من قال إن حديثي فقط هو عن المظهر !!
المظهر دلالته هنا نتيجة وليست سبب تبدأ من الحالة الوجدانية لبني آدم الحالة الإنسانية في تركيبتها
لماذا حينما يعطس الشمال تهتز له جنبات الجنوب رغما عن انفهم حتى لو كانت هذه العطسة لاتعنيهم
وحينما يبقر بطن الجنوب لا أحد يعرف
لماذا مهزلة جدة وتنفس الأحياء الجنوبية من تحت الماء يُسكت عنه أيام ولايتم الحديث عنها حتى بلغت الأرواح مسألة الكوارث
بينما لو حدث الشيء نفسه في درة العروس أو في أحيائها الأخرى الراقية طبعا في حالة حدوثه ولا أظن لسبب أن كل خيرات المدينة تتجه نحو الشمال تصريف وتنظيف و..الخ لكن لنفترض أن طوفان نوح نزل فجأة على أحد الأحياء الشمالية وأغرق بعض القصور كيف سيتم التعامل معه ؟ هل تظن أنه بذات الطريقة ؟
هنا ياتي جوهر وطبيعة الإنسان إن كان من أهل السواعد السمر العارية تحت الشمس أو كان من أهل الحواسر عن رؤوسهم فلن يتم التعامل معه مثل التعامل مع أهل البشوت والقصور
وحينما تأتيك دعوة لحضور حفلة زواج من اهل الشمال فلن يكون التحرك الوجداني والإهتمام مثل ماتأتيك دعوة من أهل الجنوب قد تعتذر من الثاني وتتحمل الصعود على انشغالاتك لحضور الدعوة الأولى
مازلت اتكلم عن الوجدان الإنساني لنا بعيدا عن المظهر وسياق المظهر هنا كنتيجة وظواهرٌ لأشياء نبتت كمخيلة أسيفة في الدواخل الإنسانية

وفي المرة القادمة سأحضر معي 40 أمريكي 60 بريطاني 90 فرنسي نكاية بأهل الشمال ليجمعوا كلماتي التي المشتتة هنا وهناك لكي يفهمها رجل الشمال المترف الذي لايفهم معنى أن تكون حافيا ولا عاريا ولا معنى لعق الإسفلت وليس في قاموسه مصطلح الدرجة الثالثة

إن لدينا في الجنوب لغة هي أرفع من أن تفهموها أو تستوعبوها وحينما يستعصي عليكم الفهم فلاتظنوا الكلام مبعثر والفكرة هاربة تائهة بل لأن ترفكم وترفعكم لايمنحكم الوقت لتتعلموا معنى الأسمال ولا معنى العرق الناضح من تحت عباءات الشيوخ ولامعنى خروج الشمس ولا النخيل الحامل لروائح التاريخ وقبور أجدادنا

وبك أهلا ..
بعض الردود أشبه ماتكون بالمحطات الفارهة على الخطوط السريعة ليس لأن ردك كان مهذبا فأنت أهل لذلك
بل لأنك تستطيع من خلالها أن تخرج عن المسار قليلا لترتاح
لذا لن أفتح معك ذات الصفحة في قاموس الشمال لتبرير الخيانة وأيهم أجمل مقدمة الرأس أو قفا المرأة وأيهم أنظف للأكل اليد اليمنى أم الشمال وأيهم أفضل كظهير أيمن وأيسر الدوخي أم الزوري وأي قدميك تدخل بها أولا للخلاء وأيهما تخرج بها وأي قدميك يبقى في المسجد فترة أطول اليمنى أم الشمال ؟!!


إنني سأرتاح في مقيلك هنا قليلا قبل أن أعاود المسير على ذات الطريق

أكتبُ على ذات الغرفة في محطتك التي كَتَبَ عليها عابر قبلي



هنا كنت مساء الأربعاء في الرابع عشر من أبريل 2010
رجل جنوبي لوّح لمدينته وراح..
ماكان على ظهره غير عباءة ودواة وبعض من رائحة أمه وكسرة خبز يرطبها بريقه سيدوّن عن مدينته التي تركها أنها مشطورة القلب مشتتة الفؤاد ينتهك عرضها رجل شمالي وتلد في الجنوب ابن مشوّه
وأن العصافير التي تذهب للشمال لاتعود إلا بعدما تتحول لفوارس تبحث عن عصفورة صغيرة في الجنوب وأن بيت أبي عبره رجل شمالي فبال فيه وأن المطر صار ينتشل القبور فبنوا مقابرهم على أسوار الجنوب
وسيدوِّن ان حمَام الجنوب صار أضعف من أن يطير للشمال فبنى أعشاشه لحواصله
وأن تراب الجنوب تعلم لغتهم فأصبح يكلم المارين عليه وبنى هو الآخر سيوفه ومهوده حاجزا لهم عن الشمال وأن شياتهم ومواشيهم صارت ترث أمكنتها من مالكيها وصارت لها غرف خاصة بها داخل بيوتهم
وأن الحب مازال أبيض هناك والموت أبيض والفقر أبيض إلا أن الغروب صار هو أكثرها بياضا
وسيدوِّن أن لمبة الشارع لازلت تجمع تحتها شيوخ الجنوب بعد صلاة العشاء للأحاديث العابرة قبل أن يغط بنومه بين صغاره
وأن العجائز (يتسامرن) صبحا .. والصغار يحفرون بلعبهم مجرى المطر ..
وأن (الدنَّانات) لم تقطع وصلها مع كفوفهم .. والمزارع لازالت تستحضر ماءها من صوت المكينة ( تاك تاك )
وأن قلوبهم ظلت جميلة أنيقة وفيّة سابحة بالجمال رغم لعنة العرق

وسيدوِّن أن الشمال طالت جدرانه وأصبحت المدينة تسهر في الشمال وتشرب في الشمال وتنزع حشمتها في الشمال
وأن اللغة تغيرت في الشمال وأن قلوبهم مشطورة الحب وغرفهم مشطورة الحب وأَسِرَّتَهُم مشطورة الألحفة
وأن المطر لايغسل أجسادهم ولايعرفون لغته وأن التراب صار صار غورا فكانت هجرة النمل جماعية من الشمال

أخي الإسترليني هل يوجد نمل تحت اللحاف هنا ؟!!
اعتدت سماعها كل ليلة هناك وتعلمت أنها تنتمي للجنوب أكثر

عابر ,,,,