الدرر السنية
03-01-06, 03:53 am
الأخ الكريم حفظه الله تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
فأرغب إليك أخي الكريم نشرهذا التعليق وهو عبارة عن رد على مقال كتبه الأمير تركي بن بندر وتهجم فيه على الهيئة .
وقد أذنت لك أن تختار عنوان الموضوع
شاكرا لك ماتقوم به وجزاك الله خيرا
أخوك سليمان بن أحمدبن عبدالعزيز الدويش
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده وبعد
فقد اطلعت على كلام منسوب للأمير تركي بن بندر رئيس مجلس إدارة مجموعة حفيد الجدين
تحت عنوان (عمل الحسبة.. والخروج عن الغايات والأهداف ) وهو مقال طويل حاول فيه الأمير إظهار النصيحة والغيرة على المجتمع وحقوقه وقد ساق فيه ما يراه شواهد لاتقبل الجدل ولا المنازعة حيث أورد نقولا عن صحف سيارة تبنت نشر قضايا اتهمت فيها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وطالب في مقاله ذلك بضرورة المحاسبة للمخطىء والمقصر دون تهاون حتى لايساء إلى المجتمع المسلم والدولة المسلمة في نظره .
والحقيقة أن هذا المقال المشار إليه مستغرب على رجل في مثل هذه المنزلة وتلك المكانة بحسب ما أسمعه عنه ولست ممن يعرفه أو سبق له مقابلته .
ووجه الغرابة في هذا الموضوع من أمور :
الأمر الأول : أنه اعتمد في رواياته على صحف معروفة بالكذب والتدليس وقد كذبت على الله جل جلاله قبل خلقه وهي خصم لهذا الجهاز العظيم ولكل فضيلة فكيف تصح مصدرا موثقا تبنى عليه المعلومة , ولو أن كل صحيفة أو قناة أو موقعا انترنتيا ذكر حادثة أو نقل قصة صدقناه فيها للزمنا أن نصدِّق في الأمير وغيرة من أبناء الأسرة ماتكتبه عنهم جريدة عرب نيوز وغيرها وما ينشره المعادون لهم في الخارج ولكان ما يقوله هيكل وقناة الجزيرة والصحف القطرية وسعد الفقيه عن المؤسس طيب الله ثراه وغيره صحيحا لأنه صدر من وسيلة إعلامية.
إن تلك الوسائل الإعلامية التي خالفت أبسط السياسات الإعلامية لايستغرب عليها أن تكتب عن الهيئات وتضخم الوقائع كما أنها في الوقت نفسه تنسب الجهود الجبارة التي يقوم بها رجال الهيئة لجهات أمنية أخرى غير الهيئة محاولة منها في تهميش دور الهيئة .
الأمر الثاني : أنه لم يكلف نفسه الأخذ من مصدر مسؤول في الهيئة بل اكتفى بتلك النقول وكأنها من المسلمات والثوابت وهذا ليس من العدل والإتصاف وقد جاء في هذا ( إذا جاءك الرجل وقد ذهبت عينه فلا تحكم له حتى ترى الآخر فربما جاء وعيناه مفقوأتان ) .
الأمر الثالث : أنه تكلم في شيء ينبغي على مثله أن يرجع فيه إلى ذوي العلم والاختصاص حتى لاينكشف جهله وهذا ظاهر من مقارنته ما يفعله رجال الهيئة مع مافعله النبي صلى الله عليه وسلم مع الغامدية رضي الله عنها جاهلا أن الغامدية رضي الله عنها جاءت تائبة معترفة تطلب التطهير وهو ما يختلف تماما مع من تضبطه الهيئة بجريمته لم يقلع عنها بل هو متلبس بها .
وكيف سيصنع بهذا الحديث (أن رجلا من الأعراب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس فقال يا رسول الله اقض بكتاب الله فقام خصمه فقال صدق اقض له يا رسول الله بكتاب الله إن ابني كان عسيفا على هذا فزنى بامرأته فأخبروني أن على ابني الرجم فافتديت بمائة من الغنم ووليدة ثم سألت أهل العلم فزعموا أن ما على ابني جلد مائة وتغريب عام فقال والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله أما الغنم والوليدة فرد عليك وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام وأما أنت يا أنيس فاغد على امرأة هذا فارجمها فغدا أنيس فرجمها ) وهذا لفظ البخاري وهو مخرج في في الصحيحين وغيرهما ؟.
