عنوان الحقيقة
02-09-04, 10:12 pm
اليومَ ترقرقتْ من عيني عبراتٌ ما وجدتُ منها بدّاً ، وباغتني جيشٌ من الهمِّ والحزَنِ ، عبثاً حاولتُ صرفَ عنِانِهِ عنّي ، فحلفَ إلا أن يسكنَ منّي حيثُ تجري الروحُ من البدنِ .
اليومَ كانَ فصلٌ من فصولِ العبثيّةِ والتشتّتِ في حياةِ الأمّةِ ، هو فصلٌ عابرٌ ، لم يكنِ الأوّلَ ولن يكونَ الأخيرَ حتماً ، فالأمرُ حينَ يغدو هوىً مُتبعاً ، وإعجاباً بالرأي ، وخُلقاً زعراً ، وطبعاً وعراً ، فإنَّ النتيجةَ أمّةٌ مُهلهلةٌ لا تقومُ على قدمِ العزِّ ولا ساقِ النصرِ .
هل أحرّكُ فيكم الأشجانَ ! ، وأبعثُ منكم خفيَّ الأنينِ ومستورَ الوجدِ ! ، أعلمُ أنَّ العاطفةَ فينا جميعاً أرسخُ من العقلِ ، والعجلةُ أثبتُ من التروّي ، والطيشُ أطوعُ من الحلمِ ، ولو أنَّ الأمرَ كانَ طبعاً في سطورِ الأنفسِ لخفَّ وسهُلَ ، لكنْ أن يُصبحَ ديناً وعِبادةً ، وشريعةً ومِنهاجاً ، فهذا هو البلاءُ الذي يقفُ دونهُ كُلُّ كربٍ وبأسٍ .
مأساتُنا في نوابغِ أمّتِنا ! .
هل أنصفناهم ؟ ، هل عرفنا حقّهم ! .
يرى بعضُهم – وقد صدقَ – أنَّ النابغَ في أممِ الشرقِ يعيشُ وكأنّهُ لم يولدْ ، ثمَّ يموتُ وكأنّهُ لم يعشْ ، وذلكَ لأنَّ الحياةَ في الشرقِ لا يزالُ نوعاً من السّكرِ الغليظِ ، يُذهلُ النّاسَ ويُلهيهم عن الوجودِ أكثرَ العمرِ ، فإذا أفاقوا – وقليلاً ما يفعلونَ – عربدَ بعضُهم على بعضٍ ، وعلا بعضُهم فوقَ بعضٍ ، وما هي حيلةُ هؤلاءِ النوابغِ والعباقرةِ إذا صاروا كالزهرةِ الفوّاحةِ ، تنبتُ بحُكمِ القدرِ في أرضٍ قفرٍ ، بينَ سفْي الرمالِ ولفحِ السمائمِ ! .
إنَّ هؤلاءِ العباقرةَ والنّوابغَ إنّما هم هبةٌ ربّانيّةٌ ، ونورٌ نازلٌ من السماءِ ، يهبونَ الخيرَ والصلاحَ والهدايةَ ، ويجمعونَ النّاسَ ، ويرتفعونَ بهم كرماً وفضلاً إلى حيثُ لا يقدرونَ هم أن يرتفعوا بأنفسِهم ، ويعيشونَ في حالةٍ من الكدِّ والإعياءِ ، ليرتاحَ غيرُهم من النصبِ ، فهم من يُطربُ وغيرهم يأنسُ وينتشي .
في أممِ الغربِ تجتمعُ كلمتهم على إنصافِ عظمائهم ، ويقفونَ المواقفَ الطويلةَ في تأبينِهم ، ويدفعونَ من أوقاتِهم وأعمارِهم ما يُحيونَ بهِ أمجادَ أولئكَ الغابرةِ ، وترى المتاحفَ تعجُّ بمآثرِهم ، والمناهجُ تبعثُ آثارهم من مراقدِها ، فلا تُحسُّ أنَّ العبقريَّ ماتَ أو فنيَ ، بل هو حيٌّ يتجدّدُ كلَّ يومٍ ولحظةٍ ، في كتابٌ لهُ يباعُ ، وذكرى تُخلّدُ ، وأثرٍ يُبنى .
