حنيش الملز
06-08-05, 11:35 am
كتاب مذكرات فرح بهلوي
تأليف: فرح بهلوي
الناشر: اكسو ـ باريس 2003
الصفحات: 428 صفحة من القطع المتوسط
فرح بهلوي أو فرح ديبا، هي زوجة آخر شاه في ايران محمد رضا بهلوي الذي توفي في مصر عندما استقبله الرئيس المصري الراحل انور السادات لقد توفي في مستشفى المعادي محاطا بكل افراد اسرته.
في هذا الكتاب تحكي فرح ديبا قصتها مع شاه ايران منذ ان كانت طفلة صغيرة مدللة لدى والدها سهراب ديبا الذي لم ينجب سواها وحيث كانت «فرح» هي الاكثر قربا منه اذ لم يتردد ان يكتب في احدى مذكراته، كما تنقل عنه الابنة ـ المؤلفة بان يوم جمعة كان «احد الايام الاكثر حزنا» في حياته اذ ان «فرح طريحة الفراش بسبب تعرضها للبرد» كان ذلك في عام 1939 وفي احد احياء شمال طهران حيث ترعرعت فرح ديبا مع ابن عم لها يكبرها بستة اشهر فقط والذي تقول عنه بانه قد «اصبح الاخ الذي حرمت منه».وبعد ان توقف فرح ديبا عند بعض المحطات الاساسية من طفولتها ومن تاريخ بلادها كما عايشته وحيث تعود ذكرياتها الاولى الى فترة نهاية الحرب العالمية الثانية..
وهنا تتذكر الصورة الاولى للشاه الشاب «محمد رضا بهلوي» كان ذلك في عام 1946 وكان قد اصبح حاكما لبلاده منذ 16 سبتمبر 1941 حيث خلف اباه «رضا شاه الكبير» في ذلك اليوم من شهر ديسمبر 1946 كان قد تم الاعلام بان الملك الشاب سوف يعبر العاصمة طهران عائدا من «تبريز» بعد تحريرها لقد مر الموكب من الشارع الذي كان منزل فرح ديبا في زاويته.. هكذا شاهدت من فوق احد السطوح ذلك الذي سيصبح زوجها بعد ثلاث عشرة سنة.. كان عمرها آنذاك ثماني سنوات فقط تقول في وصف ذلك: «واخيرا ظهر الملك، كان المنظر رائعا بالنسبة للطفلة ابنة الثماني سنوات التي كنتها» وفي العام التالي توفي والدها ولم يستطع ان يفي بوعده لها بان يصطحبها الى اذربيجان مسقط رأسه.. وكانوا قد اخفوا عنها موته لفترة طويلة.. ولم تزر قبره للمرة الاولى في احدى المقابر بجنوب طهران الا عندما بلغت السابعة عشرة من العمر.
انتسبت فرح ديبا لمدرسة «جان دارك» الفرنسية في طهران عندما كان عمرها عشر سنوات حيث كانت والدتها قد درست قبلها وفي تلك الفترة عرفت، كما تؤكد في كتابها، بدايات اهتمامها بالحياة السياسية لبلادها ففي عام 1952 كانت حكومة «محمد مصدق» قد دخلت في صراع شبه مكشوف مع بريطانيا من اجل تأميم النفط الايراني كان مصدق «رئيسا لحزب» الجبهة الوطنية وكان الشاه قد كلفه اثر انتخابات تشريعية بتشكيل الحكومة الايرانية. تقول فرح ديبا لقد تصرف ـ ابي محمد مصدق ـ بشجاعة وحزم ولكن تشدده ادى الى تجميد استثمارنا النفطي من قبل الانجليز، اذ لم تكن هناك اية نقطة بترول تخرج من ايران وبالتالي تراجع الاقتصاد الوطني كله»، وترى بان هذا الواقع كان المسئول الحقيقي عن حالة التأزم التي سادت في المجتمع الايراني آنذاك، كما ان «الفشل الدبلوماسي» الذي واجهه «محمد مصدق» كان وراء صعود شعبية حزب «توده» اي الحزب الشيوعي الايراني.. وفي هذا السياق «زعم البعض بان مصدق يلعب دون ارادته لعبة حزب توده..
