داعية
08-10-05, 05:37 pm
هذه رسالة لأحد طلبة العلم، والتي لم يتم طبعتها حتى الان، ولقد اطلعت عليها من قريب، وأحببت أن يقرأها أخوتي من طلب العلم، والمشائخ الكرام في هذا المنتدى المبارك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الإفراط في تفطير الوافدين
الحمد له رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
فإنه قد ظهر في زماننا هذا ظاهرةُ تفطير العمالة الوافدة في شهر رمضان، وقد تتابع الناس على استحسانه، وجعله من أجل القربات، وأعظم الطاعات، وهذا مما لا يرتاب فيه عاقل ، ولا يشك فيه مميزُ الحق من الباطل، أنه عمل جليل، وفاضل في أصله.
ولكن لما خالط ذلك الأمر وهو تفطيرُ هؤلاء الوافدين، من إهمالٍ لبعض ذوي القربى ، التي هي عند الموازنة أجل وأعظم عند الله من الإفراط في تفطير هؤلاء الوافدين.
ثم إن هؤلاء الوافدين ليسوا على حدٍ سواء، فمنهم من يُرضى دينه وخلقه، فبتفطيره يتقوى على العبادة في هذا الشهر العظيم، وهذا الصنف منهم حقٌ علينا إفطاره إذا كان لا يجد ما يسد به حاجته، ويتحقق فيه ما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة t أن النبي e قال: " في كل كبدٍ رطبةٍ أجر ".
ومنهم من لا يُرضى دينه ولا خلقه، فبتفطيره يتقوى على المعاصي والذنوب في هذا الشهر العظيم، وهذا الصنف منهم هو بيت القصيد، وهو ما ندندن حوله؟ في هذه الرسالة، وهو ما يشغل ذوي الألباب العاقلة، ومن أوتي فهم السنة والكتاب.
فتفطير هؤلاء فيه نظر كبير لا يخفى!؟ ولو صُرف في غيرهم من قريبٍ محتاج، أو متعففٍ لا يعرفهُ الجُهال، أو يتيمٍ لم تلتفت إليه الأنظار، أو أرملةٍ فقدت الأنيس والأولاد، أو مسكينٍ لم يفطن له التجار، لكان أحسن وأولى من صرفها فيمن يتقوى بفطره على معصية العزيز الجبار، لأنه يُخشى من صرفها لهذا الصنف التبعة والآثام!.
ثم إن هذه المسألة؟ قد جاء في فضل ناسكها فضلٌ عظيم، وهو حديث زيد بن خالد الْجُهَنِيِّ tقال: قال رَسُولُ الله e:" من فطر صَائِمًا كان لَهُ مثل أَجْرِهِ غيرَ أنه لا ينقص من أجر الصائم شَيْئًا ".
وهذا الحديث أخرجه الترمذي (807), وأحمد في "مسنده " (17033), والنسائي في "الكبرى" (3331) وابن ماجه (2759) ، والبيهقي في السنن 4/240 من طريق عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء ابن أبي رباح عن زيد بن خالد الجهني، وهذا الإسناد فيه انقطاع، لأن عطاء بن أبي رباح لم يصح له سماع من زيد بن خالد الجهني، قاله علي بن المديني في كتابه "العلل" ص 139.
وجاء عند النسائي في " السنن الكبرى " (3333) من طريق حسين المعلم عن عطاء بن أبي رباح عن عائشة موقوفاً، وقد خالف حسين المعلم الرواة عن عطاء بن أبي رباح وهم سته، بجعله من مسند عائشة رضي الله عنها وقد وهم في ذلك، وإنما الصحيح جعله من مسند زيد بن خالد الجهني.
