mam999
17-02-05, 01:16 am
المولد والنشأة
هو محمود سامي بن حسن حسني بن عبدالله شركسى الأصل مصري المولد تجري في عروقه دماء الأمراء من دولة المماليك الجراكسة
ولد محمود سامي البارودي بالقاهرة في (27من رجب 1255 هـ = 6 من أكتوبر 1839م) لأبوين من الجراكسة، وجاءت شهرته بالبارودي نسبة إلى بلدة "إيتاي البارود" التابعة لمحافظة البحيرة بمصر، وكان أحد أجداده ملتزمًا لها ويجمع الضرائب من أهلها.
نشأ البارودي في أسرة على شيء من الثراء والسلطان، فأبوه كان ضابطًا في الجيش المصري برتبة لواء، وعُين مديرًا لمدينتي "بربر" و"دنقلة" في السودان، ومات هناك، وكان ابنه محمود سامي حينئذ في السابعة من عمره
وفي أثناء عمله بالجيش اشترك في الحملة العسكرية التي خرجت سنة (1282 هـ = 1865م) لمساندة جيش الخلافة العثمانية في إخماد الفتنة التي نشبت في جزيرة "كريت"، وهناك أبلى البارودي بلاء حسنًا، وجرى الشعر على لسانه يتغنى ببلده الذي فارقه، ويصف جانبًا من الحرب التي خاض غمارها، في رائعة من روائعه الخالدة التي مطلعها:
أخذ الكرى بمعاقد الأجفان
وهفا السرى بأعنة الفرسان
والليل منشور الذوائب ضارب
فوق المتالع والربا بجران
لا تستبين العين في ظلماته
إلا اشتعال أسِنَّة المران
بعد عودة البارودي من حرب البلقان تم تعيينه مديرًا لمحافظة الشرقية في (ربيع الآخر 1295هـ = إبريل 1878م)، وسرعان ما نقل محافظًا للقاهرة، وكانت مصر في هذه الفترة تمر بمرحلة حرجة من تاريخها، بعد أن غرقت البلاد في الديون، وتدخلت إنجلترا وفرنسا في توجيه السياسة المصرية، بعد أن صار لهما وزيران في الحكومة المصرية، ونتيجة لذلك نشطت الحركة الوطنية وتحركت الصحافة، وظهر تيار الوعي الذي يقوده "جمال الدين الأفغاني" لإنقاذ العالم الإسلامي من الاستعمار، وفي هذه الأجواء المشتعلة تنطلق قيثارة البارودي بقصيدة ثائرة تصرخ في أمته، توقظ النائم وتنبه الغافل، وهي قصيدة طويلة، منها:
جلبت أشطر هذا الدهر تجربة = وذقت ما فيه من صاب ومن عسل
فما وجدت على الأيام باقية= أشهى إلى النفس من حرية العمل
لكننا غرض للشر في زمن= أهل العقول به في طاعة الخمل
قامت به من رجال السوء طائفة= أدهى على النفس من بؤس على ثكل
ذلت بهم مصر بعد العز واضطربت= قواعد الملك حتى ظل في خلل
وبينما كان محمد شريف باشا رئيس مجلس النظار يحاول أن يضع للبلاد دستورًا قويمًا يصلح أحوالها ويرد كرامتها، فارضًا على الوزارة مسؤوليتها على كل ما تقوم به أمام مجلس شورى النواب، إذا بالحكومة الإنجليزية والفرنسية تكيدان للخديوي إسماعيل عند الدولة العثمانية لإقصائه الوزيرين الأجنبيين عن الوزارة، وإسناد نظارتها إلى شريف باشا الوطني الغيور، وأثمرت سعايتهما، فصدر قرار من الدولة العثمانية بخلع إسماعيل وتولية ابنه توفيق.
البارودي في المنفى
أقام البارودي في الجزيرة سبعة عشر عامًا وبعض عام، وأقام مع زملائه في "كولومبو" سبعة أعوام، ثم فارقهم إلى "كندي" بعد أن دبت الخلافات بينهم، وألقى كل واحد منهم فشل الثورة على أخيه، وفي المنفى شغل البارودي نفسه بتعلم الإنجليزية حتى أتقنها، وانصرف إلى تعليم أهل الجزيرة اللغة العربية ليعرفوا لغة دينهم الحنيف، وإلى اعتلاء المنابر في مساجد المدينة ليُفقّه أهلها شعائر الإسلام.