الفرنسيّونَ على اختلافِ مشاربِهم وذائقتِهم ، يقفونَ صفّاً واحداً في تأبينِ الطائرِ الغرِدِ فولتير أو البائسِ الشجيِّ فيكتور هيغو أو المُطربِ الرومانتيكيِّ ألفونس دي لا مارتين أو الصعلوكِ الجريءِ أناتول فرانس ، والبريطانيّونَ تجمعُهم على المحبّةِ والولاءِ مآثرُ ملتُن الخالدةِ ومفاخرِ شكسبير العظيمةِ وإعجازُ آرلوند تويمبي ، وهُناكَ في أقصى الأرضِ يُطلُّ علينا تولستوي الروسيِّ بروائعهِ وخوالدهِ ، يُطلُّ برأسِهِ فلا يقِلُّ عن أولئكَ منزلةً ومكانةً ، كلّهم رجالٌ كرجالِ المشرقِ ، إلا أنَّ المشرقَ نامَ عن كلِّ شيءٍ إلا الكراهيةَ والتدابرَ ، والغربُ نامَ طويلاً حتّى هبَّ هبتهُ ووثبَ وثبتهُ ، وأعطى القِيادَ لأهلِ الفكرِ والرأي .
مفاخرُنا تُساقُ بيدِ غيرِنا ، وعباقرتنا يؤبّنونَ ويُقامُ لهم المجامعُ والندواتُ هُناكَ ، إنّهم ليسوا منّا إلا بالجسدِ فقط ، ظلّهم هنا ، وأمّا العزُّ والشرفُ والمكانةُ والاعتدادُ فهُناكَ ، نعم هُناكَ ، حيثُ يُجعلُ لهم الصدرُ المقدّمُ ، والمكانُ اللائقُ ، هُناكَ يعيشُ العبقريُّ نديَّ الفكرِ والأدبِ والذكرى ، وهُنا يصحو على وقعِ اللعناتِ ، ويروحُ ويغدو على وخزِ الطعناتِ ، ولا يُحترمُ منهُ ماضٍ أو مجدٍ .
أينَ هيَ مخطوطاتُنا ! ، ما كانَ منها في يدِنا صارَ نهباً مُشاعاً ، وعدا عليهِ اللصوصُ سلباً وإضاعةً ، وأمّا أولئكَ فيبنونَ لها المبانيَ العظيمةَ ، ويرصدونَ المبالغَ العظيمةَ ، ويُناطُ بكلِّ مخطوطٍ منها من يخدمُها ويعني بها فهرسةً وتجليداً وصِيانةً وحِفظاً ، ولا تقعُ إلا في يدِ خرّيتٍ ماهرٍ ، وهي لا تمتُّ لهم بصلةٍ ، أو يربطُهم بها رابطٌ أو علاقةٌ ، غرُمها وغُنمها لهم .
وأينَ نحنُ ! .
صحونا وليتنا ما صحونا ! .
نعم صحونا فعربدَ بعضُنا على بعضٍ ، وانتشرتِ الأنانيّةُ وفاحتِ الكراهيّةُ وبدتِ البغضاءُ وما أكنّتهُ الصدورُ وأخفتهُ الجوانحُ أنكى وأخزى ! ، وكانَ آخرَ ما كانَ منّا أنّا برعنا في حمّى الإسقاطاتِ ، وانبرينا سِراعاً للتصنيفِ والقذفِ والتشهيرِ ، ومن لم نرضَ من أمرهِ أو حالهِ شيئاً ، شحذنا المُدى ، وأشرعنا السهامَ ، وأصلتنا السيوفَ ، وأغرنا عليهِ فأعمينا الأبصارِ عن حسناتهِ ، وتكالبْنا على سيئاتهِ ومثالبهِ .
لا ينقصُنا شيءٌ لنكونَ هكذا ! ، إنّما هو سوءُ الأدبِ ، وسلاطةُ اللسانِ ، والجهلُ واتّباعُ الهوى ، وقليلٌ من المعرفةِ بالشتمِ وألفاظهِ ، وسوءٌ في النيّةِ ، ويجمعُ ذلكَ كلّهُ – والعياذُ باللهِ – سوادٌ في القلبِ لكثرةِ ما غشيَهُ من الرّانِ ، والنتيجةُ الحتميّةُ لهذا أن لا تُبقي ولا تذرَ في المسلمينَ ، وحكّمْ في أعراضهم لسانكَ ، وابعثْ جيشاً من سوءِ الظنِّ والكذبِ ، يبعثُ غيرُكَ عشرةَ أمثالهِ .
لن تكونَ يا سلمانَ العودةِ آخرَ من يُهاجمُ ، ولا آخرَ من يُلاكُ عرضهُ ودينُهُ ، أنتَ رجلٌ وظيفتُكَ في الحياةِ أن تخزنَ الحسناتِ ، وتجمعَ الصالحاتِ ، وقد جاءكَ بابٌ من ذلكَ لا يُغلقُ ما دُمتَ حيّاً ، فدعهم يشتمونَ ويرمونَ ويقذفونَ ، وأمّا أنتَ فهامةٌ مرتفعةٌ ، وقامةٌ سامقةٌ ، تجني ثمرةَ بغيهم عليكَ عزّاً في الدّنيا ورِفعةً في الآخرةِ – إن شاءَ اللهُ - ، لم تعتدْ أن تنظرَ إلى الوراءِ يوماً ، وما عرفتَ دنوّاً ، ومن عجزَ عن أن يرتفعَ إلى عليائكَ ، فدعهُ في حضيضهِ ، لا يُلهينّكَ عن بلوغِ المقصدِ ، ووصولِ الغايةِ .
