بندر الحمر
14-10-05, 03:04 pm
http://www.aljazeera.net/mritems/images/2001/1/2/image_design2362_4.jpg
بسم الله الرحمن الرحيم
عندما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا ضرر ولا ضرار"[1] فقد نصب بهذا الحديث الجامع مَعْلما منيراً لأولي العلم، يعالجون به العشرات من المشكلات الطارئة مما لم يرد به حكم حاسم عن الله ورسوله.
وفي ضوء هذا المعلم جرى كبار فقهاء الإسلام في مواجهة هذا الضرب من الأحداث، فلا يزالون يدققون في جوانبه وأعماقه حتى يتحقق لهم قربه من الضرر والمضارة أو بعده منهما فينتهون إلى القرار المتفق مع مقاصد الشريعة..
ولقد يكون المشكل العارض مترددا بين الحل والحرمة، فيلجئون إذ ذاك إلى الحل النبوي الصريح في قوله صلى الله عليه وسلم "الحلال بَيّن والحرام بَيِّن، وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام"[2].
ولا جرم أن وقوف أولي العلم عند هذه المعالم الصحيحة كاف لجمعهم على الحق إذا تجرد كل منهم من أهواء النفس التي كثيراً ما تفسد رؤية الفقيه..
ولنضرب لذلك مثلا قريبا من مشكلة التدخين التي طرأت على العالم الإسلامي في العصور المتأخرة، فإذا علماؤه مختلفون في أمره، أهو من الملحقات بالخبائث المحرمة بالنص، أم هو من الطيبات المباحات؟... وتسلل الهوى إلى بعضهم فإذا أحدهم يقول: "إن كان حلالاً فقد شربناه، وإن يكن حراما فقد أحرقناه".. وطبيعي أن مثل هذا القول أقرب إلى اللغو منه إلى العلم.. وكان الأحرى بهذا الفريق المتردد في تحريمه أن ينظر إلى الموضوع على ضوء التوجيه النبوي الذي يقضي بأنه من المشتبهات التي يتنزه أولو الأحلام عن مقارفتها- فكيف إذا تذكر قول ربه القاطع المانع: {وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً} وهو مقر من أعماقه بأن التدخين من أنواع التبذير الملحق لأهله بأشياع الشيطان..
هذه مقدمة لعل فيها ذكرى لإخوة لنا في الله فرق بيننا وبينهم الاجتهاد في شأن القات، فذهبنا يمينا وذهبوا يسارا، والمتوقَّع من أهل الإيمان إذا دعوا إلى الله ورسوله أن يقولوا سمعنا وأطعنا.
. إن موضوع القات كموضوع التدخين ونحوه من الأحداث العارضة بعد خير القرون، ولابد من الرجوع فيه إلى كتاب الله وسنة رسوله للتحقق من شأنه وحكمه..
وقد شاء الله أن يسلط على موضوع القات مزيدا من الأضواء بما انتهى إليه خبراء الطب والمخابر التحليلية من معلومات جديدة عنه تبين على وجه القطع أنه من الخبائث التي لا تتجاوز نطاق الضير والضرار.. وبذلك ينتقل حكمه من دائرة المشتبهات إلى دائرة المحرَّمات..
ولقد أيد هذه الرؤيةَ الحكيمةَ العشراتُ من فقهاء الإسلام وذوي التخصصاتِ العلمية المختلفة، والذين شاركوا في (المؤتمر الإسلامي العالمي لمكافحة المسكرات والمخدرات) المنعقد في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة خلال 27-30/5/1402هـ وتناول موضوعَ القات أثناءئذ العديدُ من مؤلفي البحوث المقدمةِ إلى المؤتمر.. أكتفي بنقل الفقرات التاليات منها-
1- في عرض لأنواع المخدرات الطبيعية يقول الدكتور حامد جامع- عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة من الجامعة الإسلامية- في ص 10 و 11 من بحثه:
"هي المخدرات المشتقة من نباتات الخشخاش والقنب والكوكا والقات وغيرها.. والقات نبات مخدر يزرعه أهل اليمن.... الخ الخ.
