تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : قصص حلوة (لاتفوتكم) للجنسين


الطيف
28-12-01, 04:23 am
حكم القاضي لا يحل حراماً ‎
‏ تنازع رجلان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم في مال، وادعى كل منهما أنه صاحبه، فرفعا أمرهما إلى النبي، ولم تكن لأحدهما بينة تثبت حقه، فوعظهما الرسول، قبل أن يقضي بينهما، عسى أن يرجع المبطل منهما، فقال ما معناه:‏ ‏ إنما أنا بشر مثلكم، لا أعلم الغيب، ولا ما خفي في الضمائر، إلا ما يوحي به الله إليّ من القرآن وأمور الشرع، فإذا حكمت، فسيكون حكمي مبنياً على ما يظهر لي من قولكما، والله يتولى محاسبتكما على السرائر، وربما كان أحدكما أفصح تعبيراً، وأقوى تأثيراً، يصوغ الحجج، ويجلو الغامض، لحذقه وطول مرانه وسرعة بديهته، فأحكم له، وهو في الواقع ليس بصاحب الحق، ويكون الآخر دونه في القدرة على الدفاع والحوار، فيقع في نفسي أنه مبطل، فأرفض دعواه وهو محق، فمن قضيت له بحق أخيه، فإنما أقضي له بقطعة من النار، إن نفعته في الدنيا، فسيصلى نار جهنم في الآخرة، وتكون عاقبة أمره خسراً، وخير له أن يترك الحق لصاحبه ولا يستحله، فبكى الرجلان من شدة التأثر، وتنازل كل منهما عن حقه للآخر، دفعاً للشبهة عن نفسه، ودرءاً لعذاب النار يوم القيامة. ------------------------------------------------------------------------------------

بـلاء أعظـم مـن بـلاء ‎

‏ قدم رجل من بني عبس، وكان ضريراً محطوم الوجه، على الوليد بن عبد الملك، فسأله الوليد، عن سبب ذلك، فقال:‏ ‏ بـِتُّ ليلة في بطن وادٍ ولا أعلم في الأرض عبـْسيا يزيد ماله على مالي، فطرقنا سيل، فذهب بما كان لي من أهل وإبل ومال وولد، إلا صبياً وبعيراً، فنفر البعير، والصبي معي، فوضعته واتبعت البعير، فما جاوزت ابني قليلاً، إلا ورأس الذئب في بطنه يفترسه، فتركته.‏ ‏ واتبعت البعير فرمحني رمحة حطـَّم بها وجهي، وأذهب عيني، فأصبحت لا مال عندي ولا ولد، حتى بصري قد فقدته كما ترى، فقال الوليد:‏ ‏ اذهبوا به إلى عروة بن الزبير، وكان قد أصابه بلاء متتابع، ليعلم أن في الناس من هو أعظم بلاء منه. ‏

--------------------------------------------------------------------------------------------------------

‎ هدايـا الأمـراء غـُلول ‎

‏ استعمل النبي صلى الله عليه وسلم، رجلاً من الأزد، يقال له ابن اللتية، على جمع الصدقات، فجمعها وأتى بها إلى الرسول، وقد جعلها كومتين، فقال الرسول:‏ ‏ ما هذا؟ وما هذا؟‏ ‏ فقال ابن اللتية:‏ ‏ هذا لكم، وهذا أُهـْديَ إليّ.‏ ‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه:‏ ‏ "ما بال الرجل نستعمله على عمل مما ولانا الله، فيقول هذا لكم وهذا أُهـْديَ إليّ، فهلا جلس في بيت أبيه أو أمه فنظر، أيهدى إليه شيء أم لا؟ والذي نفسي بيده، لا يأخذ منه شيئاً، إلا جاء يوم القيامة يحمله على رقبته، إن كان بعيراً له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تبعر".‏ ‏ ثم رفع يديه حتى رأينا بياض إبطه وقال:‏ ‏ "اللهم بلغت اللهم فاشهد". ‏ ------------------------------------------------------------------------------------------------------

‎ الاعتــدال ‎

‏ ذهب رجل إلى الإمام الشافعي رضي الله عنه، يشكو ألماً في أسنانه، على صغر سنه.‏ ‏ وكان الإمام، مع كبر سنه، يتمتع بأسنان كاملة سليمة، لم يشك ألماً بها قط.‏ ‏ قال الرجل:‏ ‏ أيها الإمام الأعظم، خبرني عن سبب تمتعك بأسنانك كاملة.‏ ‏ فقال له الإمام:‏ ‏ يا هذا، أعضاء الله حفظناها في الصغر، فحفظها لنا في الكبر -------------------------------------------------------------------------------------------------------

خصلتـان

‏‎ ‏ ‏‏ قيل لأشعب: ‏ ‏ لو أنّك حفِظتَ الحديث حِفْظكَ هذه النوادر، لكان أولَى بك.‏ ‏ قال: ‏ ‏ قد فعلتُ.‏ ‏ قالوا له: فما حفظتَ من الحديث؟ ‏ ‏ قال: ‏ ‏ "حدّثني نافع عن ابن عمر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: "من كان فيه خصلتان كُتب عند اللّه خالصاً مُخلصاً" ‏ ‏ قالوا: ‏ ‏ هذا حديث حسن فما هاتان الخصلتان؟ ‏ ‏ قال: ‏ ‏ نسي نافع واحدة، ونسيت أنا الأخرى! ‏

---------------------------------------------------------------------------------------------------