تسألني يا سلمانُ لماذا غفونا ونُمنا وتقدّمَ غيرُنا ! .
انظرْ إلينا لتعرفَ السببِ ، انظر حواليك لترى بني عمّكَ وهم ينظرونَ إلى فمكَ الرطبِ الغضِّ بالعلمِ والفهمِ ، يرقبونَ منهُ الهفوةَ والزلّةَ ، وقد تعاهدوا في الخفاءِ على تجهيزِ الختمِ ! ، أتدري ختمَ ماذا ! ، إنّهُ ختمُ النظرةِ الأخيرةِ ! ، ختمُ المفاصلةِ والموادعةِ ! ، ختمُ وداعية يا آخر ليلة تجمعنا ! ، يدخلونَ وقد أضمروا بيعَك .
ولكلِّ عصرٍ دولتهُ ورِجالهُ وأختامُهُ .
بماذا باعوكَ يا سلمانُ ؟ .
أتدري بماذا ؟ ، إنّهم يبيعونكَ بليلةٍ من السمرِ والأُنسِ ، يقضونها في فري عرضكَ ، وتمزيعِ دينكَ بعدَ عزفِ سيمفونيّةٍ من الغضبِ ، تُجلجلُ فيها أصواتُهم حنقاً وغيظاً كأنّها صوتُ الرعدِ وزمجرتُهُ .
ثمَّ يضحكونَ بعدَ أن يأنسوا أنّكَ صرتَ صريعَ الحقِّ وقتيلَ السنّةِ ! ، يضحكونَ حتّى يثملونَ ، وينقلبونَ إلى أهليهم وقد انفضَّ السامرُ ، وانقضى المجمعُ ، وسقطَ سلمانُ العودةُ شرَّ السقطةِ ، وانتصرَ الإسلامُ بجلسةٍ تُحدّقُ فيها الأبصارِ بشدّةٍ على مفاتنِ إيمانِ بنّورةٍ أو تجاعيدِ جيزيل الخوري ، ومن يدري فربّما كانتْ على وقعِ أنغامِ أنغامٍ أو السوبر موديل نانسي ! .
هانتْ علينا مشاعرُ الآخرينَ ! ، لا نرقبُ في عاطفتهِ ونفسيّتهِ إلاً ولا ذمّةً ، فنضربُ فيهِ ونوجعُ ، ونحسِبُ أنّهُ آلةٌ مصنوعةٌ من حديدٍ وفولاذٍ ، ثُمَّ نطلبُ منهُ النصفةَ والعدلَ والتوقّي ! .
في المحنِ والأزماتِ تكثرُ مزاميرُ السوءِ ، وتُتلى سورُ المنابذةِ ، وتعلو ترانيمُ الغلِّ والحسدِ ، وتُعلنُ الأحقادُ ، بينما نحتاجُ إلى من يأسو ولا يكلمُ ، ويحنو ولا يؤلمُ ، ويُشبعُ العواطفَ بدفءِ الكلمةِ الحانيةِ ، ويُذكي المشاعرَ بلهيبِ البسمةِ النابضةِ بالأملِ .
آه يا سلمانُ وأنتَ تقرأُ على شيخِكَ وروحِ روحكَ : عبدِ الرحمنِ الدوسريِّ - رحمهُ اللهُ - ، كم كانَ صوتُكَ دافئاً غضّاً ، كانَ يدعو على الفألِ ببزوغِ نجمِ عبقريٍّ فذٍّ ، وألمعيٍّ خرّيتٍ ، فلم تخِبْ فراسةُ من رجاكَ لذلكَ اليومِ وأعدّكَ ، ولُقّيتَ بهجةً وسروراً ، وزادكَ اللهُ بسطةً في البيانِ والأدبِ ، ولكنَّ الحسدَ لهُ سلطانٌ لا ينقطعُ عن الوخزِ والأزِّ .
كانتْ تلكَ الأيّامِ ومضةً من الرّوحِ القدسيِّ ، تركتْ جسدكَ النّاحلَ يفورُ ويغلي بعظائمِ الحكمِ المانعةِ ، ويُزلزلُ الأسماعَ بقوارعِ الحُججِ البارعةِ .
ليسَ لكَ من الأمرِ شيءٌ في علوّكِ وانصبابِهم للأرضِ ، فهو الحكمةُ البالغةُ ، والقدرُ الماضي ، ومن نازعَ في ذلكَ إنّما يُنازعُ الملكَ العلاّمَ .
