أبو عبود السنافي
04-07-06, 01:29 pm
[ من خلف القضبان دمع هطول ]
تصادم بين أفراح الدنيا وأحزانها ولد تكافئا بين مواقفها ، وتساو في المجابهة بينهما ساهم في استقرار داخل
نفسية الفرد ، لكن أنى لواقعة في حياة المرء تثقل همه وتنكد عيشه ، تحدث اضطرابا لا يتدراك في نفسيته التي
استقرت منذ زمن ، فويح لها من قارعة ، أو نازلة عظيمة هي كالمصيبة القارعة التي تقرع اطمئنان القلب
وتجعل الهذيان علامة يعرف بها صاحبه ، فتبا لها من نازلة .
هذه الحياة كالبحر لحظاته مزاجية ، ريح وركود ضوضاء وهدوء عواصف وسكون ، ولا يحمل البحر في صدره
وفاءا لصديق أو ودا لصاحب ، فما إن يسكن الليل ويركد الجو ويبدأ أصحاب السفينة بهناء النوم ورغده ، حتى
ينشط الجو بريحه وتجرف العواصف أولئك الأصحاب ، فلا بد من ارتداء أطواق النجاة قبل النوم داخل السفينة ،
فهذا هو البحر لا يعرف من رد الجميل إلا الغدر أو من صنع الإحسان إلا الخيانة ، وتلك هي الدنيا وضعها
كالبحر لا ترتكز في جريانها على استمرارية حال أبدا .
وفاجعتي التي أتحدث عنها واتتني على البحر في يوم عاصف بليل ،لم أكن أتقن السباحة أو العوم ن ولم أملك فيه
طوق نجاة يجعلني أطفو على سطح الماء .
رجل استحوذ جنبات قلبي ، فلم أعرف لي جدا سواه ، وكان هو أبي وجدي وحبيب قلبي ومهجة فؤادي ، أبوي
عثمان [ عثمان بن محمد الغنام ] _ رحمه الله تعالى _ اسم تسابقت صفحات التاريخ وتنافست لتملك له بصمة
بين سطورها ، فكان العدل أن طبع في كل صفحاته العتيدة ، بالذهب لامعا يبرق بين الكلمات ويزاحم حروفها .
[ عثمان بن محمد الغنام ] ، رجل بدأ حياته صغيرا بعد وفاة والده _ رحمه الله _في مدينة الأحساء ، يدرس
صباحا ويعمل في الليل جاهدا ويكد مرهقا ، ليؤمن سبل العيش لأمه العجوز _ رحمها الله وأخته ، ومن نباهته
وصفاء ذهنه حينما دخل المدرسة ، اختبره المدرسون فجاوزوه إلى الصف الثالث كما أذكر ، وأنهى السادس
الابتدائي فعمل مدرسا في نفس المدرسة قبل سبعين سنة ، فكان من بين زملائه وطلابه أسماءا لامعة حاليا
وشخصيات قيادية على مستوى دولي .
مرحلته الابتدائية رغم صغر سنه تخللها مواقف دلت جلها على نباهته ورقة قلبه وشجاعته .
ثم بعد ذلك انتقل إلى السلك العسكري وأصبح صاحب رتبة في الجيش ، وفي ذلك المعسكر الكل يحترمه ويقدره
القائد والضابط والعسكري ، بل الجميع في المعسكر الصغير والكبير يضرب له ألف حساب ، فالعثمان رحمه الله
لا يعرف كتمانا لحق أو سكوتا عنه ، فخواطر قلبه ظاهرة على طرف لسانه عليه رحمة الله تعالى .
وبعدها شغل منصب نائب مدير التعليم بعد أن انتقل إلى سلك المعارف بالمنطقة الشرقية ، فكان رجل التعليم
الأول بأخلاقه وأدبه وكفاحه ونضاله ، وسجل خلالها وخلال الفترة العسكرية ، أروع الصور والأمثلة في
اهتمامه بشؤون الآخرين وإيثاره الذي عم أبناء الشرقية .
وعاد إلى مدينة الأحساء رئيسا لبلديتها ، ليزيل ما ظهر من شوائب ويطهرها من أصحاب النفوس المريضة
المتسخة ، فعرفه كل أهل الأحساء وسكانها وقراها وضواحيها , لم يذكر اسمه على لسان أحد يعرفه إلا الثناء
طاغ على عباراته .
