المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القاص منصور المهوس :النقلة التقنية في السرد تحتاج إلى حفر ..!!!


عاشق التحدي
16-12-03, 12:04 am
http://www.alriyadh.com.sa/Contents/14-12-2003/Mainpage/images/t6.jpg

أصدر الكاتب الشاب منصور المهوس أولى تجاربه القصصية (العنكبوت) وانطوت المجموعة على عشرة نصوص (الخندق، العنكبوت، المساحات البيضاء، حدثني الظلام، قوس قزح، الفحيح، انتحار مكبرات الصوت، الكلب الأسود، حضرة الوكيل، مهند).
"ثقافة اليوم" التقت المهوس وناقشته حول الأفق السردي والتركيب الجاهزة وتجاوز شروط المبالغة المقبولة والضغط السينمائي وسخونة الدراما والاستعارة الصناعية ومحاكمة اللغة الشعرية الباهظة واستشراف النقلة الفنية في السرد السعودي الجديد.
كيف ترى تشكل تجربتك السردية بعد مجموعة قصصية ورواية؟
- لم تتشكل تجربتي بعد، وفي داخلي إلحاح لا يرحم بضرورة البحث والتنقيب لتقنيات جديدة وطرق تجريبية والتي وظفت بعضها في نصوصي الجديدة بعد (العنكبوت) وأيضا في مجال الرواية (الشمس تنام في الظهيرة) كانت تجربتي جيدة، واستفدت من ذلك أن العمل الإبداعي المفتوح كالرواية بحاجة إلى جهد وتؤدة ورؤية وجرأة والتعرض لتجارب تقشر العمل لدى الكاتب.
كيف لشرود المبدع أن يوفق بين الدلالات الضدية لمفردة (العنكبوت)، فهي حيناً تحيل على المنقذ وحينا على الضعف وحيناً آخر على انطوائية المنكسر؟
- هذه الدلالات الضدية كأي مفردة لها انشطار دلالي تمدّ المبدع بالمعنى المركزي الذي يريده، وأحيانا ينجح في استقطاب كل هذه الدلالات وتوظيفها..
(التفت يمنة ويسرة...) هذه التراكيب الجاهزة نمط توارثي تمثل حالة استراحة واسترخاء.. هل يقع في تصورك أنها باتت في حكم المشاع غير النخبوي؟
- فعلاً هي كذلك إذا عزلناها عن سياقها وحاصرناها بمحاكمة لوحدها، فهي جمل استدعاها مشهد حلمي وهو وقوف البطل أمام حضرة الوزير في مكتبه، وهي حضرة مقدسة في اعتقاد البطل وصبغ عليها طقوس دينية، مع تناص لعبارات وتراكيب لها حضورها في النص الديني (سويداء القلب، بسكينة ووقار).. لكن متى أتمكن من اصدار حكم على تراكيب نص ما بأنها نخبوية أو غير نخبوية؟ في رأيي أنه عندما أقوم بعملية التشخيص الأسلوبي الذي بها أرصد محاور الاختيار والتوزيع والشيوع لدى الكاتب، ودرجة شيوع مثل هذه التراكيب وأنماط توزيعها..
قصة (الخندق) مطوقة مدرسياً من حيث: المكان والموضوع والحوار.. ألا ترى أنها كانت بحاجة إلى أفق سردي أوسع يكسر هذا الطوق؟
- ربما.. لكنني أزعم ان هذا الأفق مجرد نموذج باستطاعة القارئ تعميمه والبحث عن نماذج أخرى يمكن إسقاطها على هذا النص. فلماذا لا تكون المدرسة نموذجاً لمؤسسات المجتمع، والمدير نموذجاً للوصولي على أكتاف الآخرين، والمعلم نموذجاً للسلم المهين لهذا الوصول.
(الاسفلت يلتهم ما تساقط من صدأ سيارته).. هل تجاوزت شروط المبالغة المقبولة في هذا الزمن الكتابي الذي يقسو في محاكمة الجماليات السردية؟
- تعلم أن الحرية في الخلق عنصر حيوي في العملية الإبداعية.. والخلق الاستعاري عملية خيالية فنية في المقام الأول تنثال عفواً في النص بعد الاستلاب الكامل.. وهل للعملية الخيالية حد ينبغي أن لا تتجاوزه؟! مثل النظام النحوي والإملائي؟
أنا معك أنه ليس كل انحراف بنائي يؤدي الى تشكيل صورة بلاغية أسلوبية مقبولة، ولكن مع ذلك فإن أحداً لم يقدم معياراً دقيقاً نميز به الصورة التصويرية المقبولة من غيرها.. لذا أرى أن نرى: هل السياق يتطلبها أم لا؟ هل نشعر بأنها مقحمة ام لا، هل دلالتها خذلت الموقف؟
