الـمـهـاجـر
28-11-05, 11:52 pm
يعتقد البعض أن الشعر النبطي أقل درجة من الشعر الفصيح ، فيعمدون إلى الانتقاص منه ، و الحط من الناظمين فيه ، و ربما قذفوه و أصحابه بتهمة ( محاولة القضاء على لغة القرآن ) !
و هم بذلك يجانبون الصواب إلى حد بعيد .
لن أقول إن للشعر النبطي جمهوره و متذوقيه ، و لن أقول إنه قريب الصلة بالشعر الفصيح ، فهذه إجابات اعتذارية لم أؤمن بها في يوم من الأيام .
و لكنني سأؤكد أن للشعر النبطي بعدا جماليا و إنسانيا لافتا لا يتواجد في كثير من نصوص الشعر الفصيح .
و فيما يلي سأقوم بجولة بين شواهد شعرية فاه بها بعض عمالقة هذا الشعر ..
و لأبدأ بهذا البيت ..
كنـّك و كنـّي يا حبيبي مصاقيل *** كلما تلامسنا .. نبتعد و انتفارق
تأملوا ( جِــدّة ) التشبيه ، و ما تمخض عنه من دلالة تعكس حيرة الإنسان المعاصر أمام الزمان فلا نجتمع إلا لنتفرق !
كنت سابقا أطرب كثيرا لسميرة سعيد و هي تغني كلمات عبد الوهاب محمد ( الدنيا كده .. على دا و ده ..الدنيا كده .. ناس تتهنى و ناس تتمنى و ناس مفارقه كدا زي حالنا ) ... لكن هذا الطرب خفت كثيرا بعد اطلاعي على هذا البيت المعجز .
ثم انظروا إلى الإبداع في اختيار الألفاظ ( نبتعد و انتفارق ) ليسا شيئا واحدا كما قد يعتقد البعض ، فليس كل بعد يؤدي إلى فراق ، و ليس كل فراق ناتجا عن بعد .
و تأملوا هذا البيت أيضا ..
حبي بنالك وسط قلبي عمارة *** ومن زود الغلا تحت العمارة دكاكين
هنا كان الحب أحد إفرازات الديالكتيك القائم بين الإنسان و المادة ، و بذلك يتفوق شاعرنا على جميع منظري النظرية الماركسية .
و الملفت ( و الذي يثير التساؤل ) أن إيمان الشاعر النبطي بهذه النظرية إيمان راسخ يتجلى في شواهد كثيرة كهذا البيت :
يا ليتني في جيبك ريال مقطوع:::يبقى معك ما يقبله أي دكان
أحبتي .. في هذا البيت يظهر كذلك الإصرار على الحب ( يـــبــــقـــى معك ) إن ( يبقى ) هنا تقف شامخة لتعبر عن التزام ( وجودي ) يذكرنا بالتزام سارتر الذي طالما أخبرنا هو وزملاؤه الوجوديون أن الإنسان موقف . و ليتهم اطلعوا على هذا البيت و إخوة له ليعلموا أن الشاعر النبطي قد سبقهم إلى ذلك .
و تأملوا هذا البيت ..
قلبي قبل فرقاك ما ينقص الزيت ** واليوم أزيده في كل مشوار علبه
أجزم أننا لن نجد تعبيرا شعريا يفيض ( وجودية ) كما نجد هنا ... حيث تنعكس حيرة الإنسان المعاصر أمام طغيان ( الآلة ) و محاصرتها له في كل مكان .
ثم .. هل وقفتم أمام كلمة ( مشوار ) ؟ اختزل الشاعر بهذه الكلمة كل الأماني و الأحلام ، النجاحات و الانكسارات ، باختصار اختزل بها رحلته في هذه الحياة .. فأي إبداع بعد ذلك ؟!!
و تأملوا هذا البيت :
ياقطو ياللي منسدح في البراميل ... ماشفت خلي يوم كب الزباله ؟
لك الله أيها الشاعر الإنسان ...
إن الواقعية التي ينتهجها شاعرنا حين يتحدث عن ( القطو ) و عن ( تلك التي تكب الزبالة – الشغالة - ) لم يطرقها الجاحظ و لا إميل زولا .
أين أنتم أيها المغترون بكل ما هو غربي و أجنبي ؟! أين أنتم من هذه الدرر و تلك الفتوح الفكرية ؟!!
إن ( واقعية ) الشاعر النبطي و ( إنسانيته ) ليست بيتا شاردا هنا أو هناك و لكنها حقيقة ثابتة و نهج محسوس مدروس ... تأملوا هذا البيت ...
مرحوم يابسّن على الخط مدعوس ** له ثلاثة ايام ماحدن درا به
إن دمعتي فرت من عيني أثناء ترديدي لهذا البيت ... أي إنسانية تترقرق بين ألفاظه و معانيه !!
أحبتي إنني أسمي الشاعر النبطي ( بوذا ) الأدب العربي !
و لا غرابة في ذلك ... فالحكمة تتدفق في أشعاره - و كأنها وحي - بدون تعقيد أو غموض .