تقاعد من العمل الحكومي وجيبه خال من الأموال رغم مناصبه التي شغرها ، فلم يأكل أموال العسكر أو ميزانية
التعليم أو رشاوي البلدية ومنحها الأرضية ، بل خرج بذلك البيت الصغير بحي العدامة الذي قضي به مع أبناءه
حتى بعد زواجهم ، قبل أن يبني في مخطط ( 75 ) ، ولا أريد أن أذكر من حياته إلا ما عايشته بداية من مخطط ( 75 ) .
في طرف مدينة الدمام بذلك الحي الهادئ الساكن وإن عكر على جوه الحي الجار ، منزل أبوي عثمان _ رحمه
الله _ بيت ملؤه الطاعة ولهجه الذكر وصدى حديثه تلاوة القرآن الكريم ، ظاهر الصلاح عم أرجاءه ، ورضوان
الله تعالى أنار زواياه ، كل حجرة وضعت كبناء لذلك البيت تشهد بطاعة أهله ، وكل شجرة غرست بفناءه أثمرت
نقاء صدور ساكنيه ، مربع يحيط أربعة مبان ينيرهم المبني الأول المطل على شارع ( 42 ) بجانب مؤسسة
الشاطئ ، وما ذلك النور من أبواب المبنى أو أثاثه ، بل هو نور خرج من إيمان ذلك الشيخ [ أبوي عثمان ]
ليضيء الحي .
لكم أطرح جدول يومه . يقوم قبل أذان الفجر بساعة ونصف ليتوضأ ويقيم من الليل ما شاء الله له أن يقيم ، ثم
يخرج إلى المسجد ماشيا ويفتح الباب قبل المؤذن بعد أن حصل على نسخة للمفتاح ، ويصلي حتى يؤذن المؤذن
ويتلو كتاب الله تعالى إلى أن تقام الصلاة ، يعود إلى بيته ليأكل ما أعدت له العجوز أحسن الله ختامها من فطور ،
ويخرج إلى المزرعة ليتفقد أشجارها وثمارها وأنعامها ، ويرى أحوال العاملين والمزارعين بها ، فما إن يدخل
المزرعة حتى تتفتح أوراق الشجر باسمة بقدومه رحمه الله ، ويصطف مزارعيها فرحا بزيارته ، وقبل الظهر
يكون قد عاد إلى الدمام متوضئا في الصف الأول يتلو القرآن منتظرا إقامة الصلاة ، وبعد صلاة الظهر يكون
جالسا في صالة البيت مع عجوزه يتناولون وجبة الغداء مع ابنهم خالد قبل زواجه ، ويأخذ قيلولة يسيرة يطهر
بأنفاسه أجواء غرفته ، وبعد العصر يتجاذب أطراف الحديث مع ابنه فهد في المؤسسة حتى قبل المغرب ،ليستعد
للصلاة بالوضوء والسير قدما إلى المسجد ، ثم صلاة العشاء وبعدها تناول وجبته التي غبطت لقماتها حين تلامس
فمه ولسانه ، ويهنأ بنوم يتقوى به على طاعة تنتظره ليلا وهكذا .
عرف رحمه الله خذلان كاتم الحق فلم يكتمه ، لا أقول صاحب قلب رقيق ، بل والله إن الرقة تحمر خجلة منه
وتذوب في قلبه ، رأيته منذ الصغر يحمل الوفاء والشجاعة والكرم والرحمة وصلة الرحم ، حتى اعتقدت أن له
خمسة قلوب ، قلب للوفاء وثان للشجاعة وثالث للكرم ورابع للرحمة وخامس لصلة الرحم وهكذا ، لم تفارق
البسمة محياه / ولا الرحمة نظراته ، ولا الذكر لسانه ، كان قويا نشيطا حتى بعد كبر سنه .
اتصل في عيد رمضان قبل سنتين رجل لم يعرفه أبوي عثمان رحمه الله ، وقال أريد عثمان الغنام ، فكلمه أبوي
عثمان وقال يا عثمان أنا فلان بن فلان الشهراني هل عرفتني ؟ ، فقال لأ ، قال استلفت منك قبل عمر طويل
ونحن نعمل في الجيش مبلغا من المال ، فقال أبوي عثمان : سامحتك عليه ، فرد الرجل أما لم أتصل كي أرد
المال ، وإنما لأسلم عليك وأبارك لك العيد . فسبحان الله الوفاء لا يعود إلا لأصحابه .
