حنيش الملز
12-10-05, 08:45 am
نقلا عن مجلة آخر ساعه /
ثناء رستم :
يصل حجم التداول في سوق التجميل إلي أكثر من 50 مليار دولار علي مستوي العالم من أدوات التجميل وأدوية وجراحات وملابس وأغذية وكل ما يتعلق بصناعة الجمال والتخسيس والريجيم.. والموضات التي تظهر لتحول فيها شفاة المرأة من رفيعة إلي غليظة وعيونها من واسعة إلي ضيقة ومن المفترض أن هذه الصناعة في العالم كله تحكمها قوانين غاية في الصرامة لا يسمح بتجاوزها أبدا.. إلا في مصر..
فالفوضي هي السمة الغالبة علي صناعة التجميل فمن مستشفيات تجري جراحات خارقة تتحول فيها 'الدبة' إلي غزال وأطباء تلك المستشفيات غير متخصصين وتشهد علي ذلك حالات كثيرة فقدوا حياتهم داخل وخارج غرف العمليات ولا يقتصر الأمر علي الجراحات فقط وإنما خرج بائِعو الوهم يعبئون بضائعهم في عبوات يدعون أنها قادرة علي الإتبان بالعجائب من كريمات تحول البدينة إلي رفيعة والسمراء إلي بيضاء في أيام قليلة عدا العجائب الأخري من كريمات بدم الوطواط ودهن الثعبان ولا ينقصنا سوي كريمات من أسنان النمل الأحمر!.
* وقصة الكريمات العجبية تحتاج منا إلي وقفه لكي نحدد من يقف وراءها وكيف تروج بهذه الطريقة الساذجة التي يقع في حبالها البسطاء أو اليائسون.. وفي جولة بين بائعي الوهم. أصابني الذهول وهو أقل ما يقال عن ما سمعته.. فهناك شخص يدعي أن لديه قائمة طويلة من الكريمات السحرية أحدها مصنوع من دم الطواط والذي يمنع ظهور الشعر الزائد في الجسم.. وهناك رواية يتم تداولها في الريف والمناطق الشعبية عن دهن أجسام الفتيات الرضع بدم الوطواط حتي لا ينمو الشعر ويتخلصن من تلك المشكلة.. أما قصة ذلك الكريم فهي للكبار وهو ما يدعو إلي الضحك ولا يتورع صاحب ذلك المكتب الغريب عن بيع كثير من العجائب طمي مغربي ببيض البشرة والجسم وكريم لتصغير الصدر وآخر لتكبيره أما أخطر ما يروجه ويحتاج إلي تحرك سريع هو كريم للبرود الجنسي ويقول أن لديه جهازا لذلك ومن شروط استخدامه أن تذهب إليه النساء في مكتبه الغامض لاستعماله هناك. ولا يتورع الرجل من الدخول في تفاصيل أجد حرجا شديدا في عرضها.. إلي جانب ادعائه أنه يقوم بتجميل وتكميل الأعضاء وبجانب هذا كله يدعي أنه متخصص في العلاج الطبيعي! والغريب أن هذه الأماكن ترفض استقبال أحد وتفضل إرسال بضائعها إلي المنازل، ماعدا طبعا الراغبات في استخدام جهاز التخلص من البرود الجنسي!.
كريمات وهمية
المثير للعجب أن هناك كثيرات يقبلن علي شراء تلك الكريمات الوهمية خاصة إذا ما قيل عنها أنها من خلاصات الأعشاب وأن التركيبات سرية ولا يكتب علي العبوات مكوناتها.. ويروج أحد هذه الأماكن لكريم عجيب يستخدم لتفتيح لون الجسم ويقولون عنه 'برنامج'.. ويضعون لاستخدامه عدة خطوات حتي تبدو العملية جدية وتبدأ بغسل الجسد بماء دافئ ثم يدهن الكريم لمدة ساعتين ثم يشطف بماء دافئ لتتحول السمراء إلي بيضاء بعد أسبوعين ويمكن أن يستمر البرنامج لمدة شهرين وكل البرامج تطبق علي تخسيس مناطق محددة بالجسم أوشد الوجه أو إزالة التجاعيد أو القضاء علي ترهلات الجسم بل والمضحك هو كريم لعلاج النحافة!.