الأمر الرابع : مقارنته لما يتحدث به الناس عن الهيئة وما شاهده العالم من وقفة الناس في بلادنا مع إخوانهم في باكستان وغيرها .والحقيقة أن هذا المثال يكشف بساطة في التفكير و الطرح لو كان قائله غير الأمير تركي فكيف والقائل هو الأمير؟
إذْ كيف تصحُّ المقارنة هنا بين الجوانب الإنسانية التي يشترك فيها كل الناس مسلمهم وكافرهم وبرهم وفاجرهم وبين جوانب تتعلق في أخطاء سلوكية قوبلت بردع وتصحيح.
إن من تحدث عنهم الأمير في دعمهم للمناطق المنكوبة هم من ستراهم جنبا إلى جنب فيما لو انقلبت سيارة رجال الهيئة وأصيب طاقمها بإصابات بالغة .
نعم أؤلئك الذين وقفوا مع باكستان في محنتها سيقفون مع من يئن جريحا من أثر الحادث .
وإن كان الأمير سينزل لمثل هذه المقارنات السطحية فلنا أن نذكره بحوادث عايشها الناس وعليه أن يعرف أن مقياسه في تقدير الأمور أصابه الإجحاف والتعجل .
هل نسي سموه ما تعرض له بعض رجال الهيئة من حوادث اعتداء ألزمت بعضهم السرير وكيف غصت المستشفيات بالزوار من كل شرائح المجتمع حتى إن بعض ذويهم لم يجدوا فرصة لزيارتهم؟ .
ألم يشاهد كيف اسودت الدنيا بأهلها وانقلبت أحزانا على فقد بعض رجال الهيئة غدرا وظلما من قبل بعض المفسدين وكيف كانت جموع المصلين والمشيعين والمعزِّين؟.
وعلى منطق الأمير ومفهومه فيلزمه أن ينسب جلَّ أفراد المجتمع للسفه والانحطاط لأن من اتصل على ستار أكاديمي من السعودية فاق السبعة ملايين فهل سيقول بأن الغالبية كانت مؤيدة لذلك الفجور الذي في ستار أكاديمي؟.
الأمر الخامس : محاولته الضعيفة في استعداء الدولة على الهيئة وتصوير الهيئة بأنها سلطة خارج القانون والمحاسبة وذلك في قوله (من هنا أستغرب محاولة الالتفاف، وخلق نوع من الازدواجية في الدولة وقوانينها فالحملات التكفيرية الشرسة، والهجوم والويل والثبور لمن يقف ويصرخ حرصا وخوفا وإخلاصا وغيرة على دينه كما هو دين أولئك الآمرين بالمعروف حين يقال لهم : لماذا الخطأ؟ ولماذا التكرار في حدوث نفس حالات التجاوز أو التقصير التي أساءت لديننا؟ من المسئول عن تلك الأخطاء وتحمل تكرارها؟ ولماذا لا تشكل لجنة مختصة يحاكم ويحاسب ويعاقب إذا ثبت خطأ أو تقصير أو إهمال منسوبي الهيئة كما ان هذا الشيء مطبق على بقية المسلمين من أبناء الدولة وموظفيها الآخرين ؟ لماذا موظفي الهيئة يرفضون المحاسبة والعقاب ويربطون بين من يطالب بتطبيق ذلك عليهم بالتعدي على الدين، وعلى الله، والرسول صلى الله عليه وسلم، ويكيلون له شتى أنواع التهم ؟ أين أصحاب الرأي، والحكمة،والعقل الراجح من كبار علماءنا للتدخل والتصحيح لإيقاف أفعال تشويهية لصورة الإسلام؟ )
ونحن نقول للأمير وغيره الخطأ مرفوض منهم ومن غيرهم ونحن لا نقره ولا نرضاه ألبته ولكننا في الوقت الذي يرفض فيه الأمير مايسميه بالازدواجية فإننا نرفض منه ازدواجية المعايير
كقوله والسؤال الذي يفرض نفسه علينا هل وصلت العبثية، والفوضى، والتعدي على الآخرين بالاعتداء عليهم حتى وإن كانوا متلبسين وبالجرم المشهود إلى هذا الحد؟ أليس المتهم والمدان لهم حقوق لدى أقسام الشرطة سعت وزارة الداخلية لسنها وتثبيتها لدى كافة الجهات المعنية؟ أليس في هذا التصرف ضرب الحائط بكافة أعراف وقوانين الدولة لا بل حتى قوانين الله وتعاليم دينه وما أنزل في سنة نبيه التي أساؤوا لها بهذا التصرف المشين ؟ أليس المتهم بريء حتى تثبت إدانته )
وهل يستطيع الأمير أن يثبت أن تلك الأقسام نفذت هذه التعليمات بحذافيرها؟ وماذا سيقول عن ممارسات بعض الجهات الأمنية أثناء المداهمة والقبض والتفتيش؟ بل ماذا سيقول عن تسلط بعض أمراء المناطق وسجنهم لأشخاص مددا مخالفة للائحة الإيقاف لأتفه الأسباب؟ وماذا وماذا وماذا أسئلة كثيرة تحتاج إلى جواب وأجوبة.