ما إن يأتي العيد حتى يمتلأ بيته بالزوار والمباركين ، ليس طلبا لواسطة دنيوية فلا مصلحة منه في ذلك ، وإنما
كثرة المحبين والمقدرين ، صباح كل عيد أجلس بتلك الزاوية أقابله ، فيبدأ بطرح قصص وأحداث كم تلذذت
لسماعها ، فيها الفائدة والحكمة وأنواع المعرفة ، ويضيق صدري حينما يأتي ضيفا يقطع حديثي معه رحمه الله ،
وإن خرج الضيف أعود مسرعا إلى مكاني أستكمل معه دروس الحياة .
رجل عطسته حكم منثورة تنير لي الحياة ، وكحته درر أستنبط منها كيفية التعامل مع الواقع ، لأم أر نظرة الناس
له إلا ذلك المجرب في الحياة والموجه التربوي لأبناءه .
لم يتأخر عن تكبيرة إحرام إلا بعمل شغل به ، ولم يتغيب عن الجماعة إلا علم المصلون بمرض اعتراه ، دمعته
حاضرة في أبسط المشاعر ، وقلبه ألين على المبتلى من قلب الأم على وليدها ، حضوره ودعمه تجاوزا كل
المحافل ، ما إن تتلى آيات وعيد أو نعيم إلا ذرفت من عينيه دمعه ، ولا تذكر أخبار المنكوبين من المسلمين إلا
ارتسمت على وجهه حسرة ، كم ساهم في إتمام بناء الكثير من المساجد دون أن يعرف عنه أحد ، وكم علم بحال
أسر معسورة فيسر عليها ، كم كفل طلاب علم وعلماء في شتى بلاد المسلمين ومدارس علم ودور تحفيظ ، فيا لله
كم من الحسنات بنيت ؟!، وكم من الثواب جنيت ؟!.
كم غازيا في سبيل الله أعددت ، وعريسا في الجنان للحور جهزت ، ومجاهدا في سبيل الله لأهله خلفت وكفلت ،
جبهات القتال المحمود في كل بقعة تشهد بخيرك الموفور ، ودمعات أيتام المجاهدين لم تفارقها يدك الحنون ،
وأرامل الشهداء بعطائك الواصل أمددتها بالصون ، فلله درك من أب للأيتام واف ، ولله در قلبك الرءوف ويدك
الشريفة التي ربتت بالحنان على كتوف الأيتام ، ولله درك من جبل شامخ راس بأسس ومبادئ عظيمة ، فلست
والله إلا مدرسة جمعت كل المحامد على الأرض تسير .
[ يتبع غدا بإذن الله تعالى ] ...
تصادم بين أفراح الدنيا وأحزانها ولد تكافئا بين مواقفها ، وتساو في المجابهة بينهما ساهم في استقرار داخل
نفسية الفرد ، لكن أنى لواقعة في حياة المرء تثقل همه وتنكد عيشه ، تحدث اضطرابا لا يتدراك في نفسيته التي
استقرت منذ زمن ، فويح لها من قارعة ، أو نازلة عظيمة هي كالمصيبة القارعة التي تقرع اطمئنان القلب
وتجعل الهذيان علامة يعرف بها صاحبه ، فتبا لها من نازلة .
هذه الحياة كالبحر لحظاته مزاجية ، ريح وركود ضوضاء وهدوء عواصف وسكون ، ولا يحمل البحر في صدره
وفاءا لصديق أو ودا لصاحب ، فما إن يسكن الليل ويركد الجو ويبدأ أصحاب السفينة بهناء النوم ورغده ، حتى
ينشط الجو بريحه وتجرف العواصف أولئك الأصحاب ، فلا بد من ارتداء أطواق النجاة قبل النوم داخل السفينة ،
فهذا هو البحر لا يعرف من رد الجميل إلا الغدر أو من صنع الإحسان إلا الخيانة ، وتلك هي الدنيا وضعها
كالبحر لا ترتكز في جريانها على استمرارية حال أبدا .
وفاجعتي التي أتحدث عنها واتتني على البحر في يوم عاصف بليل ،لم أكن أتقن السباحة أو العوم ن ولم أملك فيه
طوق نجاة يجعلني أطفو على سطح الماء .
رجل استحوذ جنبات قلبي ، فلم أعرف لي جدا سواه ، وكان هو أبي وجدي وحبيب قلبي ومهجة فؤادي ، أبوي
عثمان [ عثمان بن محمد الغنام ] _ رحمه الله تعالى _ اسم تسابقت صفحات التاريخ وتنافست لتملك له بصمة
بين سطورها ، فكان العدل أن طبع في كل صفحاته العتيدة ، بالذهب لامعا يبرق بين الكلمات ويزاحم حروفها .
