المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وقفـــات مـــع بــوح شـــاعـــــر


التاج
12-10-03, 06:08 pm
هذه بداية سلسلة من اختياراتي من قصائد وأبيات الشعر الشعبي
أسأل الله التوفيق لي ولكم

رائعة من روائع الشاعر المبدع

نايف بن صقر بن مرزوق الدلبحي العتيبي

قصيدة بعنوان : خيام الندم


سجد قلبي على رمل الضلوع وهزّه التنهيد = وأنا في قلبي خيام الندم والخوف منصوبه
يارب افهق هلاكي والمنايا والدروب بعيد = مادام المودماني للتراب تقوده دروبه
ياغيّاث الظوامي والثمام وجرهدي البيد = اعذني من جهنم والحشر والموت وكروبه
أنا مانيب لا مشرك ولا كافر ولا عربيد = أنا اللي لا عصى واخطى تجهّم واقلقه ثوبه
أنا عبدك ولد عبدك وجداني هل التوحيد = خطاياي اخجلتني يالله الغفران والتوبه
وأنا اللي يرجف مثل ارتجاف الخايف الرعيد = إذا شاف القبور الضيقات وحس بذنوبه
أنا الإنسان حمّال النقايض والكمد والكيد = غريق الطين واللذات من رأسه لعرقوبه
أنا عبدك يا ربي وأنت تفعل ما تشاء وتريد = سألتك يا الله بعفوٍ عظيم وهيّن دروبه

نايف صقر



أبيات تملأ النفس إيماناً ، ففيها تذكير بأصل الخلق ، وفيها اعتراف بالحاجة ، هكذا يرى الإنسان المسلم نفسه .

يبدأ شاعرنا ببيتٍ أراهن على استقلاليته وتفرّده . يصوّر الشاعر فيه القلب بصورة مبتكرة جميلة
فالقلب يسجد على سبيل الاستعارة فكأنه أراد أن يظهر مدى حاجة عضو الإنسان لعبادة ربه كما هي حاجة النفس لذلك ، ولا يكتفي الشاعر بذلك بل يجعل ذلك السجود على رمل الضلوع وكأنك أمام لوحة يقابلك القلب وقد طبع على رمل الضلوع سجدة . إن ذلك القلب قد نصبت فيه خيام الندم والخوف ، فهو قلب الرجل المسلم التائب . فكل ما عمله من سيئاتٍ هي ما تجعل للندم والخوف النصيب الأكبر لبقائها ولا تزول إلا بسجودٍ لله سبحانه وتعالى .


في البيت الثاني يشرع الشاعر بالدعاء فيرفع يديه عالياً ليطلب فسحة الأمل فكل الدروب هي موصلة ( تقوده ) إلى التراب وهذه حقيقة ركّز عليها الشاعر كثيراً .

في البيت الثالث يذكر الشاعر أوصاف للخالق - عز وجل - وهي أوصاف طالما استخدمها الإنسان في الصحراء فهي أكثر ارتباطاً من غيرها في الصحراء . ولعل الشاعر أراد أن يوجد مقارنة وهي بعيدة على كل حال بين شدة الحر وبين لهب النار - أعاذنا الله منها - حيث أكّد الشاعر على ( الظوامي - الثمام - جرهدي البيد ) وكلها تحمل معنى الاحتياج والإحساس بالعطش . واستعاذة الشاعر هنا تبدأ من جهنم و الحشر و الموت ، وقد جعلها بمنزلةٍ حيث لم يشعرنا بتقديم جهنم على غيرها . ولعل الشاعر أراد أن يجعل النهاية الحتميّة هي المتصدّرة كي تكون الاستعاذة ادّعى للنفس .

في البيت الرابع يقر الشاعر بأن ما كان من خطأ فهو صادر عن نفسٍ مسلمةٍ وهي البعيدة كل البعد عن الشرك والكفر والكبر . ثم يذكر حقيقة هذه النفس فهي وإن حصل وعملت سيئةً فهي لا تفرح كثيراً بها حيث لا تفتأ أن تعود ذليلة خاضعة خائفة .

في البيت الخامس يبيّن الشاعر أصل تلك النفس فهي نفس يحملها عبد وابن عبد وهو يفخر بكونه من أهل التوحيد ، وهنا يذكّر الشاعر بميزةٍ خاصةٍ وهي أنه من أبناء الجزيرة العربية فأجداده هم من نشر الإسلام في العالم ، أو أن الشاعر أراد أن يثّبت قدم عهده بالإسلام عن طريق التأكيد على تمسّك آبائه وأجداده بالدين الإسلامي الصحيح . ولأنه ابن من أبناء التوحيد فهو يخجل من فعل المعاصي ويطلب من الله المغفرة والتوبة

في البيت السادس يقدّم الشاعر صورةً حيّةً للإنسان المسلم في حالة رؤية ما يذكّره بالدار الحقيقة في الدنيا . فصورة القبور الضيّقة هي ما يجلب كميةً كبيرةً من الخوف لأي نفسٍ مسلمةٍ حتى تصل إلى درجةٍ كبيرةٍ من الارتجاف .

