اكار شوكولانا
22-03-05, 10:27 pm
يا بطلة الراليات السعودية السكوت من ذهب!
لطيفة الشعلان
بينما كنت اهم بكتبة مقالي ونحن على مشارف يوم المراة العالمي، وقعت عيني على خبر فوز السعودية مروة محمود بالمركز الأول في بطولة دبي للراليات النسائية، الذي تصدر صحيفة الحياة الجمعة الفائت، لم يحمل لي الخبر البشرى التي حملها للصحيفة، فطيرته لصفحتها الأولى، ولست ممن يجد في مثل هذه الإنجازات الفردية كرنفالات لتحسين الصورة المعطوبة ولم أكن لأشير للخبر أصلا، لولا تصريح السيدة الذي احتاج مني وقتا للمواءمة فيه بين صورتها ببذلة التسابق خلف مقود سيارتها وبين رأسها البرجوازي فهذه المرأة السعودية التي تعيش في الأمارات وتقول عن نفسها "لحاجتي إلى السيارة في تنقلاتي تعلمت القيادة". تفتي في شأننا بنفس أمومي "الوقت لم يحن بعد لقيادة المرآة في السعودية"، والسبب يا سيدة الراليات؟: "قبل ذلك المرأة السعودية بحاجة إلى العمل في مجالات تنموية وتطويرية أخرى".
يردد كثيرون إذا جاء ذكر الإصلاح وعلى الأخص ما يتعلق منه بشأن المرأة، مقولة الوقت الذي لم يحن بعد.أما أن تقولها هذه السيدة التي تعيش في الخارج وتشارك في الراليات وتقود سيارتها لقضاء حوائجها فهذا مما يثير السخرية ويكشف أن السماجة بلا حد.
لطالما رأينا في التجارب العربية نوعا من التقاطع بين قوة الدفع الاجتماعي والإرادة السياسية في إقرار حق ما للنساء أو تغيير قانون مجحف بهن، بينما نجد المكتسبات المتواضعة التي حصلت عليها المرأة السعودية قد أتت بقرارات رسمية لم تؤثر فيها أو تدفعها أو تعجل بها مطالبات اجتماعية أو نضال نسوي ما.مثلا البدء في تعليم المرأة عام 1960 كان قرارا رسميا خالصا صدر وطبق رغم أنف الممانعة الاجتماعية ومع أنني ممن يعولون على فعالية القاعدة الاجتماعية في التغيير الأنجح إلا أن قرارا آخر هو تحويل الإشراف على تعليم البنات إلى وزارة التربية والتعليم أثبت واقعيا أن الإرادة السياسية مطلوبة بشدة لفرض الإصلاحات الاجتماعية حتى مع توقع ممانعة قوية لدى بعض الفئات.
ولنفهم كيف أن تمكين المرأة السعودية بات مطلبا اقتصاديا اجتماعيا ملحا علينا أن نتأمل مثلا في ذلك الواقع الذي جعل أمهات من الطبقة الوسطى ومن منطقة نجد المعروفة تاريخيا بمحافظتها الشديدة يلجأن بمباركة من قمة الهرم الأبوي للانتقال والسكن منفردات مع بناتهن اللواتي يعملن معلمات في قرى نائية وهو ماكان قبل سنوات قلائل سيعد أمرا شائنا معيبا.
