النفس الزكيه
27-03-04, 11:37 am
مجال البحث: عناوين المقالاتأسماء الكتّاب
منتدى الكتّاب> مقالات عامة > يوسف أبا الخيل
آلام السـيد المسـيح
التاريخ: السبت 2004/03/27 م (جريدة الرياض)
يعرض حالياً في أنحاء واسعة من الولايات المتحدة الأمريكية فيلم بعنوان (آلام السيد المسيح) للمخرج العالمي ميل جيبسون، ويتحدث هذا الفيلم عن أحداث الليلة الأخيرة في حياة السيد المسيح عليه السلام عندما اخترق الفريسيون اليهود جدار الصمت الذي ضربه المسيح حول نفسه تلك الليلة واقتحموا عليه مخبأه ومن ثم قتلوه وصلبوه حسب الرواية المسيحية طبعاً.
هذا الفيلم الذي أثار كثيراً من الجدل واللغط داخل الأوساط اليهودية في الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من البلاد التي تتواجد فيها الطائفة يعرض حالياً في اكثر من 2800دار عرض سينمائي داخل الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، ولأهمية هذا الفيلم في الوجدان الجمعي المسيحي فقد دخلت الكنائس الأوروبية على الخط وحثت أتباعها بقوة على حضور ومشاهدة الفيلم الذي يعرض باللغة الآرامية التي كان يتحدث بها السيد المسيح عليه السلام بالإضافة إلى اللغة اللاتينية مع ترجمة فورية إنجليزية في أسفل شاشات العرض لمن لا يعرفون اللغة الآرامية أو اللاتينية.
الفيلم لاقى اقبالاً كبيراً من الجمهور تدل عليه الإيرادات الضخمة التي حققها منذ بداية عرضه في 25فبراير الماضي بلغت حسب التقديرات الأولية التي أشارت لها جريدة الشرق الأوسط في 2004/3/16أكثر من 264مليون دولار خلال أقل من شهر على بداية عرضه مما يدل على التأصل العقدي لقصة مقتل المسيح على أيدي اليهود داخل اللاوعي المسيحي بطوائفه الثلاث الكاثوليكية والبروتستانية والأرثوذكسية.
من الناحية الأخرى فقد كانت ردة الفعل اليهودية كما كان متوقعاً قوية وسريعة جداً إذ اتهموا المخرج ميل جيبسون بتبني كراهية ومعاداة السامية بإخراجه لهذا الفيلم الذي يعيد قضية العداء الأزلي المسيحي لليهود للواجهة من منطلق اتهامهم لهم بقتل المسيح وصلبه بعد ذلك، كما واتجهوا أيضاً إلى الرد العملي على هذه الخطوة المسيحية ربما غير المسبوقة بعرض أفلام ذات طابع وثائقي يهودي تعرض حججاً مناقضة للتهمة المسيحية إذ عرضت محطة (n.b.c) الأمريكية فيلماً يهودياً يحمل اسم (الخائن) يتحدث عن خيانة السيد المسيح عليه السلام بعرضه لشخصية الخائن الذي قتل المسيح وفق الرواية اليهودية في محاولة للتنصل من دمه.
والواقع ان العداء اليهودي المسيحي كان قد بدأ بالفعل قبل قصة القتل المزعومة هذه عندما حمل المسيح عليه السلام عصاه وخرج لطرد الصرافين اليهود من المعبد تحت وقع ادانة المسيحية لفكرة الفائدة المصرفية التي ابتكرها العبرانيون على القروض التي كانت تقدم آنذاك لمشاريع مشبوهة غير إنتاجية وغير مفيدة للمجتمع مما عزز من المشروع المسيحي آنذاك المتوجه نحو تحريم الفائدة بكليتها درءاً لاستغلال عوز الناس في مجتمع زراعي بسيط لا يمتلك أياً من المظاهر الرأسمالية التي تؤهل لتحمل عبء الفوائد المصرفية.
في هذا المجال أيضاً أشار القرآن الكريم صراحة إلى تاريخية وعقدية العداء المسيحي اليهودي بقول الله تعالى في الآية الثالثة عشرة بعد المائة من سورة البقرة {وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون} وهي إشارة قرآنية حاسمة وقاطعة للشغب في مسألة المصالحة التاريخية بين الديانتين بأن ذلك مؤجل للفصل فيه من قبل الله عز وجل يوم القيامة فقط، ومن ثم فأية مصالحة عقدية دنيوية مهما علا شأن مجترحيها لن يكتب لها النجاح وفق النص القرآني وهو ما تحقق عملياً إذ بالرغم من قيام بابا الفاتيكان الحالي بإعفاء اليهود من تبعات دم المسيح إلا أن ذلك لم يؤثر في الوجدان الجمعي المسيحي حيال هذه المسألة اذ ما كاد هذا الفيلم الذي يجسد معاناة المسيح من اليهود يجد طريقه إلى دور العرض السينمائية حتى استقطب الملايين من المشاهدين وحقق الإيرادات الضخمة غير المسبوقة في مثل هذه النوعية من الأفلام.