في البيت السابع يأتي بحقيقةٍ إنسانية ويبعد الشاعر عن كونه ابناً من أبناء التوحيد ، فهو إنسان مثل غيره ولولا تفضّل الله سبحانه وتعالى عليه بالهداية لأصبح من عامة البشر . وهنا يذكّر الشاعر بقبول الإنسان حمل الأمانة التي رفضت حملها الجبال . فالإنسان يحمل الكثير من خيرٍ وشر . ويؤكد الشاعر على أصل الخلق ( غريق الطين ) وكأنه أراد أن يلمح إلى وضع الطين وكيف يكون مع غيره .

في البيت الثامن يبدأ بـ ( الأنا ) ليذكّر نفسه بالحاجة إلى سيدها ، ويخبرها بعلمه سبحانه وتعالى واطلاعه ( تفعل ما تشاء وتريد ) ويسأل الخالق - عز وجل - العفو والتوبة الصادقة .

مع الأبيات :

صورة البيت الأول صورة جميلة لا ينقصها إلا ريشة فنان ينثر شذاها ويعطّر بها الأنفاس و الأنظار .
التأكيد على معنى واحد أخذ من الشاعر نصيباً وافراً ( هلاكي - المنايا ) ( الثمام - جرهدي البيد ) ( مشرك - كافر )
الإغراق في ألفاظ نجديّة قديمة سمة من سمات الشاعر ( افهق - هيّن )
هنا جمال لا يدركه إلا متأمل ( اقلقه ثوبه ) صورة جميلة توضّح مدى القلق والخوف .
التدرج ( عبدك ولد عبدك وجداني ) خدم البيت كثيراً واختصر الكثير .
البيت :

أنا الإنسان حمّال النقايض والكمد والكيد = غريق الطين واللذات من رأسه لعرقوبه


يحتاج إلى وقفات ، فلسان حال الإنسانية هو الحاضر فيه .

نهاية :

كثيراً ما أردد أبيات هذه القصيدة ، ولإعجابي بها جعلني أبدأ فيها مع إن لي وقفات مع الشاعر المبدع نايف صقر .

التاج في 16/8/1424هـ

خـــــــــــــــالـــــــــد
13-10-03, 06:12 pm
الاخ الكريم التاج

واضاءه مره اخرى من جواهر التاج التي افتقدناها في الخيمه منذ فتره

قصيده عظيمه وتبعث في النفس الرهبه والاجلال لعظمه الخالق وكرمه علينا وطمعنا في عفوه ورحمته

والاروع الطريقه التي تعرض بها معاني القصيده بشرح جزل جميل بطريقه غير مسبوقه

الف الف شكر لاطلاعنا على هذه التحفه للشاعر الكبير

نــــــــــايــــــــــف iiصــــــــــقـــــــــــر


وصح لسانه

التاج
13-10-03, 06:32 pm
أخي العزيز خالد


أشكر لك هذا المرور

وإن شاء الله سيكون لهذا الموضوع لاحق


تحياتي لك

التاج

فهد الطويان
13-10-03, 09:57 pm
العزيز التاج .
هلابك .
قصيدة رائعه وإختيار ينم عن ذائقه عاليه.
.
.
تسلم على تواجدك الدائم وتعطير الخيمه بروائع إختياراتك..
.
.
لكن ياغلي العنوان لم أفهم معناه بعد...
.
ياليت تفسر معناه ولك خالص مودتي..
.
هل قصدك نهاية الشعر بعد هذه الفترة أم ماذا؟؟؟؟

التاج
14-10-03, 01:35 am
أخي الشاعر المبدع فهد الطويان


أشكر لك هذا المرور الكريم والغير مستغرب على متابع لحركة الشعر الشعبي

أما بالنسبة لتساؤلك أخي

فلم أقصد نهاية حقبة ولا بداية عصر

هو مسمى أردت من خلاله إيجاد أرضٍ خصبة وليس أكثر من ذلك

وإن شاء الله سيتغيّر العنوان إلى مسمى آخر

والشعر لا ولن يتوقّف عند شاعر معيّن

فقد تكلّم النقاد عن صعوبة إتيان شاعر بعد المتنبي

وأتى شعراء كبار أمثال أحمد شوقي والباارودي وغيرهما كثير


دمت صوتاً صادحاً بالحق


التاج

البارق
14-10-03, 07:38 am
اخي التاج00

سننتظر بشغف حلقات هذه السلسة
وكلنا شكر لك على اتحافنا بهذا الاختيار الرائع

وتقبل مني التحية والتقديــــــر000

حلا القصيد
14-10-03, 12:29 pm
اخي التاج

شكرا لك على اختيار هذه القصيده

لاستاذي نايف صقر

اللذي اعتبره بحق

ظاهره شعريه لن تتكرر


شكر ا لك مره اخرى على حسن الاختيار

حلا

التاج
14-10-03, 06:05 pm
أخي البارق

أشكر لك هذا المرور

وانتظرني مع بوح شاعرٍ آخر



الأخت حلا القصيد


أشكر لك هذا المرور

والشاعر الكبير نايف صقر

لا يختلف اثنان على شاعريته

فهو بحق شاعر له فضل فيما وصلت إليه القصيدة النبطية في وقتنا الحالي


تحياتي للجميع

التاج

التاج
14-10-03, 06:25 pm
رائعة من روائع الشاعر المبدع


مساعد بن ربيّع الخياري الرشيدي

قصيدة بعنوان : عزة النفس


ينجرح قلب لكن ترتفع هامه = والله إني لاموت ولا انحني رأسي
لو رماني زماني وسط دوامه = العواصف شديدة والجبل راسي
أنقل الحزن وأمشي منتصب قامه = قاسي الوقت لكني بعد قاسي
وأسمع الحلم يصرخ لحظة إعدامه = رابط الجأش ما هز الخبر بأسي
عزتي غالية والناس سوّامه = قلت ما أبيع حتى تقطع أنفاسي
زانت أيام عمري شانت أيامه = ما رجيت العزاء من رحمة الناسِ
من عجز لا يدوس الهم بأقدامه = لازم إنه مع الأيام ينداسي
يندمل جرح قلبٍ ماتت أحلامه = بس ما أظن يبرا جرح الإحساسِ
يوم صارت ما بين القلب والهامه = وش أبي بالحياة اليا انحنى رأسي