بينما كان البعض الآخر يدعمونه بقوة رغم ذلك الفشل الدبلوماسي، على اساس ان موقفه كان مصدر اعتزاز وطني» وضمن هذا السياق نشب الخلاف بين الشاه محمد رضا بهلوي ورئيس حكومته محمد مصدق، وبدت ايران وكأنها على شفى هاوية حرب اهلية بين انصار هذا او ذاك.. لكن «فرح ديبا» كانت قد حددت باستمرار «معسكرها» وقد كان صيف عام 1953 رهيبا حيث اضطر الملك ان يغادر ايران وكانت المظاهرات تجوب شوارع طهران تأييدا لمحمد مصدق الذي كان الشاه قد اصدر امرا بـ «خلعه، من منصب رئاسة الحكومة لكنه «عصر» ذلك الامر.
لم يدم «نفي» محمد رضا بهلوي برفقة الامبراطورة ثريا سوى اقل من اسبوع من الزمن.. وتنقل «فرح ديبا» عن الشاه قوله في مذكراته بصدد نفيه: «لم اكن اجهل مشاريع وطموحات مصدق وقد قررت ان اغادر ايران قبل الصدام المسلح اذ انني كنت اريد ان اجنب البلاد سفك الدماء وتركها حرة كي تقوم باختيارها» لقد استمرت الاضرابات ثلاثة ايام في طهران كان انصار مصدق هم اصحاب الكلمة العليا فيها خلال اليومين الاولين ولكن في اليوم الثالث مالت الكفة بواسطة الدبابات التي دكت منزل مصدق باوامر من الجنرال فضل الله زاهدي، الذي كان الشاه قد عينه رئيسا للحكومة بدلا من مصدق، وتقول «فرح ديبا» حيال محمد مصدق وعلاقته بالشاه: «فيما هو وراء المشاعر والتوترات التي خلقها التاريخ المباشر لحظة الاحداث، يمكنني ان اؤكد اليوم بان الملك الذي كان قد دعم بقوة الدكتور مصدق اثناء تأميمه للبترول، كان يكن الاحترام حياله،
وانه كان قد تردد كثيرا قبل ان يقوم بخلعه من منصبه كرئيس للحكومة ولدي القناعة بانه لو كان مصدق اقل تشددا واكثر دبلوماسية مع الانجليز، كما كان يتمنى الملك، فانه ما كان لنا ان نعرف حالة التمزق التي نعيشها طيلة هذه السنوات» هل كانت تلك حقيقة التاريخ والمواقف ام ان الامر يتعلق بمحاولة استمالة انصار محمد مصدق الكثيرين في ايران؟ ان «فرح ديبا» تؤكد ما يقوله الشق الاول من السؤال.
سافرت «فرح ديبا» الى فرنسا للمرة الاولى عام 1956 وكان ذلك في اطار فريق لـ «الكشافة» وحيث كانت قد انتسبت للحركة الكشفية قبل فترة واصبحت مسئولة عن «معسكرات» تضم ثلاثين طفلا.. كانت تلك هي «مدرستها الاولى في المسئولية» كما تقول.. وكان عمرها آنذاك خمسة عشر عاما، وتؤكد «فرح ديبا» في هذا السياق بان باريس «كان لها مكانة خاصة» في عائلتها فوالدها كان قد عرفها عندما كان طالبا في كلية «سان سير» العسكرية. وجدها «مهدي ديبا» كان هو الآخر قد عاش فيها في مطلع القرن العشرين.. وكان الاب والجد يتحدثان اللغة الفرنسية بطلاقة. ان المؤلفة تكرس في هذا السياق عدة صفحات لوصف مدينة باريس والانفعالات التي اثارتها في مخيلة تلك الفتاة الايرانية التي طالما كانت قد حلمت ان ترى برج «ايفل» وجادة «الشانزيليزيه» وساحة «الكونكورد».. الخ.
ثم وجدت «فرح ديبا» نفسها فيما بعد طالبة في كلية «هندسة العمارة» باحدى جامعات باريس حيث حصلت على غرفة في المدينة الجامعية كان الجو الدراسي ثقيلا جدا في البداية خاصة وان الفتيات كنّ قليلات في مجال الهندسة المعمارية وحيث كان الطلبة الشباب يسخرون منهن على اساس انه «لم تكن هناك اية امرأة مهندسة معمارية ناجحة» حسب قولهم قبل ان يضيفوا: «ايتها الفتيات انكن لا تأتين الى هنا الا من اجل الحصول على زوج».
