عمار القصيمي
19-10-06, 02:47 pm
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وبفضله وكرمه تزداد الحسنات وتغفر الزلات ، أحمده سبحانه على ما أولى وهدى ، وأشكره على ما وهب وأعطى ، لا إله إلا هو العلي الأعلى ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي المصطفى ذو الخلق الأسمى ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أولي النهى والتقى والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد .
فاتقوا الله ربكم واشكروا له ((ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً)) (الطلاق:5)
وقف المسلم يتأمل في أحوال المسلمين يتابع الغطرسة الصليبية والهجمة الحاقدة على الإسلام ، ويراقب بقلق الخطوات النفاقية العلمانية والتي تستهدف زعزعة البناء العقدي والأخلاقي في الأمة من خلال الطرح السافل ، والمعالجة المتهورة .
ويتأمل بحزن محاولات تغريب المرأة في مناهجها وتعليمها وإعلامها وسائر شؤون حياتها .
وفي الوقت ذاته يتأمل في مشاهد مبهجة ومواقف رائعة تتمثل في عودة الأمة لربها ، وإقبال الشباب على الاستقامة .
ووعي المرأة المسلمة بالمخاطر من حولها .
ويشاهد بفرح بيوت الله في هذا الشهر المبارك تزداد بالعباد والزهاد والقائمين والعاكفين والركع السجود .
بينما المسلم شارد في تأملاته ، غارق في آهاته كأنه في حراسة فينتقل بين آلامه وآماله إذ حانت التفاتة فرأى ضيف الكريم شهر رمضان المعظم يجمع متاعه ويتأهب للوداع .
فقال لضيفه ، ما الذي أرى ، وما الذي جرى ، وما الذي يا ضيفنا جرى أو هكذا ترجل بعد مقام يسير وزمن قصير .
يا ضيفنا : كنا بالأمس نستقبلك ، وبهذه السرعة نودعك اعلم يا ضيفنا أنك تحمل شعوراً بالعتب ولكن في جنباتك شيئاً من الغضب ، لأن منا من جفاك ، ولم يقدرك حق قدرك لا تلمنا يا ضيفنا المكرم ،فهذا نتاج أزمة نفسية أحدثتها نعال اليهود والنصارى وأذنابهم من المنافقين
يا ضيفنا قد شغلونا عن لذتك وسلبونا العيش في متعتك يوم أن بلونا بهذه المحن وأحدثوا فينا تلك الفتن فكان البال منشغلا وأصبح القلب منذهلا ، فعذراً ثم عذراً
قال الضيف : وهو يتأهل للرحيل يا أيها المسلم ، قد جئتكم أحمل العطايا، وأبشر بالمنح الربانية والمواهب الرحمانية فنالها من نالها وخسرها من خسرها ، واليوم أودعكم وأنا أحمل معي شهادات بالفوز والرضوان موقعة من الرحيم الرحمة على لسانه الصادق الأمين ونصها : (( من صام رمضان وقامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)) .
وفي الوقت ذاته أحمل صكوك الخسارة والحرمان مذيلة بتوقيع الروح الأمين وممهورة بتأمين المصطفى الأمين صلى الله عليه وسلم ونصها : (( من أدرك رمضان فلم يغفر له فأبعده الله قل آمين فقال المصطفى آمين)) .
بلغ أيها المسلم من ورائك إني راحل ، وعائد إليكم بعد عام سيولد فيه أناس ويموت أقوام ويسعد فيه أقوام ويشقى فيه فئام وكم من مؤمل بلوغي حال دونه الأجل .
بلغ أيها المسلم إخوانك أن من بدل عهده مع الله ونقض غزله من بعد قوة وعاد إلى الغي والفتور فإن ذلك علامة الخسران ودليل الرد والحرمان : (( وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ)) (الحج: 18) .
نعمة سابغة ورحمة واسعة أن تخرج من رمضان مغفوراً لك فحافظ على تلك النعمة ولا تبدلها نقمة بالعودة إلى العصيان بعد خروج رمضان .