مسـاعـد الرشـيدي



الإنسان هو القادر على إظهار مدى العزة التي يمتلكها أو تمتلكه ، وهو في سبيل الحفاظ على قواعدها يحتاج إلى الكثير من الحلم والمداراة ، فهو بين ذلك إلى أن تثبت له الصورة وتتضح جليةً له قبل غيره .

هذه القصيدة بالرغم من سيطرة النفث النفسي إلا أن لأبياتها إيقاعاً يتناسب مع كثيرٍ من الأنفس .

لا يرى للحياة وزناً في حال خسر عزة نفسه ومال برأسه وهو يقول : أنا عزيز ! وأين تلك العزة ؟

بالقدر الذي تزداد فيه جراح القلب فإن لوقعها ملاطفة إن كان في استعار نارها رفعة للرأس ، ولا يهم خوض موارد المنيّة إن كان في سبيل إثبات ديمومة تلك الرفعة .

ومهما حاول الزمن ليقتلع بأعاصيره منابت الأنفة فإن جبلها قادر على مواجهة تحديات تلك العواصف بكل ثباتٍ وحكمة.

رؤية الإنسان تدل على باطنه أحياناً وحتى العيون لها لغة ويستطيع من يعرف ذلك التعرّف على مواطن الحزن من خلال النظر ولا غير ، وقد يحمل الإنسان حزناً ثقيلاً ولكنه لا يلتفت إلى صيحات قسوة الزمن فهو الأكثر صلابةً وقسوةً منه .

يظل الإنسان يحلم ولا يرى موجباً لاستئصال حلمه من بعد تحليق فكره ، وقد يرى ما يزيد من شدة الطرف المقابل ما لا يرغب . وبمجرد سماع صرخات ذلك الحلم يهرع إلى عزته ويتمسك بها فهو يعرف مدى قدرة عزة نفسه على احتواء ذلك الخبر الذي يهز الجأش والبأس .

دائماً ما يرى بعض الناس قدرتهم على معاملة الغير من طرفٍ خفي ، وإن كان لهم مدخل على بعضهم فهو من باب عزتهم . والمزايدة في قصد شراء أسهمها لا يلوي تلك النفس العزيزة حتى وإن كلفها ذلك قطع أنفاسها .

الأيام ما بين خيرها وشرها لا تجعل لذلك المتمسك بعزته مسوّغاً لطلب مواساته حتى من أرحم الناس .

الإنسان في المواجهة لابد أن يرى حقيقة التقدّم والرجوع ، وفي مسألة كالهم يجبر الإنسان على المقاومة فإما أن يطأ بقوته على الهم ، وإما أن يجد من الأيام قدماً لا ترحم أبداً .

الأحلام ومهما رأت على ضفاف السعادة مآتمها تستطيع العودة إلى الحياة ، وهناك من الأحلام من ليس في حكمه رجعة فموته نهاية حتميّة وبمجرد سقوط وجه العزة تتلاشى أصداء الحياة .

ربما يقع ما يقع بين القلب وعزة النفس ، ولا يمكن للحياة أن تسير من دون إقصاء أحدهما ولا أظن أحداً يرى انحناء الرأس جسراً لعبور أيامها .

مع الأبيات :

وفّق الشاعر بالشروع في إيضاح مقصده ( البيت الأول ) كما أنه وفّق كثيراً في تثّبيت صورة بقاء رأسه عالياً ( البيت الأخير ) .

انتصاب القامة هو ما يبحث الشاعر لإيصاله بأقرب صورة وأظنه قد وفّق في نقلها .

صورة الحلم هي صورة لا ينقصها إلا تبحّر في رسم خطوطها فهي غاية في الجمال .

اختصار الكثير من المعاني في قوله ( والناس سوّامه ) دليل على تجربة عميقة للشاعر .

رجاء العزاء في غير موضع الشاعر هو ما يفقده الإنسان في حالة غيابه ، ولكن في هذه الصورة جعلنا الشاعر نستبعد وجود أي عزاء .

التعبير عن عزة النفس بـ ( الهامة ) تعبير وفّق الشاعر كثيراً في الوصول إلى مبتغاه .

إيجاد أقدامٍ للهم يجعل الصورة أكثر وضوحاً .

ألفاظ تتناسب مع الغرض ( ينجرح - يندمل ) ( رماني - زماني ) ( الجأش - البأس ) ( زانت - شانت ) ( القلب - الهامة ) .

قصيدة تعبّر عن عزة النفس بألفاظٍ مألوفة .