وعملية الجذب لا تقتصر علي النساء والفتيات فقط بل وصلت إلي اللعب علي الوتر الحساس لما يعاني منه بعض الرجال من ضعف جنسي ومشاكل كثيرة تتعلق بهذه الأزمة ومن أجلهم أيضا تم ابتكار كريمات سحرية لإنهاء مشاكلهم وعودة البسمة إلي وجوهم والتقيت بأحدهم أمام أحد تلك المكاتب.. موظف.. عمره لا يتعدي الثلاثين.. وقف حائرا.. ينتظر وصول صاحب المكتب.. قال وهو يخرج من جيبه عدة قصاصات: جئت من أجل شراء كريم.. وتركته حائرا مترددا بين الانتظار والذهاب خوفا من التأخير لأنه استأذن من عمله لمدة ساعة..
فوضي التجميل
وبعد أن استمعت لتجارب العديد من النساء مع تلك الكريمات التي لا تنفع وإنما قد تضر وتسبب العديد من المشاكل الجلدية وكلهن يعترفن أنهن وقعن ضحايا لعمليات نصب مؤكدة بل والأكثر من هذا نشأت من خلال بائعي الوهم.. من استغل هوس الرغبة في الجمال.. وحصلوا علي تلك الكريمات وباعوها بأسعار فلكية.. كل هذا دفعني لأن اسأل د.أحمد عطية عميد كلية الصيدلة وأستاذ العقاقير بجامعة القاهرة عن حقيقة تلك الكريمات والمواد المصنوعة منها.. فأجابني بشكل قاطع ومحدد بأن كل ما يتعلق بها هو وهم كبير والناس تلهث وراء تلك الأوهام وأنه لا يوجد أي ضوابط وراء طرحها للبيع وتساءل هل هناك بلد في العالم تباع فيه الأعشاب علي محطات المترو؟ ويحذر بشدة من استعمال تلك الكريمات والمراهم فأي منتج من هذه النوعية لابد أن يتم تحليله في معامل وزارة الصحة من خلال اللجنة الفنية العليا للوزارة وهي المختصة بتسجيل أي دواء أو مستحضر تجميل يتم تداوله فحتي معجون الأسنان يتم تسجيله أما الفوضي الموجودة الآن من مجموعة من المدعين يقولون إن لديهم تركيبات خاصة فهو أنه غاية في الخطورة ومن يروجون لبضائعهم بقولهم أن منتجاتهم مصنوعة من الأعشاب فهو أيضا شديدة الخطورة فهناك أعشاب سامة وضارة ولها آثار جانبيه ولا يمكن أن تستخدم أو يتم تركيبها إلا عن طريق أطباء دارسين ومتخصصين.
ومن كريمات ودهانات الأعشاب والدماء والدهون إلي جرعة جديدة أصبحت منتشرة الآن وتتعلق بالتجميل بالليزر.. من إزالة ندبات الجروح وآثار الحروق والبهاق والوشم والكلف وغيرها وكل هذا قد يتم في جلسة واحدة أو علي عدة جلسات أما كيف يحدث هذا ما أجابتني عنه المسئولة عن العيادة بأن المريض يأتي ليخضع لاختبار لليزر.. ويتم حقنه ببنج موضعي ليحدد بعدها الطبيب عدد الجلسات اللازمة والنتائج مؤكدة.. والأهم من كل هذا أن العيادة بالفعل مزدحمة ومعظم روادها ممن يعانون من مرض البهاق ورأيت هناك حالة لسيدة تعاني من آثار حروق شديدة في وجهها ورقبتها وأكدت لي أن الطبيب طمأنها ووعدها بأنها بعد أن تخضع لعدد من الجلسات ستزول آثار الحروق.
وسعيت لسؤال د.إمام النجمي العميد السابق لكلية العلاج الطبيعي بجامعة القاهرة!.
قال إن الليزر يستخدم في مجال العلاج الطبيعي وكل وظيفته أنه يزيد من حيوية الأنسجة أما عن تأثيراته فهي غير مؤكدة وتنجح مع البعض وقد لا تنجح مع البعض الآخر ويستخدم في التخفيف من الألم وإزالة الحروق البسيطة والسطحية وليس له علاقة مباشرة بعمليات التجميل فإذا كان هناك جلد تنقصه التغذية فهو يساعد علي ايصالها لأنه يساعد علي تنشيط الخلية ولذلك يطلق علي الليزر 'التنبيه الحيوي' وتبدو فاعليته أكثر في علاج الألم والمساعدة علي التئام الجروح ولا يوجد له تأثير علي البهاق علي الإطلاق.