2- وفي ص 5 من بحث الدكتور عادل الدمرداش أخصائي الطب النفسي بمستشفى الطب النفسي بالقاهرة يقول:
"أما القات الذي ينمو نباته في اليمن والحبشة والصومال فتمضغ أوراقه.. ويسبب مضغ القات عدمَ الشعور بالتعب والشعور بالنشاط وفقدانَ الشهيةِ وضعفَ مقاومة الجسم للأمراض..".
3- ويقول الدكتور صلاح الدين أحمد عثمان أستاذ ورئيس قسم الكيمياء والنبات بجامعة الملك فيصل في بحثه "التصنيف الكيميائي للمسكرات والمخدرات وتأثيرها البيوكيميائي" ص 21 "المخدرات الطبيعية هي مجموعة من المركبات بعضها عبارة عن قلويات طبيعية في ثمرة الخشخاش أو القنب الهندي أو أوراق القات..
إلى أن يقول: "وينتج عن تعاطي هذه المخدرات تغييرات سلوكية للأفراد تظهر في صورة انتعاش ظاهري مع بلادة فكرية، وكذلك الشعور بالخوف والميل إلى النعاس..
وعن تأثيره يقول: يشابه تأثير الحشيش حيث يؤدي إلى الخمول الجسدي والبلادة الفكرية، وعدم القدرة على التصرف.. يحول الشخص إلى فرد غير منتج وبليد ومتحجر وخامل، حيث يؤثر على المجتمع محوّلاً إياه إلى مجتمع مستكين".
وفي هذه الفقرة تفسير دقيق لما يريده الدكتور الدمرداش (بعدم الشعور بالتعب والشعور بالنشاط) على أنه حالة ظاهرية فقط بدليل كون القات مؤديا إلى فقدان الشهية ومضعفا للجسم عن مقاومة الأمراض.. وهو بذلك يشارك المخدرات الأخرى في تغيير السلوك وإيهام الضحية بالنشاط الكاذب..
هذا مع اتفاق هؤلاء الفضلاء جميعا على اعتبار القات من زمرة المخدرات.
وبناء على هذه المعلومات الحاسمة صدر قرار (المؤتمر الإسلامي العالمي لمكافحة المسكرات والمخدرات) بشأن القات في التوصية التاسعة عشرة كما يلي:
" يقرر المؤتمر بعد استعراضه ما قدم إليه من بحوث حول أضرار القات الصحية والنفسية والخلقية والاجتماعية والاقتصادية أنه من المخدرات المحرمة شرعا ولذلك فإنه يوصي الدول الإسلامية بتطبيق العقوبة الإسلامية الشرعية الرادعة على من يزرع أ و يروج أو يتناول هذا النبات الخبيث…".
. وما أراني مغاليا إذا قلت بأن في هذا القرار نوعا من الإجماع الملزم للمسلم، إذ هو منبثق من التوافق التام بين الدين والعلم، لأن المقرين له صفوة من فقهاء ومفكري العالم الإسلامي على امتداده وعلى اختلاف مذاهبه..
فمن حقه على أهل العلم أن يتلقوه بالقبول والرضا لأنه حَسَمَ كل خلاف بينهم في شأن هذه المادة التي استهوت الكثيرين منهم حتى جعلتهم أسوة غير حسنة لعامة الناس.
