كبير المفكرين
19-06-05, 07:10 am
بسم الله الرحمن الرحيم
تلخيص لكتاب
وقفة مع جرجي زيدان
للدكتور عبد الرحمن بن صالح العشماوي
المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وبعد:
هذا تلخيص لكتاب الدكتور عبد الرحمن بن صالح العشماوي، وعنوانه وقفة مع جرجي زيدان الطبعة الثانية عام 1424هـ ويقع في 121صفحة وهو كتاب نقدي موضوعي يتحدث في نقد رواية جرجي زيدان (صلاح الدين الأيوبي ) ويقف على هذه الرواية بالنقد الموضوعي وتحليل نقدي لهذه الرواية من حيث الشكل والمضمون والفن وقد قسم كتابه إلى موضوعات وهي كالتالي : من هو جرجي زيدان – صلاح الدين الأيوبي – شخصية صلاح الدين في الرواية – ضعف المستوى الفني – وقفة مع التاريخ – لماذا أهمل جرجي زيدان شخوص التاريخ الإسلامي – سيطرة الخيال في الرواية – المصادفات في الرواية – حبكة الرواية وأسلوبها – اللغة والحوار القصصي في الرواية – جرجي زيدان والنصرانية – مناقشة رأي – الملامح الفنية العامة لروايات جرجي زيدان .
وعرض في كتابه لعدد آخر من الروايات لجرجي زيدان وموقف النقاد منه .
والله ولي التوفيق ,,,
مقدمة الكتاب
عرض المؤلف في المقدمه إلى أن ]التاريخ الإسلامي هو المصدر
الأول للرواية التاريخية الإسلامية ‘ حيث لجأ إليه عدد من الكتاب‘ واستقو من منبعه قضايا دينية فكرية وسياسية ‘عرضوها على القراء من خلال أعمال قصصية تختلف من حيث الجودة ‘والدقة ‘ والأمانة التاريخية بحسب اختلاف اتجاهات الكتاب وميولهم [
ثم تحدث المؤلف عن جورجي زيدان هو من أوائل من كتبوا روايات تاريخية مستمدة في إطارها العام من التاريخ الإسلامي .
وان هناك مقاييس نقدية متفق عليها في هذا المجال ومن أهمها وجوب مراعاة صحة دلالة الحدث التاريخي بحيث تسلم من التحريف وهذا ما دفعه إلى هذه الوقفة مع جرجي زيدان .
من هو جرجي زيدان
بدأ في كتابه بالتعريف بجرجي زيدان واسمه جرجي بن حبيب زيدان ولد في بيروت عام1816م‘وقد اضطر لترك المدرسة صغيرا‘ثم تعلم الإنجليزية ‘ والتحق بالكلية السورية الإنجيلية ((الجامعة الأمريكية)) ودرس بها الطب ‘ ثم نشأت أحداث دفعته إلى الهرب فغادر الشام متجها إلى مصر حيث انصرف فيها إلى الصحافة والتأليف والنشر والترجمة ‘وقد قام بعدة أعمال من أبرزها مصاحبته للحملة الإنجليزية على السودان ترجمانا لها ‘وقد عاد إلى بيروت حيث درس اللغات السامية بها ‘ثم رجع إلى القاهرة بعد زيارة انجلترا ‘وأسس بها مجلة الهلال عام 1892م‘وقد قام برحلات إلى بلدان مختلفة في أنحاء العالم وتوفي سنة 1914م في القاهرة.
ألف في التاريخ الكتب التالية:تاريخ مصر الحديث في جزأين صدر عام1889م‘وتاريخ التمدن الإسلامي في خمسة أجزاء صدر عام 1902م‘وتاريخ العرب قبل الإسلام صدر جزؤه الأول عام 1908م‘وتاريخ الماسونية العام صدر عام 1889م‘وتراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر صدر عام 1902م‘وكتاب رحلة جرجي زيدان إلى أوربة عام 1912م‘والتاريخ العام منذ الخليقة إلى الآن صدر الجزء الأول 1908م ‘ وتاريخ إنجلترا منذ نشأتها إلى هذه الأيام صدر عام 1899م وتاريخ اليونان والرومان (مختصر ) صدر عام 1897م.
كما عرض المؤلف لموقف النقاد وتسائلهم في أمر جرجي زيدان هذا التوجه منه إلى التاريخ الإسلامي يستقي منه مادة رواياته التاريخية ‘وقد فسر بعضهم هذا الأمر بقوله :(وعندما ترك لبنان واستقر في مصر ‘وجد نفسه في بيئة إسلامية لها معتقداتها الخاصة وتقاليدها ‘فآثر أن يكيف نفسه وفق ما تتطلبه بيئته الجديدة ‘واندمج في أهلها واستبطن عقلياتهم ‘واستطاع بآثاره العلمية والأدبية والصحفية أن يرضي الطبقات المختلفة ).
بينما يرى بعض النقاد رأيا آخر فيقول : (وهكذا قدمنا ملاحظاتنا حول روايات جرجي زيدان التي تعمد فيها التخريب والكذب لأجل تحقير العرب ‘عن سوء قصد ‘لاعن جهل؛فلا ينقص جرجي العلم بعد أن أوهم قراءه أنه عاد إلى مصادر ومراجع عربية ،لكنه تعمد فساد الإستنباط مع الطعن المدروس لعملته الأجنبية،ولتعصبه الديني الذي جعله ينضر إلى تاريخنا العربي الإسلامي ،وآداب اللغة العربية بعين السخط والحقد ).