وجاء عند عبد الرزاق في "المصنف" ( 7905 ) من طريق بن جريج عن صالح بن نبهان مولى التوأمة سمعت أبا هريرة t به. وآفة هذا الأثر تدليس بن جريج وهو مكثر منه، ومن قواعد المحدثين فيمن كثر تدليسهُ أن يصرح بالتحديث، كما هو منهج علي ابن المديني ويعقوب بن أبي شيبه ومسلم وغيرهم من الحفاظ ، وابن جريج لم يصرح هنا بالتحديث؛ وقد تُكلم في صالح بن نبهان مولى التوأمة إلا أن الإمام أحمد قال: فيه مَالِكٌ أدرك صالحاً، وقد اختلط وهو كبير، وما أعلم به بأساً من سمع منه قديما،ً فقد روى عنه أكابر أهل المدينة. وفي رواية: عباس الدوري عن ابن معين أنه قال: ثقة وقد كان خرف قبل أن يموت فمن سمع منه قبلُ فهو ثبت. وقال ابن المديني: ثقة إلا أنه خرّف وكبر فسمع منه الثوري بعد الخرف. انظر: ميزان الاعتدال للذهبي 2 /303، وابن جريج ممن سمع منه قبل الاختلاط وهو من قدماء أصحابه، وقال ابن عدي: لا بأس به إذا روى عنه القدماء مثل ابن أبي ذئب وابن جريج. انظر: الجرح والتعديل 4/1830, تاريخ البخاري الكبير 4/291, تهذيب التهذيب 4 / 406.
وجاء عند ابن خزيمة في صحيحه (1887) والبيهقي في شعب الإيمان (3955) من طريق علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب عن سلمان الفارسي t مرفوعاً. وفي إسناد هذا الأثر علي بن زيد بن جدعان والأكثر على تضعيفه، وممن ضعفه الإمام أحمد، ويحيى بن معين، والثوري، وقال الفلاس: كان يحيى القطان يتقي حديثه عن علي بن زيد. وقال البخاري وأبو حاتم: لا يحتج به. وقال ابن خزيمة: لا أحتج به لسوء حفظه وقال الدارقطني مازال عندي فيه لين. انظر: ميزان الاعتدال للذهبي 2/ 127، بل وحكى الحافظ ابن حجر في الإصابة الاتفاق على سوء حفظه انظر: الإصابة 4 /432، وقد ضعف هذا الحديث بعلة الانقطاع شيخنا المحدث سليمان بن ناصر العلوان, وكذلك الشيخ المحدث عبدا لله بن عبد الرحمن السعد.
فأما الصنف الأول: وهم من له حقٌ علينا، ممن يتقوون بفطرهم على العبادة والقيام في هذا الشهر الكريم، فهؤلاء الصنف من الوافدة لا يقال: فيهم مثل ما قلنا في الصنف الثاني - وسيأتي فيما نستقبل الكلام على هذا الصنف - ، بل يطعمون من غير سرفٍ ولا مخيلة، ويُفَطَّرون، ويرجى لمن بذل في إطعامهم الأجر الوفير، كما تعالى: ] ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيرا [ الأنسان / 8 ]، ولعموم ما جاء في الصحيحين من حديث عُمَارَةُ بن القعقاع حدثنا أبو زرعة حدثنا أَبُو هريرة t قال جاء رجلٌ إلى النبي e فقال:يا رسول الله أَيُّ الصدقةِ أعظم أَجْرًا قال: أَنْ تصدق وأنت صحيح شَحِيحٌ تخشى الفقرَ وَتَأْمُلُ الغنى ولا تُمْهِلُ حتى إذا بلغت الْحُلْقُومَ قُلتَ لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان ".
وقد كان رسول الله e أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، وكان هو بأبي وأمي أجود بالخير من الريح المرسلة، وقد سار على ذلك أصحابه رضوان الله عليهم، وهكذا كان سلفنا الصالح، يطعمون الطعام، ويبذلون الوسع في التوسعة على إخوانهم، وكانوا يحرصون أشد الحرص على أن لا يأكل طعامهم إلا الصالحين والأتقياء، عملاً بما رواه أحمد3/38،وأبو داود2/675، والترمذي4/143 وغيرهم بسند جيد من طريق الوليد بن قيس عن أبي سعيد أو عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري أَنَّهُ سمع رسول الله e :لا تُصَاحِبْ إلا مؤمناً ولا يَأْكُلْ طعامك إلا تَقِي ".ٌّ قَالَ أَبُو عِيسَى هذا : حديث حسن، وصححه ابن حبان2/413، والحاكم4/143 , وقال شيخنا سنده حسن.
