mam999
20-10-05, 03:49 pm
حكاية نهر.. لا يموت… وذكريات لا تنسى(*)
مثل حلم جميل.. لا نريده ان ينتهي.. يترنح هذا الموج الهادئ على شواطئ دجلة.. وتتراقص تيارات الماء.. الى اليمين وحينا الى اليسار كأن الكرخ.. والرصافة تصارعا على اجتذاب الماء.. وكأن عشق دجلة.. لم يقر قراره صوب من يميل..!! لطالما شد انتباهي.. تلك (العبارات النهرية) المتآكلة وهي تجثم على دجلة تحت جسور بغداد في الكرخ القديمة.. كأنها تحكي قصة حزينة على دجلة تحت جسور بغداد في الكرخ القديمة.. كأنها تحكي قصة حزينة لزمان.. غادرنا.. وترك ذكراها في تلك العبارات والزوارق الضخمة التي ما برحت جاثمة على ضفاف النهر.. ترجلت من الجسر الى حيث الزوارق الصغيرة.. التي تنقل (العابرين) من الكرخ والرصافة بـ (150) دينارا وفي وسط النهر.. تذكرت القفة.. والشريعة وحاولت ان اتخيل كيف كان البغداديون.. يتنقلون. وينقلون امتعتهم بين صوبي النهر.. فأتجهت الى الباحثين وماكتبوه عن هذا الموضوع.. يقول السيد فؤاد طه محمد.. كانت شرائع الكرخ والرصافة تزدحم شطأنها بالقفف الراسية او الذاهبة والايبة بين الصوبين كما كانت لها محطات ترسو عندها امام (باب السيف) حيث قهوة البيروتي ومبنى دائرة التقاعد اليوم ومشرعة بيت النواب التي عرفت في العهد العباسي بمشرعة الساج وعند مشاريع قمرية والجعيفر والتكارتة وخضر الياس فمن الصوب الصغير كانت تنطلق القفاف محملة بالركاب ومتاعهم لترسو على ضفاف الصوب الكبير في شرائع المجيدية والمصبغة والمربعة والسراي ومشرعة السيد السلطان علي. ويمضي السيد فؤاد طه محمد في حديثه فيقول: كم من حوادث نزاع وشجار بين هذا القفجي وذاك بسبب ان هذا نقل زبائن ذاك على غفلة من صاحبه او لأن قفة هذا تتسع لأضعاف العدد من الركاب مما يجعله اكثر كسبا في (كراوي عبريته) ومع ذلك فهما متساويان في عدد نوبات العبور والقفجيه. وان اختلفوا فيما بينهم غير انهم متفقون منسجمون امام (البلامة) ولهم مقهى صغير في سكة الجعيفر قريبا من بيت حنانش ابو الطرشي وكان القفجية يتباهون ويتيهون على اصحاب الزوارق بسعة قففهم في حمل مايمكن حمله من حبوب ومتاع واثاث غير ان (البلامة) يفتخرون على اولئك بكون زوارقهم لاتتشرف الا بنقل العلماء والافندية والجلبية من موظفي السراي وتجار السوق والبندرجية والصرافين وبكونها مسقفة بمظلة تقي (العبرية) حر الشمس وذات مصاطب توفر الراحة والمجلس المحترم الوثير.. في المتحف البغدادي وخلال زياراتي له.. تأكد لي بأن البريطانين الذين احتلوا العراق انبهروا بهذه القفف وسحرهم منظر شرائع الكرخ والرصافة وهنا يقول السيد فؤاد.. لقد افتتن الاجانب بمظهر هذه الواسطة النهرية البسيطة فالتقطوا لها الصور العديدة وخلدوها في لوحاتهم وكتبوا عنها الخواطر والذكريات. والداخل الى قصر طبيب العائلة المالكة سابقا في العراق الدكتور سندرسن يطالعه اول ما يطالعه قفة بغدادية صغيرة في مدخل الحديقة تذكره ببغداد وبتلك الفترة التي امضاها في بيته الكبير الذي سماه (النخيل). ولن ينسى عشاق بغداد القديمة ان يحدثوا ابناء بغداد اليوم في حالهم الزاهر عن امسهم الدابر، وان ينقلوا في حكايات