ومن هنا كان مثار الدهشة أن يأتي الاعتراض على هذا القرار الرصين من جانب فئة من إخوتنا في اليمن الشمالي. وكلهم من أهل الفضل.. ولا حجة لهم في ذلك من نقل ولا عقل، بعد أن تلاقى العقل والنقل على إصداره.. فلم يبق مسوغا لاعتراضهم سوى حكم العادة التي ألفوها، فتعذر عليهم التحرر من ربقتها فهم بذلك أشبه بالمُدْمِن على التدخين تعرض لعينه أثاره في إتلاف أجهزة الحياة من خلال الشرائح البشرية التي خربها التدخين فلا يزيد على القول، إني أدخن منذ عشرات السنين وها أنذا لا أزال على قيد الحياة!.
وإن هذا الموقف ليذكرني بذلك الحوار الطريف الذي دار ذات يوم بين طبيب للعيون وأحد المرضى..
قال الطبيب لصاحبه وهو يحاوره: إن ما تشكوه من ضعف بصرك سببه الخمر، فعليك بالإقلاع عنها وإلا فقدت بصرك كله في النهاية..
وأجاب المريض وعلى فمه ابتسامة السخرية (إنك لمخطئ أيها الطبيب بدليل أن الخمر يضاعف من قوة بصري حتى لأرى الرجل في حالة السكر اثنين بدل الواحد…!
ولعل إخوتنا الأفاضل أصحاب الاعتراض إنما يدافعون عن القات من خلال ألفتهم إياه، التي تحجب عنهم مساوئه، فلا يرون منه إلا الجانب السار.. ولا عجب:
ولكن عين السخط تُبـدي المسـاويـا
فعين الرضا عن كـل عيب كليلة
ولعل أطرف ما في اعتراضهم المنشور في (السياسة) الكويتية بعنوان (فتوى دينية) ذلك الادعاء الغريب بأن العلماء الذين أفتوا بتحريم القات إنما أخذوا ببعض الإشاعات، وكان عليهم أن يتصلوا بالعلماء (الذين يعايشون القات منذ دخوله اليمن)..!
وقد نسي مُوَقّعا هذه الفتوى أَصلحنا الله وإياهما أَنهما بانتصارهما للقات قد رضيا أن يكونا موضع الاتهام، فلا يلتفت إلى دفاعهما عنه، لأنه دفاع عن الهوى.. وآفة الرأي الهوى. أما المُفتون بتحريمه فهم المحايدون الذين بتجردهم عن الهوى يملكون القدرة على الرؤية السليمة التي تفرق بين مختلف الادعاءات فتعطي كل شيء وزنه الحق..
هذا مع العلم بأن قراء تلك الفتوى لا يسلمون لهما بأن رأيهما هو رأي علماء اليمن جميعا في شأن القات، لأنهم لا يتصورون أن كل أولئك العلماء من المتعاملين معه... لسبب هام وهو ثقتهم بالحكمة القائلة: الإيمان يمان والحكمة يمانية..
. وأخيراً لقد استوقفني بين هؤلاء الإخوة المعترضين على قرار المؤتمر في قضية القات اسم سماحة المفتي الشيخ أحمد زبارة، فلهذا الرجل في نفسي ذكرى لا تمحوها الأيام... ذلك أني سمعت ذات ليلة صوته الكريم يتدفق بإطراء الحياة الشيوعية التي شاهدها في موسكو عقب عودته من زيارة لها ساقته إليها الجواذب السياسية التي يحسنها ساسة الكرملين، والتي طالما ساقوا إليها غيره من (المفتين) و (رجال الدين) في مصر وسورية فلقوا من إكرامهم ما أطلق ألسنتهم بفنون الثناء عليهم، حتى ليكاد سامعوا إطرائهم يتساءلون.. وهل أصبحت موسكو حامية الإسلام بعد أن كانت مَباءةَ الإلحاد في العالمين!!...
وما أحسبني اليوم بملوم إذا أنا أعربت عن خشيتي أن تكون شهادة الشيخ أحمد بجانب القات من طراز شهادته السابقة لمصلحة الشيوعية..
. والله نسأل أن يجنبنا وإخواننا الزلل، وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه..
.. ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه... إنه خير المسئولين..