وأما الصنف الثاني: وهم الذين يتقوون بفطرهم على المعاصي والآثام، وقد يتعدى ذلك إلى غيرهم، فيكون الأمر أعظم وأدهى، حيث أن فيهم من هو من أهل المجون، والضلالة، والبدع، بل وقد يوجد عند بعضهم من الخرافات، والشركيات ما الله به عليم، وهؤلاء ليسوا ممن يرجى في تفطيرهم الأجر والمثوبة، بل يدعون إلى كل ما من سبيله أن يقومهم، ويسعى في أمرهم، بحيث يعقد لهم المحاضرات والدروس التي تقوم ما عندهم من زلل وخطأ، فإذا ما تهذبوا وصلحوا وعم نفعهم ورجي فيهم الخير كانوا في عداد الصنف الأول، وأما والحالة هذه فإن في تفطيرهم إعانة لهم على المعاصي قال تعالى: ] وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان [ [ المائدة / 2 ].
والأولى لمن عرف هذا الصنف منهم، وستبصر حال القوم وما هم عليه من مخالفات، أن يتفطن لأمرٍ غرق الناس في بحره الُلجي، واجلبوا عليه بخيلهم ورجلهم، صرفاً، وإنفاقا،ً وبذلاً، وإعطاءً، وقد ضيعوا بذلك أموالهم، ولو صرفوها في دعوتهم لكان أولى وأحسن بأضعافٍ مضاعفه، ثم إن اللبيب الحاذق الذي يزن الأمور بميزان الشرع، يعلم أن تفطير هذا الصنف منهم غير محمودٍ، وأن ثمت أُناسٍ أحوج منهم، والأجر فيهم أعظم وأجل، ولو عُني كل فردٍ منا بالتفتيش، والتنقيب عن أرحامه، وأقاربه، وعشيرته الأقربين، من فقيرٍ، أو مسكينٍ، أو يتيمٍ لوجد ما يبكي، ويجعل الحليم حيرانا، فأين نحن من ذوي الأرحام، والأقارب والأسر المتعففه ونحوهم ممن لهم حقٌ علينا!؟، لا سيما وقد جاء في فضل برهم والأنفاق عليهم نصوصٌ كثيرة، فهذا أبو طلحة t لما قدم على النبي e، وكان من أكثر الأنصار مالاً بالمدينة، وكان من أحب أمواله إليه بيرحاء فاستشار النبي e أين يضعها فقال: له النبي e: " بخٍ، ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، وقد سمعت ما قلت، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين " فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه ". متفق عليه من حديث أنس t، وفي رواية: للبخاري (1461)، قال النبي e لأبي طلحة " اجعله لفقراء أقاربك " فجعلها لحسان، وأبي بن كعب. وقد بوب البخاري في صحيحيه فقال: قال النبي r ( له أجران: أجر القرابة والصدقة ), فتح" الباري" 3/325.