غني عن القول انه لا يوجد في المجتمع السعودي لحركة نسوية ولا لناشاطات في مجال حقوق المرأة وأنت لن تفهم الصورة الرومانسية الفخمة التي يسقطها أنصار حقوق المرأة على فعل بدأ وانتهى في ظهيرة يوم واحد، قامت به بعض الأكاديميات وتلميذاتهن في 1991 إلا في ضوء هذا الفراغ المربع في الفكر والعمل النسوي، ولو فتشت اليوم عن البارزات ممن تصدرن تلك المظاهرة الرمزية لوجدتهن مثل سواهن قد ابتلعهن ثالوث الوظيفة الحكومية والمنزل والكتابة الصحافية.وشخصيا أزعم معرفتي بفقر بعضهن الشديد في الثقافة النسوية وبساطة تفكيرهن إذا تعلق الأمر بالوعي السياسي وآليات التغيير الاجتماعي وإشكالية المرأة، البون شاسع بين التحصيل العلمي المرتفع وطبيعة الوعي المشخص آنفا، فهما لا يرتبطان بالضرورة، ومثل هذا الوعي هو ما يعوزنا لخلق حراك نسوي أبعد ما يكون عن لغة الشعارات الثورية الفارغة فراغ بعض الرؤوس والتنظيرات، وحتى لا أظلم أحدا فقد ركنت النخبة من النساء - ولا استثني نفسي - لدعة الوظيفة الأكاديمية وأمان الأبواب المغلقة في وجه الريح مكتفيات بشغب الكتابة وهذا إن شاغبن أصلا، إنهن يعرفن في قرارة أنفسهن أنهن بلا سند ولن يرحمهن كائن من كان فربما فضلن قول نصف الكلام أو نصف الحلم أو نصف الحقيقة على صمت الجدران.
ولو تركنا النخبة الثقافية إلى نخبة بمواصفات أخرى وهي البرجوازية فسنكون أمام وضع أكثر تعاسة مع أنها تملك ما لا تملكه النخبة الثقافية من ممكنات الفعل والتأثير. أنا آخر من يبخس العمل الخيري حقه وأهميته لكن التاريخ يعلمنا أن البرجوازية قد تتحالف ضمنيا مع القوى التقليدية لبقاء الأوضاع كما هي.المرأة البرجوازية لها واقعها الخاص المنفصل والمتعالي في رفاهيته عن واقع النساء اليومي إذا وضعت على ذلك قليلا من بهارات الرجعية الفكرية كما لدى اختنا مروة محمود رغم أحدث مايرتدينه من موضات أوروبية، عرفت أن العمل الخيري لا مساحة فيه إلى جانب توزيع الأرز والسكر لتبني قضايا المرأة أو دفعها للواجهة.
إن انعدام النسوية في السعودية حتى على الصعيد التنظيري ليس أمرا عصيا على التفسير فله جملة عوامل متشابكة يتضافر فيها المكون الإيديولوجي بسلطانه الشاسع والبنية الاجتماعية التقليدية للمجتمع مع الانخفاض الواضح في وعي المرأة السياسي والاجتماعي، لكن القراءة في تاريخ وأدبيات النضال النسوي في مجتمعات عربية كمصر وفلسطين والعراق والجزائر تبين أن ذلك التفسير وحده لن يكون كافيا لتشخيص الحالة فالسعودي لم يعرف الحياة الحزبية في حين كانت الأحزاب القومية واليسارية وتحديدا الأخيرة هي الحاضن والملهم لحركات المطالبة بحقوق المرأة، أما بالذهاب إلى البدايات المبكرة فسنجد التيار النسوي إن من ناحية إنضاج وعي المرأة أو من ناحية التشكل والتموضع قد انبثق ضمن الإطار العام لحركات التحرر ومقاومة الاستعمار بينما انتفى لدينا هذا العامل التاريخي، على سبيل المثال كانت مشاركة المرأة المصرية بقوة في ثورة 1919 هي الشرارة التي وضعت حجر الأساس لمسيرة العمل النسوي ولم يكن ببعيد عن ذلك ما أفضى إليه انخراط المرأة الجزائرية أو العراقية أو الفلسطينية في النضال ضد المستعمر، هذا طبعا يخالف كلية الزعم الذي يحشى في الرؤوس ليل نهار بأن الدعوة إلى حقوق المرأة من رجس الحضارة الغربية الفاسدة بل أن هذا الربط بين حقوق المرأة وبين الغرب القاهر حضاريا وسياسيا أنتج لنا ذلك الفهم الجائر للقضية، كما افقدها فرصة درسها من زاوية موضوعية تضعها في مكانها من قضايا التنمية والإصلاح العربي عموما، ويبقى أن أي انحراف بعد ذلك في بعض الطروحات النسوية العربية أو تحويل الحركة من تيار نضالي له قضاياه العادلة إلى نزعة عصبوية أو عقيدة شوفينية موجهة ضد الرجل ومؤسسة الأسرة من الأشياء التي لا يعلق وزرها بقضية حقوق المرأة.