ويتناول بعض الكتاب هذا الموضوع بقدر كبير من الهدوء فيقول:
(إن من البديهي ألا نجد تفسيرا إسلاميا للتاريخ في روايات جرجي زيدان ؛ذلك لأن هذا التفسير لا يصدر إلا عن كاتب آمن به ، وجرجي زيدان صاحب عقيدة مختلفة عن العقيدة الإسلامي ،ثم إنه غير متعاطف مع هذا التاريخ الذي يكتب رواياته ).
ثم خلص المؤلف بعد عرض الآراء الثلاثة خلص إلى أن وجدها تتفق على أن جرجي زيدان قد اتجه إلى التاريخ الإسلامي لأهداف شخصية لا علاقة لها بالرغبة في إحياء هذا التاريخ، وترسيخ مكانته في النفوس.
صلاح الدين الأيوبي
روايتة تاريخية لجرجي زيدان تعرض أحداثاكثيرة صغيرة وكبيرة،
خيالية وحقيقية ،تختص بحقبة تاريخية معينة ، والرواية تغطي مساحة ورقية تتجاوز الثلاث مئة وخمسين صفحة من القطع المتوسط ،وتتكون من سبعة وستين مقطعا لكل مقطع منها عنون يدل على ما يجري فيه من أحداث .
يلفت نضر المتابع لروايات تاريخ الإسلام التي كتبها جرجي زيدان تركيزه على اختيار أسما الأشخاص عناوين لها ،وبخاصة أسماء المشاهير من شخوص التأريخ الإسلامي .
وهذا الأمر يوقفنا أما م سؤال طرحه بعض النقاد ) هل الروايات التي قام بكتابتها تعد من قبيل التراجم لهؤلاء الأشخاص أم أريد بها أن تكون مجرد روايات فنية ؟)
وأجاب بأنها لا يمكن أن تكون من قبيل التراجم لشخوص التأريخ الإسلامي لأن معنى الترجمة يدل على سرد موثق لحياة المترجم له منذ مولده حتى وفاته دون أن يتدخل الخيال في هذا السرد كما أنها لايمكن أن تعد روايات فنية لما تنطوي عليه من عبارات وصور ،ومواقف تبعدها غالبا عنة دائرة الفن القصصي )
ثم ناقش المؤلف علاقة عنوان الرواية بالمضمون وخلص الى أن :
1- الأحداث والشخصيات المحورية خيالية لاوجود لها في عالم الواقع تشغل مساحة كبيرة من الرواية .
2- اتخذ الكاتب في روايته سبلا أخرى تبعدنا عن الهدف الرئيس الذي يوحي به هذا العنوان وهو أول خطأ فني في الرواية .
وكلمة (هذا الكردي ) الواردة في الرواية توحي بموقف خاص من الكاتب تجاه صلاح الدين .
شخصية صلاح الدين في الرواية
يواجهنا اسم صلاح الدين في عنوان الرواية على الغلاف ولا يرد اسم صلاح الدين إلا بعد صفحات عديدة ولا يذكره الكاتب إلا في مواضع قليلة و وصفه بالكردي ولا ورد اسم صلاح الدين الا في مواقف توحي بطمعه في السلطة ،وتدفع القارئ إلى إدانته.
وأن هذا الدور لا يتناسب مع هذا القائد الكبير ومكانته تاريخيا ،ولا مع الدور المنتضر منه فنيا .
وجرجي زيدان عد من الرواد ، وهذه الريادة إن كانت قابلة للعذر، على الضعف الفني فلا يصح أن تكون عذرا لما حدث في رواياته من خلل تاريخي واضح،وهذه الريادة ليست على إطلاقها فقد سبقه إلى ذلك سليم البساتي بما يقارب عشرين عاما .
ضعف المستوى الفني
ذكر المؤلف نحت هذا العنوان أنه يميل ميلا يؤيده الدليل إلى أن سب العثرات الفنية في روايات جرجي زيدان هو عدم صدقه في التناول التاريخي لأحداث التاريخ الإسلامي ودلل على ذلك بأن جرجي زيدان نصراني وصلاح الدين المسلم الذي حطم جبروت الصليب وحرر بيت المقدس من النصارى ومن ذلك ليس غريبا أن تكون لهذا الكاتب مواقف سلبية من التأريخ الإسلامي ولا يذكر معارك صلاح الدين مع الصليبيين ,ولم يذكر إصلاحات صلاح الدين في أنحاء العالم الإسلامي ،إصلاحات عمرانية ،وتعليمية ،واجتماعية ، وعقدية، ومن هنا جائت شخصية صلاح الدين باهتة لا قيمة لها ،فأدى ذلك إلى ضعف المستوى الفني.
وهناك تناقض مستمر ينتشر في الرواية ويظهر التناقض جليا في شخصية ((عبدالرحيم لإسماعيلي )) ،فهو مخلص متفاني لخدمة فرقته ،ثم نراه فجأة في حوار قصير بينه وبين (عماد الدين) يظهر عدم ميله إلى هذه الفرقة ويعبر عن خوفه منها ويعزم على الهرب ،
فكيف تعلق هذه الأخطاء على مشجب ((لريادة وجيل الرواد)).