أرجو أن لا تبتئسْ بفعلِ هؤلاءِ ، أو بقومكَ الذين لم يُنصفوكَ ، فإنَّ لكَ جيشاً في عالمِ القدرِ ، لم يخرجوا بعدُ من صُلبِ آبائهم ، ولا سُطّرتْ أسمائهم في عالمِ الوجودِ ، سيحملونَ علمكَ ويرثونَ فضلكَ ، فلا تأسَ أو ترثِ لما بلغتهُ من حالٍ .
هذا ابنُ حزمٍ رماهُ أهلُ بلدهِ عن قوسٍ واحدةٍ وكفّرهُ كثيرونَ في زمانهِ ، ومنهم من لثمَ مواطيءَ نعلهِ حبّاً لهُ وإجلالاً ، فماتَ – يومَ ماتَ – وهو سيّدُ المشرقِ والمغربِ ، وهذا ابنُ تيميّةَ طُردَ ونُبذَ وسُجنَ وكُفّرَ واتّهمَ بالعمالةِ للسلطانِ وبالدخولِ على الأمراءِ وماتَ سجيناً ، وصودرتْ وأُحرقتْ كتبهُ ، فبعثَ اللهَ لهُ رجالاً من عالمِ الغيبِ أحيوا تُراثهُ ، ونفخوا في روحِ علمهِ ، وهذا الشوكانيُّ على نهجهم يسيرُ ، نصرهُ اللهُ ومكّنهُ .
حتّى في الغابرينَ الأوائلِ لكَ أسوةٌ وعِبرةٌ ، ألم يمُتْ سُقراطُ مسموماً ! ، في جيلٍ من الحمقى ما عرفوا فضلهُ ولا ارتووا من معينهِ ! .
ألم يمُتْ ابنُ السرّاجِ برفسةٍ من أعرابيٍّ جاهلٍ من أعرابِ مصرَ ، أبصرهُ على النيلِ جالساً ، فأوجسَ المصريُّ خيفةً من ابنِ السرّاجِ ، وتوهّمَ أنّهُ يُريدُ سحرَ النّيلِ ، فرفسهُ فخرَّ إلى النهرِ ولم يوقفْ لهُ على أثرٍ ! .
إنَّ شمسك وشمسَ أولئكَ العِظامِ لن تُحجبَ بغربالٍ ، والحقُّ يسري كما يسري النّورُ في الوجودِ ، حتّى لو صادفَ غيمةً عابرةً ، أو عاصفةً هوجاءَ ، فلن يبقى إلا ما يدومُ .
يا سلمانُ : لقد قضتِ السُّننُ الربّانيّةُ أنَّ النجاحَ والفلاحَ والنصرَ لمن يحتملُ الضرباتِ ، لا لمنْ يضربُها ، وأنّهُ لا يصمدُ تحتَ مطارقِ البُرهانِ إلا الحقيقةُ .
يا سلمانُ : لقد قتلَ هابيلُ قابيلَ وهو أخوهُ ، وإخوةُ يوسفَ رموهُ في غيابةِ الجُبِّ حسداً من عندِ أنفسهم ، ونبيّكَ مُحمّدٌ – صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ – أخرجهُ قومهُ وبنو عمّهِ ، والحُسينُ بنُ عليٍّ سِبطُكَ – رضيَ اللهُ عنهُ – خذلهُ أتباعهُ في النجفِ ، وأنتَ على الخُطى تمشي ، وفي نفسِ الدربِ تسيرُ ، فهم الهُداةُ ولو خامركَ الدليلُ ، أو خاتلكَ الصاحبُ .
دعهم يا سيّدي ، دعهم ، فهم كما قالتْ البارعةُ غادة السمّانُ : إنّهُ زمنُ الأفعى تلدغُ جسدها ، وزمنُ العقربِ يُعانقُ إبرتهُ .
إنّهم كرِعدةِ الحمّى المُنهكةِ ، أو كنفضةِ الزلزالِ المدويّةِ ، أو كانتفاضةِ الذبيحِ ، وقتٌ يسيرٌ وينقضي كلُّ شيءٍ ، ولن يجنوا من كلِّ ذلكَ شيئاً ، إلا ما يُمسكهُ الواحدُ منهم من الهواءِ في يدهِ ، أو يقبضُ عليهِ من نسماتِ الريحِ بينَ أناملهِ .
يا سلمانُ أنتَ منّا وإن رغمتْ أنوفٌ ، أنتَ منّا ولو ضربوا حولكَ سوراً من التحذيرِ والتصنيفِ ، أنتَ منّا ولو أخطأتَ في بعضِ المسائلِ ، فنحنُ لم نسترضِ ودّكَ أو نخطبْ ولائكَ بشرطِ الكمالِ المحضِ ، أو البراءةِ من كلِّ نقصٍ وعيبٍ ، وحسبُكَ أنَّ ماءكَ بلغَ القلّتينَ وزادَ ، فلنْ يضرّكَ الخبثُ – إن شاءَ اللهُ - .
