المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : **~*/ شكراً... بابا\*~**


عـــذاااري
19-12-05, 11:56 am
**~*/ شكراً... بابا\*~**

--------------------------------------------------------------------------------

في الشارع الطويل، مشى تائه الخطوات، يفكر، وربّما يعنّف نفسه، ويزيد من حدّة لومه:« ما هذا الذي فعلته هذا الصباح؟، ما ذنب مرح الصغيرة لأذنب بحقها ما أذنبت؟، وريم ما ذنبها هي الأخرى، لتظلّ في المنزل، تنتظر عودتي حتى هذا الوقت...إني حقاً مجرم، بل أنا لا أستحقّ أن أكون أباً؟...». ثمّ توقف عند الجسر يتأمّل النهر المعطاء، وانهمرت دموعه، يحاول أن يخفيها، ثمّ ما لبث أن عاد أدراجه للمنزل مهموماً يفكر في طريقة للاعتذار من زوجته وابنته، وبينما هو ماضٍ في طريقه لمح من بعيد أنوار مركز تجاري، فلمعت في ذهنه فكرة، واتجه صوبه لينفذها...
* ** *
كان ذلك في الصباح الباكر، حين كانت مرح الطفلة الصغيرة،تحاول مركّزة المشي للمرة الأولى.
كانت تتنقّل ببطء وحذر وخفة على أطراف أصابع قدميها أولاً، ثمّ تثبّت أسفل القدم على الأرض، و تنقلها خطوة إلى الأمام، يساعدها في ذلك تشبثها بأناملها الصغيرة، بين الحين والآخر، بطاولة المطبخ وكراسيه، مغادرة العتبة صوب باحة الحديقة، تجاه أمها تناغيها، وتضحك لها، تلوِّح لها بلعبتها، تهزّها بذراعها، كأنّها تناديها بها، بينما كانت أمها هناك تأملها و تبسم لها فرحة، تصفّق لابنتها، وتفتح ذراعيها تشجّعها على الاستمرار في المشي صوبها.
كانت ريم متشاغلة بجوارب صوفية تحيكها لطفلتها، تتسلى بها في آن، في حين غرق ذهن الأب بعمل كهربائي بين يديه، متسمراً فوق طاولة المطبخ، يحاول إنهاؤه بحذر واهتمام.
ضحكت مرح ضحكتها الطفولية، ومضت غير مكترثة لعتبة المطبخ الواطئة، فزلقت أناملها الدقيقة عن خشب الباب، واختلّ توازنها و وقعت أرضاً، وعلا زعيقها وصراخها، فرَمَتْ أمّها ما بيديها،و هرعت نحوها لهفة قلقة تصيح:«الله...الله...بسم الله...»، في حين انتفض الأب جزعاً وهبّ صوب زوجته، التي كانت تحمل طفلتها بين ذراعيها تضمّها إلى صدرها مذعورة مضطربة، مرتعدة الأطراف، تخفف عن الصغيرة بكاءها الشديد،تهدّئ من روعها،تقبّلها وتهزّها برفق، اقترب الأب قلقاً على ابنته ،ليطمئنّ أن ما من مكروه أو أذى أصابها، لكنّ الألم والكبرياء ربطا لسانه، فصاح بوجه طفلته صارخاً بغضب وحِدَّة:«أنتِ طفلة معاقة...أ لم تنتبهي للعتبة العالية؟... ».
وغادر على إثرها المنزل غير مكترث لبكاء طفلته وحزن زوجته، يعصره الألم، يزعق الضمير في دماغه.
مضى في الشوارع هائماً على وجهه، سائحاً،حزيناً ومكتئباً، لا يفكّر بشيء، إنما يتذكّر تفاصيل ذلك اليوم الأجمل يوم رزق بـ«مرح»، أوّل وآخر أطفاله، لكن الله ابتلاه بلاءً كبيراً، فسلب من الطفلة مؤقتاً نعمة الكلام و الحركة، فتأخّر نطقها وكذلك مشيها، لكنّ الله عوّضها عن ذلك بجمال طفوليّ ساحرٍ أخّاذ، فكانت أحلى الأطفال.
لم تستطع أم «مرح» بعدها الإنجاب بسبب قلبها الضعيف، فصبر على بلاءه وتجلّد، لكنّ عزيمته كانت تخونه في بعض الأحيان:فكان يتمرّد ويثور على واقعه، وكثيراً ما كان يغادر المنزل ليمضي هائماً على وجهه، بينما كانت هي بحكمتها وتأنّيها نِعمَ الزوجة له، وفيّة صبورة جَلُود ، ودود خفّفت عنه الكثير من ألمه بخفّة ظلّها وحبّها له، فوقفت إلى جانبه ترعاه ومرح طفلتها الصغيرة.
* ** *
عند المساء، عاد إلى المنزل، فوجد زوجته على الكنبة تحضنُ طفلتَه بين ذراعيها تنتظره كعادتها، بينما كانت مرح تدغدغ أمها ببنانها الصغير، وتشدّ طرف شعرها، ومرّة تحاول إسكاتها، وتارة تمثّل أنها غفت، فتضحك أمّها بعفويتها وبراءتها،لكنّ ملامح وجهها البشوش تغيّرت حين شاهدت أباها قادماً صوبها،فازدادت تشبّثاً بأمها، التي هزّتها برفق تطمئنها وتهدّأ من روعها.
تقدّم من طفلته باسماً بخجل، مطأطأ الرأس يخفي وراء ظهره شيئاً، جثا على ركبتيه، قبّل بتحنان كفّ صغيرته ووجنة زوجته، وقدّم للأم ثوباً جميلاً اشتراه من المركز، ثمّ وضع بين أنامل طفلته الصغيرة لعبة كبيرة جميلة، فأطلقت ضحكة فرحٍ رقيقة عذبة الموسيقى رجّت لها أصداء المنزل ، وضغطت بأصابعها الصغيرة على اللعبة تتشبث بها، ثم هزتها يمنة ويسرة تحاول اللعب بها،ثم ضمتها لصدرها تهدهدها بين ذراعيها فرحة جذلانة،ثمّ درجت بخطواتها الثقيلة البطيئة، صوب والدها المتمدد فوق الكنبة يتأمل فرحها و سرورَها باللعبة، وقدّمتها له، تحاول شكره ونطقت بعد لأي، أروع عبارة طال انتظارها، وقالت: «شكراً...بابا» بصعوبة بالغة، وبعد جهد وعناء، أعادت نطقها بوضوح، فدمعت الأم وخرّت للأرض ساجدة تحمد الله وتشكره، في حين بكى الأب رافعاً طفلته بين ذراعيه، يضعها في حجره، ويضمها بشدّة صوب صدره وهو يشتَمُّ شذا عطرها،و يمسح شعرها الناعم، يبلله بدموع الندم، في حين كانت الطفلة تمسح دموعه بكفها الصغيرة،تأمّل عينيّ الصغيرة،وقال لها بودّ وأسف وحنان:
«أنا خجلٌ منكِ يا ابنتي، أنتِ لستِ معاقة يا وحيدتي...بل أنا المعاق لأني شتمتك، وليتني لم أشتمك يا ابنتي، بل ليتني تزوجت أمك قبلها،لأدرك عظمة كلمة «بابا» التي نطقت بها، يا الله ما أجملها وأروعها وأبهاها وأصفاها من كلمةٍ تسامحيني بها ببراءة الأطفال! ،توقظيني من غفلتي لتؤكدي مدى حبي لك في قلبي، وغلا كلمة بابا التي كنّا ننتظر ولو حرف واحد منها، لتنطقيه.
هنا قامت زوجه تربّت على كتفه، تخفف عنه قائلةً:«أشكر ربّك على نعمته، مرح ذكية وجميلة، وهي تحبك كما تحبها، فاحمد الله ،مرح أغلى هدية وهبنا الله إياها».
هنا ضمّ هيثم زوجته وطفلته معاً دامعاً باكياً:« الحمد والشكر لله، الذي وهبني زوجة مثلك يا أغلى زوجة وفية صابرة، وطفلة بريئة رائعة كمرح، فالمعاق يا حبيبتي هو الذي لم يقدّر نعمة عظيمة مثلكما».
ابتسمت مرح، وأشرق وجهها، وكأنّه ينطق بقبولها اعتذار والدها وأسفه، ومضت تغادر حِجْر أمها تدرج بعيداً، تهزّ لعبتها فرحةً، غارقة في عالم آخر، عالم الطفولة البريئة العفوية،بعيداً عن هموم والديها ومتاعب النطق وبطء الحركة.