وقفة مع التاريخ
يقول ابن كثير عن صلاح الدين :(لم يترك في خزانته من الذهب سوى جرام واحد...وقيل سبع وأربعين درهما ،ولم يترك دارا ولا عقارا ولا مزرعة ، ولا بستانا ،ولا شيئا من أنواع الأملاك)
أما جرجي زيدان فيصوره بما يلي :
(قال العم حسن:هذا هو ياصاحبي صلاح الدين الوزير، وهذا الثوب الذي عليه هو خلعة السلطة خلعها عليه هذا الخليفة نفسه منذ ثلاث سنوات ،وهي كما ترى عمامة بيضاء من نسج تنيس لها طرف مذهب وتحتها ثوب ديبقي مطرز بالذهب )
ويتسائل الدكتور العشماوي أين الصدق التاريخي والفني في هذه الرواية ؟
وجرجي زيدان قال (وأخذنا نهيئ أذهان القراء على اختلاف طبقاتهم.....لمطالعة هذا التاريخ بما ننشره من الروايات التاريخية الإسلامية )
فهذا النص يدل على أن جرجي زيدان يخطئ خطأ من يعلم لا خطأ من يجهل .
لماذا أهمل جرجي زيدان شخوص
التأريخ الإسلامي
فسر الدكتور العشماوي ذلك بأن جرجي زيدان فعل ذلك هربا من حقائق التاريخ الإسلامي الناصعة؛لأن نصرانيته تحول بينه وبين الإنصاف لتأريخ الإسلامي .
وهذا أمر متوقع من الكاتب لأنه يكتب بقلم نصراني ففي روايته فتح الأندلس يتوقف من وقت لآخر يصف لنا كنيسة طليطلة.
وتسائل الدكتور العشماوي هل يعد معلما للتاريخ الإسلامي من يوحي إلينا بأن هدف الجيوش الإسلامية إنما هو الغنائم من الذهب والفضة ، والغلمان والجواري .
سيطرة الخيال في الرواية
سيطرة الخيال في أحداث رواية صلاح الدين الأيوبي أحدثت خللا في بنائها الفني وتدخلت الصدف في سير الأحداث مما رسخ التناقض في الرواية ،وزاد من تهلهل بنائها .
فكتب التاريخ تروي لنا المؤامرة التي دبرها المؤرخ الشاعر عمارة اليمني مع عدد من الشيعة ضد صلاح الدين ،وتذكر كتب التاريخ ان الذي كشف المؤامرة هو زين الدين علي بن نجا ،ويأبى جرجي زيدان إلا أن يجعل شخصيته الخيالية هو من يكشف المؤامرة .
المصادفات في هذه الرواية
المصادفات فهي سمة بارزة في روايات جرجي زيدان يلوي بها أعناق الأحداث ،ويجعل بها المستحيل ممكنا .
فهذه (ست الملك ) تود أن ترى (عماد الدين ) الذي أحبته ولكنها لا تعرف لذلك سبيلا ، وفجأة يوجد لنا الكاتب سردابا من تحت الأرض يمتد من مكان قريب من منزل عماد الدين إلى غرفة قريبة من مخدع (ست الملك ) ويأتي الكاتب بأمور مضحكة .
وهكذا تجني المصادفات على العمل الروائي وتلقي به بعيدا عن دائرة الفن وتصيبه بداء التفكك وعدم القدرة على إقناع القارئ أو الحصول على تقديره إنها تقتل الصدق الفني ، والصدق التأريخيى في العمل الروائي .
حبكة الرواية وأسلوبها
عملية إصفاء الأحداث مهمة في الرواية التاريخية الإسلامية ، والأحداث التاريخية في الفترة التي كتب عنها كفيلة بإغنائه عن الخيال لأنها تحقق عنصر المفاجئة والتشويق في الرواية .
الأسس التي قامة عليها رواية صلاح الدين :
1- اختار فترة تاريخية معينة من زيارة والد صلاح الدين مصر 565هـ وتنتهي بقضاء صلاح الدين على مؤمرة عمارة اليمني عام 569هـ .
2- قصة غرامية نشأة بين( ست الملك)( وعماد الدين) أحد رجال صلاح الدين.
3- مؤامرات متعددة للتخلص من صلاح الدين.
4- مصادفات عديدة يصبح بها المستحيل ممكنا ،امتدت من أول الرواية حتى آخرها .
5- استطرادات كثيرة ،يتدخل بها الكاتب مفسرا أو شارحا أو مبررا لما يسوقه من صور خيالية غريبة .
6- السر الذي تمثل في أحد شخوص الرواية التي لم يكشفه إلا قبل نهايتها .
7- اللغة السهلة الواضحة القريبة من فهم القراء .
8- الحوار القصصي الذي ينتشر في الرواية منذ بدايتها إلى نهايتها .
اللغة والحوار القصصي في الرواية
لغة جرجي زيدان سهلة واضحة ،ولذلك جاء أسلوب الرواية واضحا ،قريب المأخذ ،ولذلك خلت من التكلف والتصنع كما خلت من المحسنات البديعية وغيرها من الصور التي تزين الأسلوب ،
على أن لغته لم تخلو من ركاكة في التركيب تظهر لمن يتذوق جمال العربية ويعرف مواطن القوة والضعف في تركيبها ،كما يؤخذ عليه استخدامه كلمات وجملا ومصطلحات لا تتناسب مع الشخصيات التاريخية مثل قوله : (وخرجت إلى قاعة الإستقبال )
أما الحوار القصصي في الرواية رأينا فيه أثرا من ضعف التركيب اللغوي عند الكاتب ، ومن السهولة والوضوح . كما يضهر أثر التصنع وعدم الواقعية ،حيث نشعر أن الكاتب يملي على الأشخاص المتحاورين ما يريد أن يقوله هو بأسلوب مكشوف كما يعرض مواقفه تجاه صلاح الدين ووصفه على لسان أخو سيدة الملك (رجل أعجمي ) (سلب حقوقنا) (استبد بالأمر ) (نخشى سطوته) وكان الكاتب يتحدث عن قاطع طريق لارحمة له لاعن صلاح الدين الأيوبي الذي اشتهر بالرحمة والعطف حتى مع الأعداء .