وأي عبثية تلك التي أقلقت سموه فتنادى لها وأجلب عليها ؟ أين هو من عبثية وزارة الأعلام في أخلاق المجتمع وعقائده؟ بل أين هو من عبثية العلمانيين واللبراليين بثوابت الأمة ومسلماتها؟ بل أين هو من عبثية الفجار بالقرآن العزيز وبالذات المقدسة؟.
في وقت ينادي فيه ويصرخ بأعلى صوته وكأن حمى الإسلام قد أتي من قبل الهيئة .
أما سمع أعداءَ الفضيلة وقرأ لهم وشاهدهم في وسائل إعلامنا وهم ينادون بنقض عرى الإسلام عروة عروة؟
هل حُلت حياتنا من جميع المشكلات ولم يبق ما يسيء إلى ديننا إلا تصرف من رجل هيئة لولا فساد الإعلام وتحامله عليه لما علم به أحد.
إنني أعجب حين يتباكى كثير من الناس على الإسلام وحماه إذا تحدث عن الهيئة وينخرس لسانه وينعقد إذا كان الحديث عن الإعلام ووسائله التي لم تبقِ من الإسلام إلا اسمه ولامن المصحف إلا رسمه في كثير من أمورها.
أين الغيرة على الإسلام من تشويه سمعته من تصرفات ذوي الثراء في بلاد العهر وكيف يعاقرون الخمور ويمارسون الرذيلة ويقلبون الدنيا في تلك البلاد رأسا على عقب فتُستنفر لهم الطاقات وتُجيَّش الجيوش ؟
هل فاته أن الغيرة على الدين يجب أن تكون عليه كله لاعلى ما نريد تطويعه منه لرغباتنا.
إن على الأمير وغيره أن يعلم أن الهيئة وهي جهاز حسبوي يستمد قوته وأمره ونهيه من قوة السلطان لايصح مقارنته بدعوة أفراد الناس ولا بغيرهم ممن لم يخولوا من السلطان بالأمر والنهي .
فالداعية في مركزالدعوة والإرشاد ليس له حق القبض ولا العقاب وإنما له صلاحيات مناطة به تختلف مع ماعليه رجال الهيئة كما إن رجل الهيئة الذي يقبض ويعاقب إن لزم الأمر ليس من صلاحياته أن يعظ الناس في المساجد طالما لم يحمل إذنا من الجهات المختصة حسب الأنظمة .
ومحاولة تفريغ الهيئة من قوة السلطان هو تعطيل لوظيفة النهي عن المنكر وهدم لجوانب من الدين لاتقوم إلا بالقوة وكيف يغيب عنا مثل حديث ( فأحرِّق عليهم بيوتهم بالنار ) وحديث(انك امرؤ فيك جاهلية ) وفيها من الشدة مالايخفى وكيف سنعمل بأحاديث القسر والأطر للسفيه؟ .
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وظيفة جاءت على مراحل تفصيلية شرعها من لاينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم وفيها من التدرج مالايخفى فالإنكار باليد يقوم به الرجل في بيته وعلى من هم تحت سطوته ويقوم به المحتسب بحسب ماخوله السلطان . والإنكار باللسان واجب على كل من قدر عليه وأمن من تبعاته والإنكار بالقلب لايعفى منه مسلم أبدا.
هذه المراحل الثلاث لم يرتبها الشارع عبثا ولا اعتباطا.
الأمر السادس : ما ذكره سموه من تعليقات على حادثة الباحة يجب أن يكون فيها أكثر واقعية فتلك المناوشات لو سلمنا بصحتها فليست مما تقدح به أعمال الهيئة الميدانية وتلك المواقف تقع في سائر القطاعات وليست حصرا على الهيئة فالأمير نفسه قد يخاطب رئيس مجلس القضاء الأعلى وهو ليس من حقه النظامي ذلك وقد وقع هذا كثيرا بل قد يطالب بنقل أو إعفاء من لايرغب تواجده في منطقته من القضاة مع عدالته ونزاهته.
ومثل ذلك بعض الجهات الأمنية قد تتخطى أمير المنطقة وتكتفي بإشعاره أحيانا ببعض مايتم من قبلها .