(شد، منح، سقط، أغمض، انجذب، قفز، ارتطم، تمسك، التقط) تسعة أفعال ماضية بعد تسع فواصل في ثلاثة أسطر.. ألا يصنف هذا من الضغط السينمائي الذي يدفع بالدراما الى سخونة قد تفضي بها إلى الاحتراق؟
- ربما.. لكنني أرى أن المشهد الضاغط الذي تشكلت له هذه الأفعال كان يتطلبها فهو بحاجة الى حركية سريعة ترتفع لمستوى الذعر المفاجئ الذي استوطن البطل لحظتها، فالعم أبو صالح امتلأ إحساسه بصوت الموت القادم من زعيق إطارات سيارة مسرعة، وبهذه الأفعال تمكن من النجاة..
(نظراتي المرتعشة تلعق سقف حجرتي) أنا أصنف هذه الصورة في خانة الاستعارة الصناعية.. أرجو أن تختلف معي؟
- جميل هذا اللطف منك وطبعاً سأختلف معك، ارى انها ليست مجرد استعارة قائمة على التحويل والنقل اللفظي بين المحمول والحامل فقط، بل استعارة تحمل قدراً من التفاعل مع التراكيب الأخرى المجاورة لها، أي أنها لا تستمد شخصيتها ولا خاصيتها إلا مع من يجاورها، مما يساعد على استكمال الجو النفسي والدلالي للحدث.
كيف نحاكم اللغة الشعرية الباهظة لدى بعض قاصي الحداثة؟
- أن ندرك أن اللغة لعبة لا يتقن المناورة بها إلا المبدع الحقيقي، والنص الحداثي شكل منغلق على ذاته بحكم لغته المكثفة وتراكيبه الرمزية والتخييلية الرحبة، وبالتالي لا يتيح للنص أن يتغلل في الواقع، ولا يستطيع القارئ أن يفك شفراته وعلاقاته المتداخلة إلا إذا أتقن الكاتب الإمساك بخيوط المعنى من خلال تجميع اللحظات الخفية وربطها بمجرى السياق الذي يظل متماسكاً مع تشكيلات المعنى، وإذا لم يقم الكاتب بهذا وهن الشكل وانخذل أمام اللغة..
ونتيجة الفشل هي انصراف القارئ عن العمل لشعوره بالقطيعة معه.. لا نشاهد تراجع بعض المبدعين عن هذا التكثيف وممارسة اللعبة اللغوية على حساب وضوح المعنى ولعل من أقربهم من "عبدالعزيز مشري" - رحمه الله - في مجموعته (موت فوق الماء) نلحظ العتمة اللغوية والشعرية ذات الجموح الفنتازي والرمزي، لكنه تحول في (أسفار السروي)، وبعدها، حيث البساطة والأخاذة والبعد عن اللغة الغرائبية والتعامل مع الواقع، واقتناص نبضه بكل رشاقة ووضوح تعبيري إشاري ممتع. والنموذج الآخر للجيل الجديد المبدع "يوسف المحيميد" فبعد تجربة (لابد أن أحداً حرك الكراسة) و(لغط الموتى) حيث الاتكاء على ذائقة قرائية مغايرة نراه يأتي برواية جميلة وفريدة (فخاخ الرائحة) حيث الفكرة النابضة واللغة السحرية.
كيف تستشرف النقلة التقنية في القصة السعودية في القادم من التجارب السردية؟
- بالتفاؤل والثقة بموهبة مبدعينا، وتقارب العمل النقدي معهم بالمتابعة والتعميق للتجربة.. لكن تفاؤلي متعثر؛ لأن النقلة التقنية تحتاج الى مواصلة وحفر في مساحات التجريب والبحث عن الأفضل، وهذا يتطلب من المبدع الوفاء لهذا الفن الأنيق، ونحن في أغلبنا لسنا من المحترفين، ونفتقر للإخلاص الفني - إن صح هذا التعبير - ولم نتعرض لتجارب ثرية تصقل الموهبة وتعمق التجربة، بل نكتب أحيانا لفك اختناقات معينة ولما تنجلي نتوقف، نأخذ الإبداع لعبة نملأ بها فراغنا بالمتعة وأحيانا لاثبات الذات والقدرة على الإبداع فقط وليس مشروعا قائما ومنهج حياة..
.. ولعل في التعقيدات الجديدة التي نواجهها في المجتمع في جميع الاتجاهات لعلها تشارك في إقناع المبدع بضرورة المواصلة في التجريب والاتكاء على هذا الفن للخروج من المأزق.

جريدة الرياض