المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشيخ د. صالح بن حميد: واجب الأمة أن تنكر التطرف بشقيه وتحذر التساهل بأمر الله :


مهتم
27-01-04, 03:05 pm
قال فضيلة الشيخ د.صالح بن عبدالله بن حميد ::

جاءت الشريعة الإسلامية الغراء بأصل عظيم تضافرت في الدلالة عليه نصوص الكتاب والسنة حتى صيغ بعبارة موجزة متقنة لا تكاد تخلو منها كتب الفقه وأصوله، ألا وهو قولهم: "إن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها ودفع المفاسد وتقليلها".

ومن المعلوم بالضرورة والبين على البديهة في عقول الناس كلهم مؤمنهم وكافرهم، عالمهم وجاهلهم أن الأمن من أعظم المصالح وأن عدمه من أشد المفاسد.. فالأمن مطلب عزيز وكنز ثمين، وهو قوام الحياة الإنسانية كلها، وأساس الحضارة المدنية أجمعها، ولذا تتطلع إليه المجتمعات، وتسعى إلى تحصيله السلطات، وتتنافس في تأمينه الحكومات، وتستنفر لأجله كل القوى والطاقات.

هذه منزلة الأمن في حياة الإنسانية ولا عجب، لأنه في ظل الأمن تُحفظ النفوس، وتصان الأعراض والأموال، وتؤمن السبل، وتقام الحدود، ويسود العمران، وتنمو الثروات، وتتوافر الخيرات، وتعمر المساجد، وتقام الجمع والجماعات، ويسود الشرع، ويفشو المعروف، ويقل المنكر.

وبفوات الأمن تضطرب الأمور، وتفسد البلاد، ويتسلط الأشرار، وتقوم سوق المجرمين، ويعم الخوف القلوب، ويسيطر اليأس على النفوس. وقد علم أن الخائف لا يبني وأن اليائس لا يعمل.


***


من أجل هذا حرّم الله -عز وجل- كل وسائل نزع الأمن أو زعزعته، وقد جاء في صحيح مسلم مرفوعًا "لعن الله من أوى محدثًا"، هذا الوعيد لمن أواه.. فإذا كان هذا وعيد من أواه، فكيف بمن باشر الإحداث والإفساد؟

لقد جاءت سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وسيرته بين أصحابه لتحمل للإنسانية كلها أعظم معاني الرحمة والأمن، ولتنفي كل أسباب الخوف والترويع، ولو كانت يسيرة.

ها هو -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه في سفر، ومن شأن المسافر المزاح والمرح ليبعد عنه وعثاء السفر وعناءه، فبينما هم في مسيرهم إذ نام أحد الصحابة الكرام على راحلته حتى خفق رأسه، فاهتيل زميله من خلفه فرصة نومه، وأراد أن يمازحه فانطلق إلى حبل معه فأخذه، فاستيقظ فزعًا كأنه خشي على متاعه من السرقة. فبلغ ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأنكره وقال: "لا يحل لمسلم أن يروع مسلمًا" حديث صحيح أخرجه أبوداود وغيره.

وجاء في حديث عبدالله بن السائب عن أبيه عن جده مرفوعًا: "لا يأخذن أحدكم متاع أخيه لا عبًا ولا جادًا" أخرجه الترمذي بسند حسن.

وفي صحيح مسلم مرفوعًا: "من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى ينتهي". نعم.. لقد حسمت الشريعة جميع أسباب الخوف والترويع وزعزعة الأمن وسدت كل الطرق المفضية إلى الفساد والإجرام ورتبت على ذلك الجزاء الشديد في الدنيا والآخرة.. ولذا فإن كل عمل تخريبي يستهدف الآمنين ومعصومي الدماء والنفوس هو عمل إجرامي محرّم مخالف لأحكام شرع الله، فكيف إذا كان التخريب والإفساد والتدمير في بلد هو منارة الإسلام ومأرز الدين؟ وكيف به إذا كان في شهر عظيم وزمان كريم؟

فكم من نفس مسلمة بريئة أزهقت، وكم من أموال محترمة أتلفت، وكم من نفوس آمنة روعت، أين يذهب هؤلاء من تلك الآية التي تملأ قلب المؤمن هيبة ووجلاً: {ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابًا عظيما}؟

وأين يذهبون من قول من لا ينطق عن الهوى "لا يزال المسلم في فسحة من أمره ما لم يصب دمًا حرامًا"؟ أخرجه البخاري.


***


>> إن الموقف الصريح الذي لا لبس فيه، ولا يُختلف عليه هو إنكار هذا العمل واستنكاره ورفضه وتجريمه وتحريمه، فليحذر من أراد لنفسه الخير من عمى البصيرة وتزيين الشيطان فيرى الحق باطلاً والباطل حقًا.

يجب علينا أن نقول الحق ونشهد بالصدق وألا نراهن في ديننا أحدًا، وألا نلتمس العذر لمن يريد أن يبدل أمن الناس خوفًا وهناءهم جحيمًا.