وكون رجال الهيئة لايتهمون القاضي بدينه وعدالته فليس بالضرورة عدم شكايته فقد يكون سيء الخلق مثلا أو له اجتهاد خاطىء يخالف ما درج عليه القضاة كمن يطلب تزكية رجال الهيئة في الشهادة وكأنهم خصوم عاديين متناسيا أنهم محتسبون لا يطلب تزكيتهم بخلاف مالو جاء أحدهم شاهدا في قضية أخرى ليس محتسبا فيها بل هي خارج هذا النطاق , ومثل هذه الفروق الدقيقة يجهلها الناقل والمحرر في الصحيفة ولهذا فهم يعتبرونها اعتداء من رجال الهيئة .
والعجيب أن الأمير انتقد أحدهم بقوله عن القاضي ( جعل من الحبة قبة ) واستبشع ذلك منه في حين لم يستبشع سامحه الله كذبه الصريح على الربيعي حين اتهمه بأنه يتهم القاضي بصحةأحكامه القضائية والشرعية مع أن تصريح الربيعي الذي نقله الأمير نفسه لم يتطرق فيه لذلك إطلاقا.
نعم إن تهميش شهادات رجال الهيئة على مرتكبي الموبقات إن صح فعله من القاضي خطأ كبير و مخالفة لاتليق . ولكني أعتقد أنها من تلفيقات الجريدة كالعادة.
الأمر السابع : مانقله الأمير من قصة التاجر في إحدى المناطق شيء لا يمكن أن يتصوره ساذج فضلا عن غيره من ذوي العقول السليمة لأننا لو صدقنا هذه القضية كما أوردها سموه للزمنا تجهيل وتسفيه أراء أمراء المناطق وأنهم ليسوا على مستوى المسؤلية .
والأمير نفسه يعلم أن مثل هذه الخطابات لايمكن أن تبقى في أروقة الإمارة بل تحال إلى الجهات المختصة وهي بدورها تكمل اللازم . ولكن يبدو لي والله أعلم أن ذلك التاجر الذي حدَّث سموه استغل عفويته وطيبته وأقنعه بمالايمكن لعاقل تصديقه وجعله يتحمس وكأنه قد جاء برأس شارون .
ياسمو الأمير لن أجعلك تفكِّر كثيرا في صحة مانقلته ولذا فسأختصر عليك الطريق بزيارة واحدة لمقام الوالد أمير الرياض سلمان بن عبدالعزيزحفظه الله لتعلم أن مانقلته إفك مفترى أعانك عليه قوم آخرون.
الأمر الثامن : ماذكره الأمير عن رجال الهيئة من أنهم يتعاملون مع المجتمع وكأنهم يحملون عليه حقدا في قلوبهم وأنهم ليس لهم أي عمل سوى تتبع النساء اللائي يتطلب التعامل معهن تغليب جانب الحكمة والستر وفق الضوابط الشرعية.
هذا فيه جناية كبيرة على إخواننا في الهيئة ولبس للحق بالباطل وهل يليق بمثل الأمير وهو يعلم أن مايستره أعضاء الهيئة أضعاف أضعاف ما يظهر للناس بمئات المرات وإن كان لايعلم ذلك فكيف يكتب كلاما يجهل حقيقته؟
أما يخشى الله تعالى حين يكتب مثل هذا الكلام عن أناس نذروا أنفسهم لحماية الأعراض وصيانتها؟
أما يخشى الله حين يطعن خاصرة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر الذين استنفروا طاقاتهم للذود عن الفضيلة ولمحاربة الرذيلة في حين ينام ذوو الشر والفساد ممن سعوا لتغريب بنات المسلمين وإخراجهن سافرات من خدورهن ينام آمنا من طعنات قلم سموه وافتراء منطقه؟
كم هو محزن جدا أن يحاول من أنعم الله عليه بأن جعله من أبناء هذه الأسرة وآتاه الله الملك التنكر لحراس الفضيلة واستعداء السلطات عليهم مختلفا بذلك مع علية القوم وأعمدة الأمن وساسة الحكم كالأمير نايف بن عبدالعزيز والأمير سلمان بن عبدالعزيز والأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز حفظهم الله جميعا .والذين يذكرون الهيئة ويشكرونها ويعلمون أثرها في تدعيم الأمن والحفاظ على أخلاق المجتمع وصيانته من الرذيلة.
هذا ما أردت إيضاحه على عجالة من أمري نظرا لضيق الوقت وكثرة المشاغل والاشتغال بما هو أهم وأولى والله أعلى وأعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
وكتبه
سليمان بن أحمد بن عبدالعزيز الدويش
Mamal_m_s@hotmail.com
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
فأرغب إليك أخي الكريم نشرهذا التعليق وهو عبارة عن رد على مقال كتبه الأمير تركي بن بندر وتهجم فيه على الهيئة .