وطوال هذه الفترة قال قصائده الخالدة، التي يسكب فيها آلامه وحنينه إلى الوطن، ويرثي من مات من أهله وأحبابه وأصدقائه، ويتذكر أيام شبابه ولهوه وما آل إليه حاله، ومضت به أيامه في المنفى ثقيلة واجتمعت عليه علل الأمراض، وفقدان الأهل والأحباب، فساءت صحته، واشتدت وطأة المرض عليه، ثم سُمح له بالعودة بعد أن تنادت الأصوات وتعالت بضرورة رجوعه إلى مصر، فعاد في (6 من جمادى الأولى 1317هـ
ولم تطل الحياة بالبارودي بعد رجوعه، فلقي ربه في (4 من شوال 1322هـ / 12من ديسمبر عام 1904م).
شعر البارودي
يعد البارودي رائد الشعر العربي في العصر الحديث؛ حيث وثب به وثبة عالية لم يكن يحلم بها معاصروه، ففكّه من قيوده البديعية وأغراضه الضيقة، ووصله بروائعه القديمة وصياغتها المحكمة، وربطه بحياته وحياة أمته.
من قصائده
هَـلْ مِنْ طَبِيبٍ لِدَاءِ الْحُبِّ أو رَاقِي ؟= يَـشْـفِـي عَـلِيلاً أخا حُزْنٍ وإيراقِ
قَـدْ كان أَبْقَى الهوى مِنْ مُهجَتي رَمَقًا = حَتَّى جرى البَيْنُ ، فاستولى على الباقي
حُـزْنٌ بَرَانِي ، وأشواقٌ رَعَتْ كبدي = يـا ويـحَ نـفسي مِنْ حُزْنٍ وأشْوَاقِ
أُكَـلِّـفُ الـنَفْسَ صَبْراً وهي جَازِعَةٌ =والـصـبرُ في الحُبِّ أعيا كُلَّ مُشتاقِ
لافـي (( سرنديبَ )) لِي خِلٌ ألُوذُ بِهِ = وَلَا أَنِـيـسٌ سِـوى هَمي وإطراقِي
أبِـيـتُ أرعـى نـجوم الليلِ مُرْتَفِقًا =فـي قُـنَّـةٍ عَـزَّ مَرْقاها على الراقي
تَـقَـلَّدَتْ من جُمانِ الشُهبِ مِنْطَقةً = مَـعـقُـودةً بِـوِشَـاحٍ غَيرِ مِقْلاقِ
كـأن نَـجْـمَ الثريا وهو مُضْطَرِبٌ دُونَ = الـهِـلالِ سِـراجٌ لاحَ في طاقِ
يا (( روضة النيلِ )) ! لا مَسَّتْكِ iiبَائِقَةٌ= ولا عَـدَتْـكِ سَـمَـاءٌ ذَاتُ اغداق
مــحــا البــيــنُ ما أبقتْ عيون المها مني = فـشِـــــــــبتُ ولم أقضِ اللُّبانة من سني
عـــناءٌ ، ويــــأسٌ ، واشــــتيــــاقٌ وغــربةٌ = ألا ، شــدَّ ما ألقـــــاه في الدهر من غبنِ
فإن أكُ فــــارقـــــــتُ الــــديار فـــلي بـها = فُــــــؤادٌ أضـــــــلتْهُ عــــيـــون المها مِني
بعــــثــــتُ به يــــوم النـــوى إثـــــرَ لَحْظَةٍ = فأوقــــعــــه المِقدارُ في شَـرَكِ الحُــسنِ
فـــهل من فتى في الدهــــر يجمع بـينـنا = فـــلـــيــس كِلانا عــن أخــيه بمـسـتغــنِ
ولــما وقـــفــــنـا لِلــوَدَاع ، وأســـبَــلَـــتْ = مـــــدامـــعنا فـــــوق التـــرائب كالمـــزن
أهـــبتُ بـــــــصبري أن يعودَ ، فــعـــزنـي = وناديت حــلــمــي أن يـثــوب فــلــم يُغـنِ
ولمْ تَــمـْــضِ إلا خَــطْــرَةٌ ، ثــــم أقلــعـت = بنا عـــن شطوط الحـــي أجـنِحةُ السُّفْـنِ
فـكم مُـــــهجةٍ من زَفْرَةِ الوجدِ في لــظى = وكم مُقـْــــلَةٍ مِنْ غــزرة الدمــع في دَجْنِ
ومـــا كــــنتُ جــــربتُ النـــوى قبل هـذه = فـــلما دهــــتني كِدتُ أقــضي من الحزن
ولكـــنني راجـــعــــتُ حِــــلْمـِي ، وردني = إلى الحَــــزْمِ رأيٌ لا يــحـــومُ عــلـى أَفْنِ
ولولا بُـــنــيــاتٌ وشِـــيـــبٌ عــــــــواطـــلٌ = لــمــا قَــرَعَـتْ نفـسي على فائِتٍ سِني