جرجي زيدان والنصرانية
فان الإنصاف يدعونا إلى القول إن جرجي زيدان قد بذل جهدا كبيرا فيما يكتب ،وصدق مع نفسه وقلبه فعرض على المسلمين تاريخهم عرضا روائيا يتلائم مع معتقداته النصرانية ومنطلقاته النفسية والفكرية ،وبذل جهد كبيرا أيضا في الربط بين أجزاء رواياته وإن كانت أدواته الفنية واللغوية قد قصرت به عن المستوى الفني المطلوب في مجال الرواية التاريخية ،وقد اتكأ على تاريخ الإسلام فيما رسم من صور مشرقة في بعض رواياته للكنائس والأديرة،زمن أمثلة ذلك وصفه (لدير خالد) القريب من دمشق حيث وصفه وصفا جميلا يبرز مشاعره نحو هذا الدير .
وقد طرح شوقي أبو خليل اقتراحين حول روايات جرجي زيدان وهما: منع هذه الروايات من البيع في الأسوق وإبراز فساده في وسائل الإعلام ،وإما إلزام دور النشر والمطابع بوضع عبارة كعبارة الفراعنة: (هذه الروايات الزيدانية لا تمت إلى حقيقة التاريخ بصلة ) .
نقل ما قاله نضير عبود في جرجي زيدان (مشاهد كثيرة تمر أمامنا ، ونحن نسير عبر هذه الرواية وفي ثناياها ،فترى نجم الدين والد صلاح الدين يتآمر مع ولده صلاح الدين على قلب الحكم و إخراجه من يد الفاطميين وإرجاعه إلى العباسيين ،وصلاح الدين لا يهمه سوى النفوذ والمال، راح صلاح الدين يبث مؤامراته حتى نجح فيها )
هذا ما يفهمه القارئ من روايات رجي زيدان من معلومات عن تاريخ الإسلام وعن أولئك الأبطال،أما التأريخ فيروي لنا غير ذلك .
يقول ابن الأثير عن نور الدين الزنكي : (فمن ذلك زهده وعبادته وعلمه ، فإنه كان لا يأكل لا يلبس ولا يتصرف إلا في الذي يخصه من ملك كان قد اشتراه من سهمه من الغنيمة ومن الأموال المرصدة لمصالح المسلمين ...وكان عارفا بالفقه على مذهب أبي حنيفة ليس عنده فيه تعصب ،وسمع الحديث وأسمعه طلبا للأجر )
مناقشة رأي
الرأي لأنيس المقدسي : (يمتاز زيدان بأمانته التاريخية حتى أنه يثبت فيها مصادره كأنه يكتب تايخا لارواية أما أسلوبه فسهل يأنس به الجمهور ،ولا تنكره الخاصة ،...فزيدان مؤرخ أكثر منه صاحب فن ،إلا أن ذلك لم يقلل من جاذبية رواياته وفائدتها وتأثيرها، وقد برهن الزمان الذي مر عليها عن حيويتها ، ومهما قيل فانه عمل روائي تاريخي ممتاز ،ويحق لزيدان أن يلقب بإمام هذا الفن في أدبنا الحديث ... ولا شك أن روايات زيدان التي تدور على تاريخ العرب جيلا بعد جيل وعيا قوميا وحركت فيهم الميل إلى دراسة التاريخ العربي )
ويرد الدكتور العشماوي على ذلك كالآتي :
في رأي أنيس المقدسي الذي تضمنه كلامه السابق صواب وخطأ ، أما الصواب فإنه يتمثل فيما ذكره من خطوة روايات جرجي زيدان بالانتشار بين الناس حتى أنها بعت بعد وفاته مرات عديدة ولا تزال ، ويتمثل الصواب عند المقدسي أيضا فيما ذكره من سهولة اسلوب زيدان وقربه من فهم عامة الناس ، وهو معروف عند الدارسين لما كتبه .
أما الخطأ فيما ذكره المقدسي ، فإنه يتعلق بطرحه لأمور لا تفوت معرفتها على القارئ المتوسط في فهمه ، فكيف بكاتب صدر له كتاب في النقد والأدب ،ويبرز الخطأ الأول عنده فيما قاله عن القصص الغرامية (المنسوجة خياليا )في روايات زيدان حيث وصفها بالتشويق والإمتاع وعدها ميزة للكاتب ،بينما هي من المآخذ التي تؤخذ على زيدان ، فهي من الناحية الفنية مفككة ضعيفة لا عمق فيها, بل إن فيها من الإهتمام بالأمور التافهة المتعلقة بمظهر لفتاة المعشوقة أو الفتى المعشوق ما لا يمكن أن يقبل من كاتب ناشئ ,غني عن كاتب مؤرخ مثل جرجي زيدان .
أما الخطأ الثاني في كلام المقدسي فهو أفدح من سابقه , إذ أنه يصف زيدان بالأمانة التاريخية ,وهذا ما لم يتحقق في رواياته التاريخية .
والخطأ الثالث : أن عمل زيدان في روايات التاريخ الإسلامي عمل تاريخي ممتاز , كما أخطأ في أنه أحدث وعيا قوميا في نفوس الناشئة إلا إذا كان لوعي القومي المقصود بفهم التاريخ الإسلامي فهما خاطئا لا يتفق مع الحقائق الثابتة .
الملامح الفنية العامة لروايات جرجي زيدان
1- اضطراب البناء الفني العام لكل رواية من رواياته.
2- عدم قدرة الكاتب على التغلغل داخل شخصياته.
3- إخفاق الكاتب في استخدام عناصر التشويق في رواياته.