رفق عمر بأهله

كان أعرابي يعاتب زوجته، فعلا صوتـُها صوته، فساءه ذلك منها، وأنكره عليها، ثم قال:‏ ‏ والله لأشكونك إلى أمير المؤمنين، وما إن كان ببابه ينتظر خروجه، حتى سمع امرأته، تستطيل عليه وتقول:‏ ‏ اتق الله يا عمر فيما ولاك، وهو ساكت لا يقول، فقال الرجل في نفسه وهو يهم بالانصراف:‏ ‏ إذا كان هذا حال أمير المؤمنين، فكيف حالي؟ وفيما هو كذلك، خرج عمر، ولما رآه قال له:‏ ‏ ما حاجتك يا أخا العرب؟ فقال الأعرابي:‏ ‏ قد وقعت على حاجتي، فأقسم عليه عمر، إلا أن يقول، فقال الأعرابي:‏ ‏ يا أمير المؤمنين، جئت إليك أشكو خـُلق زوجتي، واستطالتها عليّ، فرأيت عندك ما زهـَّدني، إذ كان ما عندك أكثر مما عندي، فهممت بالرجوع، وأنا أقول:‏ ‏ إذا كان هذا حال أمير المؤمنين مع زوجته، فكيف حالي؟‏ ‏ فتبسم عمر وقال:‏ ‏ يا أخا الإسلام، إني أحتملها لحقوق لها عليّ، إنها طباخة لطعامي، خبازة لخبزي، مرضعة لأولادي، غاسلة لثيابي، وبقدر صبري عليها، يكون ثوابي

--------------------------------------------------------------------------------------------------------

‎ حـج عنـه ملــك ‎

‏ كان عبد الله بن المبارك، صاحب أبي حنيفة رضي الله عنهما، يحج سنة، ويغزو أخرى، حدّث عن نفسه قال:‏ ‏ لما كانت السنة التي أحج فيها، خرجت بخمسمائة دينار إلى موقف الجمال بالكوفة لأشتري جملاً، فرأيت امرأة على بعض الطريق تنتف ريش بطة، أحسبها ميتة، فتقدمت إليها وقلت:‏ ‏ لـِمَ تفعلين هذا؟ فقالت:‏ ‏ يا عبد الله، لا تسألني عما لا يعنيك، فوقع في خاطري من كلامها شيء، فألححت عليها فقالت:‏ ‏ يا عبد الله، قد ألجأتني إلى كشف سري إليك. ثم قالت:‏ ‏ يرحمك الله، أنا امرأة علوية، ولي أربع بنات، مات أبوهن من قريب، وهذا اليوم الرابع ما أكلن شيئاً، وقد حلت لنا الميتة، فأخذت هذه البطة أصلحها وأحملها إلى بناتي، فقلت في نفسي ويحك يا ابن المبارك، أين أنت من هذه؟ أبسطي حجرك، فصببت الدنانير في طرف إزارها، وهي مطرقة لا تلتفت، وقلت لها:‏ ‏ عودي إلى بيتك، فاستعيني بهذه الدنانير على إصلاح شأنك، ونزع الله من قلبي شهوة الحج في هذا العام، ثم تجهزت إلى بلادي، وأقمت حتى حج الناس وعادوا، فخرجت أتلقى جيراني وأصحابي، فصار كل من أقول له:‏ ‏ قبل الله حجتك، وشكر سعيك، يقول لي:‏ ‏ وأنت قبل الله حجتك وسعيك، إنـّا قد اجتمعنا بك في مكان كذا وكذا، وأكثرَ الناس عليّ في القول، فبتُّ مفكراً في ذلك، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، وهو يقول يا عبد الله لا تعجب فإنك أغثت ملهوفة من ولدي، فسألت الله أن يخلق على صورتك ملكاً يحج عنك

صبـر وحكمــة ‎

‏ حكى اليافعي عن أبي الحسن السراج قال:‏ ‏ خرجت حاجاً إلى بيت الله الحرام فبينما أنا أطوف، وإذا بامرأة قد أضاء حسن وجهها، فقلت:‏ ‏ والله ما رأيت كاليوم قط نضارة وحسناً مثل هذه المرأة، وما ذلك، إلا لقلة الهم والحزن، فسمعت ذلك القول مني.‏ ‏ فقالت:‏ ‏ كيف قلت هذا يا رجل؟ والله إني لوثيقة بالأحزان، مكلومة الفؤاد بالهموم والأشجان، فقلت لها:‏ ‏ وكيف ذلك؟‏ ‏ قالت:‏ ‏ ذبح زوجي شاة ضحـَّى بها، ولي ولدان صغيران يلعبان وعلى ثديي طفل يرضع، فقمت لأصنع طعاماً فقال ابني الكبير لأخيه الصغير:‏ ‏ ألا أريك كيف صنع أبي بالشاة؟‏ ‏ قال:‏ ‏ بلى، فأضجعه وذبحه وخرج هارباً نحو الجبل، فأكله الذئب، فانطلق أبوه في طلبه فأدركه العطش فمات، فوضعت الطفل وخرجت إلى الباب أنظر ما فعل أبوه، فدب الطفل إلى البرمة وهي على النار، فألقى يده فيها، وصبها على نفسه وهي تغلي، فانتثر لحمه على عظمه، فبلغ ذلك ابنة لي كانت عند زوجها. فرمت بنفسها على الأرض فوافقت أجلها. فأفردني الدهر من بينهم. فقلت لها:‏ ‏ فكيف صبرك على هذه المصائب؟ فقالت:‏ ‏ ما من أحد ميـّز الصبر والجزع إلا وجد بينهما منهاجاً متفاوتاً، فأما الصبر بحسن العلانية، فمحمود العاقبة. وأما الجزع فصاحبه غير مـُعوَّض. فقلت لها:‏ ‏ لقد صبرت فأجملت ونعم عقبى الصابرين

