المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة بريئة ,,,,


السحيميه
29-12-01, 03:51 pm
قصة بريئة
هذه القصة وردتني عن طريق البريد الإلكتروني وأحببت أن تشاركوني قرائتها ..

رحلة مع قلبٍ مريض
في معية أحد الضيوف الذين جاؤوا إلى لندن في جو الخريف الذي يدفع الناس إلى الاكتئاب .. وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وتداعياتها التي ملأت نفوس البشر جميعهم بالهم والغم ، وفي أحد الأسواق المزدحمة التي يتحرك فيها الناس كالآلات بلا وعي وخصوصاً إذا كان يوم أحد حيث الأسواق الشعبية التي تنخفض فيها الأسعار ويتكدس حولها الناس .. في هذا الجو القاتم كانت جولة اصطحب فيها الضيف الكريم زوجته وابنه الصغير الذي لم يتجاوز الخامسة من عمره ، واللذان تمسكا بمشاركته رحلة علاجه من بلده حيث أراد أن يعود ببعض متطلبات أسرته وبعض الهدايا بما تبقى له من ميزانية علاجه ، وكانت الصحبة التي لا مفر منها .. حتى ولو كانت في هذه الأماكن وفي هذه الأوقات ..!!
وبين خوض زحام تأباه النفس وطول انتظار ممل أمام كل طاولة ، وأخذ ورد وأسئلة ومساومة مع كل بائع مضت الجولة ثقيلة ثقيلة .. الدقائق فيها مريرة كأيام أو سنين ما يستحضرهم الإنسان في نفسه من أخوة في الدين قابعين خلف جدران السجون ظلماً وتكبراً ، أو مواجهين لآلات الظلم والبغي على ساحات فلسطين وكشمير وأفغانستان والفلبين وغيرها حيث لا قيمة للبشر أو حرماتهم أو دمائهم بعد أن ضاعت موازين العدل والقسط وارتد الإنسان بعمله وما أنتجه عقله من أساليب الدمار وقوانينه إلى جاهلية وعمى في القلب وفي البصيرة أهون منها ما يزلزل الجبال في قول الحق تبارك وتعالى ((.. أيود أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه ..)).
تأملات ينشغل بها الإنسان أحياناً إذا مر بلحظات هو كاره لها وإذا اضطر إلى الهروب منها بفعله ونفسه وإن تحرك كآلة مثل باقي البشر مسوقاً بضرورات الحياة التي لا مفر لها .. ومنها الوفاء لهذا الضيف الذي يمر بفترة نقاهة بعد علاج مؤلم يحتاج بعدها إلى الترويح وإلى أن يشعر برضا رفيقة عمر فاضلة عانت أكثر منه صبراً جميلاً دون تبرم على ما مرت به ، وإلى أن يدخل الفرح إلى قلب صغيره الذي لم يستطع أن يفارقه حتى وهو يواجه ما يتخيله الموت أثناء العلاج .. ووسط هذا الجو الذي تتلاطم فيه العواطف والأفكار ويدفع الإنسان إلى الهروب منها حتى ينتهي .. إذا بصوت الضيف المريض يأتي فجأة مدوياً ناهراً زوجته وصارخاً في وجه صبيه الصغير نازعاً من يده الغضة التي ارتعشت من صوت أبيه الغاضب لعبة على شكل مسدس بلاستيك مما تمتلئ به محلات بيع لعب الأطفال ، راداً هذه اللعبة إلى البائع آمراً أهله الخروج من هذا المحل.
ومع الحرج الذي أصابنا جميعاً وخصوصاً الزوجة الفاضلة والصغير الملتاع الذي لم يستطع أن يمنع دموعه من التعبير عكس أمه التي تماسكت قدر ما تستطيع ، فقد غادرنا السوق صامتين واضطر صاحبنا سائق السيارة إلى الحديث بعتابٍ للضيف بدأ من باب الإشفاق عليه وبأن الانفعال خطر على صحته وهو على هذه الحال .. وتماسك المسكين أيضاً وهو ينظر بأسٍى ولوعة إلى صغيره دون القدرة على توجيه بصره إلى رفيقة عمره ليقول "ماذا لو اكتشفت الأشعة هذا المسدس في أمتعتنا عند المغادرة في المطار" ... ويرد صاحبنا "ولكنه لعبة بلاستيك وأطفال الدنيا كلها تلعب به وأسواق الدول مليئة بأمثاله ومسموح بها في كل قوانين العالم" ... ويرد الضيف المسكين "صحيح ولكننا مسلمون والولد اسمه محمد وملامحنا شرق أوسطية ، ومن المؤكد أن اكتشافه سيسبب لنا مشاكل نحن في غنىٍ عنها .. وأنا في حالتي الصحية هذه لا أحتمل أن يتم احتجازي ولو لساعات وليس أياماً حتى يتحقق الجميع أن الأمر لعبة ".
ويتشعب الحوار في رحلة العودة إلى حيث يقيم الضيف ليعبر عما في نفسه من هموم اشفاقاً على صغاره وآخرهم محمد وعلى مستقبلهم ومستقبل الأجيال المسلمة ، كان أبرزه قوله أنه لا يريد لصغيره أن يتعلق بألعاب العنف والمسدسات من صغره خوفاً من تعلقه بها عند الكبر وهو ما قد يصمه بالإرهاب (!!)