4- ضعف إسلوب الكاتب واضطراب لغته.
تلخيص لكتاب
وقفة مع جرجي زيدان
للدكتور عبد الرحمن بن صالح العشماوي
المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وبعد:
هذا تلخيص لكتاب الدكتور عبد الرحمن بن صالح العشماوي، وعنوانه وقفة مع جرجي زيدان الطبعة الثانية عام 1424هـ ويقع في 121صفحة وهو كتاب نقدي موضوعي يتحدث في نقد رواية جرجي زيدان (صلاح الدين الأيوبي ) ويقف على هذه الرواية بالنقد الموضوعي وتحليل نقدي لهذه الرواية من حيث الشكل والمضمون والفن وقد قسم كتابه إلى موضوعات وهي كالتالي : من هو جرجي زيدان – صلاح الدين الأيوبي – شخصية صلاح الدين في الرواية – ضعف المستوى الفني – وقفة مع التاريخ – لماذا أهمل جرجي زيدان شخوص التاريخ الإسلامي – سيطرة الخيال في الرواية – المصادفات في الرواية – حبكة الرواية وأسلوبها – اللغة والحوار القصصي في الرواية – جرجي زيدان والنصرانية – مناقشة رأي – الملامح الفنية العامة لروايات جرجي زيدان .
وعرض في كتابه لعدد آخر من الروايات لجرجي زيدان وموقف النقاد منه .
والله ولي التوفيق ,,,
مقدمة الكتاب
عرض المؤلف في المقدمه إلى أن ]التاريخ الإسلامي هو المصدر
الأول للرواية التاريخية الإسلامية ‘ حيث لجأ إليه عدد من الكتاب‘ واستقو من منبعه قضايا دينية فكرية وسياسية ‘عرضوها على القراء من خلال أعمال قصصية تختلف من حيث الجودة ‘والدقة ‘ والأمانة التاريخية بحسب اختلاف اتجاهات الكتاب وميولهم [
ثم تحدث المؤلف عن جورجي زيدان هو من أوائل من كتبوا روايات تاريخية مستمدة في إطارها العام من التاريخ الإسلامي .
وان هناك مقاييس نقدية متفق عليها في هذا المجال ومن أهمها وجوب مراعاة صحة دلالة الحدث التاريخي بحيث تسلم من التحريف وهذا ما دفعه إلى هذه الوقفة مع جرجي زيدان .
من هو جرجي زيدان
بدأ في كتابه بالتعريف بجرجي زيدان واسمه جرجي بن حبيب زيدان ولد في بيروت عام1816م‘وقد اضطر لترك المدرسة صغيرا‘ثم تعلم الإنجليزية ‘ والتحق بالكلية السورية الإنجيلية ((الجامعة الأمريكية)) ودرس بها الطب ‘ ثم نشأت أحداث دفعته إلى الهرب فغادر الشام متجها إلى مصر حيث انصرف فيها إلى الصحافة والتأليف والنشر والترجمة ‘وقد قام بعدة أعمال من أبرزها مصاحبته للحملة الإنجليزية على السودان ترجمانا لها ‘وقد عاد إلى بيروت حيث درس اللغات السامية بها ‘ثم رجع إلى القاهرة بعد زيارة انجلترا ‘وأسس بها مجلة الهلال عام 1892م‘وقد قام برحلات إلى بلدان مختلفة في أنحاء العالم وتوفي سنة 1914م في القاهرة.
ألف في التاريخ الكتب التالية:تاريخ مصر الحديث في جزأين صدر عام1889م‘وتاريخ التمدن الإسلامي في خمسة أجزاء صدر عام 1902م‘وتاريخ العرب قبل الإسلام صدر جزؤه الأول عام 1908م‘وتاريخ الماسونية العام صدر عام 1889م‘وتراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر صدر عام 1902م‘وكتاب رحلة جرجي زيدان إلى أوربة عام 1912م‘والتاريخ العام منذ الخليقة إلى الآن صدر الجزء الأول 1908م ‘ وتاريخ إنجلترا منذ نشأتها إلى هذه الأيام صدر عام 1899م وتاريخ اليونان والرومان (مختصر ) صدر عام 1897م.
كما عرض المؤلف لموقف النقاد وتسائلهم في أمر جرجي زيدان هذا التوجه منه إلى التاريخ الإسلامي يستقي منه مادة رواياته التاريخية ‘وقد فسر بعضهم هذا الأمر بقوله :(وعندما ترك لبنان واستقر في مصر ‘وجد نفسه في بيئة إسلامية لها معتقداتها الخاصة وتقاليدها ‘فآثر أن يكيف نفسه وفق ما تتطلبه بيئته الجديدة ‘واندمج في أهلها واستبطن عقلياتهم ‘واستطاع بآثاره العلمية والأدبية والصحفية أن يرضي الطبقات المختلفة ).
بينما يرى بعض النقاد رأيا آخر فيقول : (وهكذا قدمنا ملاحظاتنا حول روايات جرجي زيدان التي تعمد فيها التخريب والكذب لأجل تحقير العرب ‘عن سوء قصد ‘لاعن جهل؛فلا ينقص جرجي العلم بعد أن أوهم قراءه أنه عاد إلى مصادر ومراجع عربية ،لكنه تعمد فساد الإستنباط مع الطعن المدروس لعملته الأجنبية،ولتعصبه الديني الذي جعله ينضر إلى تاريخنا العربي الإسلامي ،وآداب اللغة العربية بعين السخط والحقد ).