دمتَ طيّباً يا سلمانُ .
م
ن
ق
و
ل ولي الفخر بذلك
اليومَ كانَ فصلٌ من فصولِ العبثيّةِ والتشتّتِ في حياةِ الأمّةِ ، هو فصلٌ عابرٌ ، لم يكنِ الأوّلَ ولن يكونَ الأخيرَ حتماً ، فالأمرُ حينَ يغدو هوىً مُتبعاً ، وإعجاباً بالرأي ، وخُلقاً زعراً ، وطبعاً وعراً ، فإنَّ النتيجةَ أمّةٌ مُهلهلةٌ لا تقومُ على قدمِ العزِّ ولا ساقِ النصرِ .
هل أحرّكُ فيكم الأشجانَ ! ، وأبعثُ منكم خفيَّ الأنينِ ومستورَ الوجدِ ! ، أعلمُ أنَّ العاطفةَ فينا جميعاً أرسخُ من العقلِ ، والعجلةُ أثبتُ من التروّي ، والطيشُ أطوعُ من الحلمِ ، ولو أنَّ الأمرَ كانَ طبعاً في سطورِ الأنفسِ لخفَّ وسهُلَ ، لكنْ أن يُصبحَ ديناً وعِبادةً ، وشريعةً ومِنهاجاً ، فهذا هو البلاءُ الذي يقفُ دونهُ كُلُّ كربٍ وبأسٍ .
مأساتُنا في نوابغِ أمّتِنا ! .
هل أنصفناهم ؟ ، هل عرفنا حقّهم ! .
يرى بعضُهم – وقد صدقَ – أنَّ النابغَ في أممِ الشرقِ يعيشُ وكأنّهُ لم يولدْ ، ثمَّ يموتُ وكأنّهُ لم يعشْ ، وذلكَ لأنَّ الحياةَ في الشرقِ لا يزالُ نوعاً من السّكرِ الغليظِ ، يُذهلُ النّاسَ ويُلهيهم عن الوجودِ أكثرَ العمرِ ، فإذا أفاقوا – وقليلاً ما يفعلونَ – عربدَ بعضُهم على بعضٍ ، وعلا بعضُهم فوقَ بعضٍ ، وما هي حيلةُ هؤلاءِ النوابغِ والعباقرةِ إذا صاروا كالزهرةِ الفوّاحةِ ، تنبتُ بحُكمِ القدرِ في أرضٍ قفرٍ ، بينَ سفْي الرمالِ ولفحِ السمائمِ ! .
إنَّ هؤلاءِ العباقرةَ والنّوابغَ إنّما هم هبةٌ ربّانيّةٌ ، ونورٌ نازلٌ من السماءِ ، يهبونَ الخيرَ والصلاحَ والهدايةَ ، ويجمعونَ النّاسَ ، ويرتفعونَ بهم كرماً وفضلاً إلى حيثُ لا يقدرونَ هم أن يرتفعوا بأنفسِهم ، ويعيشونَ في حالةٍ من الكدِّ والإعياءِ ، ليرتاحَ غيرُهم من النصبِ ، فهم من يُطربُ وغيرهم يأنسُ وينتشي .
في أممِ الغربِ تجتمعُ كلمتهم على إنصافِ عظمائهم ، ويقفونَ المواقفَ الطويلةَ في تأبينِهم ، ويدفعونَ من أوقاتِهم وأعمارِهم ما يُحيونَ بهِ أمجادَ أولئكَ الغابرةِ ، وترى المتاحفَ تعجُّ بمآثرِهم ، والمناهجُ تبعثُ آثارهم من مراقدِها ، فلا تُحسُّ أنَّ العبقريَّ ماتَ أو فنيَ ، بل هو حيٌّ يتجدّدُ كلَّ يومٍ ولحظةٍ ، في كتابٌ لهُ يباعُ ، وذكرى تُخلّدُ ، وأثرٍ يُبنى .
الفرنسيّونَ على اختلافِ مشاربِهم وذائقتِهم ، يقفونَ صفّاً واحداً في تأبينِ الطائرِ الغرِدِ فولتير أو البائسِ الشجيِّ فيكتور هيغو أو المُطربِ الرومانتيكيِّ ألفونس دي لا مارتين أو الصعلوكِ الجريءِ أناتول فرانس ، والبريطانيّونَ تجمعُهم على المحبّةِ والولاءِ مآثرُ ملتُن الخالدةِ ومفاخرِ شكسبير العظيمةِ وإعجازُ آرلوند تويمبي ، وهُناكَ في أقصى الأرضِ يُطلُّ علينا تولستوي الروسيِّ بروائعهِ وخوالدهِ ، يُطلُّ برأسِهِ فلا يقِلُّ عن أولئكَ منزلةً ومكانةً ، كلّهم رجالٌ كرجالِ المشرقِ ، إلا أنَّ المشرقَ نامَ عن كلِّ شيءٍ إلا الكراهيةَ والتدابرَ ، والغربُ نامَ طويلاً حتّى هبَّ هبتهُ ووثبَ وثبتهُ ، وأعطى القِيادَ لأهلِ الفكرِ والرأي .
