المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشيخ (فهد العبيد) بقلم عارفيه


المتعقل
29-09-01, 06:07 pm
اخيراً وبعد طول مرض وعناء، وعظيم تعب، وكبير بلاء، رحل عن دنيانا الفانية إمام الزهاد وعلم الأتقياء، وصفوة الأنقياء، وزاهد الأولياء، رحل من انتهت إليه حقاً وصدقاً راية الورع والإخبات والتعبد والتنزه عن المحارم، رحل والكل بحاجة ماسة إلى عبرة من عبراته الصادقة المؤثرة على القلوب والنفوس الصادية، وإلى عبارة من عباراته المخلصة التي تشحن فاتر الهمم، وتذكي اوار النفوس المؤمنة إلى معالي الأمور، فتثمر ثمراً مباركاً يؤتي أكله كل حين، وإلى موعظة من مواعظه الرائقة الماتعة في بابها ولبابها، وأثرها الصادق على المنصوح.
رحل والأمة أحوج ما تكون إليه في فقه متين، ورأي رصين، وعلم سلفي غزير، رحل وكلنا نتمنى عدم رحيله لأنه كان صورة حية ناصعة من أخلاق السلف، ومثالاً واضحاً ذا اثر صادق مبارك على من حوله، عامة ودعاة وطلبة علم وعلماء وحكاماً.
لا ازعم أني من تلاميذه أو مريديه، بل محب يشتكي وصباً في محبته، عرفته عن قرب، وسبرته عن كثب في ايام مضت، وأزمنة انقضت، كانت ربيعاً لي في بريدة العلم والعلماء، لازمت مجلسه فرأيت فيه ومن فمه ومن كلماته الحكمة الصادقة، والموعظة الصامته، والعبرة الدامية والإيمان الصادق، واليقين الراسخ، والإقبال المتناهي على الآخرة، حقاً كان فريد زمانه، ونسيج وحده، حاول كثيرون أن يسلكوا مسلكه، أو يكونوا مثله، أو يظهروا بصورته، لكنهم لم يستطيعوا لأنه جعل الهم واحداً، الآخرة وحدها، هي الدار التي اختارها ومضى إليها، ولعل أربع صفات ميزته عن غيره من أبناء زمانه ووقته وهي: 1 أنه كان إسلامياً مطبقاً للإسلام بكل اشكاله وصوره وأنواعه، فالإسلام لحمته وسداه، ومبتدؤه ومنتهاه، وأدناه وأقصاه، إليه يسعى، وعليه يدور وله يعمل، وبه يعتصم، ومنه يستمد، وعنه يصدر ويورد، وفيه يحب ويبغض، فهو بالإسلام وللإسلام ومن الإسلام إلى الإسلام، وكل المسلمون إخوة له وإن بعدت الدار وشط المزار.
2 مطبقاً للقرآن: لأن القرآن مصدره الأول، منه يستمد، وعليه يعتمد، وبه يأنس، وإليه يحتكم يتعبد بتلاوته آناء الليل وأطراف النهار، ويتلذذ بقراءته، ويزداد إيماناً إذا تلي عليه، ويعيش في رحابه، متجاوباً مع آياته، متدبراً لمعانيه، يستخرج منه اللآلئ والجواهر، يصرفها في مواعظه ودروسه بعقل متفكر، وقلب متأثر، يشهد بذلك كل من استمع إليه وعرفه، فهو رجل القرآن حقاً ومن كان القرآن إمامه وقائده فلن يضل أبداً.
3 محباً للسنة: لأنه رجل جعل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قدوته وأسوته في هديه وسلوكه وحياته كلها، واتخذ سيرته نبراساً ونوراً له، في تعبده وزهده، وإعراضه عن زخارف الحياة وزينة الدنيا، فهو رحمه الله يعيش في الخلف عيشه السلف، لا يهتم بما يهتم به أمثالنا من متاع وملك ورياض وزينة، تحسبه إذا رأيته سلمان الفارسي أو أبا ذر أو أبا الدرداء.
4 زاهداً وورعاً: رغم توفر اسباب الدنيا، وسهولة وصوله إليها، وحب الناس له، لكن تجرده وإخلاصه وربانيته، وزد مع تلك يقينه وتوكله وقوته، زهدته في النعيم الفاني، وعمقت في سويداء قلبه النعيم الباقي، فلله دره ما أحسن شمائله، وما أجمل مناقبه، علو في الحياة وعلو في الممات، لقد كان آية من آيات الزمان المتأخرين في ورعه، فلم تعرف له غيبة، ولم تعهد عنه نميمة، كانت اخلاقه من ذهب، وقلبه من ذهب، وبصره من نور، وضياء على وجهه ونور، يهدي الله لنوره من يشاء، فلذا أحببناه ورثيناه، متسائلين من مثله في تحرق على الدين وغيرة، وتوقد واعتدال ووسطية، ونقاء فكرة وصفاء نفسٍ وسلامة عقيدة، وحسن عبادة، ونظافة لسان من طعن أو تجريح، سواء بالتلويح أو التصريح، من مثله في حسن خلق ولين معشر، وسهولة مأخذ، وكثرة حياء ورقة طبع ودماثة نفس، إني إعلنها بكل صراحة دون أي خوف أو وجل، ودون أي موارية أو خجل، أني احبه وأتقرب إلى الله بحبه وأرجو ان احشر وإياه مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
ولست زاعماً هذا الحب لوحدي، أو متفرداً به، فمحبوه كثر بل كل من عرفه واقترب منه احبه على قدر معرفته به، وكلما ازداد منه قرباً ازداد له حباً.
وأخيراً عزائي لأحبتنا الصادقين وإخوتنا المخلصين في بريدة العلم والعلماء، في شيخهم وحبيبهم فهد بن عبيد بن عبد المحسن العبيد .وعزائي لأسرة الشيخ جميعاً ومنهم ابنه الأستاذ عبد الرحمن كما اخص أحفاده كما أخص شيخنا العلامة إبراهيم بن عبيد أطال الله عمره على الطاعة، وعزائي لأمة الإسلام في فقد هذا العالم الداعية الذي قل أن يجود الزمان بمثله.نسأل الله ان يغفر له ويرحمه وأن يأجر أمتنا في مصابها، وأن يخلفها خيراً وأن يجزي الشيخ عن دينه وأمته خير ما يجزي به العلماء الربانيين والأئمة الصادقين.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.

عبدالرحمن بن يوسف الرحمة
الرياض

ابوعمر
29-09-01, 06:39 pm
رحمة الله رحمة واسعة وادخلة فسيح جناتة ..