المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحرم ابعد ما يكون عن السنة في رمضان اولا الايتار بـ 23 ركعة


الفقيه
29-10-04, 05:27 am
مخالفة الحرمين للسنة في رمضان


فصل

قال فضيلة الشيخ – حفظه الله ورعاه -:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم النبيين وعلى آله، وصحبه أجمعين. أما بعد:
فقد أطلعت على رسالة موجهة إلى من يراها أو يسمعها من المسلمين في موضوع صلاة التراويح، وبلغني أنها قرئت في بعض المساجد، وهي رسالة قيمة حث فيها كاتبها على الخشوع في التراويح، والطمأنينة – فجزاه الله خيراً على خيره -.
ولكن هذه الرسالة عليها ملاحظات يجب بيانها منها:
أنه نقل فيها ما روي عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في رمضان عشرين ركعة(1).
وجوابه: هذا الحديث ضعيف، قال ابن حجر في فتح الباري شرح صحيح البخاري ص (524) ج2: "وأما ما رواه ابن أبي شيبة"(2) من حديث ابن عباس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في رمضان عشرين ركعة والوتر، فإسناده ضعيف، وقد عارضه حديث عائشة هذا الذي في الصحيحين(3) مع كونها أعلم بحال النبي صلى الله عليه وسلم ليلاً من غيرها. أهـ.
وحديث عائشة الذي أشار إليه صاحب الفتح هو ما رواه البخاري ص (59) ج3 ومسلم ص (166) ج2 عن عائشة – رضي الله عنها – أن أبا سلمة بن عبد الرحمن سألها كيف كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ فقالت: "ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة"، وفي لفظ لمسلم: "يصلي ثمان ركعات، ثم يوتر".
وحديث عائشة يوحي بشدة لهجته بشيء من إنكار الزيادة على هذا العدد، وعن ابن عباس – رضي الله عنهما – في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من الليل قال: "فصلى (يعني النبي صلى الله عليه وسلم) ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم أوتر"، أخرجه مسلم(4) ص (179) ج2.
وبهذا تبين أن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الليل دائرة بين الإحدى عشرة والثلاث عشرة.
فإن قيل: إن صلاة الليل هذه ليست هي التراويح؛ لأن التراويح من سنن عمر – رضي الله عنه -؟
فالجواب: بل صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان هي التراويح ولكنهم سموها تراويح؛ لأنهم كانوا يطيلونها ثم يستريحون بعد كل تسليمتين، فسميت تراويح لذلك، ولقد كانت التراويح من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح البخاري ص (10) ج3 من الفتح وفي صحيح مسلم (177) ج2 عن عائشة – رضي الله عنها – أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ذات ليلة في المسجد فصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة فكثر الناس ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم، فلما أصبح قال: "قد رأيت الذي صنعتم، فلم يمنعني من الخروج إليكم إلأ أني خشيت أن تفرض عليكم" وذلك في رمضان(5).
فإن قيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم اقتصر على هذه الركعات ولم يمنع الزيادة عليها، وزيادة الركعات خير وثواب.
فالجواب: أنه إما أن يكون الخير في الاقتصار على هذه الركعات؛ لأنه هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، فإن كان الخير في الاقتصار عليها كان الاقتصار عليها أولى، وإما أن يكون الخير في الزيادة، وحينئذ يكون النبي صلى الله عليه وسلم متقاصراً عن فعل الخير وراضياً بالمفضول عن الفاضل مع عدم البيان لأمته وهذا شيء مستحيل.
فإن قيل: فما الجواب عما روى مالك في الموطأ عن يزيد بن رومان أنه قال: "كان الناس يقومون في زمان عمر بن الخطاب في رمضان بثلاث وعشرين ركعة" موطأ شرح الزرقاني ص (239) ج1.
فالجواب: أن هذا الحديث معلول ومعارض.
أما علته: فهو منقطع؛ لأن يزيد بن رومان لم يدرك عمر، كما نص على ذلك أهل الحديث كالنووي وغيره.
وأما معارضته: فقد عارضه ما رواه مالك في الموطأ عن محمد بن يوسف، وهو ثقة ثبت، عن السائب بن يزيد، وهو صحابي قال: "أمر عمر بن الخطاب أبي بن كعب وتميماً الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة"(1). الموطأ شرح الزرقاني ص (138) ج1.
فإن هذا الحديث أرجح من حديث يزيد بن رومان من وجوه ثلاثة:
الأول: أنه أقوم عملاً وأحسن لموافقته للعدد الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وما كان عمر – رضي الله عنه – ليختار سوى الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم مع علمه به، ويبعد أن يكون غير عالم به.
الثاني: أن حديث السائب بن يزيد في الإحدى عشرة منسوب إلى أمر عمر – رضي الله عنه – فيكون من قوله، وحديث يزيد بن رومان في الثلاث والعشرين منسوب إلى زمان عمر – رضي الله عنه - فيكون من إقراره، والقول أقوى من الإقرار؛ لأنه صريح في اختياره إياه، أما الإقرار فقد يكون من باب الإقرار على الجائز لا على المختار، فأقرهم عمر على الثلاث والعشرين حيث لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك منع، وكانوا مجتهدين في ذلك فأقرهم على اجتهادهم، وإن كان هو يختار الإحدى عشرة لأمره بها.
الثالث: أن حديث السائب بن يزيد في الإحدى عشرة سالم من العلة، فسنده متصل، وحديث يزيد بن رومان معلول كما سبق وأيضاً فتوثيق الراوي عن السائب بن يزيد، وهو محمد بن يوسف أقوى من توثيق يزيد بن رومان، حيث قيل في الأول: إنه ثقة ثبت، وفي الثاني ثقة فقط، وهذا من المرجحات كما في علم مصطلح الحديث.