‏ وقفت الخنساء تحرّض بنيها على القتال، والخروج إلى الجهاد، مع جيوش المسلمين في حرب القادسية قالت:‏ ‏ أي بني: إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين. والله الذي لا إله إلا هو، إنكم لبنوا رجل واحد، كما أنكم بنوا امرأة واحدة، ما خنت أباكم، ولا فضحت خالكم، ولا غيرت نسبكم، فإذا رأيتم الحرب قد شمـَّرت عن ساقيها، فيمموا وطيسها، وجالدوا رئيسها، تظفروا بالغـُنم والكرامة، في دار الخلد والمقامة، أي بني، اطلبوا الموت، توهبْ لكم الحياة.‏ ‏ وعندما سمعت بمصرع بنيها الأربعة، وما أبلوا من بلاء حسن، ما أنـَّت، ولا ولْوَلت، بل قالت:‏ ‏ الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وإني أرجو أن يجمعني الله وإياهم، في مستقر رحمته، وواسع جنته. ‏

-----------------------------------------------------------------------------------------------

‏ قال عبد الله بن عباس رضي الله عنه:‏ ‏ كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فقال لي:‏ ‏ يا غلام إني أعلمك كلمات:‏ ‏ احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله تعالى لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله تعالى عليك، وقال:‏ ‏ احفظ الله تجده أمامك، تعرَّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً

------------------------------------------------------------------------------------------------------

الطيف
28-12-01, 04:25 am
‎ العلـم والمــال ‎

‏ ذُكر في الخبر، أن أهل البصرة اختلفوا، فقال بعضهم، العلم أفضل من المال، وقال بعضهم، بل المال أفضل من العلم، فأوفدوا رسولاً منهم إلى ابن عباس رضي الله عنهما فسأله، فقال ابن عباس:‏ ‏ العلم أفضل من المال، فقال الرسول:‏ ‏ إن سألوني عن الحجة، ماذا أقول؟‏ ‏ قال: قل لهم، إن العلم ميراث الأنبياء، والمال ميراث الفراعنة، ولأن العلم يحرسك، وأنت تحرس المال، ولأن العلم لا يعطيه الله إلا لمن أحبه، والمال يعطيه الله لمن أحبه ولمن لا يحبه، ألا ترى إلى قوله تعالى:‏ ‏ "ولولا أن يكون الناس أمـَّة واحدةً لـَجعلنا لـِمـَن يكفر بالرحمنِ لـِبيوتهم سـُقـُفاً من فـِضةٍ ومعارجَ عليها يظهرون" ولأن العلم لا ينقص بالبذل، والنفقة، والمال ينقص بالبذل والنفقة، ولأن صاحب المال إذا مات، انقطع ذكره، والعالم إذا مات فذكره باق، ولأن صاحب المال ميت، وصاحب العلم لا يموت، ولأن صاحب المال يـُسأل عن كل درهم من أين كسبه؟ وأين أنفقه؟ وصاحب العلم له بكل حديث درجة في الجنه 0

--------------------------------------------------------------------------------------------

‎ الثقــة بـالله ‎

‏ علم الرشيد، أن في دمشق رجلاً من بقايا الأمويين، عظيم السطوة، كثير الأعوان والجنود، يـُخشى خطره على الدولة، فأرسل إليه من يحضره مقيداً، فلما ذهب إليه الرسول، قيده وحمله على راحلته وسارا، فلما وصلا إلى ظاهر دمشق التفت الأموي إلى بستان حسن وقال:‏ ‏ هذا بستان لي، وفيه غرائب الأشجار وبدائع الأثمار، ثم انتهى إلى مزارع حسان وقـُرى واسعة وقال:‏ ‏ مثل ذلك، فعجب الرسول من هدوء الأموي، ورباطة جأشه، وقال له:‏ ‏ ألست تعلم أن أمير المؤمنين أقلقه أمرك، فأرسل إليك من انتزعك من بين أهلك ومالك وولدك؟ لا تدري عاقبة أمرك ولا ما ينتهي إليه حالك؟‏ ‏ فقال الأموي:‏ ‏ إنا لله وإنا إليه راجعون، وإني على ثقة من الله عز وجل، وفي يده ناصية أمير المؤمنين، ولا يملك أمير المؤمنين لنفسه نفعاً ولا ضراً إلا بإذن الله! ‏

------------------------------------------------------------------------------------------------

عقـل راجــح

‏ ‏ تحدث أحدهم، وكان يتلقى الأدب على "المبرد" فقال:‏ ‏ خرجت ذات مساء بعد أن انتهى الدرس من بيت المبرد فرأيت إنساناً أشعث، في أسمال بالية، ولما أن كدت أتجاوزه، أومأ إليَّ وبادرني بقوله..‏ ‏ "أنت تلميذ المبرد، وإنني أعلم أنه عقب إلقاء درسه اليومي، يختتم حديثه ببيتين من الشعر... فماذا كانا اليوم؟‏ ‏ فقلت بسرعة لأتخلص منه.‏ ‏ لقد ختم حديثه بهذين البيتين:‏

إذا مـا مــاؤه نَفِــدا

أعـار فـؤاده الأسـدا أعــار الغيـثَ نائلــه

وإن أسـد شكـا جُبنـا

وما إن انتهيت، حتى أسرع هذا بقوله:‏ ‏ لو أعار نائله للغيث، لأصبح بلا نائل، أي بخيل، ولو أعار الأسد فؤاده، لأصبح بلا فؤاد، فهل هذا مديح أم هجاء؟؟‏ ‏ فدهشت وقلت: "إذاً ماذا كان يقول؟" وكنت أريد إحراجه، فأجاب بعد تمعن وببطء: ‏