مفاخرُنا تُساقُ بيدِ غيرِنا ، وعباقرتنا يؤبّنونَ ويُقامُ لهم المجامعُ والندواتُ هُناكَ ، إنّهم ليسوا منّا إلا بالجسدِ فقط ، ظلّهم هنا ، وأمّا العزُّ والشرفُ والمكانةُ والاعتدادُ فهُناكَ ، نعم هُناكَ ، حيثُ يُجعلُ لهم الصدرُ المقدّمُ ، والمكانُ اللائقُ ، هُناكَ يعيشُ العبقريُّ نديَّ الفكرِ والأدبِ والذكرى ، وهُنا يصحو على وقعِ اللعناتِ ، ويروحُ ويغدو على وخزِ الطعناتِ ، ولا يُحترمُ منهُ ماضٍ أو مجدٍ .
أينَ هيَ مخطوطاتُنا ! ، ما كانَ منها في يدِنا صارَ نهباً مُشاعاً ، وعدا عليهِ اللصوصُ سلباً وإضاعةً ، وأمّا أولئكَ فيبنونَ لها المبانيَ العظيمةَ ، ويرصدونَ المبالغَ العظيمةَ ، ويُناطُ بكلِّ مخطوطٍ منها من يخدمُها ويعني بها فهرسةً وتجليداً وصِيانةً وحِفظاً ، ولا تقعُ إلا في يدِ خرّيتٍ ماهرٍ ، وهي لا تمتُّ لهم بصلةٍ ، أو يربطُهم بها رابطٌ أو علاقةٌ ، غرُمها وغُنمها لهم .
وأينَ نحنُ ! .
صحونا وليتنا ما صحونا ! .
نعم صحونا فعربدَ بعضُنا على بعضٍ ، وانتشرتِ الأنانيّةُ وفاحتِ الكراهيّةُ وبدتِ البغضاءُ وما أكنّتهُ الصدورُ وأخفتهُ الجوانحُ أنكى وأخزى ! ، وكانَ آخرَ ما كانَ منّا أنّا برعنا في حمّى الإسقاطاتِ ، وانبرينا سِراعاً للتصنيفِ والقذفِ والتشهيرِ ، ومن لم نرضَ من أمرهِ أو حالهِ شيئاً ، شحذنا المُدى ، وأشرعنا السهامَ ، وأصلتنا السيوفَ ، وأغرنا عليهِ فأعمينا الأبصارِ عن حسناتهِ ، وتكالبْنا على سيئاتهِ ومثالبهِ .
لا ينقصُنا شيءٌ لنكونَ هكذا ! ، إنّما هو سوءُ الأدبِ ، وسلاطةُ اللسانِ ، والجهلُ واتّباعُ الهوى ، وقليلٌ من المعرفةِ بالشتمِ وألفاظهِ ، وسوءٌ في النيّةِ ، ويجمعُ ذلكَ كلّهُ – والعياذُ باللهِ – سوادٌ في القلبِ لكثرةِ ما غشيَهُ من الرّانِ ، والنتيجةُ الحتميّةُ لهذا أن لا تُبقي ولا تذرَ في المسلمينَ ، وحكّمْ في أعراضهم لسانكَ ، وابعثْ جيشاً من سوءِ الظنِّ والكذبِ ، يبعثُ غيرُكَ عشرةَ أمثالهِ .
لن تكونَ يا سلمانَ العودةِ آخرَ من يُهاجمُ ، ولا آخرَ من يُلاكُ عرضهُ ودينُهُ ، أنتَ رجلٌ وظيفتُكَ في الحياةِ أن تخزنَ الحسناتِ ، وتجمعَ الصالحاتِ ، وقد جاءكَ بابٌ من ذلكَ لا يُغلقُ ما دُمتَ حيّاً ، فدعهم يشتمونَ ويرمونَ ويقذفونَ ، وأمّا أنتَ فهامةٌ مرتفعةٌ ، وقامةٌ سامقةٌ ، تجني ثمرةَ بغيهم عليكَ عزّاً في الدّنيا ورِفعةً في الآخرةِ – إن شاءَ اللهُ - ، لم تعتدْ أن تنظرَ إلى الوراءِ يوماً ، وما عرفتَ دنوّاً ، ومن عجزَ عن أن يرتفعَ إلى عليائكَ ، فدعهُ في حضيضهِ ، لا يُلهينّكَ عن بلوغِ المقصدِ ، ووصولِ الغايةِ .