هذا ولو فرض أن حديث يزيد بن رومان في الثلاث والعشرين ثابت عن عمر، وسالم عن العلة والمعارضة فإنه لا يمكن أن يرجح على العدد الذي واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يزد عليه في رمضان ولا غيره. لقوله تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (النساء: 59). فأوجب الله الرد عند النزاع إلى الله يعني كتابه، وإلى رسوله في حياته وسنته بعد وفاته، وأخبر سبحانه أن هذا خير وأحسن تأويلاً – أي عاقبة -.
وقال تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (النساء: 65). فجعل الله التحاكم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فيما شجر بين الناس من النزاع من مقتضيات الإيمان، ونفي الإيمان نفياً مؤكداً بالقسم عمن لم يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم ويطمئن إلى حكمه، وينقاد له انقياداً تاماً.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلن في خطبة الجمعة فيقول: "أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم"(1)، وهذا أمر مجمع عليه إجماعاً قطعياً بين المسلمين أن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وأن هديه خير من هدي كل أحد كائناً من كان، بل إن كان في هدي أحد خير فما هو إلا من هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان الصحابة – رضي الله عنهم – يحذرون غاية التحذير من معارضة قول النبي صلى الله عليه وسلم بقول غيره، أو هديه بهدي غيره، قال ابن عباس – رضي الله عنهما -: "يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول قال رسول الله، وتقولون قال أبو بكر، وعمر"، بل إن عمر – رضي الله عنه – لما ترافع إليه خصمان، قال للذي لم يرض ذكر هذا الأثر الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد، وفي شرحـه تيسير العزيز الحميد ص (510) قال: هذه القصة مشهورة متداولة بين السلف والخلف تداولاً يغني عن الإسناد، ولها طرق كثيرة، ولا يضر ضعف إسنادها. أهـ(2).
ولو قيل لشخص مسلم: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بإحدى عشرة ركعة، أو ثلاث عشرة ركعة، وهذا آخر غيره يصلي بهم بثلاث وعشرين ركعة، أو بتسع وثلاثين، فإنه لا يسعه إلا أن يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ويأخذ بهديه؛ لأن العمل الموافق للرسول صلى الله عليه وسلم هو الأحسن والأقوم، والعمل بالأحسن هو الذي خلق الناس، وخلقت السموات والأرض من أجله، قال الله تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) (الملك: 2). وقال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) (هود: 7). لم يقل سبحانه (ليبلوكم أكثر عملاً)، ومعلوم أنه كلما كان العمل أخلص لله، وأتبع لرسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحسن، فالإحدى عشرة، أو الثلاث عشرة أحسن مما زاد عليها لموافقتها لما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتكون أولى وأفضل، لاسيما إذا اقترن بها تمهل، وخشوع، وحضور قلب، وطمأنينة يتمكن بها الإمام والمأمومون من الذكر والدعاء.
فإن قيل: إن الثلاث والعشرين هي سنة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – وهو أحد الخلفاء الراشدين الذين أمرنا باتباعهم حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي"(3).
فالجواب: لعمر الله، إن عمر لمن الخلفاء الراشدين الذين أمرنا باتباع سنتهم، بل هو أحد الرجلين اللذين أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهما حيث قال: "إني لا أدري ما بقائي فيكم فاقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر"(4). رواه الترمذي. بل هو الرجل الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه"(5). رواه الترمذي، وهو الرجل الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: "لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدثون، فإن بك في أمتي أحد فإنه عمر". متفق عليه(6). ولكن ما هي سنة عمر – رضي الله عنه – في عدد ركعات التراويح؟
إن إثبات تعينها في ثلاث وعشرين دونه خرط القتاد، فقد سبق أن سند إثباتها – فضلاً عن تعينها – معلوم ومعارض بما هو أرجح سنداً، وأقوى دلالة وأقوم عملاً، وأن الثابت عن عمر أنه أمر أبي بن كعب وتميماً الداري أن يصليا للناس بإحدى عشرة ركعة(1).
ثم إن فرض ثبوت تعيينها بثلاث وعشرين ركعة عن عمر – رضي الله عنه – لم يكن ذلك حجة على فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا معارضاً له لدلالة الكتاب، والسنة، وأقوال الصحابة، والإجماع على أنه لا يعدل بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة غيره كائناً من كان، ولا تعارض بها أبداً، قال الإمام الشافعي – رحمه الله -: "أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحل له أن يدعها لقول أحد". أهـ.
ومن الملاحظات قوله: إن المسلمين لم يزالوا على الثلاث والعشرين من عهد الصحابة إلى زماننا هذا، فيكون إجماعاً.
فالجواب: ليس الأمر كذلك، فالخلاف موجود بين المسلمين منذ عصر الصحابة إلى اليوم، وقد ذكر في فتح الباري الخلاف ص (253) ج4 المطبعة السلفية وملخصه: 11 – 13 – 19 – 21 – 23 – 25 – 27 – 35 – 37 – 39 قال: وكان ذلك يعني التسع والثلاثين في المدينة في إمارة أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز، قال مالك: وعلى هذا العمل منذ بضع ومائة سنة 41 – 47 – 49.
فإذا تبين ثبوت الخلاف بين المسلمين فالحكم في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال سبحانه: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (النساء: 59).
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين. تم ذلك في 8/9/395هـ.