فيــا قــلــبُ صــبـراً إن جـــــزِعتَ ، فربمـا = جَـــرَتْ سُـــنُــحاً طَيْرُ الحــــــوادثِ باليُمْنِ
قليلٌ من يدومُ عــــــلى الودادِ= فلا تحــــــــفلْ بقربٍ أو بعــــــادِ
إذا كان التغــــير في الليالـــي= فكيف يدومُ وُدٌّ في فــــــــــــؤادِ
ومنْ لك أن ترى قلباً نقــــــــياً= ولمَّا يَخْلُ قلبٌ مٍنْ سَــــــــــوادِ
فلا تبذُلْ هــــــواك إلى خـليلٍ= تظنُّ به الوفــــــــــاء . ولا تعــادِ
وكنْ متوسطاً في كلِ حـــــالٍ= لتأمنَ ما تخافُ من العِــنــــــــادِ
مداراةُ الرِّجَالِ أخـــــفُ وطْـــــأً= على الإنسان من حرب الفسادِ
يعيشُ المرءُ محبوباً إذا مـــــــا= نحا في سيرهِ قصدَ الســــــداد
وما الدنيا سِوى عجزٍ وحِــرصٍ= هُما أصلُ الخليقةِ في العـــــبادِ
فلولا العجزُ ماكان التصـــــافي= ولولا الحِـــرص ما كان التعــادي
وما عقد الرجـــــــــــالُ الودَّ إلا= لنفعٍ ، أو لمنعٍ من تـــــــعـــادي
وما كان العِداءُ يخــــــفُ لـــولا= أذى السلطان،أو خـــوف المعادِ
قيابنَ أبي ! ولستَ بهِ ،ولكن= كِلانا زرعُ أرضٍ للحـــــــصـــــــادِ
تأمل ، هــــل ترى أثراً ؟ فإني= أرى الآثـارَ تذهبُ كالرمــــــــــادِ
حياةُ المرءِ في الدنيا خـــــيالٌ= وعــاقبةُ الأمـــور إلى نــفـــــــادِ
فطوبى لامرئٍ غلبتْ هـــــواهُ= بصيرتُهُ ، فباتَ على رشــــــــاد
هو محمود سامي بن حسن حسني بن عبدالله شركسى الأصل مصري المولد تجري في عروقه دماء الأمراء من دولة المماليك الجراكسة
ولد محمود سامي البارودي بالقاهرة في (27من رجب 1255 هـ = 6 من أكتوبر 1839م) لأبوين من الجراكسة، وجاءت شهرته بالبارودي نسبة إلى بلدة "إيتاي البارود" التابعة لمحافظة البحيرة بمصر، وكان أحد أجداده ملتزمًا لها ويجمع الضرائب من أهلها.
نشأ البارودي في أسرة على شيء من الثراء والسلطان، فأبوه كان ضابطًا في الجيش المصري برتبة لواء، وعُين مديرًا لمدينتي "بربر" و"دنقلة" في السودان، ومات هناك، وكان ابنه محمود سامي حينئذ في السابعة من عمره
وفي أثناء عمله بالجيش اشترك في الحملة العسكرية التي خرجت سنة (1282 هـ = 1865م) لمساندة جيش الخلافة العثمانية في إخماد الفتنة التي نشبت في جزيرة "كريت"، وهناك أبلى البارودي بلاء حسنًا، وجرى الشعر على لسانه يتغنى ببلده الذي فارقه، ويصف جانبًا من الحرب التي خاض غمارها، في رائعة من روائعه الخالدة التي مطلعها:
أخذ الكرى بمعاقد الأجفان
وهفا السرى بأعنة الفرسان
والليل منشور الذوائب ضارب
فوق المتالع والربا بجران
لا تستبين العين في ظلماته
إلا اشتعال أسِنَّة المران
بعد عودة البارودي من حرب البلقان تم تعيينه مديرًا لمحافظة الشرقية في (ربيع الآخر 1295هـ = إبريل 1878م)، وسرعان ما نقل محافظًا للقاهرة، وكانت مصر في هذه الفترة تمر بمرحلة حرجة من تاريخها، بعد أن غرقت البلاد في الديون، وتدخلت إنجلترا وفرنسا في توجيه السياسة المصرية، بعد أن صار لهما وزيران في الحكومة المصرية، ونتيجة لذلك نشطت الحركة الوطنية وتحركت الصحافة، وظهر تيار الوعي الذي يقوده "جمال الدين الأفغاني" لإنقاذ العالم الإسلامي من الاستعمار، وفي هذه الأجواء المشتعلة تنطلق قيثارة البارودي بقصيدة ثائرة تصرخ في أمته، توقظ النائم وتنبه الغافل، وهي قصيدة طويلة، منها:
جلبت أشطر هذا الدهر تجربة = وذقت ما فيه من صاب ومن عسل
فما وجدت على الأيام باقية= أشهى إلى النفس من حرية العمل
لكننا غرض للشر في زمن= أهل العقول به في طاعة الخمل
قامت به من رجال السوء طائفة= أدهى على النفس من بؤس على ثكل
ذلت بهم مصر بعد العز واضطربت= قواعد الملك حتى ظل في خلل
وبينما كان محمد شريف باشا رئيس مجلس النظار يحاول أن يضع للبلاد دستورًا قويمًا يصلح أحوالها ويرد كرامتها، فارضًا على الوزارة مسؤوليتها على كل ما تقوم به أمام مجلس شورى النواب، إذا بالحكومة الإنجليزية والفرنسية تكيدان للخديوي إسماعيل عند الدولة العثمانية لإقصائه الوزيرين الأجنبيين عن الوزارة، وإسناد نظارتها إلى شريف باشا الوطني الغيور، وأثمرت سعايتهما، فصدر قرار من الدولة العثمانية بخلع إسماعيل وتولية ابنه توفيق.
البارودي في المنفى
أقام البارودي في الجزيرة سبعة عشر عامًا وبعض عام، وأقام مع زملائه في "كولومبو" سبعة أعوام، ثم فارقهم إلى "كندي" بعد أن دبت الخلافات بينهم، وألقى كل واحد منهم فشل الثورة على أخيه، وفي المنفى شغل البارودي نفسه بتعلم الإنجليزية حتى أتقنها، وانصرف إلى تعليم أهل الجزيرة اللغة العربية ليعرفوا لغة دينهم الحنيف، وإلى اعتلاء المنابر في مساجد المدينة ليُفقّه أهلها شعائر الإسلام.
وطوال هذه الفترة قال قصائده الخالدة، التي يسكب فيها آلامه وحنينه إلى الوطن، ويرثي من مات من أهله وأحبابه وأصدقائه، ويتذكر أيام شبابه ولهوه وما آل إليه حاله، ومضت به أيامه في المنفى ثقيلة واجتمعت عليه علل الأمراض، وفقدان الأهل والأحباب، فساءت صحته، واشتدت وطأة المرض عليه، ثم سُمح له بالعودة بعد أن تنادت الأصوات وتعالت بضرورة رجوعه إلى مصر، فعاد في (6 من جمادى الأولى 1317هـ
ولم تطل الحياة بالبارودي بعد رجوعه، فلقي ربه في (4 من شوال 1322هـ / 12من ديسمبر عام 1904م).
شعر البارودي
يعد البارودي رائد الشعر العربي في العصر الحديث؛ حيث وثب به وثبة عالية لم يكن يحلم بها معاصروه، ففكّه من قيوده البديعية وأغراضه الضيقة، ووصله بروائعه القديمة وصياغتها المحكمة، وربطه بحياته وحياة أمته.
من قصائده
هَـلْ مِنْ طَبِيبٍ لِدَاءِ الْحُبِّ أو رَاقِي ؟= يَـشْـفِـي عَـلِيلاً أخا حُزْنٍ وإيراقِ
قَـدْ كان أَبْقَى الهوى مِنْ مُهجَتي رَمَقًا = حَتَّى جرى البَيْنُ ، فاستولى على الباقي
حُـزْنٌ بَرَانِي ، وأشواقٌ رَعَتْ كبدي = يـا ويـحَ نـفسي مِنْ حُزْنٍ وأشْوَاقِ
أُكَـلِّـفُ الـنَفْسَ صَبْراً وهي جَازِعَةٌ =والـصـبرُ في الحُبِّ أعيا كُلَّ مُشتاقِ
لافـي (( سرنديبَ )) لِي خِلٌ ألُوذُ بِهِ = وَلَا أَنِـيـسٌ سِـوى هَمي وإطراقِي
أبِـيـتُ أرعـى نـجوم الليلِ مُرْتَفِقًا =فـي قُـنَّـةٍ عَـزَّ مَرْقاها على الراقي
