سعد الحوشان
14-08-05, 05:52 am
بسم الله الرحمن الرحيم
الأم و المنون
كانت تتناول العشاء معه قبل قليل... و الآن، هاهي مستلقية على فراشها، و نور أصفر وحيد يسطع فوقها في بيتها الغرفة... نظرت إلى ابنها القلق و قد جلس إلى جانبها ينظر إليها... يا لطفلي السكين... كانت شفته السفلى تتدلى بثقل و ضعف واضح، و قد دأب على استبلاع ما قد يسيل من لعابه خلالها... بوجهه الأحمر الممتلئ... و يديه القويتان... و مؤخرته الكبيرة المرتعشة متى ما ارتعش...
-أمي... نروح دكتور؟
-لا يا حبيبي... أنا بخير...
من سيرعى طفلي؟ قالت بوهن و بغير صوت... ذهب ينبش في دولاب مقابل تعتليه آلة خياطة لامعة تغطيها بعض الخيوط... و هي تنظر بلا انقطاع إلى مؤخرته المرتعشة، لقد بقيت طفولية رغم كل شيء... من سينظف ملابسه؟ من سيخبر عندما يحتاج إلى قضاء الحاجة؟ من سيتحمل تأخره بالإخبار عن هذا؟ عاد إليها بعلبة مسكن... قبضت على يده عندما جلس...
-أمي... لا تتركيني...
-لا يا حبيبي... لن أتركك...
-أمي... نروح دكتور...
لم ترد... نظرت إليه... لقد رأت الموت عندما ولدته... و رأت الموت عندما علمت كيف سيصبح... و هاهي ترى الموت لآخر مرة... إنها راضية تمام الرضا... لقد مرت ثلاثون سنة...
- كن مطيعا لعمك يا ماما...
- إيه...
- و اذهب إلى الحمام و لا توسخ ملابسك...
- أمي... لا تموتي...
انه يدرك أنها ستموت... رغم كل شيء... رغم التخلف... رغم كل الإعاقات... هكذا فكرت... فأشفقت على صغيرها ذو الثلاثين عاما و راعها أن يحزن و هو الذي لا يعرف شيئا... لقد نسيت نفسها...
ضغطت على يده فانتبه إلى وجهها... لقد كانت تبتسم له... فابتسم... لم تعلم أبدا بماذا كان يفكر و هو صامت... لم يكن يصمت إلا عندما ينام...
كان الموت يسري بجسمها متمهلا... و لكن أخيرا كانت أنفاسها تتثاقل...
-طفلي يا الهي... اشهد أن لا إله إلا الله... و أن محمدا عبده و رسوله...
-أشهد أن لا اله الا الله...
لقد كانت دائما تلقنه الشهادة قبل النوم...
-أمي... أمي... لا تموتي...
قبلها... و لكنها لم تقل أي شيء...
-أمي... لا تموتي... لا تموتي...
نظر إليها برهة و هو صامت... استبلع لعابه...
-أمي... أنتِ نائمة؟
قرب وجهه منها و قد بدأت أنفاسه تتسارع... و قد تجعدت جبهته الحلوة و ازدادت وجنتاه احمرارا...
-أمي... لا... لا...
سحب وجهه قليلا و هو ينظر إليها... و قد هل الدمع مدرارا كما لم يهل قط... رجع و اقترب بوجهه...
- ماما...ماما...
لم يكن صوته واضحا و هو ينطق هذه الكلمات... كان كجرو صغير يئن و يستجدي... و جعل يردد هذه الكلمات بذات الصوت الحاد المفجع... ثم جعل يتمتم بصوته هذا بكلمات نصفها صرخات صغيرة... ثم انخرط ينشج و يبكي بكاءً راشدا... كالقهقهة... و رأسه يتدلى فوقها تارة يفتح عيناه و تارة يغمضها...
قبلها مرارا... و لم يستطع الاكتفاء... هب أخيرا و جرى إلى خارج المنزل... حيث تمتد مزرعة كبيرة... و جعل يصيح هناك و يبكي... و يطلق أنصاف كلمات بصوت حاد خليق بطفل...
أضاء بيت كبير غير بعيد بعض أنواره بفزع... و رآه احد أهالي البيت من الشباك و هو يعود جاريا إلى المنزل الغرفة...
بعد ساعات قليلة... وقف مشدوها بالمعزين و المحتضنين الذين لا يعرفهم... و قد ألقي على رأسه خرقة مجعدة بغير اهتمام، و هو يتذكر حياته معها... العشاء... الحمام... الصراخ و التأنيب... الضحك... القبلات... الأحضان... الرائحة العطرة... الصدر الممتلئ الذي يستقبل وجهه دائما و هو يتمرغ...بينما كانت هي تنال بعض الجزاء على صبرها... لقد أحبها الله من أجله... و لم يعد لديها ما تقلق من اجله... نامت حتى أجل مسمى...