ويتناول بعض الكتاب هذا الموضوع بقدر كبير من الهدوء فيقول:
(إن من البديهي ألا نجد تفسيرا إسلاميا للتاريخ في روايات جرجي زيدان ؛ذلك لأن هذا التفسير لا يصدر إلا عن كاتب آمن به ، وجرجي زيدان صاحب عقيدة مختلفة عن العقيدة الإسلامي ،ثم إنه غير متعاطف مع هذا التاريخ الذي يكتب رواياته ).
ثم خلص المؤلف بعد عرض الآراء الثلاثة خلص إلى أن وجدها تتفق على أن جرجي زيدان قد اتجه إلى التاريخ الإسلامي لأهداف شخصية لا علاقة لها بالرغبة في إحياء هذا التاريخ، وترسيخ مكانته في النفوس.
صلاح الدين الأيوبي
روايتة تاريخية لجرجي زيدان تعرض أحداثاكثيرة صغيرة وكبيرة،
خيالية وحقيقية ،تختص بحقبة تاريخية معينة ، والرواية تغطي مساحة ورقية تتجاوز الثلاث مئة وخمسين صفحة من القطع المتوسط ،وتتكون من سبعة وستين مقطعا لكل مقطع منها عنون يدل على ما يجري فيه من أحداث .
يلفت نضر المتابع لروايات تاريخ الإسلام التي كتبها جرجي زيدان تركيزه على اختيار أسما الأشخاص عناوين لها ،وبخاصة أسماء المشاهير من شخوص التأريخ الإسلامي .
وهذا الأمر يوقفنا أما م سؤال طرحه بعض النقاد ) هل الروايات التي قام بكتابتها تعد من قبيل التراجم لهؤلاء الأشخاص أم أريد بها أن تكون مجرد روايات فنية ؟)
وأجاب بأنها لا يمكن أن تكون من قبيل التراجم لشخوص التأريخ الإسلامي لأن معنى الترجمة يدل على سرد موثق لحياة المترجم له منذ مولده حتى وفاته دون أن يتدخل الخيال في هذا السرد كما أنها لايمكن أن تعد روايات فنية لما تنطوي عليه من عبارات وصور ،ومواقف تبعدها غالبا عنة دائرة الفن القصصي )
ثم ناقش المؤلف علاقة عنوان الرواية بالمضمون وخلص الى أن :
1- الأحداث والشخصيات المحورية خيالية لاوجود لها في عالم الواقع تشغل مساحة كبيرة من الرواية .
2- اتخذ الكاتب في روايته سبلا أخرى تبعدنا عن الهدف الرئيس الذي يوحي به هذا العنوان وهو أول خطأ فني في الرواية .
وكلمة (هذا الكردي ) الواردة في الرواية توحي بموقف خاص من الكاتب تجاه صلاح الدين .
شخصية صلاح الدين في الرواية
يواجهنا اسم صلاح الدين في عنوان الرواية على الغلاف ولا يرد اسم صلاح الدين إلا بعد صفحات عديدة ولا يذكره الكاتب إلا في مواضع قليلة و وصفه بالكردي ولا ورد اسم صلاح الدين الا في مواقف توحي بطمعه في السلطة ،وتدفع القارئ إلى إدانته.
وأن هذا الدور لا يتناسب مع هذا القائد الكبير ومكانته تاريخيا ،ولا مع الدور المنتضر منه فنيا .
وجرجي زيدان عد من الرواد ، وهذه الريادة إن كانت قابلة للعذر، على الضعف الفني فلا يصح أن تكون عذرا لما حدث في رواياته من خلل تاريخي واضح،وهذه الريادة ليست على إطلاقها فقد سبقه إلى ذلك سليم البساتي بما يقارب عشرين عاما .
ضعف المستوى الفني
ذكر المؤلف نحت هذا العنوان أنه يميل ميلا يؤيده الدليل إلى أن سب العثرات الفنية في روايات جرجي زيدان هو عدم صدقه في التناول التاريخي لأحداث التاريخ الإسلامي ودلل على ذلك بأن جرجي زيدان نصراني وصلاح الدين المسلم الذي حطم جبروت الصليب وحرر بيت المقدس من النصارى ومن ذلك ليس غريبا أن تكون لهذا الكاتب مواقف سلبية من التأريخ الإسلامي ولا يذكر معارك صلاح الدين مع الصليبيين ,ولم يذكر إصلاحات صلاح الدين في أنحاء العالم الإسلامي ،إصلاحات عمرانية ،وتعليمية ،واجتماعية ، وعقدية، ومن هنا جائت شخصية صلاح الدين باهتة لا قيمة لها ،فأدى ذلك إلى ضعف المستوى الفني.
وهناك تناقض مستمر ينتشر في الرواية ويظهر التناقض جليا في شخصية ((عبدالرحيم لإسماعيلي )) ،فهو مخلص متفاني لخدمة فرقته ،ثم نراه فجأة في حوار قصير بينه وبين (عماد الدين) يظهر عدم ميله إلى هذه الفرقة ويعبر عن خوفه منها ويعزم على الهرب ،
فكيف تعلق هذه الأخطاء على مشجب ((لريادة وجيل الرواد)).
وقفة مع التاريخ
يقول ابن كثير عن صلاح الدين :(لم يترك في خزانته من الذهب سوى جرام واحد...وقيل سبع وأربعين درهما ،ولم يترك دارا ولا عقارا ولا مزرعة ، ولا بستانا ،ولا شيئا من أنواع الأملاك)
أما جرجي زيدان فيصوره بما يلي :
(قال العم حسن:هذا هو ياصاحبي صلاح الدين الوزير، وهذا الثوب الذي عليه هو خلعة السلطة خلعها عليه هذا الخليفة نفسه منذ ثلاث سنوات ،وهي كما ترى عمامة بيضاء من نسج تنيس لها طرف مذهب وتحتها ثوب ديبقي مطرز بالذهب )
ويتسائل الدكتور العشماوي أين الصدق التاريخي والفني في هذه الرواية ؟
وجرجي زيدان قال (وأخذنا نهيئ أذهان القراء على اختلاف طبقاتهم.....لمطالعة هذا التاريخ بما ننشره من الروايات التاريخية الإسلامية )
فهذا النص يدل على أن جرجي زيدان يخطئ خطأ من يعلم لا خطأ من يجهل .