ما وعاه علم البأس الأسد

وإذا الليــث مقـرٌّ بالجلــد علم الغيث الندى حتى إذا

فـإذا الغيـث مقـرٌّ بالكرم

وتركني مشدوهاً ومشى.. ‏

مـن ذاقـَه لـَم يـُفـْلـِح

‏ دخل شريك النَّخَعِيّ على الخليفة المهدي يوماً، فقال المهدي له:‏ ‏ لا بد أن تجيبني إلى خصلة من ثلاث خصال.‏ ‏ قال: وما هنَّ يا أمير المؤمنين؟‏ ‏ قال: إما أن تلِيَ القضاء، أو تحدّث ولدي وتعلّمهم، أو تأكل عندي أكلة!‏ ‏ ففكَّر ساعة ثم قال:‏ ‏ الأكلة أخفّها على نفسي.‏ ‏ فأجلسه المهدي، وتقدّم إلى الطبّاخ أن يُصلح له ألواناً من المخ المعقود بالسّكّر والعسل وغير ذلك.‏ ‏ فلما فرغ شريك من الأكل، قال الطباخ:‏ ‏ واللّه يا أمير المؤمنين، ليس يُفلح الشيخ بعد هذه الأكلة أبداً!‏ ‏ وكان أن قَبل شريك بعد ذلك أن يحدّثهم، وأن يعلّم أولادهم، وأن يلي القضاء لهم! ‏

من كتاب "وفيات الأعيان" لابن خلكان ----------------------------------------- -----------------------------------------

‎ مالـي ولهــذا ‎

‏ لما فرغ عمر بن عبد العزيز، من دفن سليمان بن عبد الملك، سمع للأرض رجة، فإذا مراكب الخلافة، البراذين والخيل والبغال، ولكل دابة سائس.‏ ‏ فقال: ما هذه؟‏ ‏ قالوا: مراكب الخلافة يا أمير المؤمنين، قربت إليك لتركبها.‏ ‏ فقال: مالي ولها، نحوها عني، دابتي أوفق لي. ثم لمح صاحب الشرطة يسير بين يديه بالحربة.‏ ‏ فقال له تنح عني، مالي ومالك، إنما أنا رجل من المسلمين.‏ ‏ وكان الخليفة إذا مات، فما لبس من الثياب أو مسَّ من الطيب، كان لولده، وما لم يلبس من الثياب وما لم يمس من الطيب، فهو للخليفة بعده.‏ ‏ فلما أن جاء عمر بن عبد العزيز قال له أهل سليمان: هذا لك، وهذا لنا.‏ ‏ فقال لهم: وما هذا وما هذا؟‏ ‏ قالوا: هذا ما لبس الخليفة من الثياب ومسَّ من الطيب، فهو لولده، وما لم يمس ولم يلبس، فهو للخليفة بعده، وهو لك.‏ ‏ فقال عمر: ما هذا لي ولا لسليمان، ولا لكم، ولكن يا مزاحم، ضم هذا كله إلى بيت مال المسلمين ------------------------------ ------------------------------

الإيمـان بحـق الوطـن

‏ علم عمرو بن الجموح، أن أبناءه خارجون للقتال في سبيل الله، فخرج يستبقهم، فوقفوا جميعاً في وجهه، يصدونه عن ذلك ويقولون:‏ ‏ أما نكفيك نحن نجاهد عنك في سبيل الله؟‏ ‏ إن الله يعذرك لعرجتك، فصاح فيهم، ما بالكم تمنعوني أن أدخل الجنة؟!‏ ‏ وذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:‏ ‏ ادع الله أن أستشهد في سبيله. ثم رفع يديه إلى السماء داعياً، اللهم لا ترجعني إلى أهلي خائباً، ثم سأل الرسول:‏ ‏ أإذا استشهدت في سبيل الله أدخل الجنة بعرجتي هذه؟‏ ‏ فأجابه الرسول بل تدخل الجنة صحيحها، وذهب فقاتل حتى استشهد، فقال عليه الصلاة والسلام: والله لكأني أرى عمرو بن الجموح، يمشي بعرجته هذه سليماً في الجنة، ثم قال:‏ ‏ والله إن منكم يا معشر الأنصار من لو أقسم على الله لأبره، ومنهم عمرو بن الجموح. ‏ ------------------------------------- -------------------------------------