اسمار الليالي تلك الصور الزاهية التي تستطيع ان تذهب بها الاحداث، منها صورة حفلة عرس انتقلت (الزفة) فيها من شريعة الكرخ الى شريعة (المجيدية) في احدى القفف يتبعها سرب منسق من قفاف اخرى حفلت بالزغاريد والبستات والمربعات. او صورة الموقوف الذي القى بنفسه في النهر فيضطر (الجندرمة) ان يلقى بنفسه هو الاخر من بعده لاعادة القبض عليه و (القفجي) الحائر يصرخ بينهما مولولا معربدا لضياع (الكروة) عليه.. ذكريات.. لأيام لا تنسى.. يستعيدها شيوخ بغداد.. كلما تنسموا رائحة النهر في ذهابهم وايابهم.. اليوم.. وبالقرب من مديرية التقاعد العامة.. تقف مجموعة من الزوارق البخارية يقودها مجموعة من الشباب.. يسترزقون منها في نقل من يروم العبور الى الضفة الاخرى.. استوقفت احد المتقاعدين.. الذي تسلم لتوه راتبه التقاعدي وسألته بماذا يذكرك هذا الزورق البخاري.. قال لي.. لا ادري هل هي مصادفة.. ان يكون موقف هذه الزوارق قرب دائرة التقاعد حيث كبار السن الذين يحتفظون بذكريات طويلة مع دجلة. ومع القفف قلت له هل تتذكر مشهدا مؤثرا عن النهر.. قال لازلت اتذكر كيف كان باعة اللحوم يوم لم تكن هناك محلات قصابة.. وكان بائع اللحوم يتجول في المحلات القديمة لبيع اللحم بـ25 فلسا للكيلو الواحد.. فاذا حل المساء ينادون بيعه بـ15 فلسا فاذا لم يشتره احد يقومون برميه في مياه دجلة كي لا يبقى لليوم التالي فيجيف لعدم وجود البرادات.. فقلت في نفسي رحمك الله يا ايام زمان.. فأين نحن من تلك الايام..!!
http://www.sotakhr.com/uploads/pics/dijla.gif
00000000000000
(*) علي شمخي: بغداد
مثل حلم جميل.. لا نريده ان ينتهي.. يترنح هذا الموج الهادئ على شواطئ دجلة.. وتتراقص تيارات الماء.. الى اليمين وحينا الى اليسار كأن الكرخ.. والرصافة تصارعا على اجتذاب الماء.. وكأن عشق دجلة.. لم يقر قراره صوب من يميل..!! لطالما شد انتباهي.. تلك (العبارات النهرية) المتآكلة وهي تجثم على دجلة تحت جسور بغداد في الكرخ القديمة.. كأنها تحكي قصة حزينة على دجلة تحت جسور بغداد في الكرخ القديمة.. كأنها تحكي قصة حزينة لزمان.. غادرنا.. وترك ذكراها في تلك العبارات والزوارق الضخمة التي ما برحت جاثمة على ضفاف النهر.. ترجلت من الجسر الى حيث الزوارق الصغيرة.. التي تنقل (العابرين) من الكرخ والرصافة بـ (150) دينارا وفي وسط النهر.. تذكرت القفة.. والشريعة وحاولت ان اتخيل كيف كان البغداديون.. يتنقلون. وينقلون امتعتهم بين صوبي النهر.. فأتجهت الى الباحثين وماكتبوه عن هذا الموضوع.. يقول السيد فؤاد طه محمد.. كانت شرائع الكرخ والرصافة تزدحم شطأنها بالقفف الراسية او الذاهبة والايبة بين الصوبين كما كانت لها محطات ترسو عندها امام (باب السيف) حيث قهوة البيروتي ومبنى دائرة التقاعد اليوم ومشرعة بيت النواب التي عرفت في العهد العباسي بمشرعة الساج وعند مشاريع قمرية والجعيفر والتكارتة وخضر الياس فمن الصوب الصغير كانت تنطلق القفاف محملة بالركاب ومتاعهم لترسو على ضفاف الصوب الكبير في شرائع المجيدية والمصبغة والمربعة والسراي ومشرعة السيد السلطان علي. ويمضي السيد فؤاد طه محمد في حديثه