وذات يوم وجه احدهم السؤال لفرح ديبا قائلا: «كم جملا تساوين انت في بلادك؟» وما تؤكده «فرح ديبا» ايضا هو ان زملاءها من الفرنسيين لم يكونوا يفهمون كيف انها بدون «صديق» تقول «انهم لم يكونوا يفهمون بان مفهوم الصديق ـ بالمعنى الاوروبي كان بمثابة ممارسة غريبة عن ثقافتنا» وكي تهرب من فضولهم ادعت بان لها خطيبا في طهران.. وذات يوم وضع زملاؤها على المقعد الذي كانت تحتله في الجامعة صورة رجل ذي شاربين ويلبس عمامة ـ هكذا تصوروا الرجل الايراني ـ وتحتها جملة تقول: «محمود، خطيب فرح».
وفي نهاية عام 1958 شاع الخبر بان الشاه سوف ينفصل عن الامبراطورة ثريا.. وفي مساء اليوم الذي سمعت فيه «فرح ديبا» بالخبر كتبت في دفتر يومياتها: «الشاه وثريا سوف ينفصلان بالطلاق.. وهذا امر مؤسف، في الاشهر التالية اعلنت الصحافة بان حاكم ايران يتمنى ان يكون له ابن يخلفه وانه يبحث عن فتاة يتزوجها..
اصبحت الدعابة بين زملاء فرح هي «لماذا لا يتزوجك الشاه؟ فأنت فتاة جميلة» وكانت تجيبهم ضاحكة: «اكتبوا له وحاولوا اقناعه بانه توجد هنا فتاة تليق به تماما» وكانوا يردفون: «لنفترض انك قد عدت الى ايران واصبحت ملكة، فماذا ستفعلين اولا؟ وكانت تجيب: «ان قراري الاول سيكون دعوتكم جميعا لزيارة بلادي» وتشير «فرح ديبا» في هذا السياق بانه كانت لها صديقة افغانية اسمها «ميرمون» وكانت تلح عليها دائما بالقول: «انك رائعة وينبغي ان يتزوجك الشاه» بل انها كتبت لها ذات يوم على بطاقة بريدية ارسلتها لها تقول على طريقة الاطفال الصغار: فرح ديبا» «فرح بهلوي».
وفي ربيع عام 1959 سنحت الفرصة الاولى لفرح ديبا كي تلتقي بالشاه الذي قدم الى فرنسا في زيارة رسمية للقاء الجنرال شارل ديغول.. وكما جرت العادة في مثل هذه الحالات تقوم السفارة الايرانية بتقديم بعض اعضاء الجالية الايرانية في فرنسا له بمناسبة زيارته.. وكانت «فرح» من بين الذين وقع الخيار عليهم.. وفي مساء يوم اللقاء كتبت «فرح ديبا» لامها: «لقد ذهبنا الى السفارة.. وكم سيارته ـ أي الشاه ـ جميلة.. وكم هو لطيف!! ان شعره ابيض تقريبا ونظراته حزينة.. وكم كانت سعادتي كبيرة لرؤيته عن قرب للمرة الاولى، وكما هي العادة خف الطلبة نحوه ولم استطع انا بالكاد ان اتميزه رغم الكعب العالي ذي السبع سنتميترات وفجأة جاء الملحق الثقافي وطلب مني ان اقترب(..) ولكنني لم اتحرك وبقيت في الخلف فلم اكن اريد ان يقال بانني بحثت عن تقديم نفسي له.
بعد قليل صافحته قائلة: «فرح ديبا» فقال: «منذ متى تتواجدين في فرنسا؟ فأجابت «منذ عامين» فأردف الملحق الثقافي قائلا: «ان الآنسة مجتهدة جدا.. وهي الاولى في صفها وتتحدث اللغة الفرنسية بطلاقة» (...) لقد صافحت هذا الرجل المهم فدق قلبي بقوة وتكمل فرح ديبا»: ان قريبة لي كانت من بين الحضور زعمت بانني اثرت اهتمام الملك وقالت: «عندما غادرت القاعة لاحقك بنظراته» بالطبع هذه كلها ليست سوى حكايات.