وقد أذنت لك أن تختار عنوان الموضوع
شاكرا لك ماتقوم به وجزاك الله خيرا
أخوك سليمان بن أحمدبن عبدالعزيز الدويش
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده وبعد
فقد اطلعت على كلام منسوب للأمير تركي بن بندر رئيس مجلس إدارة مجموعة حفيد الجدين
تحت عنوان (عمل الحسبة.. والخروج عن الغايات والأهداف ) وهو مقال طويل حاول فيه الأمير إظهار النصيحة والغيرة على المجتمع وحقوقه وقد ساق فيه ما يراه شواهد لاتقبل الجدل ولا المنازعة حيث أورد نقولا عن صحف سيارة تبنت نشر قضايا اتهمت فيها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وطالب في مقاله ذلك بضرورة المحاسبة للمخطىء والمقصر دون تهاون حتى لايساء إلى المجتمع المسلم والدولة المسلمة في نظره .
والحقيقة أن هذا المقال المشار إليه مستغرب على رجل في مثل هذه المنزلة وتلك المكانة بحسب ما أسمعه عنه ولست ممن يعرفه أو سبق له مقابلته .
ووجه الغرابة في هذا الموضوع من أمور :
الأمر الأول : أنه اعتمد في رواياته على صحف معروفة بالكذب والتدليس وقد كذبت على الله جل جلاله قبل خلقه وهي خصم لهذا الجهاز العظيم ولكل فضيلة فكيف تصح مصدرا موثقا تبنى عليه المعلومة , ولو أن كل صحيفة أو قناة أو موقعا انترنتيا ذكر حادثة أو نقل قصة صدقناه فيها للزمنا أن نصدِّق في الأمير وغيرة من أبناء الأسرة ماتكتبه عنهم جريدة عرب نيوز وغيرها وما ينشره المعادون لهم في الخارج ولكان ما يقوله هيكل وقناة الجزيرة والصحف القطرية وسعد الفقيه عن المؤسس طيب الله ثراه وغيره صحيحا لأنه صدر من وسيلة إعلامية.
إن تلك الوسائل الإعلامية التي خالفت أبسط السياسات الإعلامية لايستغرب عليها أن تكتب عن الهيئات وتضخم الوقائع كما أنها في الوقت نفسه تنسب الجهود الجبارة التي يقوم بها رجال الهيئة لجهات أمنية أخرى غير الهيئة محاولة منها في تهميش دور الهيئة .
الأمر الثاني : أنه لم يكلف نفسه الأخذ من مصدر مسؤول في الهيئة بل اكتفى بتلك النقول وكأنها من المسلمات والثوابت وهذا ليس من العدل والإتصاف وقد جاء في هذا ( إذا جاءك الرجل وقد ذهبت عينه فلا تحكم له حتى ترى الآخر فربما جاء وعيناه مفقوأتان ) .
الأمر الثالث : أنه تكلم في شيء ينبغي على مثله أن يرجع فيه إلى ذوي العلم والاختصاص حتى لاينكشف جهله وهذا ظاهر من مقارنته ما يفعله رجال الهيئة مع مافعله النبي صلى الله عليه وسلم مع الغامدية رضي الله عنها جاهلا أن الغامدية رضي الله عنها جاءت تائبة معترفة تطلب التطهير وهو ما يختلف تماما مع من تضبطه الهيئة بجريمته لم يقلع عنها بل هو متلبس بها .
وكيف سيصنع بهذا الحديث (أن رجلا من الأعراب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس فقال يا رسول الله اقض بكتاب الله فقام خصمه فقال صدق اقض له يا رسول الله بكتاب الله إن ابني كان عسيفا على هذا فزنى بامرأته فأخبروني أن على ابني الرجم فافتديت بمائة من الغنم ووليدة ثم سألت أهل العلم فزعموا أن ما على ابني جلد مائة وتغريب عام فقال والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله أما الغنم والوليدة فرد عليك وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام وأما أنت يا أنيس فاغد على امرأة هذا فارجمها فغدا أنيس فرجمها ) وهذا لفظ البخاري وهو مخرج في في الصحيحين وغيرهما ؟.