لي عودة إن شاء الله مع ( الكسرات الينبعاوية ) جانب معجز آخر من وجهنا الحضاري .
و هم بذلك يجانبون الصواب إلى حد بعيد .
لن أقول إن للشعر النبطي جمهوره و متذوقيه ، و لن أقول إنه قريب الصلة بالشعر الفصيح ، فهذه إجابات اعتذارية لم أؤمن بها في يوم من الأيام .
و لكنني سأؤكد أن للشعر النبطي بعدا جماليا و إنسانيا لافتا لا يتواجد في كثير من نصوص الشعر الفصيح .
و فيما يلي سأقوم بجولة بين شواهد شعرية فاه بها بعض عمالقة هذا الشعر ..
و لأبدأ بهذا البيت ..
كنـّك و كنـّي يا حبيبي مصاقيل *** كلما تلامسنا .. نبتعد و انتفارق
تأملوا ( جِــدّة ) التشبيه ، و ما تمخض عنه من دلالة تعكس حيرة الإنسان المعاصر أمام الزمان فلا نجتمع إلا لنتفرق !
كنت سابقا أطرب كثيرا لسميرة سعيد و هي تغني كلمات عبد الوهاب محمد ( الدنيا كده .. على دا و ده ..الدنيا كده .. ناس تتهنى و ناس تتمنى و ناس مفارقه كدا زي حالنا ) ... لكن هذا الطرب خفت كثيرا بعد اطلاعي على هذا البيت المعجز .
ثم انظروا إلى الإبداع في اختيار الألفاظ ( نبتعد و انتفارق ) ليسا شيئا واحدا كما قد يعتقد البعض ، فليس كل بعد يؤدي إلى فراق ، و ليس كل فراق ناتجا عن بعد .
و تأملوا هذا البيت أيضا ..
حبي بنالك وسط قلبي عمارة *** ومن زود الغلا تحت العمارة دكاكين
هنا كان الحب أحد إفرازات الديالكتيك القائم بين الإنسان و المادة ، و بذلك يتفوق شاعرنا على جميع منظري النظرية الماركسية .
و الملفت ( و الذي يثير التساؤل ) أن إيمان الشاعر النبطي بهذه النظرية إيمان راسخ يتجلى في شواهد كثيرة كهذا البيت :
يا ليتني في جيبك ريال مقطوع:::يبقى معك ما يقبله أي دكان
أحبتي .. في هذا البيت يظهر كذلك الإصرار على الحب ( يـــبــــقـــى معك ) إن ( يبقى ) هنا تقف شامخة لتعبر عن التزام ( وجودي ) يذكرنا بالتزام سارتر الذي طالما أخبرنا هو وزملاؤه الوجوديون أن الإنسان موقف . و ليتهم اطلعوا على هذا البيت و إخوة له ليعلموا أن الشاعر النبطي قد سبقهم إلى ذلك .
و تأملوا هذا البيت ..
قلبي قبل فرقاك ما ينقص الزيت ** واليوم أزيده في كل مشوار علبه
أجزم أننا لن نجد تعبيرا شعريا يفيض ( وجودية ) كما نجد هنا ... حيث تنعكس حيرة الإنسان المعاصر أمام طغيان ( الآلة ) و محاصرتها له في كل مكان .
ثم .. هل وقفتم أمام كلمة ( مشوار ) ؟ اختزل الشاعر بهذه الكلمة كل الأماني و الأحلام ، النجاحات و الانكسارات ، باختصار اختزل بها رحلته في هذه الحياة .. فأي إبداع بعد ذلك ؟!!
و تأملوا هذا البيت :
ياقطو ياللي منسدح في البراميل ... ماشفت خلي يوم كب الزباله ؟
لك الله أيها الشاعر الإنسان ...
إن الواقعية التي ينتهجها شاعرنا حين يتحدث عن ( القطو ) و عن ( تلك التي تكب الزبالة – الشغالة - ) لم يطرقها الجاحظ و لا إميل زولا .
أين أنتم أيها المغترون بكل ما هو غربي و أجنبي ؟! أين أنتم من هذه الدرر و تلك الفتوح الفكرية ؟!!
إن ( واقعية ) الشاعر النبطي و ( إنسانيته ) ليست بيتا شاردا هنا أو هناك و لكنها حقيقة ثابتة و نهج محسوس مدروس ... تأملوا هذا البيت ...
مرحوم يابسّن على الخط مدعوس ** له ثلاثة ايام ماحدن درا به
إن دمعتي فرت من عيني أثناء ترديدي لهذا البيت ... أي إنسانية تترقرق بين ألفاظه و معانيه !!
أحبتي إنني أسمي الشاعر النبطي ( بوذا ) الأدب العربي !
و لا غرابة في ذلك ... فالحكمة تتدفق في أشعاره - و كأنها وحي - بدون تعقيد أو غموض .
لي عودة إن شاء الله مع ( الكسرات الينبعاوية ) جانب معجز آخر من وجهنا الحضاري .