التاج في 18/8/1424هـ

خـــــــــــــــالـــــــــد
15-10-03, 09:01 am
اخي التاج عوده اخرى ,,

باختيار جميل

و دراسه اروع واشمل


أنقل الحزن وأمشي منتصـب قامـه

========= قاسـي الوقـت لكـنـي بـعـد iiقـاسـي


وأسمع الحلم يصرخ لحظة iiإعدامه

============ رابط الجأش ما هـز الخبـر iiبأسـي



=================

يظل الإنسان يحلم ولا يرى موجباً لاستئصال حلمه من بعد تحليق فكره ، وقد يرى ما يزيد من شدة الطرف المقابل ما لا يرغب . وبمجرد سماع صرخات ذلك الحلم يهرع إلى عزته ويتمسك بها فهو يعرف مدى قدرة عزة نفسه على احتواء ذلك الخبر الذي يهز الجأش والبأس .


صح لسان الشاعر

وصح فكرك وسلم بنانك

التاج
15-10-03, 05:23 pm
أخي العزيز خالد


أشكر لك هذه المتابعة

وقد جازوت بي مدى

ترفّق بأخيك فإن لنفسه تطلعاً

وأخاف أن يصيبها الحياء


وبانتظار بوح شاعرٍ آخر


تحياتي لك

التاج

التاج
19-10-03, 06:31 pm
بــــوح آخــــر

رائعة من روائع الشاعر الكبير

رشيد الزلامي


يا معالج الجرح صبري واصلٍ ماده = وعلاج قبل أمس زاد الجرح ما سرّه
أحرجتني في سؤالٍ ما أعرف أبعاده = والناس للناس محتاجة ومضطرّه
اخفض جناحك ترى دنياك حداده = وترى سليمان قبلك خاطب الذرّه
وجرحي ترى ما يبا دكتور وعياده = يحتاج قلبٍ رحوم ونظرةٍ حرّه
وإن كان جرحي بقى والطب ما فاده = أعود وأنصحك يا قلبي مية مرّه
لا عاد تحلم بشيءٍ فات ميعاده = ومن ايش تشكي وكبدك ليش محترّه
اصبر على ما قضاه الله وما أراده = يكفيك فعل الزمن بمحمد الدرّه
ويكفي من الوقت خمس عقود وزياده = ما عاد خلّت بكبدك قطرةٍ مرّه
وإن قلت أنا في زمانٍ فات لي عاده = لا دارت رحاة الزمان وجتك مفترّه
ريّح ضميرك وخل الوقت وجهاده = لعل خير الزمان يفك من شرّه
إما يقوم الجمل شقران بشداده = وإلا تهب الهبوب وتقتل الجرّه



بلوغ الخمسين عاماً كفيل لأي إنسان بمعاصرة التجارب ، وقد قالها الشاعر الجاهلي زهير بن أبي سلمى من قبل :

سئمت تكاليف الحياة ومن يعش = ثمانين حولاً لا أبا لك يسأم


في هذه القصيدة بيان لجرح بطريقة المقارنة حيث نجد جرح الشاعر يقابله جرح الطفل الفلسطيني محمد الدرة

لكل جرح مدى ، وفي حالة وصول ذلك المدى فإن أي علاج وأي متبرع للعلاج لن يجدي ولن يفيد هذا إن كان العلاج جديداً . أما وإن كان الحال وقد تداوى المجروح بعلاجٍ قديم ولم يفده فقد زاده إلى أن وصل إلى درجة كبيرة . وترك العلاج بأي طريقةٍ كانت أسلم من المعاودة كرةً أخرى .

الإحراج هو وسيلة فعّالة في بعض المواقف ، ولكنه في مواقفٍ أخرى قد يزيد من الآلام . والسؤال الذي يستجدي جواباً شافياً قد يؤدي إلى حرج كبير ، وهذا ما يجعل الإنسان متردداً في قبوله ناهيك عن الإجابة عليه .

سيدنا سليمان عليه السلام قد خاطب الذرة وهذا الموقف يؤكد على لين الجانب وخفض النفس في المواقف التي تستدعي ذلك . ومهما حاول الإنسان التعالي فإن له يوماً مع الدنيا التي لها ضربات من حديد

ليس الطبيب وحده القادر على معالجة الناس ، فقد يكون إحساس قلبٍ تشوبه الرحمة خير من آلاف الأطباء المتميزين ، كما أن لنظرةٍ يخالطها الإشفاق تأثير تعجز عنه وسائل الطب المتقدّمة .

وإن تداوى الإنسان المجروح ولم يفده ذلك فهو إلى التمسك بالصبر ادّعى له من المطالبة بعلاجٍ قد يزيد من مراراته .

للقلب حواجز يضعها صاحبه ، وعندما يقف القلب أمامها مشدوهاً فإن لقطع دابر أحلامه وجوداً قد ينسيه ما فات من أيام غلبت عليها المواعيد الفائتة . وبمجرد شكوى القلب يتضح مدى المعاناة التي لا يستطيع تجاوزها .

إخواننا في فلسطين _ أعزهم الله بالإسلام ونصرهم على بني صهيون _ يعانون من الجراح المؤلمة ما لا يعانيه بشر في هذا العالم ، وما مقتل الطفل محمد الدرة أمام عدسات العالم إلا جرح في جسد العالم المريض . ويكفي القلب عبرةً من ذلك المنظر المؤلم .