وهذا ما يعرف بفقه الموازنات بين القربات وقد أغفل في زماننا هذا، وقل من يفقه فيه، بل ليس ببعيد أن يقال لا يفطن له إلا خاصة الخاصة، من أهل العلم والفضل، ومن أوتيه فقد أوتي خيراً كثيرا، قال تعالى: ] ذلك فضل الله يؤتيه من يشآء والله ذو الفضل العظيم [ [ الجمعه / 4 ]، وختاماً لهذه الرسالة والتي نسأل الله جل وعلا أن تعم بها الفائدة، وأن يوفق أهل الخير لبذل أموالهم بما يعود عليهم بالنفع والخيرية في الدارين، وصرفها في محلها الفاضل لا المفضول، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
بسم الله الرحمن الرحيم
الإفراط في تفطير الوافدين
الحمد له رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
فإنه قد ظهر في زماننا هذا ظاهرةُ تفطير العمالة الوافدة في شهر رمضان، وقد تتابع الناس على استحسانه، وجعله من أجل القربات، وأعظم الطاعات، وهذا مما لا يرتاب فيه عاقل ، ولا يشك فيه مميزُ الحق من الباطل، أنه عمل جليل، وفاضل في أصله.
ولكن لما خالط ذلك الأمر وهو تفطيرُ هؤلاء الوافدين، من إهمالٍ لبعض ذوي القربى ، التي هي عند الموازنة أجل وأعظم عند الله من الإفراط في تفطير هؤلاء الوافدين.
ثم إن هؤلاء الوافدين ليسوا على حدٍ سواء، فمنهم من يُرضى دينه وخلقه، فبتفطيره يتقوى على العبادة في هذا الشهر العظيم، وهذا الصنف منهم حقٌ علينا إفطاره إذا كان لا يجد ما يسد به حاجته، ويتحقق فيه ما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة t أن النبي e قال: " في كل كبدٍ رطبةٍ أجر ".
ومنهم من لا يُرضى دينه ولا خلقه، فبتفطيره يتقوى على المعاصي والذنوب في هذا الشهر العظيم، وهذا الصنف منهم هو بيت القصيد، وهو ما ندندن حوله؟ في هذه الرسالة، وهو ما يشغل ذوي الألباب العاقلة، ومن أوتي فهم السنة والكتاب.
فتفطير هؤلاء فيه نظر كبير لا يخفى!؟ ولو صُرف في غيرهم من قريبٍ محتاج، أو متعففٍ لا يعرفهُ الجُهال، أو يتيمٍ لم تلتفت إليه الأنظار، أو أرملةٍ فقدت الأنيس والأولاد، أو مسكينٍ لم يفطن له التجار، لكان أحسن وأولى من صرفها فيمن يتقوى بفطره على معصية العزيز الجبار، لأنه يُخشى من صرفها لهذا الصنف التبعة والآثام!.
ثم إن هذه المسألة؟ قد جاء في فضل ناسكها فضلٌ عظيم، وهو حديث زيد بن خالد الْجُهَنِيِّ tقال: قال رَسُولُ الله e:" من فطر صَائِمًا كان لَهُ مثل أَجْرِهِ غيرَ أنه لا ينقص من أجر الصائم شَيْئًا ".
وهذا الحديث أخرجه الترمذي (807), وأحمد في "مسنده " (17033), والنسائي في "الكبرى" (3331) وابن ماجه (2759) ، والبيهقي في السنن 4/240 من طريق عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء ابن أبي رباح عن زيد بن خالد الجهني، وهذا الإسناد فيه انقطاع، لأن عطاء بن أبي رباح لم يصح له سماع من زيد بن خالد الجهني، قاله علي بن المديني في كتابه "العلل" ص 139.
وجاء عند النسائي في " السنن الكبرى " (3333) من طريق حسين المعلم عن عطاء بن أبي رباح عن عائشة موقوفاً، وقد خالف حسين المعلم الرواة عن عطاء بن أبي رباح وهم سته، بجعله من مسند عائشة رضي الله عنها وقد وهم في ذلك، وإنما الصحيح جعله من مسند زيد بن خالد الجهني.