حـوار طـريــف

‏ حـُكي أن أعرابياً مرَّ بآخر فقال له: من أين أقبلت يا ابن عم؟‏ ‏ فقال: من الثـَّنية، قال: هل أتيتنا بخير؟‏ ‏ فقال: سل عما بدا لك.‏ ‏ قال: كيف علمك بحيي؟‏ ‏ قال: أحسن العلم.‏ ‏ قال: هل لك علم بكلبي نـَفاع.‏ ‏ قال: حارس الحي؟‏ ‏ قال: فبأم عثمان.‏ ‏ قال: ومن مثل أم عثمان؟‏ ‏ قال: فبعثمان؟‏ ‏ قال: وأبيك إنه جرو الأسد.‏ ‏ قال: فبجملنا السقاء؟‏ ‏ قال: والله إن سنامه ليخرج من الغبيط.‏ ‏ قال: فبالدار؟‏ ‏ قال: وأبيك إنها لخصيبة الجناب عامرة الفناء، ثم قام عنه ناحية وقعد يأكل ولا يدعوه، فمر كلب فصاح به، وقال: يا ابن العم أين هذا الكلب من نفاع.‏ ‏ قال: يا أسفا على نفاع. مات.‏ ‏ قال: وما أماته؟‏ ‏ قال: أكل من لحم الجمل السقاء فاغتص بعظم منه فمات.‏ ‏ قال: إنا لله، أو قد مات الجمل، فما أماته؟‏ ‏ قال: عثر بقبر أم عثمان فانكسرت رجله.‏ ‏ فقال: ويلك أماتت أم عثمان؟‏ ‏ قال: أي والله علمت أنه أماتها لأسف على عثمان.‏ ‏ قال: ويلك أمات عثمان؟‏ ‏ قال: أي وعهد الله قد سقطت عليه الدار.‏ ‏ فرمى الأعرابي بطعامه، وأخذ ينتف لحيته، ويقول إلى أين أذهب؟‏ ‏ فيقول الآخر: إلى النار، وجعل يلتقط الطعام ويأكله ويهزأ به ويضحك ويقول: لا أرغم الله إلا أنف اللئام. ‏ ------------------------------- -------------------------------

‎ سياسـة وكياســة ‎

‏ ‏ بلغ بعض الملوك سياسة ملك آخر.‏ ‏ فكتب إليه:‏ ‏ قد بلغتَ من حسن السياسة مبلغاً لم يبلغه ملك في زمانك، فأفدني الذي بلغت به ذلك.‏ ‏ فكتب إليه:‏ ‏ لم أهزل في أمر ولا نهي، ولا وعد ولا وعيد، واستكفيت أهل الكفاية.‏ ‏ وأَثـْبتُ على الغـَناء لا على الهوى.‏ ‏ وأودعت القلوب هيبة لم يشبها مقت، ووُدَّا لم يشبه كذب، وعممت القوت، ومنعت الفضول. ---------------------------- ----------------------------

‎ ابـن أبيــه ‎

‏ رُوي أن رجلاً بلغ من البخل غايته، حتى صار إماماً، وكان إذا وقع في يده درهم، خاطبه وناجاه فكان يقول:‏ ‏ كم من أرض قطعت، وكم من كيس فارقت، وكم من خامل رفعت، وكم من رفيع أخملت، فالآن، استقر بك القرار، واطمأنت بك الدار، لك عندي ألا تـَعـْرى ولا تضحى، ثم يلقيه في كيسه ويقول له:‏ ‏ اسكن اسكن على اسم الله، في مكان لا تهان ولا تـُذلُّ فيه، ولا تـُزعج منه.‏ ‏ وألح أهله عليه مرة في إنفاق درهم، فدافعهم ما أمكن، ثم أخرج درهما، فبينما هو ذاهب، إذ رأى حوَّاء قد أرسل على نفسه أفعى لدرهم يأخذه، فقال في نفسه:‏ ‏ أتـْلف شيئاً تـُبذل فيه النفس بأكلة أو شربة!!‏ ‏ والله ما هذا إلا موعظة لي من الله، فرجع إلى بيته، ورد الدرهم إلى كيسه، فكان أهله منه في بلاء، وكانوا يتمنوْن له موتاً عاجلاً، فلما مات، وظنوا أنهم استراحوا منه، جاء ابنه، فاستولى على ماله وداره ثم سأل:‏ ‏ ما كان أُدم أبي؟‏ ‏ فقال:‏ ‏ كان يأتدِم بجبن عنده، قال:‏ ‏ أرونيه، فإذا فيه حزُّ كالجدول، من أثر مسح اللقمة، فقال:‏ ‏ ما هذه الحفرة؟‏ ‏ قالوا:‏ ‏ كان لا يقطع الجبن، وإنما كان يمسح اللقمة على ظهره، فيـُحفر كما ترى، قال:‏ ‏ بهذا أهلكني وأقعدني هذا المقعد، لو علمت ذلك ما صليت عليه يوم مات، قالوا:‏ ‏ فكيف أنت تريد أن تصنع؟‏ ‏ قال:‏ ‏ أضعها من بعيد، فأشير إليها باللقمة. ‏ -------------------------------- --------------------------------

‎ زهـد وإيثــار ‎

‏ بينما كان أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه، ماراً بسوق البصرة، وكان معه غلامه (قنبر)، فوقف أمام غلام يبيع أثواباً.‏ ‏ فقال:‏ ‏ يا غلام، عندك ثوبان بخمسة دراهم؟‏ ‏ فقال:‏ ‏ نعم، فأعطى غلامه ثوباً بثلاثة دراهم، وأخذ لنفسه الثوب ذي الدرهمين.‏ ‏ فقال له الغلام:‏ ‏ خذ هذا أنت، فإنك تعلو المنبر وتخطب الناس.‏ ‏ فقال له أمير المؤمنين:‏ ‏ وأنت شاب، ولك بشرة الشباب، وأنا أستحي من ربي، أن أتفضل عليك، فإني سمعت رسول اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم، يقول:‏ ‏ "ألبسوهم مما تلبسون، وأطعموهم مما تأكلون".

