أبو عبود السنافي
11-06-06, 02:27 pm
عندما يبكي الرجال
غطى حاجباه على عينيه ولم يبقى في جلده موضعا لم يتجعد ، جسده الذي كان يضرب الأمثلة في الشدة والضخامة أصبح الآن يمشي راكعا من شدة إنحناء ظهره ، رقبته التي هيمن على استقامتها الحدب تحكي قصصا ومواقف حسمها لصالحه رأسا مرتفعا متطلعا لما فوق علياء السحب ، خطاه التي طالما تسارعت لتضع على الأرض خطوات وقعها في النفوس كوقع قدوم الفارس على جواد المضمار من شدتها ، أصبحت الآن وكل خطوة تبتهل إلى الله تعالى أن يعجل لها اللقاء بأختها .
الدهر حينما يطيل قبضته على الرجل لا بد أن يذيقه من قوارع أيامه وحوادثه ، وقائع تلو الوقائع تحمل في طياتها مر المذاق لمن يعيش سباقاتها ، فكيف له أن يجتاز كل محطات هذا السباق دون أن يذبل جسمه ويشيب رأسه ، أو يحدودب ظهره وتفتر أركانه .
تمر عليه أيام الدهر فيساهم كل يوم في إضعاف قوته وإنهاك شدته وبأسه ، حتى سأل اله تعالى أن يجري الدهر بدون أيام أو لحظات ، ولا يلام في طلبه المستحيل الخارج عن حدود العقل .
جلس جلسة العصرية التي اعتاد شرب القهوة فيها مع عجوزه قبل وفاتها ، بدأ يتجابر مع الشجر حوله والحجر ثم التفت إلى الريح تلعب بحبيبات الرمال وأوراق النبات ، رفع رأسه إلى السماء آملا في تجاوب النجوم اللامعة مع المجابرة .
مل هذا كله وبدأت ذاكرته تعود إلى زمن العزة التي عاشها لتجول فيه ، نعم فقد عاصر العصرين ، عصر عزة المسلم وكرامته وعلو همته وخلوها من تفاهات الأمور وسفاسفها الدنية ، عصر كان للسيف بريقه اللامع الذي ينير طريقين ، طريق ذخر وفخر للمسلمين وطريق رعب ورهبة للمشركين ، وللرمح هدفه الذي يقع عليه من قذفة مجاهد في سبيل الله ، وللسهام جباه نجسة تطهرها برمية مقاتل موحد في أرض المعركة .
والعصر الآخر الذي فيه نعترك ونتعاصر وفي فتنه وتفاهاته نخوض ونجابه ، فما أصعبها من مقارنة بين عصرين يجهد فيها العقل الواعي ، عاش العصر متأملا في مصائبه .
بدأ تفكيره في تخاذل شعوبنا العربية والإسلامية وحكامها نحو نصرة اخوانهم في فلسطين ، أبناء الحرام من القردة والخنازير مضوا في اغتصاب عذاريهم ونسائهم ، وقتل الشباب في عمر الزهور وبيوتهم طالتها أيدي الهدم ، وفي انتهاك حرمات الله عيانا جهارا تحت مظلة الحماية الأمريكية وساكنا لم يحركه هيجان قلب حي .
تحالف جميع قوى العروبة والإسلام والغرب الحبيبة بالحصار ضد حركة حماس بعد فوزها نكران سلطتها على مقاليد الحكم ومنع الدعم الخارجي حتى الصادرة من الشعوب ، فبدأ العبس بجانبي جبين شخينا كبير السن .
ثم طار به تفكيره إلى كشمير ومآسيها والهند ومسلميها ، حيث القتل والتشريد والطغيان القهري من قبل الهندوس والسيخ ، أنزل الله عليهم لعنة أبدية ،
وانتقل بتفكيره إلى أندونيسيا وما يلاقونه من تعذيب وقطع رقاب بأيدي النصارى هناك ، ثم السودان والجزائر والفلبين وأخيرا العراق الجريحة .
هذه المصائب والنوازل التي حلت بالعالم الإسلامي ، أقطار متفرقة أصابها ما أصابها من حوادث مهلكة زقوارع مميتة ، هي في نظرنا سيئة ، لكن ليست بتلك السوءة في نظر صاحبنا الشيخ ، أساءه أكثر إندماجنا بشهواتنا في الحرام وسكوتنا الذي طال عن قضمات تتوالى على قطعة عالمنا الإسلامي ، وبعد أن عبي الشيخ جبينه بدأ بإخراج تنهيدة كاتمة على صدره ، أظهرت كل معني الحزن والأسى لوضع أمتنا على وجهه مترجمة بكلة واحدة هي آ آ آ ه ه ه .
يقتل علماء الجهاد وقادته – أحمد ياسين – عبدالعزيز الرنتيسي – القائد البطل خطاب – الأسد الزؤور بحنحنة الكرامة أبو الوليد الغامدي – وغيرهم الكثير من أبطال أمتنا الغيورين .