وجاء عند عبد الرزاق في "المصنف" ( 7905 ) من طريق بن جريج عن صالح بن نبهان مولى التوأمة سمعت أبا هريرة t به. وآفة هذا الأثر تدليس بن جريج وهو مكثر منه، ومن قواعد المحدثين فيمن كثر تدليسهُ أن يصرح بالتحديث، كما هو منهج علي ابن المديني ويعقوب بن أبي شيبه ومسلم وغيرهم من الحفاظ ، وابن جريج لم يصرح هنا بالتحديث؛ وقد تُكلم في صالح بن نبهان مولى التوأمة إلا أن الإمام أحمد قال: فيه مَالِكٌ أدرك صالحاً، وقد اختلط وهو كبير، وما أعلم به بأساً من سمع منه قديما،ً فقد روى عنه أكابر أهل المدينة. وفي رواية: عباس الدوري عن ابن معين أنه قال: ثقة وقد كان خرف قبل أن يموت فمن سمع منه قبلُ فهو ثبت. وقال ابن المديني: ثقة إلا أنه خرّف وكبر فسمع منه الثوري بعد الخرف. انظر: ميزان الاعتدال للذهبي 2 /303، وابن جريج ممن سمع منه قبل الاختلاط وهو من قدماء أصحابه، وقال ابن عدي: لا بأس به إذا روى عنه القدماء مثل ابن أبي ذئب وابن جريج. انظر: الجرح والتعديل 4/1830, تاريخ البخاري الكبير 4/291, تهذيب التهذيب 4 / 406.
وجاء عند ابن خزيمة في صحيحه (1887) والبيهقي في شعب الإيمان (3955) من طريق علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب عن سلمان الفارسي t مرفوعاً. وفي إسناد هذا الأثر علي بن زيد بن جدعان والأكثر على تضعيفه، وممن ضعفه الإمام أحمد، ويحيى بن معين، والثوري، وقال الفلاس: كان يحيى القطان يتقي حديثه عن علي بن زيد. وقال البخاري وأبو حاتم: لا يحتج به. وقال ابن خزيمة: لا أحتج به لسوء حفظه وقال الدارقطني مازال عندي فيه لين. انظر: ميزان الاعتدال للذهبي 2/ 127، بل وحكى الحافظ ابن حجر في الإصابة الاتفاق على سوء حفظه انظر: الإصابة 4 /432، وقد ضعف هذا الحديث بعلة الانقطاع شيخنا المحدث سليمان بن ناصر العلوان, وكذلك الشيخ المحدث عبدا لله بن عبد الرحمن السعد.
فأما الصنف الأول: وهم من له حقٌ علينا، ممن يتقوون بفطرهم على العبادة والقيام في هذا الشهر الكريم، فهؤلاء الصنف من الوافدة لا يقال: فيهم مثل ما قلنا في الصنف الثاني - وسيأتي فيما نستقبل الكلام على هذا الصنف - ، بل يطعمون من غير سرفٍ ولا مخيلة، ويُفَطَّرون، ويرجى لمن بذل في إطعامهم الأجر الوفير، كما تعالى: ] ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيرا [ الأنسان / 8 ]، ولعموم ما جاء في الصحيحين من حديث عُمَارَةُ بن القعقاع حدثنا أبو زرعة حدثنا أَبُو هريرة t قال جاء رجلٌ إلى النبي e فقال:يا رسول الله أَيُّ الصدقةِ أعظم أَجْرًا قال: أَنْ تصدق وأنت صحيح شَحِيحٌ تخشى الفقرَ وَتَأْمُلُ الغنى ولا تُمْهِلُ حتى إذا بلغت الْحُلْقُومَ قُلتَ لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان ".
وقد كان رسول الله e أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، وكان هو بأبي وأمي أجود بالخير من الريح المرسلة، وقد سار على ذلك أصحابه رضوان الله عليهم، وهكذا كان سلفنا الصالح، يطعمون الطعام، ويبذلون الوسع في التوسعة على إخوانهم، وكانوا يحرصون أشد الحرص على أن لا يأكل طعامهم إلا الصالحين والأتقياء، عملاً بما رواه أحمد3/38،وأبو داود2/675، والترمذي4/143 وغيرهم بسند جيد من طريق الوليد بن قيس عن أبي سعيد أو عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري أَنَّهُ سمع رسول الله e :لا تُصَاحِبْ إلا مؤمناً ولا يَأْكُلْ طعامك إلا تَقِي ".ٌّ قَالَ أَبُو عِيسَى هذا : حديث حسن، وصححه ابن حبان2/413، والحاكم4/143 , وقال شيخنا سنده حسن.