... والحمد لله رب العالميين...
الموضوع ملكووووووووش
بسم الله الرحمن الرحيم
عندما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا ضرر ولا ضرار"[1] فقد نصب بهذا الحديث الجامع مَعْلما منيراً لأولي العلم، يعالجون به العشرات من المشكلات الطارئة مما لم يرد به حكم حاسم عن الله ورسوله.
وفي ضوء هذا المعلم جرى كبار فقهاء الإسلام في مواجهة هذا الضرب من الأحداث، فلا يزالون يدققون في جوانبه وأعماقه حتى يتحقق لهم قربه من الضرر والمضارة أو بعده منهما فينتهون إلى القرار المتفق مع مقاصد الشريعة..
ولقد يكون المشكل العارض مترددا بين الحل والحرمة، فيلجئون إذ ذاك إلى الحل النبوي الصريح في قوله صلى الله عليه وسلم "الحلال بَيّن والحرام بَيِّن، وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام"[2].
ولا جرم أن وقوف أولي العلم عند هذه المعالم الصحيحة كاف لجمعهم على الحق إذا تجرد كل منهم من أهواء النفس التي كثيراً ما تفسد رؤية الفقيه..
ولنضرب لذلك مثلا قريبا من مشكلة التدخين التي طرأت على العالم الإسلامي في العصور المتأخرة، فإذا علماؤه مختلفون في أمره، أهو من الملحقات بالخبائث المحرمة بالنص، أم هو من الطيبات المباحات؟... وتسلل الهوى إلى بعضهم فإذا أحدهم يقول: "إن كان حلالاً فقد شربناه، وإن يكن حراما فقد أحرقناه".. وطبيعي أن مثل هذا القول أقرب إلى اللغو منه إلى العلم.. وكان الأحرى بهذا الفريق المتردد في تحريمه أن ينظر إلى الموضوع على ضوء التوجيه النبوي الذي يقضي بأنه من المشتبهات التي يتنزه أولو الأحلام عن مقارفتها- فكيف إذا تذكر قول ربه القاطع المانع: {وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً} وهو مقر من أعماقه بأن التدخين من أنواع التبذير الملحق لأهله بأشياع الشيطان..
هذه مقدمة لعل فيها ذكرى لإخوة لنا في الله فرق بيننا وبينهم الاجتهاد في شأن القات، فذهبنا يمينا وذهبوا يسارا، والمتوقَّع من أهل الإيمان إذا دعوا إلى الله ورسوله أن يقولوا سمعنا وأطعنا.
. إن موضوع القات كموضوع التدخين ونحوه من الأحداث العارضة بعد خير القرون، ولابد من الرجوع فيه إلى كتاب الله وسنة رسوله للتحقق من شأنه وحكمه..
وقد شاء الله أن يسلط على موضوع القات مزيدا من الأضواء بما انتهى إليه خبراء الطب والمخابر التحليلية من معلومات جديدة عنه تبين على وجه القطع أنه من الخبائث التي لا تتجاوز نطاق الضير والضرار.. وبذلك ينتقل حكمه من دائرة المشتبهات إلى دائرة المحرَّمات..
ولقد أيد هذه الرؤيةَ الحكيمةَ العشراتُ من فقهاء الإسلام وذوي التخصصاتِ العلمية المختلفة، والذين شاركوا في (المؤتمر الإسلامي العالمي لمكافحة المسكرات والمخدرات) المنعقد في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة خلال 27-30/5/1402هـ وتناول موضوعَ القات أثناءئذ العديدُ من مؤلفي البحوث المقدمةِ إلى المؤتمر.. أكتفي بنقل الفقرات التاليات منها-
1- في عرض لأنواع المخدرات الطبيعية يقول الدكتور حامد جامع- عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة من الجامعة الإسلامية- في ص 10 و 11 من بحثه:
"هي المخدرات المشتقة من نباتات الخشخاش والقنب والكوكا والقات وغيرها.. والقات نبات مخدر يزرعه أهل اليمن.... الخ الخ.