انهت «فرح ديبا» سنتها الدراسية الاولى بنجاح وقررت ان تمضي عطلة الصيف كلها في طهران وبعد وصولها الى بلادها كان همها الاول هو الحصول على تجديد منحتها الدراسية في باريس وحيث كان المسئول الاعلى عن امور الطلبة هو صهر الشاه اردشير زاهدي ابن الجنرال فضل الله زاهدي الذي كان الشاه قد عينه رئيسا للحكومة الايرانية بعد قرار تنحية الدكتور محمد مصدق.
وكان احد اعمام «فرح ديبا» قد دبر لها القيام بزيارة لمنزل صهر الشاه وزوجته الاميرة «شهناز» ابنة الشاه من زواجه الاول بالاميرة فوزية ابنة الملك فاروق، ملك مصر السابق، عندما وصلت «فرح ديبا» الى منزل الاميرة «شهناز» وتناولت الشاي سمعت ضجة في الخارج حيث اعلن احدهم بان الشاه قد وصل تقول «فرح ديبا»: «ياالهي.. لقد سمعت دقات قلبي القوية كنت بنفس الوقت مندهشة وفي غاية الغبطة لقد كنت في منزل ابنته وليس هناك ما يمنع ان يمر للاطمئنان عليها دون انذار مسبق..
لكن هذا كان بمثابة حظ كبير بالنسبة لي»: استمر ذلك اللقاء لمدة ساعة ونصف «فرح ديبا» بالقول: «انني احتفظ بذكرى تبادلنا حديث منسجم ومليء بالفرح حيث تبادلنا النظرات والاحاديث بحيث نسينا للحظات المكان الذي كنا فيه» وبعد اسبوعين تلقت «فرح ديبا» دعوة جديدة لزيارة الاميرة شهناز وللعشاء هذه المرة وكان الشاه حاضرا هذه المرة وعن «سابق اصرار وتصميم» ثم كان هناك لقاءات اخرى وترافقا في عدة نزهات سريعة لساعة او ساعتين على متن سيارة سريعة ـ رياضية ـ وتحت حراسة سرية من بعض عناصر أمنه ثم اصطحبها ذات يوم في طائرة صغيرة قادها الشاه بنفسه.. وذات يوم وجه لها السؤال التالي: «هل تقبلين بأن تكوني زوجة لي؟» وكان الجواب هو «نعم» وبشكل مباشر «اذ لم يكن هناك مجال للتفكير» كان ذلك بتاريخ 14 اكتوبر 1959
وكان ايضا تاريخ عيد ميلادها الحادي والعشرين وبتاريخ 21 نوفمبر من نفس السنة كان حفل زفاف «فرح ديبا» على شاه ايران وكان رضا هو الثمرة الاولى لهذا الزواج كما انجب الزوجان ايضا ابنتين هما «فرزانة» و«ليلى» ان حياة «فرح ديبا» الملكة والشاه محمد رضا بهلوي هي موضوع القسمين الثاني والثالث من الكتاب.
اما القسم الرابع والاخير فمكرس لفترة ما بعد قيام الثورة الاسلامية في ايران وخروج الشاه واسرته الى المنفى بتاريخ 16 يناير 1979 حيث استقلوا الطائرة الى اسوان في مصر حيث كان باستقبالهم الرئيس المصري الراحل انور السادات وزوجته منذ مطلع السبعينيات بعد ان قطع الرئيس المصري مع الخط السياسي لسابقه الرئيس جمال عبدالناصر، وتؤكد «فرح ديبا» بان الشاه قد لعب دورا مهما في دفع اسرائيل لاعادة سيناء للسيادة المصرية وبانه قدم مساعدات كبيرة لمصر في ظل رئاسة السادات وبعد ان انتقل الشاه بين عدة بلدان من مصر الى المغرب واميركا وفرنسا خاصة للعلاج بعد ان كان المرض الخبيث قد استشرى في جسده.. ولكن بنفس الوقت بدأ الشاه بمثابة شخص غير مرغوب فيه كثيرا من اجل عدم اثارة غضب سادة طهران الجدد. وكان الشاه قد انتقل ايضا الى جزر الباهاماس والمكسيك واضطر لـ «الاختباء» بأحد مستشفيات نيويورك.. وكانت نهايته وهو محاط باسرته في مستشفى المعادي بالقاهرة.. كان ذلك في شهر يوليو من عام 1980.
لقد اختارت «فرح ديبا» لتصدير كتابها كلمات قصيرة للشاعرة الايرانية فروغ فرخزاده: تقولك «عليك ان تتذكر الطيران.. فالطائر مصيره الفناء ».