تمنى ذلك الشيخ أن يعود بعمره إلى حيوية شبابه ونشاط أطرافه كي يسجل في التاريخ ما عجز تسجيله الشباب مفتولي العضلات في زمننا ، سيفه المركون في خزنة الأثريات ، ورمحه المعلق على جدران الديوان على مرأى الضيوف والزوار ، وسهامه التي أن منها الصدأ ومل ، كلهم يبكون فتوة هذا الشيخ قوته التي انتزعت منه ووهبت لشباب لا يقدرون أو يحسنون تسخيرها في الواجب الذي به رفع هامة الأمة المهانة .
ثم يأتي بارق الأخبار بصدق المنقول ليهتف لصاحبنا الشيخ خبر استشهاد القائد ابو مصعب الزرقاوي ، فيثقله هما على همه الذي أخرج تلك الآه ، فأراد أن يعبر عما بداخله بكلمات أبت الدموع أن تسبقها إلى خارج جسمه البالي ، فتسابقا وانفجر الوجه باكيا بدموع نزفت حمراء من جرح أمتنا الكسير .
آن للرجل كبير السن أن يظهر مرير البكاء أمام الطبيعة من حوله ، وليس يسيرا على قلب الرجل أن ترى دموع عينيه .
لكن شاء أم أبى ، هو عصر يقطنه جيل أبكى الرجال من قبله وسيستمر في إبكاء من بعده حتى يفيق من سكرته التي طالت .
همسة تفاؤل تتبع اليأسصاحبنا الشيخ : لا ملامة نلقيها عليك في بكائك ، فأنت من عاصرت العصرين ، المشرق النير والمظلم القاتم ،ونفس كنفسك محلقة في السحب تأبى مجالسة دنية النفوس ، لكن تفائل الخير تجده حتى في جيلنا المعاصر ، ألم يكن المجاهدون المرابطون في قمم الجبال الأفغانية وخضراء مرتفعات الشيشان ورطوبة شمس العراق وغيرها من الأقطار من جيلنا نحن المتخاذلون ؟؟!!! فتشويهنا بأفعالنا ليس قدحا في الجيل وإنما في قاطنيه .
فنور الفجر يبزغ من جوف ظلمة الليل ، وألف تفاؤل ننتظر قدومه عندما يبكي اليأس الرجال ...
[ عندما يبكي الرجال ]
غطى حاجباه على عينيه ولم يبقى في جلده موضعا لم يتجعد ، جسده الذي كان يضرب الأمثلة في الشدة والضخامة أصبح الآن يمشي راكعا من شدة إنحناء ظهره ، رقبته التي هيمن على استقامتها الحدب تحكي قصصا ومواقف حسمها لصالحه رأسا مرتفعا متطلعا لما فوق علياء السحب ، خطاه التي طالما تسارعت لتضع على الأرض خطوات وقعها في النفوس كوقع قدوم الفارس على جواد المضمار من شدتها ، أصبحت الآن وكل خطوة تبتهل إلى الله تعالى أن يعجل لها اللقاء بأختها .
الدهر حينما يطيل قبضته على الرجل لا بد أن يذيقه من قوارع أيامه وحوادثه ، وقائع تلو الوقائع تحمل في طياتها مر المذاق لمن يعيش سباقاتها ، فكيف له أن يجتاز كل محطات هذا السباق دون أن يذبل جسمه ويشيب رأسه ، أو يحدودب ظهره وتفتر أركانه .
تمر عليه أيام الدهر فيساهم كل يوم في إضعاف قوته وإنهاك شدته وبأسه ، حتى سأل اله تعالى أن يجري الدهر بدون أيام أو لحظات ، ولا يلام في طلبه المستحيل الخارج عن حدود العقل .
جلس جلسة العصرية التي اعتاد شرب القهوة فيها مع عجوزه قبل وفاتها ، بدأ يتجابر مع الشجر حوله والحجر ثم التفت إلى الريح تلعب بحبيبات الرمال وأوراق النبات ، رفع رأسه إلى السماء آملا في تجاوب النجوم اللامعة مع المجابرة .
مل هذا كله وبدأت ذاكرته تعود إلى زمن العزة التي عاشها لتجول فيه ، نعم فقد عاصر العصرين ، عصر عزة المسلم وكرامته وعلو همته وخلوها من تفاهات الأمور وسفاسفها الدنية ، عصر كان للسيف بريقه اللامع الذي ينير طريقين ، طريق ذخر وفخر للمسلمين وطريق رعب ورهبة للمشركين ، وللرمح هدفه الذي يقع عليه من قذفة مجاهد في سبيل الله ، وللسهام جباه نجسة تطهرها برمية مقاتل موحد في أرض المعركة .