البراق999
19-12-05, 12:24 pm
وقال لها بودّ وأسف وحنان:
«أنا خجلٌ منكِ يا ابنتي، أنتِ لستِ معاقة يا وحيدتي...بل أنا المعاق لأني شتمتك، وليتني لم أشتمك يا ابنتي، بل ليتني تزوجت أمك قبلها،لأدرك عظمة كلمة «بابا» التي نطقت بها، يا الله ما أجملها وأروعها وأبهاها وأصفاها من كلمةٍ تسامحيني بها ببراءة الأطفال! ،توقظيني من غفلتي لتؤكدي مدى حبي لك في قلبي، وغلا كلمة بابا التي كنّا ننتظر ولو حرف واحد منها، لتنطقيه.



قصه رائعه ومؤثره منك ياعذاري وتسلمي على النقل الرائع

وجميل ان يرجع الشخص ويعترف بخطاك فكم من الابناء من يحتاج العطف والحنان حتى ولو كان معاقا فاحساسه في وجوده يخفف عنه اعاقته

قصمنجيه
19-12-05, 01:06 pm
سؤالي لكِ هل هو من منقولك أم من أبداعك ..؟



إذ كانت الأولى فشكراً ..



أما إذكانت الأخرى ..فهنيئاً لنا بقلم قادم , عرف كيف يبدأومن ثم يسرد ويقفل النص بشكل جميل..




عذااري لكِ من الحب جُله

إماراتيه والنعم
19-12-05, 06:20 pm
رائع ما طرحتيـــــــه


قصــــــــــه مؤثـــرة بالفعـــــل