تأليف: فرح بهلوي
الناشر: اكسو ـ باريس 2003
الصفحات: 428 صفحة من القطع المتوسط
فرح بهلوي أو فرح ديبا، هي زوجة آخر شاه في ايران محمد رضا بهلوي الذي توفي في مصر عندما استقبله الرئيس المصري الراحل انور السادات لقد توفي في مستشفى المعادي محاطا بكل افراد اسرته.
في هذا الكتاب تحكي فرح ديبا قصتها مع شاه ايران منذ ان كانت طفلة صغيرة مدللة لدى والدها سهراب ديبا الذي لم ينجب سواها وحيث كانت «فرح» هي الاكثر قربا منه اذ لم يتردد ان يكتب في احدى مذكراته، كما تنقل عنه الابنة ـ المؤلفة بان يوم جمعة كان «احد الايام الاكثر حزنا» في حياته اذ ان «فرح طريحة الفراش بسبب تعرضها للبرد» كان ذلك في عام 1939 وفي احد احياء شمال طهران حيث ترعرعت فرح ديبا مع ابن عم لها يكبرها بستة اشهر فقط والذي تقول عنه بانه قد «اصبح الاخ الذي حرمت منه».وبعد ان توقف فرح ديبا عند بعض المحطات الاساسية من طفولتها ومن تاريخ بلادها كما عايشته وحيث تعود ذكرياتها الاولى الى فترة نهاية الحرب العالمية الثانية..
وهنا تتذكر الصورة الاولى للشاه الشاب «محمد رضا بهلوي» كان ذلك في عام 1946 وكان قد اصبح حاكما لبلاده منذ 16 سبتمبر 1941 حيث خلف اباه «رضا شاه الكبير» في ذلك اليوم من شهر ديسمبر 1946 كان قد تم الاعلام بان الملك الشاب سوف يعبر العاصمة طهران عائدا من «تبريز» بعد تحريرها لقد مر الموكب من الشارع الذي كان منزل فرح ديبا في زاويته.. هكذا شاهدت من فوق احد السطوح ذلك الذي سيصبح زوجها بعد ثلاث عشرة سنة.. كان عمرها آنذاك ثماني سنوات فقط تقول في وصف ذلك: «واخيرا ظهر الملك، كان المنظر رائعا بالنسبة للطفلة ابنة الثماني سنوات التي كنتها» وفي العام التالي توفي والدها ولم يستطع ان يفي بوعده لها بان يصطحبها الى اذربيجان مسقط رأسه.. وكانوا قد اخفوا عنها موته لفترة طويلة.. ولم تزر قبره للمرة الاولى في احدى المقابر بجنوب طهران الا عندما بلغت السابعة عشرة من العمر.
انتسبت فرح ديبا لمدرسة «جان دارك» الفرنسية في طهران عندما كان عمرها عشر سنوات حيث كانت والدتها قد درست قبلها وفي تلك الفترة عرفت، كما تؤكد في كتابها، بدايات اهتمامها بالحياة السياسية لبلادها ففي عام 1952 كانت حكومة «محمد مصدق» قد دخلت في صراع شبه مكشوف مع بريطانيا من اجل تأميم النفط الايراني كان مصدق «رئيسا لحزب» الجبهة الوطنية وكان الشاه قد كلفه اثر انتخابات تشريعية بتشكيل الحكومة الايرانية. تقول فرح ديبا لقد تصرف ـ ابي محمد مصدق ـ بشجاعة وحزم ولكن تشدده ادى الى تجميد استثمارنا النفطي من قبل الانجليز، اذ لم تكن هناك اية نقطة بترول تخرج من ايران وبالتالي تراجع الاقتصاد الوطني كله»، وترى بان هذا الواقع كان المسئول الحقيقي عن حالة التأزم التي سادت في المجتمع الايراني آنذاك، كما ان «الفشل الدبلوماسي» الذي واجهه «محمد مصدق» كان وراء صعود شعبية حزب «توده» اي الحزب الشيوعي الايراني.. وفي هذا السياق «زعم البعض بان مصدق يلعب دون ارادته لعبة حزب توده..