إن هذا الفساد العريض وتلك الأعمال الإجرامية مرفوضة بذاتها دون النظر إلى مرتكبها، سواء كان مسلمًا أو كافرًا، ودون النظر إلى المُستهدف بها ما دامت قد وقعت في دار أمن وأمان، فكيف بها وقد وقعت في دار إسلام وإيمان لقد أخبرنا حبيبنا -صلى الله عليه وسلم- عن مجيء الفتن آخر الزمان وأنها ربما صدرت من أقوام عليهم سيما الخير والصلاح، وربما شهدت لهم جموع من الناس بحسن النية وبعض مظاهر الخير.

وهذا الأخبار الصحيحة هي نصوص جمعت دروسًا وعبرًا، وعلى من أراد النجاة أن يدرسها ويعتبر بها.

لقد تضمنت تلك الأحاديث علاج مشكلة هي من أعظم المشكلات، ومعضلة أربت على كثير من المعضلات، إنها ما حذر منه -صلى الله عليه وسلم- بقوله كما في الحديث الصحيح: "إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو".


***


>> الغلو مشاقة حقيقية لهدي الإسلام، وإعراض عن منهجه في الوسط والاعتدال، وتجريد للدين من معانيه السامية النبيلة من الرحمة والرفق والتيسير ورفع الحرج.

الغلاة يتعصبون لجماعتهم، ويغلون في قادتهم ويعتزلون المسلمين، ويتبرؤون من الجماعة، ويكفرون بالمعاصي ومنهم من يرى الخروج على ولاة الأمور، ولذلك سموا على مر التاريخ بالخوارج.

لقد وصفهم نبينا الأكرم محمد بن عبدالله -صلى الله عليه وسلم- بوصفين ظاهرين خطيرين فيما رواه البخاري ومسلم: "يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يقتلون أهل الإيمان ويدعون أهل الأوثان". هذان وصفان عليهما مدار جميع صفات أولئك القوم.

الوصف الأول:

الغلاف: أنهم يقرؤون القرآن بلا فهم صحيح، فهم يفهمونه، ولكن بأفهام مغلوطة، ومعان معوجة، فلا يحصل لهم مقصود التلاوة، ولا يدركون مقاصد القرآن.

ولذا قال عنهم الإمام الجليل -وهو أول من نقد أهل الأهواء والبدع- عبدالله ابن عمر صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين".

الوصف الثاني:

استحلال دماء المسلمين: "يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان". يقول عنهم شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "إنهم يكفرون بالذنب والسيئات ويترتب على تكفيرهم بالذنوب استحلال دماء المسلمين وأموالهم وأن دار الإسلام دار كفر ودارهم دار إسلام".

قال أبو قلابة: "ما ابتدع رجل بدعة إلا استحل السيف".

إن علينا -أهل الإسلام- أن نرم الجرح، وأن نسعى إلى جبر الكسر، وأن نهب صفًا واحدًا إلى جمع الكلمة ولم الشمل.

ومما يتعين على الناصح أن يشير إليه أن الغلو الذي هو سبب من أسباب البلاء إنه ربما نتج كرد فعل قوي معاكس للتساهل والتفريط.

فالغفلة والتساهل والتفريط في أوامر الله وحدوده سبب من أسباب الغلو، فإن ثمة فئامًا من الناس لا يستطيعون الموازنة لجهلهم واعتدادهم بآراتهم، فإذا رأوا المنكر لم يقابلوه بالمعروف وإنما يقابلونه بالتطرف والغلو. وهذا معروف من طبيعة الإنسان الذي وصفه خالقه بأنه كان ظلومًا جهولاً.

فواجب على أمة الإسلام أن تنكر التطرف بشقيه إفراطه وتفريطه، فأحدهما مقدمة والآخر نتيجة طبيعية له.

وأمر آخر يوجب الحذر من التساهل بأمر الله هو أن ذلك موجب لغضب الله وعقابه، وذلك لعمر الله أشد وأعظم في قلوب المؤمنين.

وما هذه النكبات والمصائب والبليات إلا أقدار من الله -عز وجل- يذكر بها أقوامًا ويعاقب بها آخرين، ومتى استحكمت الغفلة خشي على الأمة العقاب.

قال سبحانه: {أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتًا وهم نائمون ü أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون ü أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون}.


***


>> هذه وقفة قصيرة على مسألة مهمة من مسائل الدين، اقتضاها ما وقع مؤخرًا من تفجير مروّع في مدينة الرياض على أيدي جماعة تجردت من قيم الدين والأخلاق، ومبادئ الفطر السوية والعقول السليمة، وجعلت من نفسها أداة طيّعة للشياطين وأعداء الدين.

نسأل الله تعالى أن يحفظ علينا ديننا وأمننا، وأن يرد كيد المتآمرين في نحورهم، ويجعل تدبيرهم تدميرًا عليهم، إنه قوي عزيز، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

ـــــــــــــــــــــ

(ü) إمام وخطيب المسجد الحرام، رئيس مجلس الشورى.


المجلة العربية

الرمادي
28-01-04, 11:47 am
السلام عليكم ,,

جزى الله الشيخ صالح خير الجزاء ..

وجزاك الله خيرا أخي مهتم لهذا النقل المبارك ..

وجعله الله في موازين حسناتكما ..

ولك تحياتي ,,,