أما ما يقال عن اختيار ليزر وبنج موضعي فأقل ما أصف به تلك الأفعال بأنه 'عيب' فحتي إذا كان المريض سيخضع لعلاج بالليزر علي أيدي متخصصين فالمريض لا يشعر بالألم ولا بأشعة الليزر.. ولا يمكن من الأصل استخدام الليزر كعلاج منفرد فهو أحد وسائل العلاج الطبيعي وحتي عندما يستخدم في مجال الألم لابد أن تستخدم معه الوسائل الأخري.. أما من يدعون إنهاء المشاكل باستخدام الليزر هم يعرفون تماما بأنه غير ضار وإذا لم ينفع فإنه لن يسبب ضررا..
الغذاء الصحي والرياضة
ومن ضمن فوضي تجارة التجميل والتلاعب بأحلام ما يتم الإعلان عنه وترديده في مجال المعاهد الصحية والتي تطلق دعواتها بأنها قادرة علي انقاص الوزن عشرة كيلو جرامات في عشرة أيام أو أعجوبة الطين المغربي لتفتيح البشرة أو حمامات الشمع لإنقاص الوزن وغيرها من الوسائل.
ووافقتني السيدة نبيلة الشوربجي خبيرة التجميل في خطورة الترويج لهذه الوسائل بتلك الطريقة وتعتبرها من أساليب النصب فتلك المواد كلها لها وظائف محددة.. وتري أن الحفاظ علي الرشاقة والجمال وإنقاص الوزن لا يأتي إلا بطريقتين لا يوجد لهما ثالث.. فالمحافظة علي تناول الغذاء الصحي هو الأساس وممارسة الرياضة هي الطريقة الثانية.. وتعد رياضة المشي هي أفضل رياضة يستطيع الجميع ممارستها.
أما عن حمامات الشمع والتي يقال عنها أنها تأتي بنتائج هائلة في إنقاص الوزن.. فهي تؤكد أن هذا الكلام غير صحيح علي الإطلاق فحمام الشمع يتم استخدامه حتي في بعض المستشفيات لتخفيف آلام الروماتيزم وهو منشط الدورة الدموية ويخرج الماء الزائد من الجسم وتقوم السيدة أو الرجل بلف 'بطانية' حول المنطقة التي سيتم سكب الشمع المذاب الساخن عليها لمدة نصف ساعة.. وهناك أنواع من الشمع فرنسية وملونة ومختلطة بأعشاب طبية وأهم مواصفاته أنه شمع برانين طبي، وهناك بعض الأماكن التي تستخدم الشمع العادي في هذه العملية توفيرا للنفقات وسعيا لجني ربح أكثر.. ولا يأتي بأي نتيجة لمن يبحثون عن إنقاص الوزن بدون نظام غذائي صحي..
وتضيف بأن أكثر ما يصيبها بالدهشة ما يقال عن حمامات الطمي المغربي والصابون المغربي بأن له تأثيرا علي تفتيح البشرة والتخسيس فهو غير صحيح علي الإطلاق فحمامات الطين مكونة من طمي مختلط به معادن تأتي من أماكن تشتهر بهذه الأنواع وموجودة في معظم البلدان وكل وظيفتها تغذية البشرة والتخلص من الجلد الميت وهناك أنواع من الطين في أوربا مثل 'طمي البراكين' يحتوي علي معادن متنوعة مفيدة للجلد وحمامات الطمي التي تأتي من البحر الميت تفيد في التهابات الجلد ولها تأثير علي إزالة الحبوب الدهنية لاحتوائها علي نسبة عالية من الأملاح ولكنها لابد وأن تستخدم بحذر ووعي لأن هناك بشرة حساسة قد تأتي معها بنتائج عكسية. وكل أنواع حمامات الطمي لها نتيجة واحدة وهي طراوة الجلد وتنظيفه.
والصابون المغربي الغامق.. له نفس التأثير فهو مصنوع من زيت الزيتون وعظام الأسماك ويستخدم في غرفة البخار ويتم فركه 'بالكبس' وهو ينعم البشرة وينظفها.
والخطورة الحقيقية في مجال التجميل عامة هو في دخول كثيرين غير متخصصين يعتقدون أن التعامل في هذا المجال يعتمد علي الفهلوة وهو خطأ رهيب.. فعلي سبيل المثال هناك أماكن تقوم بحقن التجاعيد بحقن الكولاجين.. والبوتوكس.. لإزالتها ويقوم بذلك أناس غير متخصصين والمفترض ألا يقوم بهذه العملية إلا طبيب متخصص فرغم سهولة التعامل معها إلا أنها شديدة الدقة.