بينما كان البعض الآخر يدعمونه بقوة رغم ذلك الفشل الدبلوماسي، على اساس ان موقفه كان مصدر اعتزاز وطني» وضمن هذا السياق نشب الخلاف بين الشاه محمد رضا بهلوي ورئيس حكومته محمد مصدق، وبدت ايران وكأنها على شفى هاوية حرب اهلية بين انصار هذا او ذاك.. لكن «فرح ديبا» كانت قد حددت باستمرار «معسكرها» وقد كان صيف عام 1953 رهيبا حيث اضطر الملك ان يغادر ايران وكانت المظاهرات تجوب شوارع طهران تأييدا لمحمد مصدق الذي كان الشاه قد اصدر امرا بـ «خلعه، من منصب رئاسة الحكومة لكنه «عصر» ذلك الامر.
لم يدم «نفي» محمد رضا بهلوي برفقة الامبراطورة ثريا سوى اقل من اسبوع من الزمن.. وتنقل «فرح ديبا» عن الشاه قوله في مذكراته بصدد نفيه: «لم اكن اجهل مشاريع وطموحات مصدق وقد قررت ان اغادر ايران قبل الصدام المسلح اذ انني كنت اريد ان اجنب البلاد سفك الدماء وتركها حرة كي تقوم باختيارها» لقد استمرت الاضرابات ثلاثة ايام في طهران كان انصار مصدق هم اصحاب الكلمة العليا فيها خلال اليومين الاولين ولكن في اليوم الثالث مالت الكفة بواسطة الدبابات التي دكت منزل مصدق باوامر من الجنرال فضل الله زاهدي، الذي كان الشاه قد عينه رئيسا للحكومة بدلا من مصدق، وتقول «فرح ديبا» حيال محمد مصدق وعلاقته بالشاه: «فيما هو وراء المشاعر والتوترات التي خلقها التاريخ المباشر لحظة الاحداث، يمكنني ان اؤكد اليوم بان الملك الذي كان قد دعم بقوة الدكتور مصدق اثناء تأميمه للبترول، كان يكن الاحترام حياله،
وانه كان قد تردد كثيرا قبل ان يقوم بخلعه من منصبه كرئيس للحكومة ولدي القناعة بانه لو كان مصدق اقل تشددا واكثر دبلوماسية مع الانجليز، كما كان يتمنى الملك، فانه ما كان لنا ان نعرف حالة التمزق التي نعيشها طيلة هذه السنوات» هل كانت تلك حقيقة التاريخ والمواقف ام ان الامر يتعلق بمحاولة استمالة انصار محمد مصدق الكثيرين في ايران؟ ان «فرح ديبا» تؤكد ما يقوله الشق الاول من السؤال.
سافرت «فرح ديبا» الى فرنسا للمرة الاولى عام 1956 وكان ذلك في اطار فريق لـ «الكشافة» وحيث كانت قد انتسبت للحركة الكشفية قبل فترة واصبحت مسئولة عن «معسكرات» تضم ثلاثين طفلا.. كانت تلك هي «مدرستها الاولى في المسئولية» كما تقول.. وكان عمرها آنذاك خمسة عشر عاما، وتؤكد «فرح ديبا» في هذا السياق بان باريس «كان لها مكانة خاصة» في عائلتها فوالدها كان قد عرفها عندما كان طالبا في كلية «سان سير» العسكرية. وجدها «مهدي ديبا» كان هو الآخر قد عاش فيها في مطلع القرن العشرين.. وكان الاب والجد يتحدثان اللغة الفرنسية بطلاقة. ان المؤلفة تكرس في هذا السياق عدة صفحات لوصف مدينة باريس والانفعالات التي اثارتها في مخيلة تلك الفتاة الايرانية التي طالما كانت قد حلمت ان ترى برج «ايفل» وجادة «الشانزيليزيه» وساحة «الكونكورد».. الخ.
ثم وجدت «فرح ديبا» نفسها فيما بعد طالبة في كلية «هندسة العمارة» باحدى جامعات باريس حيث حصلت على غرفة في المدينة الجامعية كان الجو الدراسي ثقيلا جدا في البداية خاصة وان الفتيات كنّ قليلات في مجال الهندسة المعمارية وحيث كان الطلبة الشباب يسخرون منهن على اساس انه «لم تكن هناك اية امرأة مهندسة معمارية ناجحة» حسب قولهم قبل ان يضيفوا: «ايتها الفتيات انكن لا تأتين الى هنا الا من اجل الحصول على زوج».