تسألني يا سلمانُ لماذا غفونا ونُمنا وتقدّمَ غيرُنا ! .
انظرْ إلينا لتعرفَ السببِ ، انظر حواليك لترى بني عمّكَ وهم ينظرونَ إلى فمكَ الرطبِ الغضِّ بالعلمِ والفهمِ ، يرقبونَ منهُ الهفوةَ والزلّةَ ، وقد تعاهدوا في الخفاءِ على تجهيزِ الختمِ ! ، أتدري ختمَ ماذا ! ، إنّهُ ختمُ النظرةِ الأخيرةِ ! ، ختمُ المفاصلةِ والموادعةِ ! ، ختمُ وداعية يا آخر ليلة تجمعنا ! ، يدخلونَ وقد أضمروا بيعَك .
ولكلِّ عصرٍ دولتهُ ورِجالهُ وأختامُهُ .
بماذا باعوكَ يا سلمانُ ؟ .
أتدري بماذا ؟ ، إنّهم يبيعونكَ بليلةٍ من السمرِ والأُنسِ ، يقضونها في فري عرضكَ ، وتمزيعِ دينكَ بعدَ عزفِ سيمفونيّةٍ من الغضبِ ، تُجلجلُ فيها أصواتُهم حنقاً وغيظاً كأنّها صوتُ الرعدِ وزمجرتُهُ .
ثمَّ يضحكونَ بعدَ أن يأنسوا أنّكَ صرتَ صريعَ الحقِّ وقتيلَ السنّةِ ! ، يضحكونَ حتّى يثملونَ ، وينقلبونَ إلى أهليهم وقد انفضَّ السامرُ ، وانقضى المجمعُ ، وسقطَ سلمانُ العودةُ شرَّ السقطةِ ، وانتصرَ الإسلامُ بجلسةٍ تُحدّقُ فيها الأبصارِ بشدّةٍ على مفاتنِ إيمانِ بنّورةٍ أو تجاعيدِ جيزيل الخوري ، ومن يدري فربّما كانتْ على وقعِ أنغامِ أنغامٍ أو السوبر موديل نانسي ! .
هانتْ علينا مشاعرُ الآخرينَ ! ، لا نرقبُ في عاطفتهِ ونفسيّتهِ إلاً ولا ذمّةً ، فنضربُ فيهِ ونوجعُ ، ونحسِبُ أنّهُ آلةٌ مصنوعةٌ من حديدٍ وفولاذٍ ، ثُمَّ نطلبُ منهُ النصفةَ والعدلَ والتوقّي ! .
في المحنِ والأزماتِ تكثرُ مزاميرُ السوءِ ، وتُتلى سورُ المنابذةِ ، وتعلو ترانيمُ الغلِّ والحسدِ ، وتُعلنُ الأحقادُ ، بينما نحتاجُ إلى من يأسو ولا يكلمُ ، ويحنو ولا يؤلمُ ، ويُشبعُ العواطفَ بدفءِ الكلمةِ الحانيةِ ، ويُذكي المشاعرَ بلهيبِ البسمةِ النابضةِ بالأملِ .
آه يا سلمانُ وأنتَ تقرأُ على شيخِكَ وروحِ روحكَ : عبدِ الرحمنِ الدوسريِّ - رحمهُ اللهُ - ، كم كانَ صوتُكَ دافئاً غضّاً ، كانَ يدعو على الفألِ ببزوغِ نجمِ عبقريٍّ فذٍّ ، وألمعيٍّ خرّيتٍ ، فلم تخِبْ فراسةُ من رجاكَ لذلكَ اليومِ وأعدّكَ ، ولُقّيتَ بهجةً وسروراً ، وزادكَ اللهُ بسطةً في البيانِ والأدبِ ، ولكنَّ الحسدَ لهُ سلطانٌ لا ينقطعُ عن الوخزِ والأزِّ .
كانتْ تلكَ الأيّامِ ومضةً من الرّوحِ القدسيِّ ، تركتْ جسدكَ النّاحلَ يفورُ ويغلي بعظائمِ الحكمِ المانعةِ ، ويُزلزلُ الأسماعَ بقوارعِ الحُججِ البارعةِ .
ليسَ لكَ من الأمرِ شيءٌ في علوّكِ وانصبابِهم للأرضِ ، فهو الحكمةُ البالغةُ ، والقدرُ الماضي ، ومن نازعَ في ذلكَ إنّما يُنازعُ الملكَ العلاّمَ .
أرجو أن لا تبتئسْ بفعلِ هؤلاءِ ، أو بقومكَ الذين لم يُنصفوكَ ، فإنَّ لكَ جيشاً في عالمِ القدرِ ، لم يخرجوا بعدُ من صُلبِ آبائهم ، ولا سُطّرتْ أسمائهم في عالمِ الوجودِ ، سيحملونَ علمكَ ويرثونَ فضلكَ ، فلا تأسَ أو ترثِ لما بلغتهُ من حالٍ .