لماذا أهمل جرجي زيدان شخوص
التأريخ الإسلامي
فسر الدكتور العشماوي ذلك بأن جرجي زيدان فعل ذلك هربا من حقائق التاريخ الإسلامي الناصعة؛لأن نصرانيته تحول بينه وبين الإنصاف لتأريخ الإسلامي .
وهذا أمر متوقع من الكاتب لأنه يكتب بقلم نصراني ففي روايته فتح الأندلس يتوقف من وقت لآخر يصف لنا كنيسة طليطلة.
وتسائل الدكتور العشماوي هل يعد معلما للتاريخ الإسلامي من يوحي إلينا بأن هدف الجيوش الإسلامية إنما هو الغنائم من الذهب والفضة ، والغلمان والجواري .
سيطرة الخيال في الرواية
سيطرة الخيال في أحداث رواية صلاح الدين الأيوبي أحدثت خللا في بنائها الفني وتدخلت الصدف في سير الأحداث مما رسخ التناقض في الرواية ،وزاد من تهلهل بنائها .
فكتب التاريخ تروي لنا المؤامرة التي دبرها المؤرخ الشاعر عمارة اليمني مع عدد من الشيعة ضد صلاح الدين ،وتذكر كتب التاريخ ان الذي كشف المؤامرة هو زين الدين علي بن نجا ،ويأبى جرجي زيدان إلا أن يجعل شخصيته الخيالية هو من يكشف المؤامرة .
المصادفات في هذه الرواية
المصادفات فهي سمة بارزة في روايات جرجي زيدان يلوي بها أعناق الأحداث ،ويجعل بها المستحيل ممكنا .
فهذه (ست الملك ) تود أن ترى (عماد الدين ) الذي أحبته ولكنها لا تعرف لذلك سبيلا ، وفجأة يوجد لنا الكاتب سردابا من تحت الأرض يمتد من مكان قريب من منزل عماد الدين إلى غرفة قريبة من مخدع (ست الملك ) ويأتي الكاتب بأمور مضحكة .
وهكذا تجني المصادفات على العمل الروائي وتلقي به بعيدا عن دائرة الفن وتصيبه بداء التفكك وعدم القدرة على إقناع القارئ أو الحصول على تقديره إنها تقتل الصدق الفني ، والصدق التأريخيى في العمل الروائي .
حبكة الرواية وأسلوبها
عملية إصفاء الأحداث مهمة في الرواية التاريخية الإسلامية ، والأحداث التاريخية في الفترة التي كتب عنها كفيلة بإغنائه عن الخيال لأنها تحقق عنصر المفاجئة والتشويق في الرواية .
الأسس التي قامة عليها رواية صلاح الدين :
1- اختار فترة تاريخية معينة من زيارة والد صلاح الدين مصر 565هـ وتنتهي بقضاء صلاح الدين على مؤمرة عمارة اليمني عام 569هـ .
2- قصة غرامية نشأة بين( ست الملك)( وعماد الدين) أحد رجال صلاح الدين.
3- مؤامرات متعددة للتخلص من صلاح الدين.
4- مصادفات عديدة يصبح بها المستحيل ممكنا ،امتدت من أول الرواية حتى آخرها .
5- استطرادات كثيرة ،يتدخل بها الكاتب مفسرا أو شارحا أو مبررا لما يسوقه من صور خيالية غريبة .
6- السر الذي تمثل في أحد شخوص الرواية التي لم يكشفه إلا قبل نهايتها .
7- اللغة السهلة الواضحة القريبة من فهم القراء .
8- الحوار القصصي الذي ينتشر في الرواية منذ بدايتها إلى نهايتها .
اللغة والحوار القصصي في الرواية
لغة جرجي زيدان سهلة واضحة ،ولذلك جاء أسلوب الرواية واضحا ،قريب المأخذ ،ولذلك خلت من التكلف والتصنع كما خلت من المحسنات البديعية وغيرها من الصور التي تزين الأسلوب ،
على أن لغته لم تخلو من ركاكة في التركيب تظهر لمن يتذوق جمال العربية ويعرف مواطن القوة والضعف في تركيبها ،كما يؤخذ عليه استخدامه كلمات وجملا ومصطلحات لا تتناسب مع الشخصيات التاريخية مثل قوله : (وخرجت إلى قاعة الإستقبال )
أما الحوار القصصي في الرواية رأينا فيه أثرا من ضعف التركيب اللغوي عند الكاتب ، ومن السهولة والوضوح . كما يضهر أثر التصنع وعدم الواقعية ،حيث نشعر أن الكاتب يملي على الأشخاص المتحاورين ما يريد أن يقوله هو بأسلوب مكشوف كما يعرض مواقفه تجاه صلاح الدين ووصفه على لسان أخو سيدة الملك (رجل أعجمي ) (سلب حقوقنا) (استبد بالأمر ) (نخشى سطوته) وكان الكاتب يتحدث عن قاطع طريق لارحمة له لاعن صلاح الدين الأيوبي الذي اشتهر بالرحمة والعطف حتى مع الأعداء .