2- وفي ص 5 من بحث الدكتور عادل الدمرداش أخصائي الطب النفسي بمستشفى الطب النفسي بالقاهرة يقول:
"أما القات الذي ينمو نباته في اليمن والحبشة والصومال فتمضغ أوراقه.. ويسبب مضغ القات عدمَ الشعور بالتعب والشعور بالنشاط وفقدانَ الشهيةِ وضعفَ مقاومة الجسم للأمراض..".
3- ويقول الدكتور صلاح الدين أحمد عثمان أستاذ ورئيس قسم الكيمياء والنبات بجامعة الملك فيصل في بحثه "التصنيف الكيميائي للمسكرات والمخدرات وتأثيرها البيوكيميائي" ص 21 "المخدرات الطبيعية هي مجموعة من المركبات بعضها عبارة عن قلويات طبيعية في ثمرة الخشخاش أو القنب الهندي أو أوراق القات..
إلى أن يقول: "وينتج عن تعاطي هذه المخدرات تغييرات سلوكية للأفراد تظهر في صورة انتعاش ظاهري مع بلادة فكرية، وكذلك الشعور بالخوف والميل إلى النعاس..
وعن تأثيره يقول: يشابه تأثير الحشيش حيث يؤدي إلى الخمول الجسدي والبلادة الفكرية، وعدم القدرة على التصرف.. يحول الشخص إلى فرد غير منتج وبليد ومتحجر وخامل، حيث يؤثر على المجتمع محوّلاً إياه إلى مجتمع مستكين".
وفي هذه الفقرة تفسير دقيق لما يريده الدكتور الدمرداش (بعدم الشعور بالتعب والشعور بالنشاط) على أنه حالة ظاهرية فقط بدليل كون القات مؤديا إلى فقدان الشهية ومضعفا للجسم عن مقاومة الأمراض.. وهو بذلك يشارك المخدرات الأخرى في تغيير السلوك وإيهام الضحية بالنشاط الكاذب..
هذا مع اتفاق هؤلاء الفضلاء جميعا على اعتبار القات من زمرة المخدرات.
وبناء على هذه المعلومات الحاسمة صدر قرار (المؤتمر الإسلامي العالمي لمكافحة المسكرات والمخدرات) بشأن القات في التوصية التاسعة عشرة كما يلي:
" يقرر المؤتمر بعد استعراضه ما قدم إليه من بحوث حول أضرار القات الصحية والنفسية والخلقية والاجتماعية والاقتصادية أنه من المخدرات المحرمة شرعا ولذلك فإنه يوصي الدول الإسلامية بتطبيق العقوبة الإسلامية الشرعية الرادعة على من يزرع أ و يروج أو يتناول هذا النبات الخبيث…".
. وما أراني مغاليا إذا قلت بأن في هذا القرار نوعا من الإجماع الملزم للمسلم، إذ هو منبثق من التوافق التام بين الدين والعلم، لأن المقرين له صفوة من فقهاء ومفكري العالم الإسلامي على امتداده وعلى اختلاف مذاهبه..
فمن حقه على أهل العلم أن يتلقوه بالقبول والرضا لأنه حَسَمَ كل خلاف بينهم في شأن هذه المادة التي استهوت الكثيرين منهم حتى جعلتهم أسوة غير حسنة لعامة الناس.
ومن هنا كان مثار الدهشة أن يأتي الاعتراض على هذا القرار الرصين من جانب فئة من إخوتنا في اليمن الشمالي. وكلهم من أهل الفضل.. ولا حجة لهم في ذلك من نقل ولا عقل، بعد أن تلاقى العقل والنقل على إصداره.. فلم يبق مسوغا لاعتراضهم سوى حكم العادة التي ألفوها، فتعذر عليهم التحرر من ربقتها فهم بذلك أشبه بالمُدْمِن على التدخين تعرض لعينه أثاره في إتلاف أجهزة الحياة من خلال الشرائح البشرية التي خربها التدخين فلا يزيد على القول، إني أدخن منذ عشرات السنين وها أنذا لا أزال على قيد الحياة!.