[ عثمان بن محمد الغنام ] ، رجل بدأ حياته صغيرا بعد وفاة والده _ رحمه الله _في مدينة الأحساء ، يدرس
صباحا ويعمل في الليل جاهدا ويكد مرهقا ، ليؤمن سبل العيش لأمه العجوز _ رحمها الله وأخته ، ومن نباهته
وصفاء ذهنه حينما دخل المدرسة ، اختبره المدرسون فجاوزوه إلى الصف الثالث كما أذكر ، وأنهى السادس
الابتدائي فعمل مدرسا في نفس المدرسة قبل سبعين سنة ، فكان من بين زملائه وطلابه أسماءا لامعة حاليا
وشخصيات قيادية على مستوى دولي .
مرحلته الابتدائية رغم صغر سنه تخللها مواقف دلت جلها على نباهته ورقة قلبه وشجاعته .
ثم بعد ذلك انتقل إلى السلك العسكري وأصبح صاحب رتبة في الجيش ، وفي ذلك المعسكر الكل يحترمه ويقدره
القائد والضابط والعسكري ، بل الجميع في المعسكر الصغير والكبير يضرب له ألف حساب ، فالعثمان رحمه الله
لا يعرف كتمانا لحق أو سكوتا عنه ، فخواطر قلبه ظاهرة على طرف لسانه عليه رحمة الله تعالى .
وبعدها شغل منصب نائب مدير التعليم بعد أن انتقل إلى سلك المعارف بالمنطقة الشرقية ، فكان رجل التعليم
الأول بأخلاقه وأدبه وكفاحه ونضاله ، وسجل خلالها وخلال الفترة العسكرية ، أروع الصور والأمثلة في
اهتمامه بشؤون الآخرين وإيثاره الذي عم أبناء الشرقية .
وعاد إلى مدينة الأحساء رئيسا لبلديتها ، ليزيل ما ظهر من شوائب ويطهرها من أصحاب النفوس المريضة
المتسخة ، فعرفه كل أهل الأحساء وسكانها وقراها وضواحيها , لم يذكر اسمه على لسان أحد يعرفه إلا الثناء
طاغ على عباراته .
تقاعد من العمل الحكومي وجيبه خال من الأموال رغم مناصبه التي شغرها ، فلم يأكل أموال العسكر أو ميزانية
التعليم أو رشاوي البلدية ومنحها الأرضية ، بل خرج بذلك البيت الصغير بحي العدامة الذي قضي به مع أبناءه
حتى بعد زواجهم ، قبل أن يبني في مخطط ( 75 ) ، ولا أريد أن أذكر من حياته إلا ما عايشته بداية من مخطط ( 75 ) .
في طرف مدينة الدمام بذلك الحي الهادئ الساكن وإن عكر على جوه الحي الجار ، منزل أبوي عثمان _ رحمه
الله _ بيت ملؤه الطاعة ولهجه الذكر وصدى حديثه تلاوة القرآن الكريم ، ظاهر الصلاح عم أرجاءه ، ورضوان
الله تعالى أنار زواياه ، كل حجرة وضعت كبناء لذلك البيت تشهد بطاعة أهله ، وكل شجرة غرست بفناءه أثمرت
نقاء صدور ساكنيه ، مربع يحيط أربعة مبان ينيرهم المبني الأول المطل على شارع ( 42 ) بجانب مؤسسة
الشاطئ ، وما ذلك النور من أبواب المبنى أو أثاثه ، بل هو نور خرج من إيمان ذلك الشيخ [ أبوي عثمان ]
ليضيء الحي .
لكم أطرح جدول يومه . يقوم قبل أذان الفجر بساعة ونصف ليتوضأ ويقيم من الليل ما شاء الله له أن يقيم ، ثم
يخرج إلى المسجد ماشيا ويفتح الباب قبل المؤذن بعد أن حصل على نسخة للمفتاح ، ويصلي حتى يؤذن المؤذن
ويتلو كتاب الله تعالى إلى أن تقام الصلاة ، يعود إلى بيته ليأكل ما أعدت له العجوز أحسن الله ختامها من فطور ،
ويخرج إلى المزرعة ليتفقد أشجارها وثمارها وأنعامها ، ويرى أحوال العاملين والمزارعين بها ، فما إن يدخل
المزرعة حتى تتفتح أوراق الشجر باسمة بقدومه رحمه الله ، ويصطف مزارعيها فرحا بزيارته ، وقبل الظهر
يكون قد عاد إلى الدمام متوضئا في الصف الأول يتلو القرآن منتظرا إقامة الصلاة ، وبعد صلاة الظهر يكون
جالسا في صالة البيت مع عجوزه يتناولون وجبة الغداء مع ابنهم خالد قبل زواجه ، ويأخذ قيلولة يسيرة يطهر
بأنفاسه أجواء غرفته ، وبعد العصر يتجاذب أطراف الحديث مع ابنه فهد في المؤسسة حتى قبل المغرب ،ليستعد
للصلاة بالوضوء والسير قدما إلى المسجد ، ثم صلاة العشاء وبعدها تناول وجبته التي غبطت لقماتها حين تلامس
فمه ولسانه ، ويهنأ بنوم يتقوى به على طاعة تنتظره ليلا وهكذا .