عدد مجلة المجلة رقم 1308 وتاريخ 6-12/3/2005
لطيفة الشعلان
بينما كنت اهم بكتبة مقالي ونحن على مشارف يوم المراة العالمي، وقعت عيني على خبر فوز السعودية مروة محمود بالمركز الأول في بطولة دبي للراليات النسائية، الذي تصدر صحيفة الحياة الجمعة الفائت، لم يحمل لي الخبر البشرى التي حملها للصحيفة، فطيرته لصفحتها الأولى، ولست ممن يجد في مثل هذه الإنجازات الفردية كرنفالات لتحسين الصورة المعطوبة ولم أكن لأشير للخبر أصلا، لولا تصريح السيدة الذي احتاج مني وقتا للمواءمة فيه بين صورتها ببذلة التسابق خلف مقود سيارتها وبين رأسها البرجوازي فهذه المرأة السعودية التي تعيش في الأمارات وتقول عن نفسها "لحاجتي إلى السيارة في تنقلاتي تعلمت القيادة". تفتي في شأننا بنفس أمومي "الوقت لم يحن بعد لقيادة المرآة في السعودية"، والسبب يا سيدة الراليات؟: "قبل ذلك المرأة السعودية بحاجة إلى العمل في مجالات تنموية وتطويرية أخرى".
يردد كثيرون إذا جاء ذكر الإصلاح وعلى الأخص ما يتعلق منه بشأن المرأة، مقولة الوقت الذي لم يحن بعد.أما أن تقولها هذه السيدة التي تعيش في الخارج وتشارك في الراليات وتقود سيارتها لقضاء حوائجها فهذا مما يثير السخرية ويكشف أن السماجة بلا حد.
لطالما رأينا في التجارب العربية نوعا من التقاطع بين قوة الدفع الاجتماعي والإرادة السياسية في إقرار حق ما للنساء أو تغيير قانون مجحف بهن، بينما نجد المكتسبات المتواضعة التي حصلت عليها المرأة السعودية قد أتت بقرارات رسمية لم تؤثر فيها أو تدفعها أو تعجل بها مطالبات اجتماعية أو نضال نسوي ما.مثلا البدء في تعليم المرأة عام 1960 كان قرارا رسميا خالصا صدر وطبق رغم أنف الممانعة الاجتماعية ومع أنني ممن يعولون على فعالية القاعدة الاجتماعية في التغيير الأنجح إلا أن قرارا آخر هو تحويل الإشراف على تعليم البنات إلى وزارة التربية والتعليم أثبت واقعيا أن الإرادة السياسية مطلوبة بشدة لفرض الإصلاحات الاجتماعية حتى مع توقع ممانعة قوية لدى بعض الفئات.
ولنفهم كيف أن تمكين المرأة السعودية بات مطلبا اقتصاديا اجتماعيا ملحا علينا أن نتأمل مثلا في ذلك الواقع الذي جعل أمهات من الطبقة الوسطى ومن منطقة نجد المعروفة تاريخيا بمحافظتها الشديدة يلجأن بمباركة من قمة الهرم الأبوي للانتقال والسكن منفردات مع بناتهن اللواتي يعملن معلمات في قرى نائية وهو ماكان قبل سنوات قلائل سيعد أمرا شائنا معيبا.
غني عن القول انه لا يوجد في المجتمع السعودي لحركة نسوية ولا لناشاطات في مجال حقوق المرأة وأنت لن تفهم الصورة الرومانسية الفخمة التي يسقطها أنصار حقوق المرأة على فعل بدأ وانتهى في ظهيرة يوم واحد، قامت به بعض الأكاديميات وتلميذاتهن في 1991 إلا في ضوء هذا الفراغ المربع في الفكر والعمل النسوي، ولو فتشت اليوم عن البارزات ممن تصدرن تلك المظاهرة الرمزية لوجدتهن مثل سواهن قد ابتلعهن ثالوث الوظيفة الحكومية والمنزل والكتابة الصحافية.وشخصيا أزعم معرفتي بفقر بعضهن الشديد في الثقافة النسوية وبساطة تفكيرهن إذا تعلق الأمر بالوعي السياسي وآليات التغيير الاجتماعي وإشكالية المرأة، البون شاسع بين التحصيل العلمي المرتفع وطبيعة الوعي المشخص آنفا، فهما لا يرتبطان بالضرورة، ومثل هذا الوعي هو ما يعوزنا لخلق حراك نسوي أبعد ما يكون عن لغة الشعارات الثورية الفارغة فراغ بعض الرؤوس والتنظيرات، وحتى لا أظلم أحدا فقد ركنت النخبة من النساء - ولا استثني نفسي - لدعة الوظيفة الأكاديمية وأمان الأبواب المغلقة في وجه الريح مكتفيات بشغب الكتابة وهذا إن شاغبن أصلا، إنهن يعرفن في قرارة أنفسهن أنهن بلا سند ولن يرحمهن كائن من كان فربما فضلن قول نصف الكلام أو نصف الحلم أو نصف الحقيقة على صمت الجدران.