عهدتك يا مسلم حياً حييياً في شهر الصيام فخذ على نفسك العهد أن تبقى على عهد الحياة والحياء بعد شهر الصيام ، فعسى أن يكون هذا العهد توبة من الله عليك وتوفيقاً وذخراً لديك فإذا أبرمت ذلك العهد فإياك والنكث : (( فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ )) (الفتح: 10) .
واحذر أن تكون بنقض العهد ربع المنافق ((فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ )) (التوبة: 77) .
يا أيها المسلم إني قريب راحل بعد أن رأيت منكم وفاء وجاء فسلام الله على الموفين بالعهود ، ويا حسرة على أهل النكوص والعقود .
ثم خاطب المسلم إخوانه والدموع مدرارة والعبرات تسبق العبرات وقال : في نبرة حزن وألم .
وفي البكاء على الإخلال والدار واذكر لمن بات مدخل ومدجار
وإذا الدموع نحيبا وابك متأسفا عل فراق ليال ذات أنوار
على ليال لشهر الصوم ما جعلت إلا لتمحيص آثام وأوزار
يا لإثمي في البكاء زدني به كلفا واسمع غريب أحاديثي وأخباري
ما كان أحسننا والشمل مجتمع منا المصلي ومنا القانت القاري
وفي التراويح للراحات جامعة فيها المصابيح تزهو قبل أزهار
إن هي إلا أيام وتغرب شمس من شموسه الخيرات والبركات ، ويخبو نور من أنوار النفحات الربانية والعطايا الإلهية ، إن تلكم الأيام المعدودات من نفائس أيام المؤمنين ، جرت فيها أحاسيس حية ومشاعر صدقة ، أثمرتها معالي الهمم ومسابقة النفوس الدائبة فلا عجب أن نستهل العبرات وتشتد الحسرات أسفاً على فوات خير عظيم وسعات صافية راضية ما أجمل نهاره المنير بالذكر والتلاوة والمعروف ، وما أطيب لياليه العامرة بالقيام وحداء الصالحين وأنين التائبين .
تذكرت أياماً مضت ولياليا خلت فجرت من ذكرهن دموع
ألا هل لها يوماً من الدهر عون وهل إلى وقت الوصال رجوع
إن للطاعات فيه منافع وأثاراً في النفوس أغنت عن لذات الطعام وزينة الحياة ومكاسب الأموال ، ورب صلاة صادقة أو قراءة خاشعة أعقبت سروراً مضيئاً امتزج بالدم والعصب لا يضاهيه طيب المأكل ولا أفراح الحياة وملاذها ومفاخرها لأنها لا تدوم وإن دامت لم تخل من تنغيص ، وإذا انقضت أورثت غموماً وأحزاناً وشدائد قاسيات .
فالحياة الحقيقية والسعادة الدائمة والعزة الشامخة ، إنما هي في طاعة الله تعالى وعبادته ، عبادة سائقها الإخلاص ، وحكمها التذلل ومنهجها الإتباع ((مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) (النحل:97) .
إن ضيفنا المعظم قد عزم على الرحيم ، فالعين لفراقه تدمع والقلب يوجل ، وإنا لفراقك لمحزونون .
شهر رمضان: إنه الآن بين أيدينا وملء أسماعنا وأبصارنا وحديث منابرنا وزينة منائرنا وبضاعة أسواقنا ومادة موائدنا وحياة مساجدنا فكيف الحال بعد فراقه .
ياشهرنا الكريم : يا لحسن الفائرين الذين اغتنموك بأكمل وجه من صلاة وصيام وتهجد وقيام وصدقة وإحسان فنظر الله إليهم وهم يبتهلون بالدعاء إليه فغفر لهم .
ويا لخسارة المفرطين الذين لم يعرفوا ذلك الفضل فأمضوا وقتهم بالملهيات واشغلوا أنفسهم بحظوظ الدنيا ومضى عليهم الشهر بهذه الحال .
إن ضيفنا قد قرب رحيله فاختموه بخير ختام واستغفروا ربكم من كل خلل وتقصير قال الحسن أكثروا من الاستغفار فإنكم لا تدرون متى تنزل الرحمة .
وكان نبيكم يقول (( إن لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة ))
يا أيها العصاة ، وكذلك كلنا لا تقنطوا من رحمة الله بسوء أعمالكم وأحسنوا الظن بربكم وتوبوا إليه فإنه لا يهلك على الله هالك .