الأمر الرابع : مقارنته لما يتحدث به الناس عن الهيئة وما شاهده العالم من وقفة الناس في بلادنا مع إخوانهم في باكستان وغيرها .والحقيقة أن هذا المثال يكشف بساطة في التفكير و الطرح لو كان قائله غير الأمير تركي فكيف والقائل هو الأمير؟
إذْ كيف تصحُّ المقارنة هنا بين الجوانب الإنسانية التي يشترك فيها كل الناس مسلمهم وكافرهم وبرهم وفاجرهم وبين جوانب تتعلق في أخطاء سلوكية قوبلت بردع وتصحيح.
إن من تحدث عنهم الأمير في دعمهم للمناطق المنكوبة هم من ستراهم جنبا إلى جنب فيما لو انقلبت سيارة رجال الهيئة وأصيب طاقمها بإصابات بالغة .
نعم أؤلئك الذين وقفوا مع باكستان في محنتها سيقفون مع من يئن جريحا من أثر الحادث .
وإن كان الأمير سينزل لمثل هذه المقارنات السطحية فلنا أن نذكره بحوادث عايشها الناس وعليه أن يعرف أن مقياسه في تقدير الأمور أصابه الإجحاف والتعجل .
هل نسي سموه ما تعرض له بعض رجال الهيئة من حوادث اعتداء ألزمت بعضهم السرير وكيف غصت المستشفيات بالزوار من كل شرائح المجتمع حتى إن بعض ذويهم لم يجدوا فرصة لزيارتهم؟ .
ألم يشاهد كيف اسودت الدنيا بأهلها وانقلبت أحزانا على فقد بعض رجال الهيئة غدرا وظلما من قبل بعض المفسدين وكيف كانت جموع المصلين والمشيعين والمعزِّين؟.
وعلى منطق الأمير ومفهومه فيلزمه أن ينسب جلَّ أفراد المجتمع للسفه والانحطاط لأن من اتصل على ستار أكاديمي من السعودية فاق السبعة ملايين فهل سيقول بأن الغالبية كانت مؤيدة لذلك الفجور الذي في ستار أكاديمي؟.
الأمر الخامس : محاولته الضعيفة في استعداء الدولة على الهيئة وتصوير الهيئة بأنها سلطة خارج القانون والمحاسبة وذلك في قوله (من هنا أستغرب محاولة الالتفاف، وخلق نوع من الازدواجية في الدولة وقوانينها فالحملات التكفيرية الشرسة، والهجوم والويل والثبور لمن يقف ويصرخ حرصا وخوفا وإخلاصا وغيرة على دينه كما هو دين أولئك الآمرين بالمعروف حين يقال لهم : لماذا الخطأ؟ ولماذا التكرار في حدوث نفس حالات التجاوز أو التقصير التي أساءت لديننا؟ من المسئول عن تلك الأخطاء وتحمل تكرارها؟ ولماذا لا تشكل لجنة مختصة يحاكم ويحاسب ويعاقب إذا ثبت خطأ أو تقصير أو إهمال منسوبي الهيئة كما ان هذا الشيء مطبق على بقية المسلمين من أبناء الدولة وموظفيها الآخرين ؟ لماذا موظفي الهيئة يرفضون المحاسبة والعقاب ويربطون بين من يطالب بتطبيق ذلك عليهم بالتعدي على الدين، وعلى الله، والرسول صلى الله عليه وسلم، ويكيلون له شتى أنواع التهم ؟ أين أصحاب الرأي، والحكمة،والعقل الراجح من كبار علماءنا للتدخل والتصحيح لإيقاف أفعال تشويهية لصورة الإسلام؟ )
ونحن نقول للأمير وغيره الخطأ مرفوض منهم ومن غيرهم ونحن لا نقره ولا نرضاه ألبته ولكننا في الوقت الذي يرفض فيه الأمير مايسميه بالازدواجية فإننا نرفض منه ازدواجية المعايير
كقوله والسؤال الذي يفرض نفسه علينا هل وصلت العبثية، والفوضى، والتعدي على الآخرين بالاعتداء عليهم حتى وإن كانوا متلبسين وبالجرم المشهود إلى هذا الحد؟ أليس المتهم والمدان لهم حقوق لدى أقسام الشرطة سعت وزارة الداخلية لسنها وتثبيتها لدى كافة الجهات المعنية؟ أليس في هذا التصرف ضرب الحائط بكافة أعراف وقوانين الدولة لا بل حتى قوانين الله وتعاليم دينه وما أنزل في سنة نبيه التي أساؤوا لها بهذا التصرف المشين ؟ أليس المتهم بريء حتى تثبت إدانته )
وهل يستطيع الأمير أن يثبت أن تلك الأقسام نفذت هذه التعليمات بحذافيرها؟ وماذا سيقول عن ممارسات بعض الجهات الأمنية أثناء المداهمة والقبض والتفتيش؟ بل ماذا سيقول عن تسلط بعض أمراء المناطق وسجنهم لأشخاص مددا مخالفة للائحة الإيقاف لأتفه الأسباب؟ وماذا وماذا وماذا أسئلة كثيرة تحتاج إلى جواب وأجوبة.