ولو تركنا النخبة الثقافية إلى نخبة بمواصفات أخرى وهي البرجوازية فسنكون أمام وضع أكثر تعاسة مع أنها تملك ما لا تملكه النخبة الثقافية من ممكنات الفعل والتأثير. أنا آخر من يبخس العمل الخيري حقه وأهميته لكن التاريخ يعلمنا أن البرجوازية قد تتحالف ضمنيا مع القوى التقليدية لبقاء الأوضاع كما هي.المرأة البرجوازية لها واقعها الخاص المنفصل والمتعالي في رفاهيته عن واقع النساء اليومي إذا وضعت على ذلك قليلا من بهارات الرجعية الفكرية كما لدى اختنا مروة محمود رغم أحدث مايرتدينه من موضات أوروبية، عرفت أن العمل الخيري لا مساحة فيه إلى جانب توزيع الأرز والسكر لتبني قضايا المرأة أو دفعها للواجهة.
إن انعدام النسوية في السعودية حتى على الصعيد التنظيري ليس أمرا عصيا على التفسير فله جملة عوامل متشابكة يتضافر فيها المكون الإيديولوجي بسلطانه الشاسع والبنية الاجتماعية التقليدية للمجتمع مع الانخفاض الواضح في وعي المرأة السياسي والاجتماعي، لكن القراءة في تاريخ وأدبيات النضال النسوي في مجتمعات عربية كمصر وفلسطين والعراق والجزائر تبين أن ذلك التفسير وحده لن يكون كافيا لتشخيص الحالة فالسعودي لم يعرف الحياة الحزبية في حين كانت الأحزاب القومية واليسارية وتحديدا الأخيرة هي الحاضن والملهم لحركات المطالبة بحقوق المرأة، أما بالذهاب إلى البدايات المبكرة فسنجد التيار النسوي إن من ناحية إنضاج وعي المرأة أو من ناحية التشكل والتموضع قد انبثق ضمن الإطار العام لحركات التحرر ومقاومة الاستعمار بينما انتفى لدينا هذا العامل التاريخي، على سبيل المثال كانت مشاركة المرأة المصرية بقوة في ثورة 1919 هي الشرارة التي وضعت حجر الأساس لمسيرة العمل النسوي ولم يكن ببعيد عن ذلك ما أفضى إليه انخراط المرأة الجزائرية أو العراقية أو الفلسطينية في النضال ضد المستعمر، هذا طبعا يخالف كلية الزعم الذي يحشى في الرؤوس ليل نهار بأن الدعوة إلى حقوق المرأة من رجس الحضارة الغربية الفاسدة بل أن هذا الربط بين حقوق المرأة وبين الغرب القاهر حضاريا وسياسيا أنتج لنا ذلك الفهم الجائر للقضية، كما افقدها فرصة درسها من زاوية موضوعية تضعها في مكانها من قضايا التنمية والإصلاح العربي عموما، ويبقى أن أي انحراف بعد ذلك في بعض الطروحات النسوية العربية أو تحويل الحركة من تيار نضالي له قضاياه العادلة إلى نزعة عصبوية أو عقيدة شوفينية موجهة ضد الرجل ومؤسسة الأسرة من الأشياء التي لا يعلق وزرها بقضية حقوق المرأة.
عدد مجلة المجلة رقم 1308 وتاريخ 6-12/3/2005