقول تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (المائدة: 93). فإذا كان المسلم مطالبا بالعبادة، والعمل المترجم للإيمان فإنه مطالب دائما بالإحسان في العمل والحياة، غير أن هناك تفاوتا في مجالات الإحسان حيث ركز القرآن الكريم في طلب الإحسان في أمور منها: الإحسان إلى الوالدين، مع دوام الإحسان في كل شيء، يقول الله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا} (النساء: 36)، فالإحسان بنص هذه الآية انفتاح على قطاعات كثيرة في المجتمع، يطالب المسلم بالتعامل معها والتفاعل على أساس من التقوى والحرص على الجماعة حتى يكون الجهد المبذول في سبيل الإحسان إليها ذا قيمة اجتماعية يراعى فيها رضاء المولى عز وجل لقوله تعالى: {وَإِن تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} (النساء: 128). والرسول صلى الله عليه وسلم يربط بين الإتقان والإحسان فيقول: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة"؛ فالإحسان هنا مرادف لكلمة الإتقان، وقد أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يزرع بذلك الرحمة في قلب المسلم ويكسبه عادة الإتقان في العمل حتى ولو لم يكن للعمل آثار اجتماعية كالذبح الذي ينتهي بإتمام العمل كيفما كان. وأول عمل يتطلب الإتقان في حياة المسلم هو الصلاة حيث يطالب بها في السابعة ويسأل عليها في العاشرة، فإذا وصل مرحلة الشباب والتكليف كان متقنا للصلاة مجودا لها محسنا أداءها؛ فالمسلم في الصلاة يتقن عددا من المهارات المادية والمعنوية؛ فإقامة الصلاة وما يطلب فيها من خشوع واستحضار لعظمة الخالق، وطمأنينة الجوارح، وتسوية الصفوف، ومتابعة الإمام، ثم ممارسة الصلاة خمس مرات في اليوم كل هذه من الممارسات التي تتطلب التعود على الإتقان حتى تنتقل هذه العادة من الصلاة إلى سائر أعمال المسلم اليومية دنيوية أو أخروية. الإحسان والشخصية المثالية ولأن الإحسان مجاهدة وجهاد يقول سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (العنكبوت: 69) وقد وصف الله سبحانه الأنبياء جميعا بأنهم من المحسنين الذين يستحقون حسن الجزاء عند الله؛ لأنهم كانوا يجاهدون أنفسهم خوفا من الله وتقوى، يقول الله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ* كَانُوا قَلِيلاً مِّن اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ* وَبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ* وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} (الذاريات: 15-16- 17-18-19). وإلى جانب المجاهدة هناك وسيلة أخرى لاكتساب صفة الإحسان وهي الإقبال على الله بالطاعة والعبادة والذكر، يقول الله تعالى: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} (الإسراء: 7). الإحسان والحياة الإحسان والإيجابية المنشودة كما أن الإسلام يحرم استغلال الإنسان، وسلب جهده وطاقته، كما أكد الإسلام على حق العامل في ملكية أجره وحمايته والوفاء له والتعجيل بإعطاء الأجير حقه قبل أن يجف عرقه، بل جعل الإسلام كل عمل يقوم به المسلم طاعة لله إذا قصد مصلحة البشر وأتقنه وأخلص فيه، وجعل العمل عبادة وقربى يعتبر من أعظم الدوافع لبذل الجهد وكثرة الإنتاج، وفي المقابل حرم الإسلام البطالة وعابها فجعل اليد العليا خيرا من اليد السفلى وحض على العمل، حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة الحطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه". مبادئنا بين النظرية والتطبيق! قيمة المجتمع المتعلم والمنهج العلمي الذي أصله المسلمون وعممه علماء الحديث، وقبل ذلك وضع أساسه القرآن الكريم هذا المنهج هو الذي أوجد مجتمع العلم والحضارة وكان سر التقدم وبناء العقلية المسلمة على منهجية العلم والإيمان. والذين يظنون أن أكثر المؤسسات الفارغة من المضامين العلمية الحقيقية يمكن أن تحدث تغييرا في المجتمع –هؤلاء واهمون- لأن هذا النوع من التغيير سيكون تغييرا شكليا مظهريا أجوف لا قيمة له في الحياة ولا أثر له في عملية التنمية والتقدم وسنظل نحرث في البحر ونضرب في حديد بارد |
[align=center]درر وحكم ودروس
وش خليت يادكتور محمد :) جزاك الله خير ., وجعله فميزان حسناتكـ[/align] |
الساعة الآن 03:27 pm. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Alpha 1
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc. Trans by
موقع بريدة