تمت
الأم و المنون
كانت تتناول العشاء معه قبل قليل... و الآن، هاهي مستلقية على فراشها، و نور أصفر وحيد يسطع فوقها في بيتها الغرفة... نظرت إلى ابنها القلق و قد جلس إلى جانبها ينظر إليها... يا لطفلي السكين... كانت شفته السفلى تتدلى بثقل و ضعف واضح، و قد دأب على استبلاع ما قد يسيل من لعابه خلالها... بوجهه الأحمر الممتلئ... و يديه القويتان... و مؤخرته الكبيرة المرتعشة متى ما ارتعش...
-أمي... نروح دكتور؟
-لا يا حبيبي... أنا بخير...
من سيرعى طفلي؟ قالت بوهن و بغير صوت... ذهب ينبش في دولاب مقابل تعتليه آلة خياطة لامعة تغطيها بعض الخيوط... و هي تنظر بلا انقطاع إلى مؤخرته المرتعشة، لقد بقيت طفولية رغم كل شيء... من سينظف ملابسه؟ من سيخبر عندما يحتاج إلى قضاء الحاجة؟ من سيتحمل تأخره بالإخبار عن هذا؟ عاد إليها بعلبة مسكن... قبضت على يده عندما جلس...
-أمي... لا تتركيني...
-لا يا حبيبي... لن أتركك...
-أمي... نروح دكتور...
لم ترد... نظرت إليه... لقد رأت الموت عندما ولدته... و رأت الموت عندما علمت كيف سيصبح... و هاهي ترى الموت لآخر مرة... إنها راضية تمام الرضا... لقد مرت ثلاثون سنة...
- كن مطيعا لعمك يا ماما...
- إيه...
- و اذهب إلى الحمام و لا توسخ ملابسك...
- أمي... لا تموتي...
انه يدرك أنها ستموت... رغم كل شيء... رغم التخلف... رغم كل الإعاقات... هكذا فكرت... فأشفقت على صغيرها ذو الثلاثين عاما و راعها أن يحزن و هو الذي لا يعرف شيئا... لقد نسيت نفسها...
ضغطت على يده فانتبه إلى وجهها... لقد كانت تبتسم له... فابتسم... لم تعلم أبدا بماذا كان يفكر و هو صامت... لم يكن يصمت إلا عندما ينام...
كان الموت يسري بجسمها متمهلا... و لكن أخيرا كانت أنفاسها تتثاقل...
-طفلي يا الهي... اشهد أن لا إله إلا الله... و أن محمدا عبده و رسوله...
-أشهد أن لا اله الا الله...
لقد كانت دائما تلقنه الشهادة قبل النوم...
-أمي... أمي... لا تموتي...
قبلها... و لكنها لم تقل أي شيء...
-أمي... لا تموتي... لا تموتي...
نظر إليها برهة و هو صامت... استبلع لعابه...
-أمي... أنتِ نائمة؟
قرب وجهه منها و قد بدأت أنفاسه تتسارع... و قد تجعدت جبهته الحلوة و ازدادت وجنتاه احمرارا...
-أمي... لا... لا...
سحب وجهه قليلا و هو ينظر إليها... و قد هل الدمع مدرارا كما لم يهل قط... رجع و اقترب بوجهه...
- ماما...ماما...
لم يكن صوته واضحا و هو ينطق هذه الكلمات... كان كجرو صغير يئن و يستجدي... و جعل يردد هذه الكلمات بذات الصوت الحاد المفجع... ثم جعل يتمتم بصوته هذا بكلمات نصفها صرخات صغيرة... ثم انخرط ينشج و يبكي بكاءً راشدا... كالقهقهة... و رأسه يتدلى فوقها تارة يفتح عيناه و تارة يغمضها...
قبلها مرارا... و لم يستطع الاكتفاء... هب أخيرا و جرى إلى خارج المنزل... حيث تمتد مزرعة كبيرة... و جعل يصيح هناك و يبكي... و يطلق أنصاف كلمات بصوت حاد خليق بطفل...
أضاء بيت كبير غير بعيد بعض أنواره بفزع... و رآه احد أهالي البيت من الشباك و هو يعود جاريا إلى المنزل الغرفة...
بعد ساعات قليلة... وقف مشدوها بالمعزين و المحتضنين الذين لا يعرفهم... و قد ألقي على رأسه خرقة مجعدة بغير اهتمام، و هو يتذكر حياته معها... العشاء... الحمام... الصراخ و التأنيب... الضحك... القبلات... الأحضان... الرائحة العطرة... الصدر الممتلئ الذي يستقبل وجهه دائما و هو يتمرغ...بينما كانت هي تنال بعض الجزاء على صبرها... لقد أحبها الله من أجله... و لم يعد لديها ما تقلق من اجله... نامت حتى أجل مسمى...
تمت