لابد من جهاز رقابي
وفوضي التجميل في مصر ترتبط ارتباطا مباشرا بالصحة العامة وفي أقل الحالات ضررا هي استنزاف المال.. وضعت تلك القضية بخطورتها أمام د.حمدي السيد نقيب الأطباء.
الذي أكد لي علي أن الفوضي الشاملة في كل ما يتعلق بالتجميل تعبر عن عدم احترام القوانين التي تيبح لوزارة الصحة الإشراف علي كل هذه المجالات ولا يجوز بيع أي دواء أو منتج بدون الترخيص أو الإشراف وطلبنا من وزارة الصحة ضرورة وجود جهاز تكون مهمته متابعة كل الإعلانات التي تنشر في الصحف والمجلات.
وإذا كان المنتج الغذائي أصبح لابد أن يكتب عليه موافقة وزارة الصحة فلماذا لا يسري ذلك علي باقي المنتجات المتعلقة بالتجميل وغيرها خاصة أن كثيرا من تلك المنتجات تصنع فيما يطلق عليه 'مصانع بئر السلم' بجانب منتجات العطارين وفوضي 'العسل' الذي يأتي بالعجائب فلابد من وقفة حازمة من وزارة الصحة أمام كل ما يحدث.
واتساءل أيضا عن دور جمعيات حماية المستهلك ومؤسسات المجتمع المدني.
د.عاصم عبدالناصر وكيل أول وزارة الصحة والمشرف علي الإدارة المركزية للمؤسسات الحكومية والتراخيص.. ومنذ عامين تقريبا يحاول مكافحة تلك الأماكن التي تحترف بيع الأوهام وأكثرها خطورة مستشفيات جراحات التجميل التي تعمل بدون تراخيص وبدون مواصفات طبية. قلت له من عامين منذ آخر لقاء بيننا ومازالت المشكلة كما هي؟ فرد هذا غير صحيح فلقد حدثت أشياء هامة فالغرامة التي كانت مقررة علي تلك الأماكن لم تعد بسيطة وسعينا إلي تغليظها فالمادة 16 مكرر من القانون 53/2004 جعلت من السلطة الصحية المختصة حق غلق الأماكن التي تدار بلا تراخيص مع الغرامة التي تصل إلي خمسين ألف جنيه ونقوم بدورنا تماما فمثلا الأماكن التي تبيع المنتجات من كريمات وأعشاب وغيرها قمنا بتحرير محاضر ولهم قضايا وكل تلك الإجراءات تتم حسب القانون والمستشفيات التي ترتكب أخطاء مهنية متكررة نقوم بإغلاقها ونتابعهم حتي ولو عملوا مرة أخري بأسماء مختلفة ولكننا نعاني من مشكلة حقيقية في ما ينشر في إعلانات الصحف والمجلات وحتي إعلانات الجدران والقانون رقم 153/2004 عدل بعض مواد القانون 51/1981 وأصبح ينص علي ضرورة أخذ موافقة وزارة الصحة عند الإعلان عن المنشآت الطبية والأطباء من النقابة العامة للأطباء كما نص علي أنه لا يجوز أن يتضمن الإعلان طرق التشخيص أو العلاج وبالفعل تم تحرير عدة محاضر فورية لكل من يعلن بدون أخذ هذه الموافقة ولكن للأسف الشديد لا نجد معاونة كافية في مثل هذه الحالة.
* واتصلت بالسيدة سعاد الديب رئيسة الشعبة الإعلامية للتنمية وحماية المستهلك وعرضت عليها أن تذهب معي في جولة لتري بنفسها ما يحدث في تلك المراكز.. والوهم الذي تبيعه للبسطاء. وحدثني عن جهود الجمعية في مسألة الإعلانات عامة وخاصة المستهلك منها وهو ما وضعت له ضوابط لجنة 'الكويولكد' لجنة شئون المستهلك الدولية وهي لجنة مصرية منبثقة من لجنة الأيزو العالمية وتوصلوا إلي وضع مواصفات مناسبة للإعلانات لتضبط من خلالها إذا كان الإعلان مضللا أم لا.. وفي هذه النقطة أري أن المسئولية ضائعة فجهات الإعلان ليست جهات متخصصة أو فنية لمعرفة إذا كان المنتج صحيحا أم لا.. ويسبق ذلك عمل جهات أخري المفترض بها ألا يظهر ذلك المنتج من الأصل.. وللحد من هذه الظاهرة لابد من تكاتف عدة جهات كمجموعة عمل.. وسأبدأ بالتنسيق مع الجهات المتخصصة لعمل خطة عمل كما سننظيم حملة لتوعية المواطنين بعدم الوقوع في شرك النصابين..