إن المحاسن التي جنتها النفوس المسلمة في رمضان ينبغي أن تكون طريقاً للزيادة والمضاعفة وسلماً للمجد والعلاء وليس التقاعس والانقلاب والنكوص على الأعقاب .
عاهد الله بالمحافظة على الطاعات ، وأنت في نهاية موسم الطاعات فقد كان نبيك صلى الله عليه وسلم يعاهد الله على الطاعة في كل ساعة قبيل الليل وأول النهار فيقول في سيد الاستغفار ( اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك )
أخي : وأنت على عتبات الوداع لشهر الله المعظم وتترقب ساعات ا لرحيل الحزينة فإني مذكرك وناصح لي و لك فاستمع إني عليك من المشفقين ولك من الناصحين
إن الشياطين يتزاحمون عند بوابة الخروج على فك القيود التي سلسلوا بها خلال الشهر المبارك ، فهل تمنحهم أخي فرصة للوصول إلى مآربهم أم تراك تتمسك بهذا الطهر الذي منحك الله إياه ، والأخير بالخيرية أمثالك أخرى وأقرب .
أخي : أيام العيد أيام بهجة وسرور ولحظات وفاء وصفاء وانشراح صدور وأوقات صلة وتزاور ، وهي أيام ذكر وطاعة وإذا كانت موسماً للترفيه والتسلية فإن الترفيه لا يعني الانفلات من الحدود الشرعية والتمرد على القيم الأخلاقية
العيد لهو بريء لكن لا يعني اختلاط الرجال بالنساء ولا المجاهرة بالغناء ولا يعني تضييع الصلوات وإتباع الشهوات ، فلنحذر مما يسخط الله ، ولنتجنب ما يغضبه ، وما يتنافى مع الغيرة والرجولة والمروءة وإنما نكمل الفرحة بطاعة الله : ((قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)) (يونس:58) .
نسأله تعالى أن يختم لنا رمضان بالعفو والغفران والنجاة من النيران والفوز بالجنان
وأن يتقبل منا صيامنا وقيامنا وسائر أعمالنا (( إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ))
الشيخ / أحمد بن عبد العزيز الشاوي
فاتقوا الله ربكم واشكروا له ((ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً)) (الطلاق:5)
وقف المسلم يتأمل في أحوال المسلمين يتابع الغطرسة الصليبية والهجمة الحاقدة على الإسلام ، ويراقب بقلق الخطوات النفاقية العلمانية والتي تستهدف زعزعة البناء العقدي والأخلاقي في الأمة من خلال الطرح السافل ، والمعالجة المتهورة .
ويتأمل بحزن محاولات تغريب المرأة في مناهجها وتعليمها وإعلامها وسائر شؤون حياتها .
وفي الوقت ذاته يتأمل في مشاهد مبهجة ومواقف رائعة تتمثل في عودة الأمة لربها ، وإقبال الشباب على الاستقامة .
ووعي المرأة المسلمة بالمخاطر من حولها .
ويشاهد بفرح بيوت الله في هذا الشهر المبارك تزداد بالعباد والزهاد والقائمين والعاكفين والركع السجود .
بينما المسلم شارد في تأملاته ، غارق في آهاته كأنه في حراسة فينتقل بين آلامه وآماله إذ حانت التفاتة فرأى ضيف الكريم شهر رمضان المعظم يجمع متاعه ويتأهب للوداع .
فقال لضيفه ، ما الذي أرى ، وما الذي جرى ، وما الذي يا ضيفنا جرى أو هكذا ترجل بعد مقام يسير وزمن قصير .