وأي عبثية تلك التي أقلقت سموه فتنادى لها وأجلب عليها ؟ أين هو من عبثية وزارة الأعلام في أخلاق المجتمع وعقائده؟ بل أين هو من عبثية العلمانيين واللبراليين بثوابت الأمة ومسلماتها؟ بل أين هو من عبثية الفجار بالقرآن العزيز وبالذات المقدسة؟.
في وقت ينادي فيه ويصرخ بأعلى صوته وكأن حمى الإسلام قد أتي من قبل الهيئة .
أما سمع أعداءَ الفضيلة وقرأ لهم وشاهدهم في وسائل إعلامنا وهم ينادون بنقض عرى الإسلام عروة عروة؟
هل حُلت حياتنا من جميع المشكلات ولم يبق ما يسيء إلى ديننا إلا تصرف من رجل هيئة لولا فساد الإعلام وتحامله عليه لما علم به أحد.
إنني أعجب حين يتباكى كثير من الناس على الإسلام وحماه إذا تحدث عن الهيئة وينخرس لسانه وينعقد إذا كان الحديث عن الإعلام ووسائله التي لم تبقِ من الإسلام إلا اسمه ولامن المصحف إلا رسمه في كثير من أمورها.
أين الغيرة على الإسلام من تشويه سمعته من تصرفات ذوي الثراء في بلاد العهر وكيف يعاقرون الخمور ويمارسون الرذيلة ويقلبون الدنيا في تلك البلاد رأسا على عقب فتُستنفر لهم الطاقات وتُجيَّش الجيوش ؟
هل فاته أن الغيرة على الدين يجب أن تكون عليه كله لاعلى ما نريد تطويعه منه لرغباتنا.
إن على الأمير وغيره أن يعلم أن الهيئة وهي جهاز حسبوي يستمد قوته وأمره ونهيه من قوة السلطان لايصح مقارنته بدعوة أفراد الناس ولا بغيرهم ممن لم يخولوا من السلطان بالأمر والنهي .
فالداعية في مركزالدعوة والإرشاد ليس له حق القبض ولا العقاب وإنما له صلاحيات مناطة به تختلف مع ماعليه رجال الهيئة كما إن رجل الهيئة الذي يقبض ويعاقب إن لزم الأمر ليس من صلاحياته أن يعظ الناس في المساجد طالما لم يحمل إذنا من الجهات المختصة حسب الأنظمة .
ومحاولة تفريغ الهيئة من قوة السلطان هو تعطيل لوظيفة النهي عن المنكر وهدم لجوانب من الدين لاتقوم إلا بالقوة وكيف يغيب عنا مثل حديث ( فأحرِّق عليهم بيوتهم بالنار ) وحديث(انك امرؤ فيك جاهلية ) وفيها من الشدة مالايخفى وكيف سنعمل بأحاديث القسر والأطر للسفيه؟ .
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وظيفة جاءت على مراحل تفصيلية شرعها من لاينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم وفيها من التدرج مالايخفى فالإنكار باليد يقوم به الرجل في بيته وعلى من هم تحت سطوته ويقوم به المحتسب بحسب ماخوله السلطان . والإنكار باللسان واجب على كل من قدر عليه وأمن من تبعاته والإنكار بالقلب لايعفى منه مسلم أبدا.
هذه المراحل الثلاث لم يرتبها الشارع عبثا ولا اعتباطا.
الأمر السادس : ما ذكره سموه من تعليقات على حادثة الباحة يجب أن يكون فيها أكثر واقعية فتلك المناوشات لو سلمنا بصحتها فليست مما تقدح به أعمال الهيئة الميدانية وتلك المواقف تقع في سائر القطاعات وليست حصرا على الهيئة فالأمير نفسه قد يخاطب رئيس مجلس القضاء الأعلى وهو ليس من حقه النظامي ذلك وقد وقع هذا كثيرا بل قد يطالب بنقل أو إعفاء من لايرغب تواجده في منطقته من القضاة مع عدالته ونزاهته.
ومثل ذلك بعض الجهات الأمنية قد تتخطى أمير المنطقة وتكتفي بإشعاره أحيانا ببعض مايتم من قبلها .