جرجي زيدان والنصرانية
فان الإنصاف يدعونا إلى القول إن جرجي زيدان قد بذل جهدا كبيرا فيما يكتب ،وصدق مع نفسه وقلبه فعرض على المسلمين تاريخهم عرضا روائيا يتلائم مع معتقداته النصرانية ومنطلقاته النفسية والفكرية ،وبذل جهد كبيرا أيضا في الربط بين أجزاء رواياته وإن كانت أدواته الفنية واللغوية قد قصرت به عن المستوى الفني المطلوب في مجال الرواية التاريخية ،وقد اتكأ على تاريخ الإسلام فيما رسم من صور مشرقة في بعض رواياته للكنائس والأديرة،زمن أمثلة ذلك وصفه (لدير خالد) القريب من دمشق حيث وصفه وصفا جميلا يبرز مشاعره نحو هذا الدير .
وقد طرح شوقي أبو خليل اقتراحين حول روايات جرجي زيدان وهما: منع هذه الروايات من البيع في الأسوق وإبراز فساده في وسائل الإعلام ،وإما إلزام دور النشر والمطابع بوضع عبارة كعبارة الفراعنة: (هذه الروايات الزيدانية لا تمت إلى حقيقة التاريخ بصلة ) .
نقل ما قاله نضير عبود في جرجي زيدان (مشاهد كثيرة تمر أمامنا ، ونحن نسير عبر هذه الرواية وفي ثناياها ،فترى نجم الدين والد صلاح الدين يتآمر مع ولده صلاح الدين على قلب الحكم و إخراجه من يد الفاطميين وإرجاعه إلى العباسيين ،وصلاح الدين لا يهمه سوى النفوذ والمال، راح صلاح الدين يبث مؤامراته حتى نجح فيها )
هذا ما يفهمه القارئ من روايات رجي زيدان من معلومات عن تاريخ الإسلام وعن أولئك الأبطال،أما التأريخ فيروي لنا غير ذلك .
يقول ابن الأثير عن نور الدين الزنكي : (فمن ذلك زهده وعبادته وعلمه ، فإنه كان لا يأكل لا يلبس ولا يتصرف إلا في الذي يخصه من ملك كان قد اشتراه من سهمه من الغنيمة ومن الأموال المرصدة لمصالح المسلمين ...وكان عارفا بالفقه على مذهب أبي حنيفة ليس عنده فيه تعصب ،وسمع الحديث وأسمعه طلبا للأجر )
مناقشة رأي
الرأي لأنيس المقدسي : (يمتاز زيدان بأمانته التاريخية حتى أنه يثبت فيها مصادره كأنه يكتب تايخا لارواية أما أسلوبه فسهل يأنس به الجمهور ،ولا تنكره الخاصة ،...فزيدان مؤرخ أكثر منه صاحب فن ،إلا أن ذلك لم يقلل من جاذبية رواياته وفائدتها وتأثيرها، وقد برهن الزمان الذي مر عليها عن حيويتها ، ومهما قيل فانه عمل روائي تاريخي ممتاز ،ويحق لزيدان أن يلقب بإمام هذا الفن في أدبنا الحديث ... ولا شك أن روايات زيدان التي تدور على تاريخ العرب جيلا بعد جيل وعيا قوميا وحركت فيهم الميل إلى دراسة التاريخ العربي )
ويرد الدكتور العشماوي على ذلك كالآتي :
في رأي أنيس المقدسي الذي تضمنه كلامه السابق صواب وخطأ ، أما الصواب فإنه يتمثل فيما ذكره من خطوة روايات جرجي زيدان بالانتشار بين الناس حتى أنها بعت بعد وفاته مرات عديدة ولا تزال ، ويتمثل الصواب عند المقدسي أيضا فيما ذكره من سهولة اسلوب زيدان وقربه من فهم عامة الناس ، وهو معروف عند الدارسين لما كتبه .
أما الخطأ فيما ذكره المقدسي ، فإنه يتعلق بطرحه لأمور لا تفوت معرفتها على القارئ المتوسط في فهمه ، فكيف بكاتب صدر له كتاب في النقد والأدب ،ويبرز الخطأ الأول عنده فيما قاله عن القصص الغرامية (المنسوجة خياليا )في روايات زيدان حيث وصفها بالتشويق والإمتاع وعدها ميزة للكاتب ،بينما هي من المآخذ التي تؤخذ على زيدان ، فهي من الناحية الفنية مفككة ضعيفة لا عمق فيها, بل إن فيها من الإهتمام بالأمور التافهة المتعلقة بمظهر لفتاة المعشوقة أو الفتى المعشوق ما لا يمكن أن يقبل من كاتب ناشئ ,غني عن كاتب مؤرخ مثل جرجي زيدان .
أما الخطأ الثاني في كلام المقدسي فهو أفدح من سابقه , إذ أنه يصف زيدان بالأمانة التاريخية ,وهذا ما لم يتحقق في رواياته التاريخية .
والخطأ الثالث : أن عمل زيدان في روايات التاريخ الإسلامي عمل تاريخي ممتاز , كما أخطأ في أنه أحدث وعيا قوميا في نفوس الناشئة إلا إذا كان لوعي القومي المقصود بفهم التاريخ الإسلامي فهما خاطئا لا يتفق مع الحقائق الثابتة .
الملامح الفنية العامة لروايات جرجي زيدان
1- اضطراب البناء الفني العام لكل رواية من رواياته.
2- عدم قدرة الكاتب على التغلغل داخل شخصياته.
3- إخفاق الكاتب في استخدام عناصر التشويق في رواياته.
4- ضعف إسلوب الكاتب واضطراب لغته.