يظل الإنسان يحلم ، ولكنّ سنوات العمر قد تساعد على إيقاف إو نفي تلك الأحلام . وعندما يبلغ الإنسان سن الخمسين فإن هذا كفيل بتناسي الجراح فما مرور تلك السنين إلا لارتشاف قطرات النفس المتطلّعة .

قد لا يعجب الإنسان التوقّف لالتقاط الأنفاس ولكن ( رحاة الزمان ) ( الرحى ) قادرة على تغيير أي وجهة وفكرة ،فهي تظل تعرك الأيام إلى أن تنقضي على ما قدّر الله للإنسان .

طلب راحة الضمير مطلب أكيد ، وإن لم يبادر الإنسان لإراحة ضميره فإن مجاهدة الوقت لديها استعداد لاستنزاف كل جهده وطاقاته .

الإنسان أمام منعطفين إما أن يتجاوز الأزمة التي مر بها ، وإما أن يقف مكانه فتهب عليه هبوب الحياة التي تغيّر مجرى حياته .

مع الأبيات :

قرن الجرح الشخصي مع الجرح الجماعي يضفي على النص بعداً إنسانياً وهذا متحقق في ثنايا أبيات القصيدة .

كثرة ترديد شكوى ( الزمان ) هي من مخرجات التجربة التي كابد أيامها شاعرنا الكبير .

صورة الجمل ( شقران ) ما هي إلا صورة تظهر مدى ما يشعر به ابن الصحراء ، ففي الجمل رمز القوة وعندما يقوم الجمل وعلى ظهره ( الشداد ) فإنه قادر على المسير رغم إحساسه بالألم ، ولا يريد الشاعر أن يفوّت على نفسه الاتصاف بأهم صفة يتمتع بها الجمل في الصحراء . وفي حالة عدم استطاعة الجمل على حمل الأثقال فإن هبوب رياح الظروف قادرة على كسر ( الجرة ) وهي ما يستطب به المجروح ، وهذا ما يصعّب من عملية الامتثال للشفاء بسرعة .

قصيدة تأتي عن نفسٍ مكلومة ، وهي دائماً تبحث عن مخرج لآلامها حتى لو كان عن طريق مسايرة آلام الآخرين .

تحياتي للجميع

التاج في 23/8/1424هـ

خـــــــــــــــالـــــــــد
20-10-03, 08:44 pm
اخي التاج

مجهود رائع

اضافه مميزه

واصل فنحن متابعين ومستمتعين


صح لسان الشاعر


وصح قلمك على هذا التحليل الرائع

التاج
22-10-03, 05:03 pm
أخي خالد


أشكر لك هذه المتابعة

يهمني متابع مثلك

ولولا وجود من مثلك

لتوقّفت عن المواصلة


تحياتي لك

التاج

التاج
03-11-03, 10:38 pm
بوح آخر

رائعة من روائع الشاعر

هلال المطيري

قصيدة بعنوان :

يا بارد القلب


الكحل الأسود .. زمن ما هو على رفه = فوق الهدب والمحاجر دمعها حامي
ما شال جفنه هدب عينه .. على خفه = ليت النواعس تنام وتسهر أقلامي
هو يقطف الورد .. وإلا ينبت بكفه = لأيامها الورد .. وإلا الورد لأيامي
قصّر ظلاله عليه .. وقال لي : وفّه = ومديت ظلي تحت شمسه وأنا الظامي
يا بارد القلب .. قلبك بالغلا دفّه = يمكن يذوب الجليد ويدفي عظامي
يمكن خذلني زمانٍ كنت في صفّه = يمكن خذلت الزمن والقوس والرامي
عامٍ من العشق راح ولا بلغ شفّه = وأنا على عشق قلبي مات قدامي
عامٍ من النور لو ما قال لي طفّه = ما شفت درب الظلام وديرة أحلامي
عامٍ من العشق الأسود طاح به رفّه = فوق الهدب والعتب والمحجر الدامي

هــلال المـطـيري




الاعتياد على رؤية الكحل يذكي بالنفس إحساساً بالتفاعل ، وفي حالة فقدانه يتعثر الرائي بالسواد . وينتابه شعور بحرارة الدموع التي فقدت جزءً من مسلّيها ألا وهو الكحل .

جفن العين قادر على حمل أهداب صاحبته ، وعندما يعجز عن ذلك يكون للسهر مجال أكثر من مجال سهر الأقلام التي تنشد وصال ورؤية أعين الحبيبة .

يتساوى الورد في حين وقت قطافه أو نباته وترعرعه ، فهو الجمال سواءً كان لأيام السعادة أم كان للسعادة مع الأيام .

الظمأ في ساعة احتياج الحبيبة يجعل من شمس البعاد تحدياً صعباً للوصول والنيل ، وهذا ما يجعل الحبيب مكابداً إلى أن يمد ظلال حبه لهجير الابتعاد .

في الغلا مكمن وسر برودة القلب الذي يصل إلى درجة التجمّد في أثناء الغياب المفاجئ أو المستمر على أمل تحقيق الوعد .

يشعر العاشق بالخذلان حينما يرى في الصف المقابل شعوراً كسواد الكحل الذي طالما تعطّش لرؤيته ، وهذا الشعور يجعله ما بين قبول الزمن بقسوته أو التمرد وهو يعلم باحتياجه إلى قوس كي يكون رامياً ليصطاد زمنه .

