المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كأس العالم والتشفير المسيّس ..!


روح التميمي
30-05-06, 07:19 pm
بعد أقل من شهر ستنطلق أقوى وأمتع البطولات العالمية في كرة القدم .. إنها كأس العالم وكفى ! حدث ننتظره بشوق بالغ كل أربع سنوات لنمتع العين والروح بفنون الأقوياء .. كأس العالم ! يال كأس العالم ! لكن وكما تقول العامة (كل درةٍ عنده شاذوب) .. والشاذوب هنا هي الشركة المحتكرة وهي سلسلة القنوات التي أوجدت كما يزعم صاحبها لخدمة الإسلام والمسلمين , ولتحفظ شباب العرب من (هباب) القنوات الأخرى !! .. إنها مغتالة الأحلام التي فطن القائمون عليها بحسهم التجاري الذي يصهر الحجر ليتحول إلى ذهب (ماشاء الله لا قوة إلا بالله) منذ ما قبل المسابقة الأخيرة إلى أن الكرة العالمية تبيض الملايين فتحولت بحرفنة التجار إلى كأس العالم .. واستطاعت أن تحصل على حقوق توزيعها الحصري على منطقة الشرق الأوسط التي لا يعنيها منه ببقاعه المترامية سوى المنطقة التي يحدها الخليج العربي شرقا والبحر الأحمر غربا , وهي المنطقة التي تعز أسواق دول الجوار وتذلها .. فألقت بثقلها ـ وهي ثقيلة ـ واشتغلت على تحقيق الهدف سياسيا أولا ثم إعلاميا ثانيا ليصفو لها الجو الاقتصادي , فتحقق لها ما تريد وصفا لها الجو وامتلأت خزائنها بدراهم الحاقدين الصارّين على أسنانهم غيظا وقهرا , أولئك الذين دفعوا بالتي هي أحسن , على طريقة (جاز لك والا مهوب لازم تشوف كورة !) وكأن المشاهدة مقصورة على الأغنياء ..!
لست ضد التشفير .. ولست ضد تقديم الخدمات الرياضية بطريقة تجارية , فالزمن تغير , ولم تعد الخدمات مجانية .. وإن كنت لا أتصور أن دولة تشارك في كأس العالم لا تستطيع أن تشاهد منتخبها وهو يلعب في المونديال .. ولعل الفشل الذريع الذي أصاب الكرة السعودية المسابقة الأخيرة كان بسبب دعوات الجماهير التي حُرمت حقوقها ! يجب أن تُسجل هذه الواقعة في موسوعة (غينيس) ! السعودية تلعب في كأس العالم والجماهير لا تستطيع المشاهدة ! وتلجأ إلى دولة مثل أريتيريا(الغنية!!) لتشاهد منتخبها والألمان يتدربون على إتخام شباكه بالأهداف و لا حول ولا قوة إلا بالله ! كل الدول العربية شاهدت كأس العالم ما عدا الدولة التي كان منتخبها الوحيد الذي يمثلها (لست متأكدا) , واقع تتفجر خلايا المخ لمجرد التفكير في حدوثه .. والسبب ؟ السبب معروف طبعا إنه أسلوب الجهة المحتكرة المنظم والمغطى بسياسة شرعية على الورق طبعا , لكنها مقبولة قانونيا . كيف تم ذلك ؟ تم كما يلي : طرحت الجهة المحتكرة البطولة للبيع فباعتها لجميع الدول , ما عدا دولة واحدة كانت قد عقدت العزم والرغبة المبيّتة على عدم بيعها لها وهي السعودية , ولكن ولأنها لا تستطيع أن تقول لها (معليش .. مهيب للبيع) اشترطت مبلغا خياليا وهي تعلم أنها لا تستطيع دفع ربعه . ولذلك لم تشاهد الجماهير كأس العالم 2002 , لماذا لجأت الجهة المحتكرة إلى هذا الأسلوب ؟ الجواب لتجبر الملايين هنا على الدفع بالتي هي أحسن وقد دفعوا ..! هذا التصرف يُصنف في كثير من الدول الأخرى على أنه خيانة وطنية ! والدليل على أن الهدف كان عدم البيع للتلفزيون السعودي أن السعر الذي طُلب دفعه كان أعلى مما طُلب من عدة دول مجتمعة ! والدليل الأعظم أن مصر مُنحت مشاهدة مجانية ! تذكروا أن الجهة المحتكرة سعودية ! لماذا مُنحت مصر هذه المكرمة ؟ الجواب المعلن هو المساعدة الاقتصادية , والجواب الذي نتوقع أنه مخفي هو الخوف من سطوة السلطة الرابعة في مصر , ومن غضبة الجماهير هناك وهي غضبة تدمر كل شيء أتت عليه ! لقد شعرنا وقتها بالهزيمة الوطنية والنفسية وما أشد إيلامهما ! كنا نتوارى من الإخوة العرب من سوء ما عوملنا به !