حيـــاء

‏ ‏ قال عمرو بن بحر الجاحظ:‏ ‏ الحياء لباس سابغ، وحجاب واق، وستر من العيب، وأخو العفاف، وحليف الدين، ورقيب من العصمة، وعين كالئة، تذود عن الفحشاء، وتنهى عن ارتكاب الأرجاس، وسبب إلى كل جميل.‏ ‏ وقال حكيم:‏ ‏ لا ترض قول امرئ حتى ترضى فعله، ولا ترض فعله حتى ترضى عقله، ولا ترض عقله حتى ترضى حياءه، فإن ابن آدم مجبول على أشياء من كرم ولؤم، فإذا قوي الحياء قوي الكرم، وإذا ضعف الحياء، قوي اللؤم.‏ ‏ وقال آخر:‏ ‏ لا يزال الوجه كريماً ما دام حياؤه، ولم يـُرق باللجاجة ماؤه، وقال شاعر:‏ ورب قبيحة ما حال بينـي وبيـن ركوبهــا إلا الحيــاء فكان هو الدواء لها ولكن إذا ذهــب الحيـاء فـلا دواء

----------------------------------------------------------------

الطيف
28-12-01, 04:26 am
توجيـه للمعلــم ‎

‏ قال عمر بن عتبة لمعلم ولده:‏ ‏ ليكن أول إصلاحك لولدي إصلاحك لنفسك، فإن عيونهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما صنعت، والقبيح عندهم ما تركت، علـّمهم كتاب الله ولا تملهم فيه فيتركوه ولا تتركهم منه فيهجروه.‏ ‏ روِّهم من الحديث أشرفه، ومن الشعر أعفه، ولا تنقلهم من علم إلى علم حتى يـُحكموه فإن ازدحام الكلام في القلب مشغلة للفهم، وعلمهم سنن الحكماء، وجنبهم محادثة النساء، ولا تتكل على عذر مني لك، فقد اتكلت على كفاية منك، قال الشاعر:

وإن مــن أدبتـــه فــي الصبــا كالعودِ يُسقى الماء في غرسه

حـتـى تــــراه مورقـاً نـاضــراً بعـد الـذي أبصـرت مـن يبسـه

مـا تبلــغ الأعـداء مـن جاهـل مـا يبلــغ الجـاهـل مـن نفسـه

----------------------------------------

‎ بلـح ممـا ألقـت الريـح ‎

‏ حدّث سنان بن سلمة، أنه كان في صباه يلتقط البلح في أصول النخل، مع بعض الصبية، إذ أقبل عمر بن الخطاب، فتفرَّق الغلمان جزعاً من التقاطهم البلح، من ظلال نخيل الناس، وثبت الطفل، ولما دنا منه عمر، قال:‏ ‏ يا أمير المؤمنين، إنما هذا مما ألقت الريح.‏ ‏ فقال عمر:‏ ‏ "أرني أنظر، فإنه لا يخفى عليَّ" فنظر عمر البلح في حجره، ثم قال:‏ ‏ صدقت، إلا أن الطفل لم يقنع بهذا، وطمع أن يحرسه عمر إلى بيته، فقال يا أمير المؤمنين:‏ ‏ أترى هؤلاء الصبية؟ وأشار إلى الصبية الهاربين، والله لئن انطلقت لأغاروا عليّ فانتزعوا مما معي، فمشى عمر معه حتى أوصله بيته. ‏ -------------------------------------------------- أهلـي.. أهلــي

‏ ‏ وفد أعرابي على كسرى أنو شروان، فسأله عن اسمه وصناعته، فأجابه، أنا الحارث بن كـِلدة، طبيب العرب، فقال كسرى:‏ ‏ ما يصنع العرب بالطبيب، مع سوء أغذيتهم؟ قال:‏ ‏ إن كان هذا حالهم، فهم أجدر بالطبيب، فقال:‏ ‏ وكيف يعرفون من يسلمون إليه أمرهم، مع ما هم عليه من شدة الجهل، قال:‏ ‏ إن الله عز وجل قسم العقول بين العباد، كما قسم الأرزاق، وأخذ القوم نصيبهم، ففيهم ما في غيرهم من جاهل وعالم، وعاجز وحازم وغير ذلك، فقال:‏ ‏ ما هو المحمود من صفاتهم، قال:‏ ‏ هو أكثر من أن يـُحصر، فإن لهم أنفساً سخية، وقلوباً جريـَّة، وعقولاً صحية، وأنساباً نقية، لغتهم أفصح اللغات، وأوسعها في التراكيب والكلمات، ألسنتهم طليقة، وعباراتهم رقيقة، يمرُق الكلام من أفواههم مروق السهام من أوتارهم، أعذب من الماء وألين من الهواء، يطعمون الطعام، ويواسون الأيتام، عزهم لا يرام، وجارهم لا يضام، فاستوى كسرى على كرسيه، وجرى ماء الحلم في وجهه، وقال لجلسائه مشيراً إلى ابن كلدة: ‏ ‏ إني وجدته راجحاً، ولقومه مادحاً، وبفضلهم ناطقاً، ولما يورده من لفظه صادقاً، وكذا العاقل، من أحكمته التجارب، ولا يكون حاطباً مع كل حاطب، ثم بشَّ في وجهه قائلاً، لله درك من عربي، لقد أعطيت علماً، وخـُصصت فطنة وفهماً، وأحسن صلته، وقضى جميع حوائجه --------------------------------------------------------------

‎ عبـد الله بـن الزبيـر ‎

‏ ‏ مر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بصبية يلعبون.‏ ‏ فلما رأوه فروا جميعاً، إلا غلاماً صغيراً بقي مكانه لم يبرحه.‏ ‏ فأقبل عليه عمر وسأله:‏ ‏ يا غلام، لـِمَ لـَمْ تفر كما فرَّ زملاؤك؟‏ ‏ فقال:‏ ‏ يا أمير المؤمنين، لم أرتكب ذنباً فأخافك، وليست الطريق ضيقة فأوسعها لك. ‏ --------------------------------------------------------