التصاق الموت بالقلب يبني حاجزاً منيعاً يصعّب من عملية اقتحام المشاعر المتطايرة مع شذرات الأيام . وبمجرد قبول ذلك الموت المتنامي داخل القلب يكره القلب نبضاته وأركانه .

ليس الظلام وحده يعني نهاية المطاف فقد يكون النور هو البداية الحقيقية لاختفاء آثار العشق والقضاء على أجمل الأحلام بمدينة لا يسكنها غير العشاق .

باستطاعة عام واحد أن يقضي على آمال عشرات السنين من العشق الدامي ، وعندما يسقط رفّه لن يجد له حاملاً غير أنات العتاب وحرارة الدموع التي تخنق الأهداب .


تحياتي للجميع

التاج في 8/9/1424هـ

خـــــــــــــــالـــــــــد
10-11-03, 03:42 pm
اخي الكريم التاج


الف شكر لك لمواصله امتاعنا بهذه الوقفات التحليليه لبوح المبدعين

اخي الكريم اهنئك على قلمك المتمكن تحليلا وشرحا بطريقه فلسفيه تعطي القصيده بعدا اجمل

فالتحليل للقصيده الاخيره اعجبني كثيرا فكانني امام لوحه تحليليه رسمت بعنايه



احسنت

التاج
10-11-03, 10:40 pm
أخي وعزيزي أنا هنا >>>>> أتذكر هذا اللقب


لا زالت أتلذذ بها اللقب


ولا زالت أقول أن المتابع خالد


في تواجدك معي دافع قوي للاستمرار


ووالله لقد خالطني اليأس وأخذ مني كل مأخذ


ولكنك ترد الضائع منها


بمجرد مرورك وقراءتك


وهنا أقول :


هنيئاً لي بقارئ كـ خالد


فهو الذي يبقي قلمي هائجاً



تحياتي لك

التاج

البارق
10-11-03, 11:00 pm
اخي وعزيزي التاج00

تحية لقلمك الرائع على ما يخطه من إبداع
ففي كل قسم لك بصمة وفي كل مشاركة لك حضور
والبصمات التاجية لها نكهة خاصة اتمنى ان لا تحرمنا منها

وتقبل مني التحية والتقديــــــر000

الأهلب
11-11-03, 01:16 am
http://forum.buraydh.com/images/smilies/words/x6.gif

http://forum.buraydh.com/images/smilies/words/x3.gif البارق http://forum.buraydh.com/images/smilies/words/x11.gif

سُعد ( صالح ) الحامد ربه
بأن الأقلام المتميزة موجودة
ولها نضع القلم جانبا 0!

يا بارق
عودتي وقراءتي لما خطه يراعك
أحسست منه بالتقصير فتحية لك
ولقلمك 0!





للغيبة عن الأحباب سر لا يفهمه إلا من كان قريبا منك بقلبه 0!

http://forum.buraydh.com/images/smilies/words/x4.gif

التاج
15-11-03, 02:08 pm
أخي البارق


لست بأكثر منك تواجداً في كل الأقسام

أشكر لك هذه المتابعة


أخي الأهلب

شكراً لك ولتواجدك


تحياتي لكما


التاج

التاج
09-12-03, 05:46 pm
بوح آخر

رائعة من روائع الشاعر

سليمان المانع

قصيدة بعنوان :

ســر أغـنـيـاتـي


لا تندهش لا بحت لك ذكرياتي =
شفتك حبيب وما غدر ببدوي شوف
ما أحدٍ عرف قبلك حقيقة حياتي =
مكشوف شيء وشيء ما هوب مكشوف
كم هاجسٍ يولد ترده شفاتي =
ويموت ما هو لأقرب الناس معروف
لكن معك فجّرت خافي سكاتي =
ملهوف اسولف وأنت للسمع ملهوف
يا غاليٍ جمّل وجودك حياتي =
وبالحب صرت لدمعتي صدر وكفوف
خذ دفتري خذ بوح ذاتي لذاتي =
وأبصر.. بدمع .. بدم.. تاريخ وحروف
وهناك تفهم ليه أخالف وصاتي =
لا قلت دوس بمبدأك حاجز الخوف
خلك جبل في وجه الأيام عاتي =
واحذر تكون إنسان والعالم سيوف
وهناك ..بس هناك .. سر أغنياتي =
حزني.. ضياعي.. حيرتي سيرة ظروف
وهناك .. تتفهّم حنين التفاتي =
وتحس في معنى الوجع يوم وتروق







يظل البدوي واثقاً من تفرّسه ، ولا يكاد الرجل البدوي يتخلّص من هذه الصفة ، ويخيّل لي أنه بمجرد تخليه ستصبح الصحراء غريبةً وموحشةً في نظره !!

في حكم البدوي قرار قد لا يبلغ حقيقة كنهه ، ولكنه متأكد من حدسه وظنه فيمن يراه !!

هذا الشعور القوي يدفع البدوي للثقة والبوح في أدق تفاصيل الذكريات وأيامها !!

وطلب إبعاد الاندهاش يقابله حبيب في نظر العاشق حتى عدّه قريباً ومكاناً آمناً للبوح !!

في غموض البدوي أو بالأخص حياته العاطفية دليل أكيد على تأثير الأم الصحراء على ابنها ، فكل ذرة من ذرات رمالها توحي بقصةٍ سعيدةٍ أو حزينة !!

وحياة البدوي مغلقة تحتاج إلى كاشف ينير فيها عتمة شدة العطش وتأوهات السحاب !!

