المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بداية العظماء


أبو عبود السنافي
06-05-06, 01:51 pm
بداية العظماء
بدؤوا أجنة في بطون أمهاتهم ، ثم خرجوا من ظلمات ذلك الرحم ليستقبلوا نور الواقع المر .
كبروا وازداد نموهم ولعقوا الصبر كي يبلغوا قمم جبال المجد .
ادلهمت بهم مصائب الحياة وقوارعها ، وعصفت بهم حوادث الدنيا ووقائعها ، فخاضوا في
هذه الدنيا ميادين وجبهات ، وجالوا في هذه الحياة وصالوا سباقات لا ينتصر فيها إلا امرؤ
مغبرة هامته مثبت جدارته .
المنتصر في هذه الميادين التي ذكرت وتلك الجبهات ، يتوج بتاج يصعب على المرء بلوغه
فلن يتوجه إلا المؤمن الموقن والراضي بقضاء الله وقدره ، إنه [ تاج الصبر ] ، وأي شرف
يناله المؤمن حين يبلغ ذلك التاج ؟! ، ولولا شرف ذلك التاج وصعوبة نيله لما اختص الله
سبحانه وتعالى من جملة الأنبياء والرسل صفوة بسيطة لا تتجاوز الخمسة وأطلق عليهم كما
في الآية [ أولوا العزم ] .
ولو لاحظ صاحب البديهة الواعية قصة كل نبي من الخمسة لاستنبط أن الصبر في المحن
والإتقاء من علقمها بالرجوع إلى الله تعالى والإبتهال له سبحانه يولد عظمة في شأن المرء
توصله إلى قمم جبال المجد التي تطرقتها في استهلالي ، وتسطر اسمه في صفحات التاريخ
بماء الذهب ، بل يزاحم اسمه أسماءا مجدها المؤرخون بأعمالهم وبنت دولا وامبراطوريات
أو قضت على مثيلاتها .
فنوح عليه السلام التحف السماء وافترش التراب 950 عاما يدعوا قومه إلى التوحيد وإلى
إقامة شرع الله ولم يؤمن منهم إلا 12 وقيل 9 ، بل زاد همه هما أن كفر ابنه ولم يتبعه إلى
ما نبأه الله تعالى به .
وإبراهيم عليه السلام قاوم قومه وجاهدهم لينضموا لقوافل الموحدين ، لكنهم أبوا واستعلوا
واستكبروا إلا أن يضلوا بشركهم في عبادة الأصنام وكان أشدهم عنادا والده ، حتى ألقوه
في النار فأنجاه الله تعالى منها بعد أن أمرها أن تبرد بردا لا يضره ، وبعد أن ذاق الصعاب
والعدوان لمع اسمه في التاريخ بل في القرآن الكريم قبل التاريخ .
ثم موسى عليه السلام كيف ولد في السنة التي يقتل فيها الأطفال ، وتتحمل أمه فراقه بعد أن
ألقته في اليم بأمر ربها حتى وصل إلى قصر فرعون وعاش في أحضانه وأحضان زوجته ، سبحان الله أنظر أخي الكريم إلى تقدير الله سبحانه كيف سير المقادير وجعل النبي الذي بعث
إلى طاغوت ذلك الزمان وقدر له أن يعيش في قصره وتحت حمايته ، حتى يأتي ذلك اليوم
يصبح فيه الحامي عدوا لدودا للمحمي ، يهيم موسى عليه السلام في الأرض سنينا طوال
هربا من فرعون الطاغية بعد أن نصر المؤمن الذي استنصره على الكافر وقتله ، وهكذا لعق
المر وامتصه من غير تلذذ حتى فتح الله عليه حين اتبعه بنو إسرائيل وآمن السحرة يوم الزينة
أجمعين ،وكان القرآن قد تحدث بالقصة في عدة مواضع .
وعيسى عليه السلام يولد من غير أب وتعيش أمه هما يشيب سواد الرأس ، فكيف تقنع قومها
بسلامة شرفها وعرضها ؟!! وأتت قاصمة الظهر باتهامها والتشكيك فيها كما توقعت ، حتى
أنطقه الله تعالى وهو في المهد بتبرئة أمه الطاهرة الشريفة ، أخبرهم وهو رضيعا بمهده أنه
مرسول من رب العالمين يدعو إلى التوحيد وإلى صراط مستقيم ويبشر برسول من بعده
كريم ، فبدأ قومه بالكيد وتكريس عدائهم له مذ كان صغيرا ، فكبر وازداد غيظهم له حتى
جمعوا الجمع وأجمعوا على قتله عليه السلام وأوهموا أنهم قتلوه صلبا ، وما قتلوه وما صلبوه
ولكن خيل لهم بل رفعه الله إليه ، والقرآن الكريم يحكي ذلك ، ولا يزال اسمه عليه السلام
عظيما في القرآن وخالدا في صفحات التاريخ العطرة .
وآخرهم المصطفى الحبيب صلى الله عليه وسلم ، فأي حقبة من حياته أتناول ؟! وأي قطعة
من تاريخه أوصف ؟! ، فكل حقبات تاريخه الطاهر صعاب وعقبات وامتحانات وابتلاءات ،
ولم نر من مواجهته عليه الصلاة والسلام لتلك المواقف الحرجة إلا أمثل الصور وأروع
الأمثلة في إيمانه الخالص بقضاء الله وقدره ، ويقينه الجازم الذي لا يشوبه أدنى شك في قدرته
سبحانه بإنجاز وعده ونصره له عليه الصلاة والسلام .
نشأ يتيم الأب ثم عاش يسيرا فماتت أمه فأصبح يتيم الأبوين ، رعى غنم القوم وكانت حال كل
نبي ، بدأ همه اكبر حين بعث إلى قومه ، فكانت هذه الأمانة كالحلقة العالقة في رقبته إذ أنها
أمانة أداؤها صعب المهام ، بدأ في تبليغ رسالته سرا ثم نطق بها جهرا ولاقى التكذيب والتنكير
والكفر والهجران والصد والجحود .
اتهموه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم بالسحر والشعوذة والشعر والجنون ، وما زاده اتهامهم
ومضايقاتهم واضطهادهم لأصحابه رضوان الله عليهم واستهزائهم بدين الإسلام وسخريتهم
بالقرآن الكريم كلام رب العالمين إلا إيمانا على إيمانه وتثبيتا لخطواته عليه الصلاة والسلام
على الطريق في تبليغ الرسالة وتأدية الأمانة ، ذهب بعد أن جهر بالدعوة إلى الطائف رغبة
في اتباع رسالته ونصرة دينه ، فوجد منهم الطرد والمطاردة والعنف والرجم بالحجارة حتى
وصل خارج ضواحيها ، عاش حياته رابطا بطنه بالحجر تصبيرا على الجوع يمر الزمن من
الدهر ولا يوقد في بيته نار ، أعظم ما يسد به جوعه إن وجد التمر والماء وهو رسول الأمة
والقائد الأعلى لجميع المسلمين في كل بقاع موحده .
شاطر ذلك العناء من هدى الله به البشرية وأخرج به الناس من ظلمات الجاهلية إلى نور
الإسلام فلمع اسمه بل نزل به قرآنا يتلى إلى يوم الدين .
صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين ، وصحابته الكرام المخلصين ومن اهتدى بهديهم
وانتهج نهجهم وسار على طريقهم إلى يوم البعث المشهود .
وتستمر سلسلة أولئك العظماء بعد الأنبياء والرسل ، فالصحابة أيضا كلهم عظماء فكل له
قصة وصوله إلى درجته التي وصلها ، ثم السلف الصالح فلولا المر ولعقه والعناء ومصاحبته
لما عرفنا أبابكر وعمر وعثمان وعلي وخالد وابن العوام رضوان الله عليهم أجمعين ، ولما
عرفنا ابن حنبل وابن تيمية وابن القيم والبخاري ومسلم والشافعي والإمام مالك وابن المبارك
وسماحة الوالد الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ والوالد عبدالعزيز بن بـاز وابن عثيـمـين
والألباني القائد خطاب والقائد أبو الوليد رحمهم الله تعالى أجمعين .
أحبتي الكرام أولئك العظماء ، لمعان أسماءهم وعظمة شخصياتهم وهيبة إطلالاتهم ، لم تكن
وليدة يوم ولا نتاج لحظة ، بل هو حصاد ما أجهد من سنين وعقود ، حفروا لبذورهم وزرعوا
حرثهم وساووا أرضية احتوت حبوبهم ، ثم ذاقوا الويلات وامتصوا مرارة الصبر وعاشوا
هموم وغموم نغصت عليهم هناء ورخاء الحفاظ على تلك البذور ، حتى جاء اليوم الـذي
يحصدون فيه عناءهم وبذلهم وتحملهم مشاق أعمارهم .