- ‎ تـارك الصــلاة ‎

‏ ما يصيب تارك الصلاة، كما ورد في الأثر.‏ ‏ ستة في الدنيا، وثلاثة عند الموت، وثلاثة في القبر، وثلاثة عند خروجه من القبر. فأما الستة التي تصيبه في الدنيا، فالأولى، ينزع الله البركة من عمره، والثانية، يمسح الله سيما الصالحين من وجهه، والثالثة، كل عمل لا يؤجره الله عليه، والرابعة، لا يرفع الله عز وجل له دعاء إلى السماء، والخامسة تمقته الخلائق في دار الدنيا، والسادسة، ليس له حظ في دعاء الصالحين.‏ ‏ وأما الثلاثة التي تصيبه عند الموت:‏ ‏ فالأولى، يموت ذليلاً، والثانية يموت جائعاً، والثالثة يموت عطشاناً، ولو سـُقي مياه بحار الدنيا ما روي من عطشه.‏ ‏ وأما الثلاثة التي تصيبه في قبره، فالأولى، يـُضـَيـّق الله عليه ويـُعصر حتى تختلف أضلاعه، والثانية يوقد عليه في قبره ناراً يتقلب على جمرها ليلاً ونهاراً، والثالثة، يـُسـَلـِّطُ الله عليه ثعباناً يسمى الشجاع الأقرع، صوته كالرعد القاصف، ويقول: أمرني ربي أن أضربك على ضياع الصلوات الخمس، فكلما ضربه يغوص في الأرض، سبعين ذراعاً، فيدخل أظفاره تحت الأرض ويـُخرجه، فلا يبرح تحت الأرض إلى يوم القيامة. ‏ ‏ وأما الثلاثة التي تصيبه يوم القيامة، فالأولى يـُسلط الله عليه من يسحبه إلى نار جهنم على حـُرّ وجهه، والثانية ينظر الله تعالى إليه بعين الغضب وقت الحساب، فيقع لحم وجهه، والثالثة يحاسبه الله حساباً ما عليه من مزيد سرمداً طويلاً، ويأمر الله عز وجل به إلى النار، وبئس القرار. ‏ -----------------------------------------------------------------------------

ما علـى هـذا اتبعتـك

‏ ‏ عن شداد بن السهاد رضي الله عنه: أن رجلاً من الأعراب جاء فآمـَن بالنبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال أهاجر معك، فأوصى به النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه، فكانت غزوة غنم فيها النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً، فقسم وقسم له، فقال الأعرابي:‏ ‏ ما هذا؟ فقال قسمته لك. فقال:‏ ‏ ما على هذا اتبعتك يا رسول الله، إنما اتبعتك على أن أُرمـَى ههنا - وأشار بيده إلى حلقه - بسهم فأموت فأدخل الجنة، قال:‏ ‏ إن تصدق الله يصدقك. فلبثوا قليلاً ثم نهضوا في قتال العدو، فأُتيَ به إلى النبي محمولاً، قد أصابه سهم حيث أشار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم، أهو هو؟ قالوا:‏ ‏ نعم يا رسول الله. قال:‏ ‏ صدق الله فصدقه. ثم كـُفن في جـُبـَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قام فصلى عليه، فكان مما ظهر من صلاته:‏ ‏ اللهم هذا عبدك خرج مهاجراً في سبيلك، فـَقـُتـِلَ شهيداً، وأنا شهيد على ذلك -------------------------------------------------------------------------

أذان بـــلال

‏ رُوي أن بلالاً رأى في منامه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يقول له:‏ ‏ ما هذه الجفوة يا بلال، أما آن لك أن تزورني يا بلال، فانتبه حزيناً وجلا خائفاً، فركب راحلته، وقصد المدينة، فأتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل يبكي عنده، ويمرغ وجهه عليه، فأقبل الحسن والحسين فجعل يضمهما ويقبلهما، فقالا له:‏ ‏ نشتهي أن نسمع أذانك الذي كنت تؤذن به لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فعلا سطح المسجد، ووقف موقفه الذي كان يقف فيه، فلما أن قال: الله أكبر الله أكبر، ارتجت المدينة، فلما أن قال: أشهد أن لا إله إلا الله، ازدادت رجتها، فلما أن قال: أشهد أن محمداً رسول الله، خرجت العواتق من خدورهن وقلن:‏ ‏ أبـُعـِثَ الرسول صلى الله عليه وسلم؟ قال:‏ ‏ فما رأيت يوماً أكثر باكياً ولا باكية بالمدينة، بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك اليوم --------------------------------------------------------------

الفضـل لمـن سبـق

‏ جرى بين محمد بن الحنفية وأخيه الحسن بن علي رضي الله عنهما جفوة، فانصرفا متغاضبين، فلما وصل محمد إلى بيته، أخذ ورقة وكتب فيها.‏ ‏ بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد بن علي بن أبي طالب، إلى أخيه الحسن بن علي بن أبي طالب، أما بعد.‏ ‏ فإن لك شرفاً لا أبلغه، وفضلاً لا أدركه، فإذا قرأت رقعتي هذه، فالبس رداءك ونعليك، وسر إليّ فترضـَّني، وإياك أن أكون سابقك إلى الفضل الذي أنت أولى به مني. والسلام.‏ ‏ فلما قرأ الحسن الرقعة، لبس رداءه ونعليه، ثم جاء إلى أخيه محمد فترضـَّاه. ‏ -------------------------------------------------------------------------