وفي اعتراف البدوي لانكشاف أمراً ما دليل على عدم قدرته على مواصلة لعب دور العاشق الوحيد !!

ورغم ما تبّدى للحبيب من أمور إلا أن العاشق البدوي يرفض الاستسلام ، لأنه يظن هزيمته في معرفة تعرجات رياح أنفاس الصيف ولهيبه !!

ظل البدوي كتوماً لا يأبه لنداءات اللسان والشفاه ، فهو القادر على وأد أي كلمةٍ يظهر من خلالها ضعفه أو معالمه !!

تلك الهواجس المتطفلة على جدار العطاء الصافي تموت قبل أن تصل إلى مراحل تكوبنها الأخيرة !!

وليس لأقرب الناس في نظر البدوي قرباً يجعله قادراً على سماع أي هواجس أو أناتٍ داخلية تختلج باطن النفس !!

ذلك الكتمان لم يشأ له الحب دواماً ، فانفجر السكوت الذي يخفي وراءه مشاعر بدويةٍ أصيلة !!

حتى أصبح ذلك التحفز للبوح لهفةً واشتياقاً !!

وازداد قرب الحبيب قرباً بعد أن كان لا يستطيع الاقتراب أكثر من خطوات محسوبة !!

وأصحب الغالي الذي تتفتح به أزهار حياة الصحراء وأفيائها !!

وفي اللجوء النفسي تحبس الدموع الحب البدوي لينزف ويتحدّى نجوم الصحراء اللامعة !!

وها هو البدوي العاشق يقدّم دفتر حياته المليئة بتعارك الرمال مع غيرها في الصحراء !!

يسلّمه دفتر الذات التي لم يطلّع عليها أحد ، لأنه بدوي يثق فيمن يرى ها هو يفعل ذلك !!

أيها الحبيب انظر ما سالت به عيني وما نزف به قلبي كل ذلك تاريخ خطته حروف معاناتي مع حرقة الصحراء !!

في ذلك البوح ستجد حقيقة انكشاف أمري وعدم ثباتي في مواصلة حياتي بالطريقة التي طالما أحببتها !!

هذا الخوف الذي يسيطر على حياتي جعلني أبحث عن وصي يحمل وصايتي ليزرع بها أشجاراً خضراء في كثبان الرمال !!

اخرج إلى نوري ودس بقدم المبدأ الذي تسير عليه ما تبقى من حاجز الخوف المرعب !!

دعك من تطفلات الأيام وكن معها جبلاً شامخاً لا يهزه خوف المقابلة والتعامل !!

في هذا العالم الحالي اجعل لك درعاً منيعاً تتسربل به كلما أحسست بطعنةٍ من سيف غاضبٍ أو حانقٍ على الحياة !!

في ذلك البوح وذلك العالم المليء بالأغنيات الجميلة ستجدني أعزف أجمل أغنياتي بلحنٍ حزينٍ يشبه ألحان الجنائز المتشبعة من الخوف !!

هناك كل ما عانيت منه من حزنٍ وضياعٍ وحيرةٍ كلها أبعدتني عن جمال هذه الحياة !!

وهي وصاية لك مني فاحذر منها وعش حياة التواصل المبني على الحب والنقاء !!

كل ما تراه مني مجرد التفاتٍ أردت فيه توبيخ عواطفي جراء ما أحدثته لي في ظل توخي الحذر وحب الغموض !!

كل ذلك الوجع لم يكن ليبرز على خارطة حياتي ولكنها الأيام !!

هذه أغنياتي وذكرياتي إن كنت عازماً على دخول حياتي !!

فهل عندك استعداد لذلك ؟!!

أم تجعلها تجربةً وصيةً تعلّمت منها بعض أسرار أغنيات الحياة الجميلة ؟!!



تحياتي للجميع


التاج في 15/10/1424هـ

خـــــــــــــــالـــــــــد
09-12-03, 08:10 pm
اخي الكريم التاج

انتظرنا عوده هذه الوقفات المتعمقه لبوح احد الشعراء المبدعين...

فها انت تعود الينا بهذه الجميله للشاعر الكبير سليمان المانع....

فنطرب لها ونطرب اكثر من خلال ابحارنا في تحليلك الذي اضفى بريقا على معاني القصيده


فالف شكر على هذا الجهد والتميز

التاج
08-03-04, 06:48 pm
بوح آخر


الشاعر الأمير بدر بن عبد المحسن


قصيدة : تذكّر النسيان


ربما يكون النسيان أنسب الحلول في ظل الشعور باليأس أو الوحدة


تذكّر النسيان لا عل تنساه = يا قلب وانسى القلب لعل يشفى

هكذا يبدأ شاعرنا رحلته التي يتوخّى فيها الحذر كي لا يقع في فخ الأوجاع
فهو يصر على التذكّر الذي يفضي في نهاية الأمر إلى نتيجةٍ حتميةٍ
إنه النسيان الذي يؤرق شاعرنا والذي يؤكد عليه من خلال إيجاد البديل النهائي ألا وهو الشفاء
هناك قلبان وكل قلبٍ منهما منهك ومحتاج إلى الشفاء
ولكن شاعرنا يؤكد من طرفٍ خفي أن قلبه أكثر القلبين تعباً بل تضرراً