وإن هذا الموقف ليذكرني بذلك الحوار الطريف الذي دار ذات يوم بين طبيب للعيون وأحد المرضى..
قال الطبيب لصاحبه وهو يحاوره: إن ما تشكوه من ضعف بصرك سببه الخمر، فعليك بالإقلاع عنها وإلا فقدت بصرك كله في النهاية..
وأجاب المريض وعلى فمه ابتسامة السخرية (إنك لمخطئ أيها الطبيب بدليل أن الخمر يضاعف من قوة بصري حتى لأرى الرجل في حالة السكر اثنين بدل الواحد…!
ولعل إخوتنا الأفاضل أصحاب الاعتراض إنما يدافعون عن القات من خلال ألفتهم إياه، التي تحجب عنهم مساوئه، فلا يرون منه إلا الجانب السار.. ولا عجب:
ولكن عين السخط تُبـدي المسـاويـا
فعين الرضا عن كـل عيب كليلة
ولعل أطرف ما في اعتراضهم المنشور في (السياسة) الكويتية بعنوان (فتوى دينية) ذلك الادعاء الغريب بأن العلماء الذين أفتوا بتحريم القات إنما أخذوا ببعض الإشاعات، وكان عليهم أن يتصلوا بالعلماء (الذين يعايشون القات منذ دخوله اليمن)..!
وقد نسي مُوَقّعا هذه الفتوى أَصلحنا الله وإياهما أَنهما بانتصارهما للقات قد رضيا أن يكونا موضع الاتهام، فلا يلتفت إلى دفاعهما عنه، لأنه دفاع عن الهوى.. وآفة الرأي الهوى. أما المُفتون بتحريمه فهم المحايدون الذين بتجردهم عن الهوى يملكون القدرة على الرؤية السليمة التي تفرق بين مختلف الادعاءات فتعطي كل شيء وزنه الحق..
هذا مع العلم بأن قراء تلك الفتوى لا يسلمون لهما بأن رأيهما هو رأي علماء اليمن جميعا في شأن القات، لأنهم لا يتصورون أن كل أولئك العلماء من المتعاملين معه... لسبب هام وهو ثقتهم بالحكمة القائلة: الإيمان يمان والحكمة يمانية..
. وأخيراً لقد استوقفني بين هؤلاء الإخوة المعترضين على قرار المؤتمر في قضية القات اسم سماحة المفتي الشيخ أحمد زبارة، فلهذا الرجل في نفسي ذكرى لا تمحوها الأيام... ذلك أني سمعت ذات ليلة صوته الكريم يتدفق بإطراء الحياة الشيوعية التي شاهدها في موسكو عقب عودته من زيارة لها ساقته إليها الجواذب السياسية التي يحسنها ساسة الكرملين، والتي طالما ساقوا إليها غيره من (المفتين) و (رجال الدين) في مصر وسورية فلقوا من إكرامهم ما أطلق ألسنتهم بفنون الثناء عليهم، حتى ليكاد سامعوا إطرائهم يتساءلون.. وهل أصبحت موسكو حامية الإسلام بعد أن كانت مَباءةَ الإلحاد في العالمين!!...
وما أحسبني اليوم بملوم إذا أنا أعربت عن خشيتي أن تكون شهادة الشيخ أحمد بجانب القات من طراز شهادته السابقة لمصلحة الشيوعية..
. والله نسأل أن يجنبنا وإخواننا الزلل، وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه..
.. ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه... إنه خير المسئولين..
... والحمد لله رب العالميين...
الموضوع ملكووووووووش