فيقول: كم من حوادث نزاع وشجار بين هذا القفجي وذاك بسبب ان هذا نقل زبائن ذاك على غفلة من صاحبه او لأن قفة هذا تتسع لأضعاف العدد من الركاب مما يجعله اكثر كسبا في (كراوي عبريته) ومع ذلك فهما متساويان في عدد نوبات العبور والقفجيه. وان اختلفوا فيما بينهم غير انهم متفقون منسجمون امام (البلامة) ولهم مقهى صغير في سكة الجعيفر قريبا من بيت حنانش ابو الطرشي وكان القفجية يتباهون ويتيهون على اصحاب الزوارق بسعة قففهم في حمل مايمكن حمله من حبوب ومتاع واثاث غير ان (البلامة) يفتخرون على اولئك بكون زوارقهم لاتتشرف الا بنقل العلماء والافندية والجلبية من موظفي السراي وتجار السوق والبندرجية والصرافين وبكونها مسقفة بمظلة تقي (العبرية) حر الشمس وذات مصاطب توفر الراحة والمجلس المحترم الوثير.. في المتحف البغدادي وخلال زياراتي له.. تأكد لي بأن البريطانين الذين احتلوا العراق انبهروا بهذه القفف وسحرهم منظر شرائع الكرخ والرصافة وهنا يقول السيد فؤاد.. لقد افتتن الاجانب بمظهر هذه الواسطة النهرية البسيطة فالتقطوا لها الصور العديدة وخلدوها في لوحاتهم وكتبوا عنها الخواطر والذكريات. والداخل الى قصر طبيب العائلة المالكة سابقا في العراق الدكتور سندرسن يطالعه اول ما يطالعه قفة بغدادية صغيرة في مدخل الحديقة تذكره ببغداد وبتلك الفترة التي امضاها في بيته الكبير الذي سماه (النخيل). ولن ينسى عشاق بغداد القديمة ان يحدثوا ابناء بغداد اليوم في حالهم الزاهر عن امسهم الدابر، وان ينقلوا في حكايات اسمار الليالي تلك الصور الزاهية التي تستطيع ان تذهب بها الاحداث، منها صورة حفلة عرس انتقلت (الزفة) فيها من شريعة الكرخ الى شريعة (المجيدية) في احدى القفف يتبعها سرب منسق من قفاف اخرى حفلت بالزغاريد والبستات والمربعات. او صورة الموقوف الذي القى بنفسه في النهر فيضطر (الجندرمة) ان يلقى بنفسه هو الاخر من بعده لاعادة القبض عليه و (القفجي) الحائر يصرخ بينهما مولولا معربدا لضياع (الكروة) عليه.. ذكريات.. لأيام لا تنسى.. يستعيدها شيوخ بغداد.. كلما تنسموا رائحة النهر في ذهابهم وايابهم.. اليوم.. وبالقرب من مديرية التقاعد العامة.. تقف مجموعة من الزوارق البخارية يقودها مجموعة من الشباب.. يسترزقون منها في نقل من يروم العبور الى الضفة الاخرى.. استوقفت احد المتقاعدين.. الذي تسلم لتوه راتبه التقاعدي وسألته بماذا يذكرك هذا الزورق البخاري.. قال لي.. لا ادري هل هي مصادفة.. ان يكون موقف هذه الزوارق قرب دائرة التقاعد حيث كبار السن الذين يحتفظون بذكريات طويلة مع دجلة. ومع القفف قلت له هل تتذكر مشهدا مؤثرا عن النهر.. قال لازلت اتذكر كيف كان باعة اللحوم يوم لم تكن هناك محلات قصابة.. وكان بائع اللحوم يتجول في المحلات القديمة لبيع اللحم بـ25 فلسا للكيلو الواحد.. فاذا حل المساء ينادون بيعه بـ15 فلسا فاذا لم يشتره احد يقومون برميه في مياه دجلة كي لا يبقى لليوم التالي فيجيف لعدم وجود البرادات.. فقلت في نفسي رحمك الله يا ايام زمان.. فأين نحن من تلك الايام..!!
http://www.sotakhr.com/uploads/pics/dijla.gif
00000000000000
(*) علي شمخي: بغداد