ويبحر الصديق في بحر آلامه عندما يقول إن ابنته الكبرى التي جاءت إلى الدنيا عقب اشتعال الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1979 سماها جهاداً .. ولكنه الآن يعض بنان الندم خوفاً مما قد يسببه لها هذا الإسم ، ويقول أنه كان يتمنى أن يكون قد اختار اسما آخر لمحمد رغم علمه بأنه من أحب الأسماء تيمناً بإسم رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم .. ثم يحمد الله بتنهيدة عميقة جريحة جرح القلب الذي يؤلمه .. ليقول ساخراً وهو مغمض العينين وكأنه يريد أن يتخفى بكلامه عن نفسه وعن الناس .. الحمد لله أن ليس من أبنائي من يحمل اسم أسامة ..
ويسود الصمت فترة إلا من صوت دبيب السيارة على الأرض ليتشعب الحديث حول مأساة الأمة التي ملأت قلب الضيف بالأوجاع ليؤكد المسكين أنه وهو على هذه الحال التي لا يدري فيها إن كان سيبرأ من علته ، أم سيلقى ربه بسببها ، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن ينسى دينه وتكاليفه والأساليب الصحيحة لتربية الصغار .. ويتمنى أن لو أتيحت لصغيره الفرصة على التدريب الحقيقي للقتال ، لا أن يمنع عنه مسدس لعبه ، ويقول أن أجيال الأمة المسلمة عاشت وهي لا تنكر الأثر الكريم "علموا أولادكم الرماية والسباحة ومروهم أن يثبوا على ظهور الخيل وثبا".. وأنه بالأساس لا ينكر فريضة الجهاد ولا ينكر معلوما من الدين بالضرورة .. ولكنه كما قالها وهو يجاهد ألا تنهمر دموعه أمام رفيقة عمره التي ترى منه هذه المواقف لأول مرة "أن الأمر إشفاق على أسرته من بعده وعلى أجيال المسلمين التي تنكرت لهم الدنيا" ..
ويلوذ بالصمت فترة ثم يعود للحديث "لو أن المصيبة جاءتنا من خارجنا ما كان الإنسان ليجزع .. ولكنها من داخلنا أيضا وهي أشرس وأشد ظلاما ومن حكوماتنا وأنظمتنا التي تعيش في دنيا أخرى غير دنيانا ، فهي لا تصرح بنفي الدين ولكنها تمارس عكس ما تصرح به ، وتحارب أي مظهر للتدين بالسحق والقتل وبمنظومة كاملة من الإفساد والميوعة والانحلال لا يتناسب معها أن يلعب محمد بمسدس لعبة .. وعاد للتأكيد بأنه إشفاق على محمد وعلى جيله ، وعلى جهاد وجيلها من التعلق بمُثل ومبادئ أصبح التعلق بها جريمة بحق ذاتها لا يحاسب الناس على ما يمارسونه منها .. ولكن على مجرد التفكير فيها .." فنلوذ بالصمت جميعا إشفاقا على الضيف نفسه وليس على الأجيال المقبلة .. حتى نصل إلى غايتنا حيث يقيم برفقة زوجة مصدومة مما سمعته إزداد إشفاقها على رفيق عمرها بعد رحلته مع قلبه المريض .. وصغيرها ما زالت دموعه تجري بصمت وهو ينظر إلى ما ارتسم على وجه أبيه من آلام ولا يريد أن يزيدها بصراخ ينفس عما في نفسه كحق أي طفل في الدنيا .. !!
وتعود السيارة بصاحبها من حيث أتت لتتوه وسط ضباب خريف العاصمة البريطانية وزحامها وتوغل في الطريق الذي يزداد كآبة .. إيغال البشر في السير إلى مجهول الحضارة التي تريد أن تحكم بسلوكها ومفاهيمها وليأتي صوت نشرة الأخبار من مذياعها يبشر الدنيا بحصار قندوز في الشمال الأفغاني بعد سقوط كابل وبالقصف المتواصل للطائرات الأمريكية وسقوط الضحايا الأبرياء ومجاهدي (!!) تحالف الشمال الطاجيك يحكمون الحصار حولها رافضين التفاوض مع أعدائهم المجاهدين أيضا (!!) من أنصار طالبان البشتون في الداخل حول مبدأ الاستسلام ..
ثم يأتي خبر أن أسامة بن لادن قد يكون قد هرب إلى خارج أفغانستان .. وخبر آخر ينفي مع ثالث يقول أن المكافأة الأمريكية للقبض عليه قد أصبحت 25 مليون دولار ... وأخبار أخري عن فلسطين والفليبين وكشمير لا تقل سوءً .. وعن اعتقالات لإسلاميين في بعض البلدان الإسلامية مدفوعة الثمن العلني من أمريكا.
ويهرب صاحبنا من سوء الأخبار وقتامة الطريق وضيق النفوس إلى شريط تسجيل يستمع إليه كما يفعل الكثيرون لإشغال الوقت بما يُخفف أحزان الروح ، وإذا بقارئ القرآن الكريم يتلو قول الحق تبارك وتعالى: (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ، ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون ، وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا .. وسيجزي الله الشاكرين.)
********



__________________
الأفعال أعلى صوتا من الكلمات