تَـقَـلَّدَتْ من جُمانِ الشُهبِ مِنْطَقةً = مَـعـقُـودةً بِـوِشَـاحٍ غَيرِ مِقْلاقِ
كـأن نَـجْـمَ الثريا وهو مُضْطَرِبٌ دُونَ = الـهِـلالِ سِـراجٌ لاحَ في طاقِ
يا (( روضة النيلِ )) ! لا مَسَّتْكِ iiبَائِقَةٌ= ولا عَـدَتْـكِ سَـمَـاءٌ ذَاتُ اغداق
مــحــا البــيــنُ ما أبقتْ عيون المها مني = فـشِـــــــــبتُ ولم أقضِ اللُّبانة من سني
عـــناءٌ ، ويــــأسٌ ، واشــــتيــــاقٌ وغــربةٌ = ألا ، شــدَّ ما ألقـــــاه في الدهر من غبنِ
فإن أكُ فــــارقـــــــتُ الــــديار فـــلي بـها = فُــــــؤادٌ أضـــــــلتْهُ عــــيـــون المها مِني
بعــــثــــتُ به يــــوم النـــوى إثـــــرَ لَحْظَةٍ = فأوقــــعــــه المِقدارُ في شَـرَكِ الحُــسنِ
فـــهل من فتى في الدهــــر يجمع بـينـنا = فـــلـــيــس كِلانا عــن أخــيه بمـسـتغــنِ
ولــما وقـــفــــنـا لِلــوَدَاع ، وأســـبَــلَـــتْ = مـــــدامـــعنا فـــــوق التـــرائب كالمـــزن
أهـــبتُ بـــــــصبري أن يعودَ ، فــعـــزنـي = وناديت حــلــمــي أن يـثــوب فــلــم يُغـنِ
ولمْ تَــمـْــضِ إلا خَــطْــرَةٌ ، ثــــم أقلــعـت = بنا عـــن شطوط الحـــي أجـنِحةُ السُّفْـنِ
فـكم مُـــــهجةٍ من زَفْرَةِ الوجدِ في لــظى = وكم مُقـْــــلَةٍ مِنْ غــزرة الدمــع في دَجْنِ
ومـــا كــــنتُ جــــربتُ النـــوى قبل هـذه = فـــلما دهــــتني كِدتُ أقــضي من الحزن
ولكـــنني راجـــعــــتُ حِــــلْمـِي ، وردني = إلى الحَــــزْمِ رأيٌ لا يــحـــومُ عــلـى أَفْنِ
ولولا بُـــنــيــاتٌ وشِـــيـــبٌ عــــــــواطـــلٌ = لــمــا قَــرَعَـتْ نفـسي على فائِتٍ سِني
فيــا قــلــبُ صــبـراً إن جـــــزِعتَ ، فربمـا = جَـــرَتْ سُـــنُــحاً طَيْرُ الحــــــوادثِ باليُمْنِ
قليلٌ من يدومُ عــــــلى الودادِ= فلا تحــــــــفلْ بقربٍ أو بعــــــادِ
إذا كان التغــــير في الليالـــي= فكيف يدومُ وُدٌّ في فــــــــــــؤادِ
ومنْ لك أن ترى قلباً نقــــــــياً= ولمَّا يَخْلُ قلبٌ مٍنْ سَــــــــــوادِ
فلا تبذُلْ هــــــواك إلى خـليلٍ= تظنُّ به الوفــــــــــاء . ولا تعــادِ
وكنْ متوسطاً في كلِ حـــــالٍ= لتأمنَ ما تخافُ من العِــنــــــــادِ
مداراةُ الرِّجَالِ أخـــــفُ وطْـــــأً= على الإنسان من حرب الفسادِ
يعيشُ المرءُ محبوباً إذا مـــــــا= نحا في سيرهِ قصدَ الســــــداد
وما الدنيا سِوى عجزٍ وحِــرصٍ= هُما أصلُ الخليقةِ في العـــــبادِ
فلولا العجزُ ماكان التصـــــافي= ولولا الحِـــرص ما كان التعــادي
وما عقد الرجـــــــــــالُ الودَّ إلا= لنفعٍ ، أو لمنعٍ من تـــــــعـــادي
وما كان العِداءُ يخــــــفُ لـــولا= أذى السلطان،أو خـــوف المعادِ
قيابنَ أبي ! ولستَ بهِ ،ولكن= كِلانا زرعُ أرضٍ للحـــــــصـــــــادِ
تأمل ، هــــل ترى أثراً ؟ فإني= أرى الآثـارَ تذهبُ كالرمــــــــــادِ
حياةُ المرءِ في الدنيا خـــــيالٌ= وعــاقبةُ الأمـــور إلى نــفـــــــادِ
فطوبى لامرئٍ غلبتْ هـــــواهُ= بصيرتُهُ ، فباتَ على رشــــــــاد