لكن رغم هذا العداء التاريخي العقدي المستحكم بين الديانتين غير القابل للحل في هذه الدنيا بنص القرآن الكريم إلا أن ذلك لم يمنع أتباع هاتين الديانتين من التعاون حال ما تدعو إليه أجندة مصلحتهما الدنيوية الآنية والمستقبلية إذ عند ذلك توضع العداوة العقدية جانباً وتبدأ الدنيا بفرض أجندتها على الفريقين باتخاذ الخطوة الأقرب والأسهل نحو تحقيق المصلحة المشتركة المبتغاة على كافة الصعد بعيداً عن وهم اجتماعهما على المؤامرة لذاتها التي تقتات عليه ثقافتنا العربية لدرء تبعات سقطاتها الحضارية بعيداً عن تشريح ذات تشربت داء إسقاط عجزها الحضاري على نظرية المؤامرة لتستحيل هذه الذات قناعة وإنكفاءً على نفسها وردة حضارية على مالديها من زاد قيمي ألبسته عنوة بدعوى التحالف العقدي والتاريخي بين المسيحية واليهودية على قطع وصال ثقافتنا العربية عن اللحاق بركب الحضارة رغم أن المنطق هنا يفرض أجندته بدعوى أن ثمة فرصة لمؤامرة عربية مضادة على القوم لصنع تكافؤ مؤامراتي متبادل من خلال جهاز مناعي ثقافي ذاتي يتعامل مع ميكروبات الغزو الفكري والمؤامرة إن كان ثمة ميكروبات من هذا النوع بنفس الفاعلية التي يتعامل بها القوم مع منافسيهم الحقيقيين إلا أن الواقع العربي المعاش يشير إلى ان هذه الثقافة لم تدخل بعد عصر الصلاحية لإمكانية التآمر عليها إن كان هناك ثمة ما يدعو للمؤامرة.
كاتب سعودي
منتدى الكتّاب> مقالات عامة > يوسف أبا الخيل
آلام السـيد المسـيح
التاريخ: السبت 2004/03/27 م (جريدة الرياض)
يعرض حالياً في أنحاء واسعة من الولايات المتحدة الأمريكية فيلم بعنوان (آلام السيد المسيح) للمخرج العالمي ميل جيبسون، ويتحدث هذا الفيلم عن أحداث الليلة الأخيرة في حياة السيد المسيح عليه السلام عندما اخترق الفريسيون اليهود جدار الصمت الذي ضربه المسيح حول نفسه تلك الليلة واقتحموا عليه مخبأه ومن ثم قتلوه وصلبوه حسب الرواية المسيحية طبعاً.
هذا الفيلم الذي أثار كثيراً من الجدل واللغط داخل الأوساط اليهودية في الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من البلاد التي تتواجد فيها الطائفة يعرض حالياً في اكثر من 2800دار عرض سينمائي داخل الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، ولأهمية هذا الفيلم في الوجدان الجمعي المسيحي فقد دخلت الكنائس الأوروبية على الخط وحثت أتباعها بقوة على حضور ومشاهدة الفيلم الذي يعرض باللغة الآرامية التي كان يتحدث بها السيد المسيح عليه السلام بالإضافة إلى اللغة اللاتينية مع ترجمة فورية إنجليزية في أسفل شاشات العرض لمن لا يعرفون اللغة الآرامية أو اللاتينية.
الفيلم لاقى اقبالاً كبيراً من الجمهور تدل عليه الإيرادات الضخمة التي حققها منذ بداية عرضه في 25فبراير الماضي بلغت حسب التقديرات الأولية التي أشارت لها جريدة الشرق الأوسط في 2004/3/16أكثر من 264مليون دولار خلال أقل من شهر على بداية عرضه مما يدل على التأصل العقدي لقصة مقتل المسيح على أيدي اليهود داخل اللاوعي المسيحي بطوائفه الثلاث الكاثوليكية والبروتستانية والأرثوذكسية.