وأما الصنف الثاني: وهم الذين يتقوون بفطرهم على المعاصي والآثام، وقد يتعدى ذلك إلى غيرهم، فيكون الأمر أعظم وأدهى، حيث أن فيهم من هو من أهل المجون، والضلالة، والبدع، بل وقد يوجد عند بعضهم من الخرافات، والشركيات ما الله به عليم، وهؤلاء ليسوا ممن يرجى في تفطيرهم الأجر والمثوبة، بل يدعون إلى كل ما من سبيله أن يقومهم، ويسعى في أمرهم، بحيث يعقد لهم المحاضرات والدروس التي تقوم ما عندهم من زلل وخطأ، فإذا ما تهذبوا وصلحوا وعم نفعهم ورجي فيهم الخير كانوا في عداد الصنف الأول، وأما والحالة هذه فإن في تفطيرهم إعانة لهم على المعاصي قال تعالى: ] وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان [ [ المائدة / 2 ].
والأولى لمن عرف هذا الصنف منهم، وستبصر حال القوم وما هم عليه من مخالفات، أن يتفطن لأمرٍ غرق الناس في بحره الُلجي، واجلبوا عليه بخيلهم ورجلهم، صرفاً، وإنفاقا،ً وبذلاً، وإعطاءً، وقد ضيعوا بذلك أموالهم، ولو صرفوها في دعوتهم لكان أولى وأحسن بأضعافٍ مضاعفه، ثم إن اللبيب الحاذق الذي يزن الأمور بميزان الشرع، يعلم أن تفطير هذا الصنف منهم غير محمودٍ، وأن ثمت أُناسٍ أحوج منهم، والأجر فيهم أعظم وأجل، ولو عُني كل فردٍ منا بالتفتيش، والتنقيب عن أرحامه، وأقاربه، وعشيرته الأقربين، من فقيرٍ، أو مسكينٍ، أو يتيمٍ لوجد ما يبكي، ويجعل الحليم حيرانا، فأين نحن من ذوي الأرحام، والأقارب والأسر المتعففه ونحوهم ممن لهم حقٌ علينا!؟، لا سيما وقد جاء في فضل برهم والأنفاق عليهم نصوصٌ كثيرة، فهذا أبو طلحة t لما قدم على النبي e، وكان من أكثر الأنصار مالاً بالمدينة، وكان من أحب أمواله إليه بيرحاء فاستشار النبي e أين يضعها فقال: له النبي e: " بخٍ، ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، وقد سمعت ما قلت، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين " فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه ". متفق عليه من حديث أنس t، وفي رواية: للبخاري (1461)، قال النبي e لأبي طلحة " اجعله لفقراء أقاربك " فجعلها لحسان، وأبي بن كعب. وقد بوب البخاري في صحيحيه فقال: قال النبي r ( له أجران: أجر القرابة والصدقة ), فتح" الباري" 3/325.
وهذا ما يعرف بفقه الموازنات بين القربات وقد أغفل في زماننا هذا، وقل من يفقه فيه، بل ليس ببعيد أن يقال لا يفطن له إلا خاصة الخاصة، من أهل العلم والفضل، ومن أوتيه فقد أوتي خيراً كثيرا، قال تعالى: ] ذلك فضل الله يؤتيه من يشآء والله ذو الفضل العظيم [ [ الجمعه / 4 ]، وختاماً لهذه الرسالة والتي نسأل الله جل وعلا أن تعم بها الفائدة، وأن يوفق أهل الخير لبذل أموالهم بما يعود عليهم بالنفع والخيرية في الدارين، وصرفها في محلها الفاضل لا المفضول، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.