‏ ‏ دخل الحسن والحسين رضي الله عنهما المسجد على رجل مـُسـِنّ، فوجداه يصلي، ولكنه لا يجيد الصلاة:‏ ‏ فأرادا نصحه، وكيف وهو شيخ كبير؟‏ ‏ فما كان منهما إلا أن تنازعا على من يتقن الوضوء، الحسن أم الحسين؟ ثم على من يؤدي الصلاة أقوَم، هذا يقول أنا، وذاك يقول أنا، واحتكما إلى الشيخ، فرأى وضوءهما وصلاتهما، فرجع إلى نفسه وقال لهما:‏ ‏ أي وربي، لقد أحسنتما ولم يسيء إلا أنا.‏ ‏ وفي هذا المعنى يقول الإمام الشافعي: ‏

تعهـدنـي بنصحـك فـي انفـرادي وجـنبِّني النصيحـة فـي الجماعة

فــإن النصـح بيـن النـاس نـوع مـن التوبيخ لا أرضى استماعه

-------------------------------------------

دعـوات أربــع

‏ كان رجل شريب، جمع قوماً من ندمائه، ودفع إلى غلامه أربعة دراهم، وأمره أن يشتري شيئاً من الفواكه للمجلس، فمر الغلام بباب مجلس منصور بن عمار، وهو يسأل لفقير شيئاً ويقول: من دفع أربعة دراهم، دعوت له أربع دعوات، فدفع إليه الغلام الدراهم، فقال منصور:‏ ‏ ما الذي تريد أن أدعو لك؟ فقال:‏ ‏ لي سيد أريد أن أتخلص منه، فدعا منصور، وقال: الأخرى، فقال الغلام:‏ ‏ أن يخلف الله عليَّ دراهمي، فدعا ثم قال: الأخرى، ‏ ‏ قال الغلام: أن يتوب الله على سيدي. فدعا ثم قال:‏ ‏ الأخرى، فقال: أن يغفر الله لي ولسيدي ولك وللقوم، فدعا منصور، فرجع الغلام فقال له سيده: لـِمَ أبطأت؟ فقص عليه القصة، قال:‏ ‏ وبم دعا، فقال:‏ ‏ سألت لنفسي العتق. فقال له: اذهب فأنت حر، قال: وما الثاني، قال:‏ ‏ أن يخلف الله عليَّ الدراهم، قال:‏ ‏ لك أربعة آلاف درهم، قال: وما الثالث، قال:‏ ‏ أن يتوب الله عليك، قال: ‏ ‏ تبت إلى الله، قال: وما الرابع، قال:‏ ‏ أن يغفر الله لي ولك وللقوم، قال:‏ ‏ هذا الواحد ليس إليَّ، فلما بات تلك الليلة رأى في المنام كأن قائلاً يقول له:‏ ‏ أنت فعلت ما كان إليك، أفترى أني لا أفعل ما إليّ، قد غفرت لك وللغلام ولمنصور بن عمار وللقوم الحاضرين أجمعين. ‏ --------------------------------------------------------

‎ تقشـــف ‎

‏ عندما زار أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه مدينة حمص بالشام، جاءه أهلها يشكون واليهم، سعيد بن عامر وعابوا عليه أربع خصال، لا يخرج إليهم حتى يتعالى النهار، ولا يجيب أحداً بليل، ويعتزل الناس يوماً في الشهر، ويأتيه إغماء بين حين وحين:‏ ‏ ويسأله عن ذلك، فيعلم أنه يعجن كل صباح خبزه، ويخبزه بنفسه، ثم يخرج، وأنه جعل نهاره للناس، وليله لله، يعبده فيه، وأنه يغسل ثيابه مرة في الشهر، وينتظر حتى تجف، وأما عن الإغماء فقد قال سعيد:‏ ‏ كنت مشركاً، وشهدت مصرع حبيب الأنصاري بمكة، وقد بضعت (قطعت) قريش لحمه، ثم حملوه على جذع، وقالوا له أتحبُّ أن يكون محمد مكانك، فقال:‏ ‏ والله ما أحب أن أكون معافى في نفسي وأهلي وولدي، وأن محمداً شـِيك بشوكة، ثم نادى يا محمد، فما ذكرت ذلك اليوم، وتركي نصرة حبيب، وأنا مشرك لا أومن بالله العظيم، إلا ظننت أن الله عز وجل لا يغفر لي ابداً، فيصيبني ما يصيبني يا أمير المؤمنين.‏ ‏ وأمر عمر رضي الله عنه، أهل حمص يوماً أن يسجلوا له فقراءهم، فلما اطلع على القائمة، قرأ في رأسها (سعيد بن عامر)، فقال:‏ ‏ من سعيد بن عامر؟ قالوا هو أميرنا يا أمير المؤمنين، قال عمر، وأميركم فقير، وأين إذن عطاؤه؟ قالوا:‏ ‏ إنه لا يستبقي منه شيئاً، فأرسل إليه عمر ألف دينار، فلما نظر سعيد إلى تلك الدنانير جعل يقول:‏ ‏ (إنا لله وإنا إليه راجعون) فقيل له:‏ ‏ ما شأنك؟ أأصيب أمير المؤمنين، قال:‏ ‏ أعظم، قيل:‏ ‏ أفظهرت آية، قال:‏ ‏ أعظم من ذلك، الدنيا أتتني، الفتنة أتتني، فقيل له لا عليك، وزع الدنانير على فقراء المسلمين، ففرقها سعيد على جيوش المسلمين. ‏

------------------------------------------------------------------


معاهدات
29-12-01, 07:57 am
تواصلك مثمر يا الطيف
شكرا لك