وذات يوم وجه احدهم السؤال لفرح ديبا قائلا: «كم جملا تساوين انت في بلادك؟» وما تؤكده «فرح ديبا» ايضا هو ان زملاءها من الفرنسيين لم يكونوا يفهمون كيف انها بدون «صديق» تقول «انهم لم يكونوا يفهمون بان مفهوم الصديق ـ بالمعنى الاوروبي كان بمثابة ممارسة غريبة عن ثقافتنا» وكي تهرب من فضولهم ادعت بان لها خطيبا في طهران.. وذات يوم وضع زملاؤها على المقعد الذي كانت تحتله في الجامعة صورة رجل ذي شاربين ويلبس عمامة ـ هكذا تصوروا الرجل الايراني ـ وتحتها جملة تقول: «محمود، خطيب فرح».
وفي نهاية عام 1958 شاع الخبر بان الشاه سوف ينفصل عن الامبراطورة ثريا.. وفي مساء اليوم الذي سمعت فيه «فرح ديبا» بالخبر كتبت في دفتر يومياتها: «الشاه وثريا سوف ينفصلان بالطلاق.. وهذا امر مؤسف، في الاشهر التالية اعلنت الصحافة بان حاكم ايران يتمنى ان يكون له ابن يخلفه وانه يبحث عن فتاة يتزوجها..
اصبحت الدعابة بين زملاء فرح هي «لماذا لا يتزوجك الشاه؟ فأنت فتاة جميلة» وكانت تجيبهم ضاحكة: «اكتبوا له وحاولوا اقناعه بانه توجد هنا فتاة تليق به تماما» وكانوا يردفون: «لنفترض انك قد عدت الى ايران واصبحت ملكة، فماذا ستفعلين اولا؟ وكانت تجيب: «ان قراري الاول سيكون دعوتكم جميعا لزيارة بلادي» وتشير «فرح ديبا» في هذا السياق بانه كانت لها صديقة افغانية اسمها «ميرمون» وكانت تلح عليها دائما بالقول: «انك رائعة وينبغي ان يتزوجك الشاه» بل انها كتبت لها ذات يوم على بطاقة بريدية ارسلتها لها تقول على طريقة الاطفال الصغار: فرح ديبا» «فرح بهلوي».
وفي ربيع عام 1959 سنحت الفرصة الاولى لفرح ديبا كي تلتقي بالشاه الذي قدم الى فرنسا في زيارة رسمية للقاء الجنرال شارل ديغول.. وكما جرت العادة في مثل هذه الحالات تقوم السفارة الايرانية بتقديم بعض اعضاء الجالية الايرانية في فرنسا له بمناسبة زيارته.. وكانت «فرح» من بين الذين وقع الخيار عليهم.. وفي مساء يوم اللقاء كتبت «فرح ديبا» لامها: «لقد ذهبنا الى السفارة.. وكم سيارته ـ أي الشاه ـ جميلة.. وكم هو لطيف!! ان شعره ابيض تقريبا ونظراته حزينة.. وكم كانت سعادتي كبيرة لرؤيته عن قرب للمرة الاولى، وكما هي العادة خف الطلبة نحوه ولم استطع انا بالكاد ان اتميزه رغم الكعب العالي ذي السبع سنتميترات وفجأة جاء الملحق الثقافي وطلب مني ان اقترب(..) ولكنني لم اتحرك وبقيت في الخلف فلم اكن اريد ان يقال بانني بحثت عن تقديم نفسي له.
بعد قليل صافحته قائلة: «فرح ديبا» فقال: «منذ متى تتواجدين في فرنسا؟ فأجابت «منذ عامين» فأردف الملحق الثقافي قائلا: «ان الآنسة مجتهدة جدا.. وهي الاولى في صفها وتتحدث اللغة الفرنسية بطلاقة» (...) لقد صافحت هذا الرجل المهم فدق قلبي بقوة وتكمل فرح ديبا»: ان قريبة لي كانت من بين الحضور زعمت بانني اثرت اهتمام الملك وقالت: «عندما غادرت القاعة لاحقك بنظراته» بالطبع هذه كلها ليست سوى حكايات.