عرف رحمه الله خذلان كاتم الحق فلم يكتمه ، لا أقول صاحب قلب رقيق ، بل والله إن الرقة تحمر خجلة منه
وتذوب في قلبه ، رأيته منذ الصغر يحمل الوفاء والشجاعة والكرم والرحمة وصلة الرحم ، حتى اعتقدت أن له
خمسة قلوب ، قلب للوفاء وثان للشجاعة وثالث للكرم ورابع للرحمة وخامس لصلة الرحم وهكذا ، لم تفارق
البسمة محياه / ولا الرحمة نظراته ، ولا الذكر لسانه ، كان قويا نشيطا حتى بعد كبر سنه .
اتصل في عيد رمضان قبل سنتين رجل لم يعرفه أبوي عثمان رحمه الله ، وقال أريد عثمان الغنام ، فكلمه أبوي
عثمان وقال يا عثمان أنا فلان بن فلان الشهراني هل عرفتني ؟ ، فقال لأ ، قال استلفت منك قبل عمر طويل
ونحن نعمل في الجيش مبلغا من المال ، فقال أبوي عثمان : سامحتك عليه ، فرد الرجل أما لم أتصل كي أرد
المال ، وإنما لأسلم عليك وأبارك لك العيد . فسبحان الله الوفاء لا يعود إلا لأصحابه .
ما إن يأتي العيد حتى يمتلأ بيته بالزوار والمباركين ، ليس طلبا لواسطة دنيوية فلا مصلحة منه في ذلك ، وإنما
كثرة المحبين والمقدرين ، صباح كل عيد أجلس بتلك الزاوية أقابله ، فيبدأ بطرح قصص وأحداث كم تلذذت
لسماعها ، فيها الفائدة والحكمة وأنواع المعرفة ، ويضيق صدري حينما يأتي ضيفا يقطع حديثي معه رحمه الله ،
وإن خرج الضيف أعود مسرعا إلى مكاني أستكمل معه دروس الحياة .
رجل عطسته حكم منثورة تنير لي الحياة ، وكحته درر أستنبط منها كيفية التعامل مع الواقع ، لأم أر نظرة الناس
له إلا ذلك المجرب في الحياة والموجه التربوي لأبناءه .
لم يتأخر عن تكبيرة إحرام إلا بعمل شغل به ، ولم يتغيب عن الجماعة إلا علم المصلون بمرض اعتراه ، دمعته
حاضرة في أبسط المشاعر ، وقلبه ألين على المبتلى من قلب الأم على وليدها ، حضوره ودعمه تجاوزا كل
المحافل ، ما إن تتلى آيات وعيد أو نعيم إلا ذرفت من عينيه دمعه ، ولا تذكر أخبار المنكوبين من المسلمين إلا
ارتسمت على وجهه حسرة ، كم ساهم في إتمام بناء الكثير من المساجد دون أن يعرف عنه أحد ، وكم علم بحال
أسر معسورة فيسر عليها ، كم كفل طلاب علم وعلماء في شتى بلاد المسلمين ومدارس علم ودور تحفيظ ، فيا لله
كم من الحسنات بنيت ؟!، وكم من الثواب جنيت ؟!.
كم غازيا في سبيل الله أعددت ، وعريسا في الجنان للحور جهزت ، ومجاهدا في سبيل الله لأهله خلفت وكفلت ،
جبهات القتال المحمود في كل بقعة تشهد بخيرك الموفور ، ودمعات أيتام المجاهدين لم تفارقها يدك الحنون ،
وأرامل الشهداء بعطائك الواصل أمددتها بالصون ، فلله درك من أب للأيتام واف ، ولله در قلبك الرءوف ويدك
الشريفة التي ربتت بالحنان على كتوف الأيتام ، ولله درك من جبل شامخ راس بأسس ومبادئ عظيمة ، فلست
والله إلا مدرسة جمعت كل المحامد على الأرض تسير .
[ يتبع غدا بإذن الله تعالى ] ...