من الناحية الأخرى فقد كانت ردة الفعل اليهودية كما كان متوقعاً قوية وسريعة جداً إذ اتهموا المخرج ميل جيبسون بتبني كراهية ومعاداة السامية بإخراجه لهذا الفيلم الذي يعيد قضية العداء الأزلي المسيحي لليهود للواجهة من منطلق اتهامهم لهم بقتل المسيح وصلبه بعد ذلك، كما واتجهوا أيضاً إلى الرد العملي على هذه الخطوة المسيحية ربما غير المسبوقة بعرض أفلام ذات طابع وثائقي يهودي تعرض حججاً مناقضة للتهمة المسيحية إذ عرضت محطة (n.b.c) الأمريكية فيلماً يهودياً يحمل اسم (الخائن) يتحدث عن خيانة السيد المسيح عليه السلام بعرضه لشخصية الخائن الذي قتل المسيح وفق الرواية اليهودية في محاولة للتنصل من دمه.
والواقع ان العداء اليهودي المسيحي كان قد بدأ بالفعل قبل قصة القتل المزعومة هذه عندما حمل المسيح عليه السلام عصاه وخرج لطرد الصرافين اليهود من المعبد تحت وقع ادانة المسيحية لفكرة الفائدة المصرفية التي ابتكرها العبرانيون على القروض التي كانت تقدم آنذاك لمشاريع مشبوهة غير إنتاجية وغير مفيدة للمجتمع مما عزز من المشروع المسيحي آنذاك المتوجه نحو تحريم الفائدة بكليتها درءاً لاستغلال عوز الناس في مجتمع زراعي بسيط لا يمتلك أياً من المظاهر الرأسمالية التي تؤهل لتحمل عبء الفوائد المصرفية.
في هذا المجال أيضاً أشار القرآن الكريم صراحة إلى تاريخية وعقدية العداء المسيحي اليهودي بقول الله تعالى في الآية الثالثة عشرة بعد المائة من سورة البقرة {وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون} وهي إشارة قرآنية حاسمة وقاطعة للشغب في مسألة المصالحة التاريخية بين الديانتين بأن ذلك مؤجل للفصل فيه من قبل الله عز وجل يوم القيامة فقط، ومن ثم فأية مصالحة عقدية دنيوية مهما علا شأن مجترحيها لن يكتب لها النجاح وفق النص القرآني وهو ما تحقق عملياً إذ بالرغم من قيام بابا الفاتيكان الحالي بإعفاء اليهود من تبعات دم المسيح إلا أن ذلك لم يؤثر في الوجدان الجمعي المسيحي حيال هذه المسألة اذ ما كاد هذا الفيلم الذي يجسد معاناة المسيح من اليهود يجد طريقه إلى دور العرض السينمائية حتى استقطب الملايين من المشاهدين وحقق الإيرادات الضخمة غير المسبوقة في مثل هذه النوعية من الأفلام.
لكن رغم هذا العداء التاريخي العقدي المستحكم بين الديانتين غير القابل للحل في هذه الدنيا بنص القرآن الكريم إلا أن ذلك لم يمنع أتباع هاتين الديانتين من التعاون حال ما تدعو إليه أجندة مصلحتهما الدنيوية الآنية والمستقبلية إذ عند ذلك توضع العداوة العقدية جانباً وتبدأ الدنيا بفرض أجندتها على الفريقين باتخاذ الخطوة الأقرب والأسهل نحو تحقيق المصلحة المشتركة المبتغاة على كافة الصعد بعيداً عن وهم اجتماعهما على المؤامرة لذاتها التي تقتات عليه ثقافتنا العربية لدرء تبعات سقطاتها الحضارية بعيداً عن تشريح ذات تشربت داء إسقاط عجزها الحضاري على نظرية المؤامرة لتستحيل هذه الذات قناعة وإنكفاءً على نفسها وردة حضارية على مالديها من زاد قيمي ألبسته عنوة بدعوى التحالف العقدي والتاريخي بين المسيحية واليهودية على قطع وصال ثقافتنا العربية عن اللحاق بركب الحضارة رغم أن المنطق هنا يفرض أجندته بدعوى أن ثمة فرصة لمؤامرة عربية مضادة على القوم لصنع تكافؤ مؤامراتي متبادل من خلال جهاز مناعي ثقافي ذاتي يتعامل مع ميكروبات الغزو الفكري والمؤامرة إن كان ثمة ميكروبات من هذا النوع بنفس الفاعلية التي يتعامل بها القوم مع منافسيهم الحقيقيين إلا أن الواقع العربي المعاش يشير إلى ان هذه الثقافة لم تدخل بعد عصر الصلاحية لإمكانية التآمر عليها إن كان هناك ثمة ما يدعو للمؤامرة.
كاتب سعودي