يا ضيفنا : كنا بالأمس نستقبلك ، وبهذه السرعة نودعك اعلم يا ضيفنا أنك تحمل شعوراً بالعتب ولكن في جنباتك شيئاً من الغضب ، لأن منا من جفاك ، ولم يقدرك حق قدرك لا تلمنا يا ضيفنا المكرم ،فهذا نتاج أزمة نفسية أحدثتها نعال اليهود والنصارى وأذنابهم من المنافقين
يا ضيفنا قد شغلونا عن لذتك وسلبونا العيش في متعتك يوم أن بلونا بهذه المحن وأحدثوا فينا تلك الفتن فكان البال منشغلا وأصبح القلب منذهلا ، فعذراً ثم عذراً
قال الضيف : وهو يتأهل للرحيل يا أيها المسلم ، قد جئتكم أحمل العطايا، وأبشر بالمنح الربانية والمواهب الرحمانية فنالها من نالها وخسرها من خسرها ، واليوم أودعكم وأنا أحمل معي شهادات بالفوز والرضوان موقعة من الرحيم الرحمة على لسانه الصادق الأمين ونصها : (( من صام رمضان وقامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)) .
وفي الوقت ذاته أحمل صكوك الخسارة والحرمان مذيلة بتوقيع الروح الأمين وممهورة بتأمين المصطفى الأمين صلى الله عليه وسلم ونصها : (( من أدرك رمضان فلم يغفر له فأبعده الله قل آمين فقال المصطفى آمين)) .
بلغ أيها المسلم من ورائك إني راحل ، وعائد إليكم بعد عام سيولد فيه أناس ويموت أقوام ويسعد فيه أقوام ويشقى فيه فئام وكم من مؤمل بلوغي حال دونه الأجل .
بلغ أيها المسلم إخوانك أن من بدل عهده مع الله ونقض غزله من بعد قوة وعاد إلى الغي والفتور فإن ذلك علامة الخسران ودليل الرد والحرمان : (( وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ)) (الحج: 18) .
نعمة سابغة ورحمة واسعة أن تخرج من رمضان مغفوراً لك فحافظ على تلك النعمة ولا تبدلها نقمة بالعودة إلى العصيان بعد خروج رمضان .
عهدتك يا مسلم حياً حييياً في شهر الصيام فخذ على نفسك العهد أن تبقى على عهد الحياة والحياء بعد شهر الصيام ، فعسى أن يكون هذا العهد توبة من الله عليك وتوفيقاً وذخراً لديك فإذا أبرمت ذلك العهد فإياك والنكث : (( فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ )) (الفتح: 10) .
واحذر أن تكون بنقض العهد ربع المنافق ((فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ )) (التوبة: 77) .
يا أيها المسلم إني قريب راحل بعد أن رأيت منكم وفاء وجاء فسلام الله على الموفين بالعهود ، ويا حسرة على أهل النكوص والعقود .
ثم خاطب المسلم إخوانه والدموع مدرارة والعبرات تسبق العبرات وقال : في نبرة حزن وألم .
وفي البكاء على الإخلال والدار واذكر لمن بات مدخل ومدجار
وإذا الدموع نحيبا وابك متأسفا عل فراق ليال ذات أنوار
على ليال لشهر الصوم ما جعلت إلا لتمحيص آثام وأوزار
يا لإثمي في البكاء زدني به كلفا واسمع غريب أحاديثي وأخباري
ما كان أحسننا والشمل مجتمع منا المصلي ومنا القانت القاري
وفي التراويح للراحات جامعة فيها المصابيح تزهو قبل أزهار
إن هي إلا أيام وتغرب شمس من شموسه الخيرات والبركات ، ويخبو نور من أنوار النفحات الربانية والعطايا الإلهية ، إن تلكم الأيام المعدودات من نفائس أيام المؤمنين ، جرت فيها أحاسيس حية ومشاعر صدقة ، أثمرتها معالي الهمم ومسابقة النفوس الدائبة فلا عجب أن نستهل العبرات وتشتد الحسرات أسفاً على فوات خير عظيم وسعات صافية راضية ما أجمل نهاره المنير بالذكر والتلاوة والمعروف ، وما أطيب لياليه العامرة بالقيام وحداء الصالحين وأنين التائبين .
تذكرت أياماً مضت ولياليا خلت فجرت من ذكرهن دموع
ألا هل لها يوماً من الدهر عون وهل إلى وقت الوصال رجوع
إن للطاعات فيه منافع وأثاراً في النفوس أغنت عن لذات الطعام وزينة الحياة ومكاسب الأموال ، ورب صلاة صادقة أو قراءة خاشعة أعقبت سروراً مضيئاً امتزج بالدم والعصب لا يضاهيه طيب المأكل ولا أفراح الحياة وملاذها ومفاخرها لأنها لا تدوم وإن دامت لم تخل من تنغيص ، وإذا انقضت أورثت غموماً وأحزاناً وشدائد قاسيات .
