المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اليوم في جريدة الرياض يوسف اباالخيل يكتب عن أزمة التنمية العربيه


ابن عساكر
10-02-04, 12:39 pm
أدخل كلمة البحث مجال البحث: عناوين المقالاتأسماء الكتّاب

منتدى الكتّاب> مقالات عامة > يوسف أبا الخيل

التنمية العربية .. حقائق مفزعة

التاريخ: الثلاثاء 2004/02/10 م


تعرض الكاتب الأمريكي المعروف (توماس فريدمان) في جريدة (نيويورك تايمز) لما يمكن أن (أصمه) بأزمة التنمية العربية. وذلك في معرض حديثه عن الملاذات الآمنة التي توفر بنية تحتية لبذرة وحصاد داء الإرهاب التي تجتاح العالمين العربي والإسلامي، المقالة تلك نشرتها جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 2004/1/26م، واحتوت على بعض الأرقام الإجمالية التي يمكن مع استخلاص بعض النسب منها أن تثبت بجلاء عدم قدرة هذه التنمية على منازلة أو مساوقة التنمية المتفوقة التي تتكئ عليها حضارة العالم المعاصر.
فعلى مدى عشر سنوات امتدت من عام 1980إلى عام 1990سجلت أكبر تسع دول عربية من الناحية الاقتصادية ما مقداره 370براءة اختراع في الولايات المتحدة الإمريكية أي (وهذه النسب من عندي) بنسبة 4براءات اختراع سنوياً لكل دولة من هذه الدول التسع، في المقابل سجلت دولة مثل كوريا الجنوبية وحدها خلال نفس المدة ما مقداره 16328براءة اختراع أي بمعدل 1632براءة اختراع في كل سنة. وهذا يعني ببساطة أن أياً من تلك الدول العربية التي تشكل كبرى الاقتصاديات العربية لا تشكل اختراعاتها ذات الجدوى الاقتصادية المعترف بها في الغرب الصناعي ما يزيد على ثلاثة بالألف سنوياً من اختراعات دولة مثل كوريا الجنوبية التي تشكل فقط إحدى دول النمور الاقتصادية الآسيوية وليست إحدى دول الغرب الصناعي.
هذا لا يعني شيئاً قدر إشارته الى الهوة الفظيعة التي تفصل التنمية العربية عن واقع الحضارة العالمية المتصاعدة في عالم اليوم، فالأرقام التي عادة ما تشخص الموضوع مدار البحث بموضوعية عالية تشير هنا إلى واقع عربي مروع لا يمكن وسط حمولة معطياته السالبة إلا أن تتهاوى على وقع معاوله أكبر طموحات الجيل الجديد بالخروج من شرنقة الظلامية والتخلف والجهل والفقر.
من الأرقام المميتة التي تضمنها التقرير وسط المقالة ما يشير الى أن من بين 90مليون شاب عربي تتراوح أعمارهم من 15إلى 26سنة فإن هناك 14مليوناً منهم عاطلين عن العمل أي بنسبة تصل إلى حوالي 16% من هذا العدد، وإذا أضفنا لذلك أن هذه الفئة العمرية تضم عادة خريجي الجامعات والمعاهد والمدارس الإعدادية والثانوية المفترض أنهم مؤهلون (عمرياً) للدخول في سوق العمل لأدركنا أية معضلة تواجهها التنمية العربية في الوقت الحاضر.
إذا كانت المعوقات التنموية العربية كثيرة ومتباينة وكل منها تشكل مادة ثرية للبحث والدراسة فإن من أهم تلك المعوقات في نظري وخاصة للدول ذات الاقتصاديات وحيدة الجانب مثل الدول الخليجية تتمثل في معوقين رئيسين هما:-
الأول:- يتمثل في ذلك التنافر الرهيب بين مخرجات التعليم من جهة ومتطلبات سوق العمل من جهة أخرى، إذ طالما أن الطلب على العمل التي تمثله تلك المخرجات طلب مشتق (derived demand) من الطلب على منتجات السوق من سلع وخدمات فمن الطبيعي أن السوق ذاته لن يكون قادراً على استيعاب من لا يكون صالحاً ومؤهلاً من عناصر مخرجات التعليم للإنتاج، إن ما تدفع به الجامعات ومؤسسات التعليم لدينا هنا في المملكة كل عام مثلاً لا يتواءم ومتطلبات سوق العمل بسبب غياب الربط بين متطلبات هذه السوق والبرامج التعليمية المعتمدة في المؤسسات التعليمية، من ثم والحالة هذه فسيتولى القطاع الحكومي المثقل أصلاً بأعداد هائلة من القوى العاملة باستيعاب نسبة من هؤلاء حسب توفر الوظائف الشاغرة وقد يوجه معظم عناصر هذه النسبة المستوعبة إلى وظائف لا تتناسب وما تخصص به كل منهم مما سيؤدي بطبيعة الحال الى تضاؤل الإنتاج وبطئه وتوسع البيروقراطية الحكومية بسبب نشوء قانون معروف في علم الاقتصاد هو قانون (تناقص الغلة)، وما لا يستطيع الجهاز الحكومي استيعابه فلن يكون القطاع الخاص قادراً على استيعابه إلا المؤهل منهم أو من كان منهم مؤهلاً لإعادة تدريبه مرة أخرى مما يؤدي إلى زيادة تكاليف التعليم وازداوجيتها.
إن من أولى مهمات إصلاح الهياكل الإنتاجية لمثل هذه الاقتصاديات الهشة المباشرة بشكل عاجل ربط التخصصات التي تطرحها الجامعات ومؤسسات التعليم الأخرى بالحاجة الفعلية لسوق عناصر الإنتاج من القوى العاملة، فيتم التركيز على البرامج ذات الأثر الإيجابي في القيمة المضافة في الناتج المحلي الإجمالي وتهميش تلك البرامج غير القادرة على المساهمة الإيجابية في تلك القيمة المضافة وهناك الكثير من التخصصات النظرية التي يمكن أن ينظر لها من هذه الزاوية، ولعل في تجربة معهد الإدارة العامة في المملكة القائمة على استشعار واستشفاف حاجة السوق الفعلية أثناء تصميم وتنفيذ برامج القطاع الأهلي الإعدادية خير نموذج يمكن أن يحتذى به في هذا المجال. (يتبع)