وكون رجال الهيئة لايتهمون القاضي بدينه وعدالته فليس بالضرورة عدم شكايته فقد يكون سيء الخلق مثلا أو له اجتهاد خاطىء يخالف ما درج عليه القضاة كمن يطلب تزكية رجال الهيئة في الشهادة وكأنهم خصوم عاديين متناسيا أنهم محتسبون لا يطلب تزكيتهم بخلاف مالو جاء أحدهم شاهدا في قضية أخرى ليس محتسبا فيها بل هي خارج هذا النطاق , ومثل هذه الفروق الدقيقة يجهلها الناقل والمحرر في الصحيفة ولهذا فهم يعتبرونها اعتداء من رجال الهيئة .
والعجيب أن الأمير انتقد أحدهم بقوله عن القاضي ( جعل من الحبة قبة ) واستبشع ذلك منه في حين لم يستبشع سامحه الله كذبه الصريح على الربيعي حين اتهمه بأنه يتهم القاضي بصحةأحكامه القضائية والشرعية مع أن تصريح الربيعي الذي نقله الأمير نفسه لم يتطرق فيه لذلك إطلاقا.
نعم إن تهميش شهادات رجال الهيئة على مرتكبي الموبقات إن صح فعله من القاضي خطأ كبير و مخالفة لاتليق . ولكني أعتقد أنها من تلفيقات الجريدة كالعادة.
الأمر السابع : مانقله الأمير من قصة التاجر في إحدى المناطق شيء لا يمكن أن يتصوره ساذج فضلا عن غيره من ذوي العقول السليمة لأننا لو صدقنا هذه القضية كما أوردها سموه للزمنا تجهيل وتسفيه أراء أمراء المناطق وأنهم ليسوا على مستوى المسؤلية .
والأمير نفسه يعلم أن مثل هذه الخطابات لايمكن أن تبقى في أروقة الإمارة بل تحال إلى الجهات المختصة وهي بدورها تكمل اللازم . ولكن يبدو لي والله أعلم أن ذلك التاجر الذي حدَّث سموه استغل عفويته وطيبته وأقنعه بمالايمكن لعاقل تصديقه وجعله يتحمس وكأنه قد جاء برأس شارون .
ياسمو الأمير لن أجعلك تفكِّر كثيرا في صحة مانقلته ولذا فسأختصر عليك الطريق بزيارة واحدة لمقام الوالد أمير الرياض سلمان بن عبدالعزيزحفظه الله لتعلم أن مانقلته إفك مفترى أعانك عليه قوم آخرون.
الأمر الثامن : ماذكره الأمير عن رجال الهيئة من أنهم يتعاملون مع المجتمع وكأنهم يحملون عليه حقدا في قلوبهم وأنهم ليس لهم أي عمل سوى تتبع النساء اللائي يتطلب التعامل معهن تغليب جانب الحكمة والستر وفق الضوابط الشرعية.
هذا فيه جناية كبيرة على إخواننا في الهيئة ولبس للحق بالباطل وهل يليق بمثل الأمير وهو يعلم أن مايستره أعضاء الهيئة أضعاف أضعاف ما يظهر للناس بمئات المرات وإن كان لايعلم ذلك فكيف يكتب كلاما يجهل حقيقته؟
أما يخشى الله تعالى حين يكتب مثل هذا الكلام عن أناس نذروا أنفسهم لحماية الأعراض وصيانتها؟
أما يخشى الله حين يطعن خاصرة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر الذين استنفروا طاقاتهم للذود عن الفضيلة ولمحاربة الرذيلة في حين ينام ذوو الشر والفساد ممن سعوا لتغريب بنات المسلمين وإخراجهن سافرات من خدورهن ينام آمنا من طعنات قلم سموه وافتراء منطقه؟
كم هو محزن جدا أن يحاول من أنعم الله عليه بأن جعله من أبناء هذه الأسرة وآتاه الله الملك التنكر لحراس الفضيلة واستعداء السلطات عليهم مختلفا بذلك مع علية القوم وأعمدة الأمن وساسة الحكم كالأمير نايف بن عبدالعزيز والأمير سلمان بن عبدالعزيز والأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز حفظهم الله جميعا .والذين يذكرون الهيئة ويشكرونها ويعلمون أثرها في تدعيم الأمن والحفاظ على أخلاق المجتمع وصيانته من الرذيلة.
هذا ما أردت إيضاحه على عجالة من أمري نظرا لضيق الوقت وكثرة المشاغل والاشتغال بما هو أهم وأولى والله أعلى وأعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
وكتبه
سليمان بن أحمد بن عبدالعزيز الدويش
Mamal_m_s@hotmail.com