والعصر الآخر الذي فيه نعترك ونتعاصر وفي فتنه وتفاهاته نخوض ونجابه ، فما أصعبها من مقارنة بين عصرين يجهد فيها العقل الواعي ، عاش العصر متأملا في مصائبه .
بدأ تفكيره في تخاذل شعوبنا العربية والإسلامية وحكامها نحو نصرة اخوانهم في فلسطين ، أبناء الحرام من القردة والخنازير مضوا في اغتصاب عذاريهم ونسائهم ، وقتل الشباب في عمر الزهور وبيوتهم طالتها أيدي الهدم ، وفي انتهاك حرمات الله عيانا جهارا تحت مظلة الحماية الأمريكية وساكنا لم يحركه هيجان قلب حي .
تحالف جميع قوى العروبة والإسلام والغرب الحبيبة بالحصار ضد حركة حماس بعد فوزها نكران سلطتها على مقاليد الحكم ومنع الدعم الخارجي حتى الصادرة من الشعوب ، فبدأ العبس بجانبي جبين شخينا كبير السن .
ثم طار به تفكيره إلى كشمير ومآسيها والهند ومسلميها ، حيث القتل والتشريد والطغيان القهري من قبل الهندوس والسيخ ، أنزل الله عليهم لعنة أبدية ،
وانتقل بتفكيره إلى أندونيسيا وما يلاقونه من تعذيب وقطع رقاب بأيدي النصارى هناك ، ثم السودان والجزائر والفلبين وأخيرا العراق الجريحة .
هذه المصائب والنوازل التي حلت بالعالم الإسلامي ، أقطار متفرقة أصابها ما أصابها من حوادث مهلكة زقوارع مميتة ، هي في نظرنا سيئة ، لكن ليست بتلك السوءة في نظر صاحبنا الشيخ ، أساءه أكثر إندماجنا بشهواتنا في الحرام وسكوتنا الذي طال عن قضمات تتوالى على قطعة عالمنا الإسلامي ، وبعد أن عبي الشيخ جبينه بدأ بإخراج تنهيدة كاتمة على صدره ، أظهرت كل معني الحزن والأسى لوضع أمتنا على وجهه مترجمة بكلة واحدة هي آ آ آ ه ه ه .
يقتل علماء الجهاد وقادته – أحمد ياسين – عبدالعزيز الرنتيسي – القائد البطل خطاب – الأسد الزؤور بحنحنة الكرامة أبو الوليد الغامدي – وغيرهم الكثير من أبطال أمتنا الغيورين .
تمنى ذلك الشيخ أن يعود بعمره إلى حيوية شبابه ونشاط أطرافه كي يسجل في التاريخ ما عجز تسجيله الشباب مفتولي العضلات في زمننا ، سيفه المركون في خزنة الأثريات ، ورمحه المعلق على جدران الديوان على مرأى الضيوف والزوار ، وسهامه التي أن منها الصدأ ومل ، كلهم يبكون فتوة هذا الشيخ قوته التي انتزعت منه ووهبت لشباب لا يقدرون أو يحسنون تسخيرها في الواجب الذي به رفع هامة الأمة المهانة .
ثم يأتي بارق الأخبار بصدق المنقول ليهتف لصاحبنا الشيخ خبر استشهاد القائد ابو مصعب الزرقاوي ، فيثقله هما على همه الذي أخرج تلك الآه ، فأراد أن يعبر عما بداخله بكلمات أبت الدموع أن تسبقها إلى خارج جسمه البالي ، فتسابقا وانفجر الوجه باكيا بدموع نزفت حمراء من جرح أمتنا الكسير .
آن للرجل كبير السن أن يظهر مرير البكاء أمام الطبيعة من حوله ، وليس يسيرا على قلب الرجل أن ترى دموع عينيه .
لكن شاء أم أبى ، هو عصر يقطنه جيل أبكى الرجال من قبله وسيستمر في إبكاء من بعده حتى يفيق من سكرته التي طالت .
همسة تفاؤل تتبع اليأسصاحبنا الشيخ : لا ملامة نلقيها عليك في بكائك ، فأنت من عاصرت العصرين ، المشرق النير والمظلم القاتم ،ونفس كنفسك محلقة في السحب تأبى مجالسة دنية النفوس ، لكن تفائل الخير تجده حتى في جيلنا المعاصر ، ألم يكن المجاهدون المرابطون في قمم الجبال الأفغانية وخضراء مرتفعات الشيشان ورطوبة شمس العراق وغيرها من الأقطار من جيلنا نحن المتخاذلون ؟؟!!! فتشويهنا بأفعالنا ليس قدحا في الجيل وإنما في قاطنيه .
فنور الفجر يبزغ من جوف ظلمة الليل ، وألف تفاؤل ننتظر قدومه عندما يبكي اليأس الرجال ...
[ عندما يبكي الرجال ]