ثناء رستم :
يصل حجم التداول في سوق التجميل إلي أكثر من 50 مليار دولار علي مستوي العالم من أدوات التجميل وأدوية وجراحات وملابس وأغذية وكل ما يتعلق بصناعة الجمال والتخسيس والريجيم.. والموضات التي تظهر لتحول فيها شفاة المرأة من رفيعة إلي غليظة وعيونها من واسعة إلي ضيقة ومن المفترض أن هذه الصناعة في العالم كله تحكمها قوانين غاية في الصرامة لا يسمح بتجاوزها أبدا.. إلا في مصر..
فالفوضي هي السمة الغالبة علي صناعة التجميل فمن مستشفيات تجري جراحات خارقة تتحول فيها 'الدبة' إلي غزال وأطباء تلك المستشفيات غير متخصصين وتشهد علي ذلك حالات كثيرة فقدوا حياتهم داخل وخارج غرف العمليات ولا يقتصر الأمر علي الجراحات فقط وإنما خرج بائِعو الوهم يعبئون بضائعهم في عبوات يدعون أنها قادرة علي الإتبان بالعجائب من كريمات تحول البدينة إلي رفيعة والسمراء إلي بيضاء في أيام قليلة عدا العجائب الأخري من كريمات بدم الوطواط ودهن الثعبان ولا ينقصنا سوي كريمات من أسنان النمل الأحمر!.
* وقصة الكريمات العجبية تحتاج منا إلي وقفه لكي نحدد من يقف وراءها وكيف تروج بهذه الطريقة الساذجة التي يقع في حبالها البسطاء أو اليائسون.. وفي جولة بين بائعي الوهم. أصابني الذهول وهو أقل ما يقال عن ما سمعته.. فهناك شخص يدعي أن لديه قائمة طويلة من الكريمات السحرية أحدها مصنوع من دم الطواط والذي يمنع ظهور الشعر الزائد في الجسم.. وهناك رواية يتم تداولها في الريف والمناطق الشعبية عن دهن أجسام الفتيات الرضع بدم الوطواط حتي لا ينمو الشعر ويتخلصن من تلك المشكلة.. أما قصة ذلك الكريم فهي للكبار وهو ما يدعو إلي الضحك ولا يتورع صاحب ذلك المكتب الغريب عن بيع كثير من العجائب طمي مغربي ببيض البشرة والجسم وكريم لتصغير الصدر وآخر لتكبيره أما أخطر ما يروجه ويحتاج إلي تحرك سريع هو كريم للبرود الجنسي ويقول أن لديه جهازا لذلك ومن شروط استخدامه أن تذهب إليه النساء في مكتبه الغامض لاستعماله هناك. ولا يتورع الرجل من الدخول في تفاصيل أجد حرجا شديدا في عرضها.. إلي جانب ادعائه أنه يقوم بتجميل وتكميل الأعضاء وبجانب هذا كله يدعي أنه متخصص في العلاج الطبيعي! والغريب أن هذه الأماكن ترفض استقبال أحد وتفضل إرسال بضائعها إلي المنازل، ماعدا طبعا الراغبات في استخدام جهاز التخلص من البرود الجنسي!.
كريمات وهمية
المثير للعجب أن هناك كثيرات يقبلن علي شراء تلك الكريمات الوهمية خاصة إذا ما قيل عنها أنها من خلاصات الأعشاب وأن التركيبات سرية ولا يكتب علي العبوات مكوناتها.. ويروج أحد هذه الأماكن لكريم عجيب يستخدم لتفتيح لون الجسم ويقولون عنه 'برنامج'.. ويضعون لاستخدامه عدة خطوات حتي تبدو العملية جدية وتبدأ بغسل الجسد بماء دافئ ثم يدهن الكريم لمدة ساعتين ثم يشطف بماء دافئ لتتحول السمراء إلي بيضاء بعد أسبوعين ويمكن أن يستمر البرنامج لمدة شهرين وكل البرامج تطبق علي تخسيس مناطق محددة بالجسم أوشد الوجه أو إزالة التجاعيد أو القضاء علي ترهلات الجسم بل والمضحك هو كريم لعلاج النحافة!.