انهت «فرح ديبا» سنتها الدراسية الاولى بنجاح وقررت ان تمضي عطلة الصيف كلها في طهران وبعد وصولها الى بلادها كان همها الاول هو الحصول على تجديد منحتها الدراسية في باريس وحيث كان المسئول الاعلى عن امور الطلبة هو صهر الشاه اردشير زاهدي ابن الجنرال فضل الله زاهدي الذي كان الشاه قد عينه رئيسا للحكومة الايرانية بعد قرار تنحية الدكتور محمد مصدق.
وكان احد اعمام «فرح ديبا» قد دبر لها القيام بزيارة لمنزل صهر الشاه وزوجته الاميرة «شهناز» ابنة الشاه من زواجه الاول بالاميرة فوزية ابنة الملك فاروق، ملك مصر السابق، عندما وصلت «فرح ديبا» الى منزل الاميرة «شهناز» وتناولت الشاي سمعت ضجة في الخارج حيث اعلن احدهم بان الشاه قد وصل تقول «فرح ديبا»: «ياالهي.. لقد سمعت دقات قلبي القوية كنت بنفس الوقت مندهشة وفي غاية الغبطة لقد كنت في منزل ابنته وليس هناك ما يمنع ان يمر للاطمئنان عليها دون انذار مسبق..
لكن هذا كان بمثابة حظ كبير بالنسبة لي»: استمر ذلك اللقاء لمدة ساعة ونصف «فرح ديبا» بالقول: «انني احتفظ بذكرى تبادلنا حديث منسجم ومليء بالفرح حيث تبادلنا النظرات والاحاديث بحيث نسينا للحظات المكان الذي كنا فيه» وبعد اسبوعين تلقت «فرح ديبا» دعوة جديدة لزيارة الاميرة شهناز وللعشاء هذه المرة وكان الشاه حاضرا هذه المرة وعن «سابق اصرار وتصميم» ثم كان هناك لقاءات اخرى وترافقا في عدة نزهات سريعة لساعة او ساعتين على متن سيارة سريعة ـ رياضية ـ وتحت حراسة سرية من بعض عناصر أمنه ثم اصطحبها ذات يوم في طائرة صغيرة قادها الشاه بنفسه.. وذات يوم وجه لها السؤال التالي: «هل تقبلين بأن تكوني زوجة لي؟» وكان الجواب هو «نعم» وبشكل مباشر «اذ لم يكن هناك مجال للتفكير» كان ذلك بتاريخ 14 اكتوبر 1959
وكان ايضا تاريخ عيد ميلادها الحادي والعشرين وبتاريخ 21 نوفمبر من نفس السنة كان حفل زفاف «فرح ديبا» على شاه ايران وكان رضا هو الثمرة الاولى لهذا الزواج كما انجب الزوجان ايضا ابنتين هما «فرزانة» و«ليلى» ان حياة «فرح ديبا» الملكة والشاه محمد رضا بهلوي هي موضوع القسمين الثاني والثالث من الكتاب.
اما القسم الرابع والاخير فمكرس لفترة ما بعد قيام الثورة الاسلامية في ايران وخروج الشاه واسرته الى المنفى بتاريخ 16 يناير 1979 حيث استقلوا الطائرة الى اسوان في مصر حيث كان باستقبالهم الرئيس المصري الراحل انور السادات وزوجته منذ مطلع السبعينيات بعد ان قطع الرئيس المصري مع الخط السياسي لسابقه الرئيس جمال عبدالناصر، وتؤكد «فرح ديبا» بان الشاه قد لعب دورا مهما في دفع اسرائيل لاعادة سيناء للسيادة المصرية وبانه قدم مساعدات كبيرة لمصر في ظل رئاسة السادات وبعد ان انتقل الشاه بين عدة بلدان من مصر الى المغرب واميركا وفرنسا خاصة للعلاج بعد ان كان المرض الخبيث قد استشرى في جسده.. ولكن بنفس الوقت بدأ الشاه بمثابة شخص غير مرغوب فيه كثيرا من اجل عدم اثارة غضب سادة طهران الجدد. وكان الشاه قد انتقل ايضا الى جزر الباهاماس والمكسيك واضطر لـ «الاختباء» بأحد مستشفيات نيويورك.. وكانت نهايته وهو محاط باسرته في مستشفى المعادي بالقاهرة.. كان ذلك في شهر يوليو من عام 1980.
لقد اختارت «فرح ديبا» لتصدير كتابها كلمات قصيرة للشاعرة الايرانية فروغ فرخزاده: تقولك «عليك ان تتذكر الطيران.. فالطائر مصيره الفناء ».