فالحياة الحقيقية والسعادة الدائمة والعزة الشامخة ، إنما هي في طاعة الله تعالى وعبادته ، عبادة سائقها الإخلاص ، وحكمها التذلل ومنهجها الإتباع ((مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) (النحل:97) .
إن ضيفنا المعظم قد عزم على الرحيم ، فالعين لفراقه تدمع والقلب يوجل ، وإنا لفراقك لمحزونون .
شهر رمضان: إنه الآن بين أيدينا وملء أسماعنا وأبصارنا وحديث منابرنا وزينة منائرنا وبضاعة أسواقنا ومادة موائدنا وحياة مساجدنا فكيف الحال بعد فراقه .
ياشهرنا الكريم : يا لحسن الفائرين الذين اغتنموك بأكمل وجه من صلاة وصيام وتهجد وقيام وصدقة وإحسان فنظر الله إليهم وهم يبتهلون بالدعاء إليه فغفر لهم .
ويا لخسارة المفرطين الذين لم يعرفوا ذلك الفضل فأمضوا وقتهم بالملهيات واشغلوا أنفسهم بحظوظ الدنيا ومضى عليهم الشهر بهذه الحال .
إن ضيفنا قد قرب رحيله فاختموه بخير ختام واستغفروا ربكم من كل خلل وتقصير قال الحسن أكثروا من الاستغفار فإنكم لا تدرون متى تنزل الرحمة .
وكان نبيكم يقول (( إن لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة ))
يا أيها العصاة ، وكذلك كلنا لا تقنطوا من رحمة الله بسوء أعمالكم وأحسنوا الظن بربكم وتوبوا إليه فإنه لا يهلك على الله هالك .
إن المحاسن التي جنتها النفوس المسلمة في رمضان ينبغي أن تكون طريقاً للزيادة والمضاعفة وسلماً للمجد والعلاء وليس التقاعس والانقلاب والنكوص على الأعقاب .
عاهد الله بالمحافظة على الطاعات ، وأنت في نهاية موسم الطاعات فقد كان نبيك صلى الله عليه وسلم يعاهد الله على الطاعة في كل ساعة قبيل الليل وأول النهار فيقول في سيد الاستغفار ( اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك )
أخي : وأنت على عتبات الوداع لشهر الله المعظم وتترقب ساعات ا لرحيل الحزينة فإني مذكرك وناصح لي و لك فاستمع إني عليك من المشفقين ولك من الناصحين
إن الشياطين يتزاحمون عند بوابة الخروج على فك القيود التي سلسلوا بها خلال الشهر المبارك ، فهل تمنحهم أخي فرصة للوصول إلى مآربهم أم تراك تتمسك بهذا الطهر الذي منحك الله إياه ، والأخير بالخيرية أمثالك أخرى وأقرب .
أخي : أيام العيد أيام بهجة وسرور ولحظات وفاء وصفاء وانشراح صدور وأوقات صلة وتزاور ، وهي أيام ذكر وطاعة وإذا كانت موسماً للترفيه والتسلية فإن الترفيه لا يعني الانفلات من الحدود الشرعية والتمرد على القيم الأخلاقية
العيد لهو بريء لكن لا يعني اختلاط الرجال بالنساء ولا المجاهرة بالغناء ولا يعني تضييع الصلوات وإتباع الشهوات ، فلنحذر مما يسخط الله ، ولنتجنب ما يغضبه ، وما يتنافى مع الغيرة والرجولة والمروءة وإنما نكمل الفرحة بطاعة الله : ((قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)) (يونس:58) .
نسأله تعالى أن يختم لنا رمضان بالعفو والغفران والنجاة من النيران والفوز بالجنان
وأن يتقبل منا صيامنا وقيامنا وسائر أعمالنا (( إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ))
الشيخ / أحمد بن عبد العزيز الشاوي