فأولئك هم العظماء .

أحبتي الأفاضل ، أود منكم عصر ذهونكم وحك عقولـكم ، لـيلخص كـل من اسـتطاع مـن
حضراتكم ، كيف الوصول إلى العظمة .
وذلك طمعا في النفع والفائدة .

ودمتم ...

إيماض البرق
06-05-06, 04:11 pm
بالأنظمام الى أولئك العظماء

لاينال إلا

بالأيمان والصبر ثم الصبر ثم الصبر والاحتساب

الف شكر ابو عبود السنافي
وطرح مميز

أبو عبود السنافي
07-05-06, 10:10 pm
بالأنظمام الى أولئك العظماء

لاينال إلا

بالأيمان والصبر ثم الصبر ثم الصبر والاحتساب

الف شكر ابو عبود السنافي
وطرح مميز



إطلالتك البهية لموضوعي زاده جمالا ورونقة

فبوركت على مرورك المبارك ...

ابو-زياد
08-05-06, 02:37 am
جزاك الله خير

مرأه من الشرق
08-05-06, 03:16 am
[ تاج الصبر ]

طرح اكثر من راائع....

الرمادي
08-05-06, 02:32 pm
بالهمه نصل القمة


الف شكر اخي لطرحك الرائع


تقبل تحياتي ,,,

امرؤ القيس
08-05-06, 03:04 pm
جميل ماسطرته

والعظمة لا تتأتى الا بالعمل الجاد واعطاء الآخرين قدرهم واحترام الذات

فالحقير هو ذلك الذي يعلو بنفسه كالدخان يعلو في السماء وهو وضيع ! او كالذي ينظر الناس من فوق جبل يراهم صغارا ويرونه صغيرا 00

فليست العظمة بالمركز او الجاه او غيره انما العظمة بسلاح العلم والاخلاق والفضيلة 0


تحية لك على هذا الموضوع الجميل