الجهة الرسمية في ذلك الوقت وقفت وقفة مخيبة للآمال , ظلت مكتوفة الأيدي حتى جاءت مكرمة الشيخ صالح كامل بنقل مباريات المنتخب على الأرضية فقط وربما تم ذلك بضغط سياسي ! وهي ثلاث مباريات كانت نتائجها مؤلمة .
كأس العالم مناسبة دولية يجب أن يشاهدها الجميع , وقصر المشاهدة على مباريات المنتخب الوطني يعني العزلة .. سندفع من أجل المشاهدة ولكن ليس بتلك الصورة الابتزازية من خلال رفع الأسعار التي تضمن تحقق أرباح خيالية للجهة المحتكرة , تذكروا أن أسعار البيع تغطي مبالغ الشراء ومعها الأرباح , هذا خلاف الاشتراكات والإعلانات .
إن سياسة عزل المنتخب عن الجماهير سياسة مدمرة , تضعف العلاقة بين الطرفين , الجماهير هي روح المنتخب وعزل الروح عن الجسد وفاة ! إن الاستمرار على انتهاج هذا الأسلوب له آثار مدمرة كما ذكرت على المدى البعيد .. لا بد من علاج المسألة بأسلوب لا يضر الطرفين البائع والمشتري , ويجب ألا يُترك تحديد للأسعار بيد البائع , لأنه تاجر والتاجر لا يوقفه رقم مادام يتصرف بحرية في ذلك .. صحيح أن حقوق النقل بيعت من قبل (فيفا) لكن ذلك لا يعني أن الكرة والرياضة الوطنية ملك للبائع والمشتري فقط .. إن الجماهير لها حقوق والمنتخب منتخبها فلم غُيّبت عند اقتسام الغنائم ؟
لقد أحس خادم الحرمين الشريفين حفظه بحسه الوطني بما يعانيه المواطنون من إحباط فأمر وفقه الله بنقل مباريات المنتخب , وهذه فضيلة تُضم إلى فضائله المتلاحقة .. لكن المشكلة تبقى قائمة فيما يتعلق ببقية المباريات .. الدولة ليست معنية بدفع المبالغ التعجيزية الطائلة للبائع الجشع , لذلك لا بد من رفع الأمر إلى الـ(فيفا) بقوة , ليكون الحل من هناك .. الاقتصاد في بلدنا مفتوح , والتجار هنا يلعبون ويتمرغون في نعيم الانفتاح , ولا يدفعون الضرائب كما تدفعها الشركات والمؤسسات في الدول الأخرى ! ومع ذلك لا يقدمون ما تقدمه الشركات من خدمات للمجتمع زيادة على دفع الضرائب , وإن قدموا فبمنة يتبعها أذى ! لا حول ولا قوة إلا بالله . ستظل كأس العالم هما تعاني منه الدولة والجماهير , وتتقلب في نعيمه القنوات التجارية .. وستزداد الضغوط ويتعالى الاحتقان كلما كان المنتخب مشاركا في البطولة .