يدري حبيبي إنه حبيبٍ وأباجفاه = ما هو خراب الكون لا أقفيت وأقفى

يشعرنا الشاعر يتوتر العلاقة على غير مسار البيت الأول
فندخل معه في دوامة الصراع الممزوج بالعاطفة الحزينة المتحسرة
فالتأكيد على أن الحبيب يعلم قدره في قلب صاحبه يجعلنا نتصوّر كم هو صعب تقبّل الجفاء
وإن كان الشاعر يؤكد على أن مصير أي علاقةٍ هي الابتعاد
لذلك نجده يؤكد أن الكون سائر من غير أن يلتفت إلى أقرب قريبين وأنقى قلبين وأصفى علاقتين


كان الخطأ مني فـ قلبي خطاياه = هو علّمه وشلون يهجر ويجفا

تبدأ رحلة النسيان بالخطأ الذي ورّثه تعامل قلب الشاعر مع حبيبه
هذا القلب الذي لم يفتأ يعلم حبيبه كيفية الهجر والابتعاد
وهنا نلحظ أن الشاعر لا يود أن يكون الخطأ منه
وإن كان لابد من تحميل الأخطاء فإنه القلب ولا غيره أحد كان يقدّم للهجر


تعب المسافر وأبعد الموج مرساه = صار المدى له يم والشمس مرفا

من هذا المسافر ؟
يركب أمواج الهجر ليبتعد عن مرسى الرضا والشعور بالألم لمجرد الفراق
هكذا يتعب المسافر الذي لا يعرف حداً لتعبه فالمدى كفيل بإيجاد كميةً كبيرةً للشعور باليأس
وليته المدى لوحده بل تحرق شمس الهجر ما كان من ظلال كان المسافر يستظل به من عنائه


ومل الهوى نوحه وبوحه ونجواه = ما عاد لي صبرٍ على الجرح تكفا

ذلك القلب الذي أوجعته الأمواج ها هو يعيد الكرة من جديد
فهو لا يتوقف عن النوح والبوح والنجوى كل ذلك في سبيل التمسك بالهوى
ولكن الهوى محدود وليس عنده استعداد لتحمّل أخطائه
وكأن القلب يتألم بصوتٍ مرتفعٍ ويطلب من الجرح الانتهاء
فالصبر قد نفد ولم يتبق له سوى جرعات الألم البطيء


إليا متى صدري بتحرق حناياه = كنك على صالي عظامي بتدفا

سؤال ربما تكرر كثيراً ولكنه يزداد وضوحاً كلما اقتربنا من شدة حرارة شمس الهجر
فالصدر لا يستطيع مقاومة تلك الأشعة الحارقة الموجعة
حتى لكأن العظام قد تحوّلت إلى حطبٍ في نهاية الأمر يشعر بالدفء في وقتٍ يحده المدى
فهل كانت النار التي أوقدتها شمس الهجر قاصدة تهشيم صندوق القلب ؟!


وإليا متى جفني بيسقيك من ماه = كن الليالي لا صفا الدمع تصفا

آه من تلك الليالي
يوجد الشاعر علاقةً بين الليالي والدمع لإيحاء أنهما على اتفاقٍ ضده
فالليالي قد تصفو ولا تحتاج إلى مزيدٍ من الدمع
ولكن الشاعر يجعل زيادة الدمع وصفاءه دليل على صفاء الليالي
وهل كان الجفن يسقي ماءً ؟!
ربما تكون الجفون ميدان تسابق لاستمرار تدفّق الماء
هكذا يصوّر الشاعر جفونه المملوءة بماء الهجر ودموعه


تذكّر النسيان يا قلب وأنساه = أنسى الجروح اللي مع الوقت تشفا

لم يعد هناك ما يراهن عليه شاعرنا
فالنسيان كفيل لشفاء القلب من أمراضه
كما إن الجروح كفيلة بجعل القلب طيّعاً للنسيان
والوقت هو القادر على طمس معالم الجراح وأماكن تداول أسهم النسيان



تذكّر النسيان لا عل تنساه = يا قلب وانسى القلب لعل يشفى
يدري حبيبي إنه حبيبٍ وأباجفاه = ما هو خراب الكون لا أقفيت وأقفى
كان الخطأ مني فـ قلبي خطاياه = هو علّمه وشلون يهجر ويجفا
تعب المسافر وأبعد الموج مرساه = صار المدى له يم والشمس مرفا
ومل الهوى نوحه وبوحه ونجواه = ما عاد لي صبرٍ على الجرح تكفا
إليا متى صدري بتحرق حناياه = كنك على صالي عظامي بتدفا
وإليا متى جفني بيسقيك من ماه = كن الليالي لا صفا الدمع تصفا
تذكّر النسيان يا قلب وأنساه = أنسى الجروح اللي مع الوقت تشفا

تحياتي للجميع

في 17/1/1424هـ

خـــــــــــــــالـــــــــد
08-03-04, 09:00 pm
اخي الكريم التاج



الله


الله


روعه

روعه في ما انتقيت لنا من بوح


وروعه فيما نثرته من معاني لهذه القصيده العذبه


الف شكر لك على اثراء خيمتنا بهذا الموضوع الراقي

التاج
15-03-04, 07:08 pm
العزيز خالد


هذا التواصل هو الذي يضطرني للمواصلة !!

كلما كتبت حرفاً أرى فيه تواجدك !!

عاجز عن شكر تواصلك المعهود !!


تحياتي لك