وعملية الجذب لا تقتصر علي النساء والفتيات فقط بل وصلت إلي اللعب علي الوتر الحساس لما يعاني منه بعض الرجال من ضعف جنسي ومشاكل كثيرة تتعلق بهذه الأزمة ومن أجلهم أيضا تم ابتكار كريمات سحرية لإنهاء مشاكلهم وعودة البسمة إلي وجوهم والتقيت بأحدهم أمام أحد تلك المكاتب.. موظف.. عمره لا يتعدي الثلاثين.. وقف حائرا.. ينتظر وصول صاحب المكتب.. قال وهو يخرج من جيبه عدة قصاصات: جئت من أجل شراء كريم.. وتركته حائرا مترددا بين الانتظار والذهاب خوفا من التأخير لأنه استأذن من عمله لمدة ساعة..
فوضي التجميل
وبعد أن استمعت لتجارب العديد من النساء مع تلك الكريمات التي لا تنفع وإنما قد تضر وتسبب العديد من المشاكل الجلدية وكلهن يعترفن أنهن وقعن ضحايا لعمليات نصب مؤكدة بل والأكثر من هذا نشأت من خلال بائعي الوهم.. من استغل هوس الرغبة في الجمال.. وحصلوا علي تلك الكريمات وباعوها بأسعار فلكية.. كل هذا دفعني لأن اسأل د.أحمد عطية عميد كلية الصيدلة وأستاذ العقاقير بجامعة القاهرة عن حقيقة تلك الكريمات والمواد المصنوعة منها.. فأجابني بشكل قاطع ومحدد بأن كل ما يتعلق بها هو وهم كبير والناس تلهث وراء تلك الأوهام وأنه لا يوجد أي ضوابط وراء طرحها للبيع وتساءل هل هناك بلد في العالم تباع فيه الأعشاب علي محطات المترو؟ ويحذر بشدة من استعمال تلك الكريمات والمراهم فأي منتج من هذه النوعية لابد أن يتم تحليله في معامل وزارة الصحة من خلال اللجنة الفنية العليا للوزارة وهي المختصة بتسجيل أي دواء أو مستحضر تجميل يتم تداوله فحتي معجون الأسنان يتم تسجيله أما الفوضي الموجودة الآن من مجموعة من المدعين يقولون إن لديهم تركيبات خاصة فهو أنه غاية في الخطورة ومن يروجون لبضائعهم بقولهم أن منتجاتهم مصنوعة من الأعشاب فهو أيضا شديدة الخطورة فهناك أعشاب سامة وضارة ولها آثار جانبيه ولا يمكن أن تستخدم أو يتم تركيبها إلا عن طريق أطباء دارسين ومتخصصين.
ومن كريمات ودهانات الأعشاب والدماء والدهون إلي جرعة جديدة أصبحت منتشرة الآن وتتعلق بالتجميل بالليزر.. من إزالة ندبات الجروح وآثار الحروق والبهاق والوشم والكلف وغيرها وكل هذا قد يتم في جلسة واحدة أو علي عدة جلسات أما كيف يحدث هذا ما أجابتني عنه المسئولة عن العيادة بأن المريض يأتي ليخضع لاختبار لليزر.. ويتم حقنه ببنج موضعي ليحدد بعدها الطبيب عدد الجلسات اللازمة والنتائج مؤكدة.. والأهم من كل هذا أن العيادة بالفعل مزدحمة ومعظم روادها ممن يعانون من مرض البهاق ورأيت هناك حالة لسيدة تعاني من آثار حروق شديدة في وجهها ورقبتها وأكدت لي أن الطبيب طمأنها ووعدها بأنها بعد أن تخضع لعدد من الجلسات ستزول آثار الحروق.
وسعيت لسؤال د.إمام النجمي العميد السابق لكلية العلاج الطبيعي بجامعة القاهرة!.
قال إن الليزر يستخدم في مجال العلاج الطبيعي وكل وظيفته أنه يزيد من حيوية الأنسجة أما عن تأثيراته فهي غير مؤكدة وتنجح مع البعض وقد لا تنجح مع البعض الآخر ويستخدم في التخفيف من الألم وإزالة الحروق البسيطة والسطحية وليس له علاقة مباشرة بعمليات التجميل فإذا كان هناك جلد تنقصه التغذية فهو يساعد علي ايصالها لأنه يساعد علي تنشيط الخلية ولذلك يطلق علي الليزر 'التنبيه الحيوي' وتبدو فاعليته أكثر في علاج الألم والمساعدة علي التئام الجروح ولا يوجد له تأثير علي البهاق علي الإطلاق.