هذا ابنُ حزمٍ رماهُ أهلُ بلدهِ عن قوسٍ واحدةٍ وكفّرهُ كثيرونَ في زمانهِ ، ومنهم من لثمَ مواطيءَ نعلهِ حبّاً لهُ وإجلالاً ، فماتَ – يومَ ماتَ – وهو سيّدُ المشرقِ والمغربِ ، وهذا ابنُ تيميّةَ طُردَ ونُبذَ وسُجنَ وكُفّرَ واتّهمَ بالعمالةِ للسلطانِ وبالدخولِ على الأمراءِ وماتَ سجيناً ، وصودرتْ وأُحرقتْ كتبهُ ، فبعثَ اللهَ لهُ رجالاً من عالمِ الغيبِ أحيوا تُراثهُ ، ونفخوا في روحِ علمهِ ، وهذا الشوكانيُّ على نهجهم يسيرُ ، نصرهُ اللهُ ومكّنهُ .
حتّى في الغابرينَ الأوائلِ لكَ أسوةٌ وعِبرةٌ ، ألم يمُتْ سُقراطُ مسموماً ! ، في جيلٍ من الحمقى ما عرفوا فضلهُ ولا ارتووا من معينهِ ! .
ألم يمُتْ ابنُ السرّاجِ برفسةٍ من أعرابيٍّ جاهلٍ من أعرابِ مصرَ ، أبصرهُ على النيلِ جالساً ، فأوجسَ المصريُّ خيفةً من ابنِ السرّاجِ ، وتوهّمَ أنّهُ يُريدُ سحرَ النّيلِ ، فرفسهُ فخرَّ إلى النهرِ ولم يوقفْ لهُ على أثرٍ ! .
إنَّ شمسك وشمسَ أولئكَ العِظامِ لن تُحجبَ بغربالٍ ، والحقُّ يسري كما يسري النّورُ في الوجودِ ، حتّى لو صادفَ غيمةً عابرةً ، أو عاصفةً هوجاءَ ، فلن يبقى إلا ما يدومُ .
يا سلمانُ : لقد قضتِ السُّننُ الربّانيّةُ أنَّ النجاحَ والفلاحَ والنصرَ لمن يحتملُ الضرباتِ ، لا لمنْ يضربُها ، وأنّهُ لا يصمدُ تحتَ مطارقِ البُرهانِ إلا الحقيقةُ .
يا سلمانُ : لقد قتلَ هابيلُ قابيلَ وهو أخوهُ ، وإخوةُ يوسفَ رموهُ في غيابةِ الجُبِّ حسداً من عندِ أنفسهم ، ونبيّكَ مُحمّدٌ – صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ – أخرجهُ قومهُ وبنو عمّهِ ، والحُسينُ بنُ عليٍّ سِبطُكَ – رضيَ اللهُ عنهُ – خذلهُ أتباعهُ في النجفِ ، وأنتَ على الخُطى تمشي ، وفي نفسِ الدربِ تسيرُ ، فهم الهُداةُ ولو خامركَ الدليلُ ، أو خاتلكَ الصاحبُ .
دعهم يا سيّدي ، دعهم ، فهم كما قالتْ البارعةُ غادة السمّانُ : إنّهُ زمنُ الأفعى تلدغُ جسدها ، وزمنُ العقربِ يُعانقُ إبرتهُ .
إنّهم كرِعدةِ الحمّى المُنهكةِ ، أو كنفضةِ الزلزالِ المدويّةِ ، أو كانتفاضةِ الذبيحِ ، وقتٌ يسيرٌ وينقضي كلُّ شيءٍ ، ولن يجنوا من كلِّ ذلكَ شيئاً ، إلا ما يُمسكهُ الواحدُ منهم من الهواءِ في يدهِ ، أو يقبضُ عليهِ من نسماتِ الريحِ بينَ أناملهِ .
يا سلمانُ أنتَ منّا وإن رغمتْ أنوفٌ ، أنتَ منّا ولو ضربوا حولكَ سوراً من التحذيرِ والتصنيفِ ، أنتَ منّا ولو أخطأتَ في بعضِ المسائلِ ، فنحنُ لم نسترضِ ودّكَ أو نخطبْ ولائكَ بشرطِ الكمالِ المحضِ ، أو البراءةِ من كلِّ نقصٍ وعيبٍ ، وحسبُكَ أنَّ ماءكَ بلغَ القلّتينَ وزادَ ، فلنْ يضرّكَ الخبثُ – إن شاءَ اللهُ - .
دمتَ طيّباً يا سلمانُ .
م
ن
ق
و
ل ولي الفخر بذلك