أما ما يقال عن اختيار ليزر وبنج موضعي فأقل ما أصف به تلك الأفعال بأنه 'عيب' فحتي إذا كان المريض سيخضع لعلاج بالليزر علي أيدي متخصصين فالمريض لا يشعر بالألم ولا بأشعة الليزر.. ولا يمكن من الأصل استخدام الليزر كعلاج منفرد فهو أحد وسائل العلاج الطبيعي وحتي عندما يستخدم في مجال الألم لابد أن تستخدم معه الوسائل الأخري.. أما من يدعون إنهاء المشاكل باستخدام الليزر هم يعرفون تماما بأنه غير ضار وإذا لم ينفع فإنه لن يسبب ضررا..
الغذاء الصحي والرياضة
ومن ضمن فوضي تجارة التجميل والتلاعب بأحلام ما يتم الإعلان عنه وترديده في مجال المعاهد الصحية والتي تطلق دعواتها بأنها قادرة علي انقاص الوزن عشرة كيلو جرامات في عشرة أيام أو أعجوبة الطين المغربي لتفتيح البشرة أو حمامات الشمع لإنقاص الوزن وغيرها من الوسائل.
ووافقتني السيدة نبيلة الشوربجي خبيرة التجميل في خطورة الترويج لهذه الوسائل بتلك الطريقة وتعتبرها من أساليب النصب فتلك المواد كلها لها وظائف محددة.. وتري أن الحفاظ علي الرشاقة والجمال وإنقاص الوزن لا يأتي إلا بطريقتين لا يوجد لهما ثالث.. فالمحافظة علي تناول الغذاء الصحي هو الأساس وممارسة الرياضة هي الطريقة الثانية.. وتعد رياضة المشي هي أفضل رياضة يستطيع الجميع ممارستها.
أما عن حمامات الشمع والتي يقال عنها أنها تأتي بنتائج هائلة في إنقاص الوزن.. فهي تؤكد أن هذا الكلام غير صحيح علي الإطلاق فحمام الشمع يتم استخدامه حتي في بعض المستشفيات لتخفيف آلام الروماتيزم وهو منشط الدورة الدموية ويخرج الماء الزائد من الجسم وتقوم السيدة أو الرجل بلف 'بطانية' حول المنطقة التي سيتم سكب الشمع المذاب الساخن عليها لمدة نصف ساعة.. وهناك أنواع من الشمع فرنسية وملونة ومختلطة بأعشاب طبية وأهم مواصفاته أنه شمع برانين طبي، وهناك بعض الأماكن التي تستخدم الشمع العادي في هذه العملية توفيرا للنفقات وسعيا لجني ربح أكثر.. ولا يأتي بأي نتيجة لمن يبحثون عن إنقاص الوزن بدون نظام غذائي صحي..
وتضيف بأن أكثر ما يصيبها بالدهشة ما يقال عن حمامات الطمي المغربي والصابون المغربي بأن له تأثيرا علي تفتيح البشرة والتخسيس فهو غير صحيح علي الإطلاق فحمامات الطين مكونة من طمي مختلط به معادن تأتي من أماكن تشتهر بهذه الأنواع وموجودة في معظم البلدان وكل وظيفتها تغذية البشرة والتخلص من الجلد الميت وهناك أنواع من الطين في أوربا مثل 'طمي البراكين' يحتوي علي معادن متنوعة مفيدة للجلد وحمامات الطمي التي تأتي من البحر الميت تفيد في التهابات الجلد ولها تأثير علي إزالة الحبوب الدهنية لاحتوائها علي نسبة عالية من الأملاح ولكنها لابد وأن تستخدم بحذر ووعي لأن هناك بشرة حساسة قد تأتي معها بنتائج عكسية. وكل أنواع حمامات الطمي لها نتيجة واحدة وهي طراوة الجلد وتنظيفه.
والصابون المغربي الغامق.. له نفس التأثير فهو مصنوع من زيت الزيتون وعظام الأسماك ويستخدم في غرفة البخار ويتم فركه 'بالكبس' وهو ينعم البشرة وينظفها.
والخطورة الحقيقية في مجال التجميل عامة هو في دخول كثيرين غير متخصصين يعتقدون أن التعامل في هذا المجال يعتمد علي الفهلوة وهو خطأ رهيب.. فعلي سبيل المثال هناك أماكن تقوم بحقن التجاعيد بحقن الكولاجين.. والبوتوكس.. لإزالتها ويقوم بذلك أناس غير متخصصين والمفترض ألا يقوم بهذه العملية إلا طبيب متخصص فرغم سهولة التعامل معها إلا أنها شديدة الدقة.
لابد من جهاز رقابي
وفوضي التجميل في مصر ترتبط ارتباطا مباشرا بالصحة العامة وفي أقل الحالات ضررا هي استنزاف المال.. وضعت تلك القضية بخطورتها أمام د.حمدي السيد نقيب الأطباء.
الذي أكد لي علي أن الفوضي الشاملة في كل ما يتعلق بالتجميل تعبر عن عدم احترام القوانين التي تيبح لوزارة الصحة الإشراف علي كل هذه المجالات ولا يجوز بيع أي دواء أو منتج بدون الترخيص أو الإشراف وطلبنا من وزارة الصحة ضرورة وجود جهاز تكون مهمته متابعة كل الإعلانات التي تنشر في الصحف والمجلات.
وإذا كان المنتج الغذائي أصبح لابد أن يكتب عليه موافقة وزارة الصحة فلماذا لا يسري ذلك علي باقي المنتجات المتعلقة بالتجميل وغيرها خاصة أن كثيرا من تلك المنتجات تصنع فيما يطلق عليه 'مصانع بئر السلم' بجانب منتجات العطارين وفوضي 'العسل' الذي يأتي بالعجائب فلابد من وقفة حازمة من وزارة الصحة أمام كل ما يحدث.
واتساءل أيضا عن دور جمعيات حماية المستهلك ومؤسسات المجتمع المدني.
د.عاصم عبدالناصر وكيل أول وزارة الصحة والمشرف علي الإدارة المركزية للمؤسسات الحكومية والتراخيص.. ومنذ عامين تقريبا يحاول مكافحة تلك الأماكن التي تحترف بيع الأوهام وأكثرها خطورة مستشفيات جراحات التجميل التي تعمل بدون تراخيص وبدون مواصفات طبية. قلت له من عامين منذ آخر لقاء بيننا ومازالت المشكلة كما هي؟ فرد هذا غير صحيح فلقد حدثت أشياء هامة فالغرامة التي كانت مقررة علي تلك الأماكن لم تعد بسيطة وسعينا إلي تغليظها فالمادة 16 مكرر من القانون 53/2004 جعلت من السلطة الصحية المختصة حق غلق الأماكن التي تدار بلا تراخيص مع الغرامة التي تصل إلي خمسين ألف جنيه ونقوم بدورنا تماما فمثلا الأماكن التي تبيع المنتجات من كريمات وأعشاب وغيرها قمنا بتحرير محاضر ولهم قضايا وكل تلك الإجراءات تتم حسب القانون والمستشفيات التي ترتكب أخطاء مهنية متكررة نقوم بإغلاقها ونتابعهم حتي ولو عملوا مرة أخري بأسماء مختلفة ولكننا نعاني من مشكلة حقيقية في ما ينشر في إعلانات الصحف والمجلات وحتي إعلانات الجدران والقانون رقم 153/2004 عدل بعض مواد القانون 51/1981 وأصبح ينص علي ضرورة أخذ موافقة وزارة الصحة عند الإعلان عن المنشآت الطبية والأطباء من النقابة العامة للأطباء كما نص علي أنه لا يجوز أن يتضمن الإعلان طرق التشخيص أو العلاج وبالفعل تم تحرير عدة محاضر فورية لكل من يعلن بدون أخذ هذه الموافقة ولكن للأسف الشديد لا نجد معاونة كافية في مثل هذه الحالة.
* واتصلت بالسيدة سعاد الديب رئيسة الشعبة الإعلامية للتنمية وحماية المستهلك وعرضت عليها أن تذهب معي في جولة لتري بنفسها ما يحدث في تلك المراكز.. والوهم الذي تبيعه للبسطاء. وحدثني عن جهود الجمعية في مسألة الإعلانات عامة وخاصة المستهلك منها وهو ما وضعت له ضوابط لجنة 'الكويولكد' لجنة شئون المستهلك الدولية وهي لجنة مصرية منبثقة من لجنة الأيزو العالمية وتوصلوا إلي وضع مواصفات مناسبة للإعلانات لتضبط من خلالها إذا كان الإعلان مضللا أم لا.. وفي هذه النقطة أري أن المسئولية ضائعة فجهات الإعلان ليست جهات متخصصة أو فنية لمعرفة إذا كان المنتج صحيحا أم لا.. ويسبق ذلك عمل جهات أخري المفترض بها ألا يظهر ذلك المنتج من الأصل.. وللحد من هذه الظاهرة لابد من تكاتف عدة جهات كمجموعة عمل.. وسأبدأ بالتنسيق مع الجهات المتخصصة لعمل خطة عمل كما سننظيم حملة لتوعية المواطنين بعدم الوقوع في شرك النصابين..