تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : روايات خالدة، «روبنسون كروزو»


mam999
23-09-03, 01:48 am
مستوحاة من قصة حي بن يقظان ولد الروائي البريطاني دانيال ديفو في لندن سنة 1660، وكان ديفو ابن القصاب محبا للسفر فتجول في أنحاء أوروبا وعاش سنتين في أسبانيا، ساعده على ذلك نشاطه التجاري، وتمكن من إتقان خمس لغات، كما كانت هناك اهتمامات أخرى لديفو كالصحافة والسياسة والشعر، هاجم بأشعاره ومقالاته الأفكار البالية وهو الأمر الذي تسبب في سجنه، وبعدما أُطلق سراحه بمساعدة هارلي أكسفورد تعاونا على إصدار أول جريدة صحافية يومية «ربفيو» تصدر في لندن سنة 1704 كان لها أكبر الأثر في صفوف المعارضين لسلطة المحافظين، واعتبره البعض صحافياً عديم الضمير، كما كتب تحت عدة أسماء مستعارة.


اكتسب ديفو حب الملك وليم أورنج واحترام الحكومة والشعب من خلال قصيدة نظمها ردا على قصيدة لأحد خصوم الملك متهكما فيها على الملك. ومن سجنه تعلم ديفو أن الحرية لا تكمن في الأبواب المفتوحة وحدها. تزوج ماري توفلي ورزق ولدين وخمس بنات، كان أحدهم عاقا وهو الأمر الذي انعكس في روايته روبنسون كروزو.


ترجع شهرة دانيال ديفو الواسعة إلى روايته «روبنسون كروزو» والتي قيل بحقها الكثير، فمن قائل أنه استوحاها من حكاية حي بن يقظان للفيلسوف الأندلسي أبو بكر محمد بن طفيل على الرغم من وجود مسافة زمنية تفصل بين الروايتين تصل إلى خمسة قرون، ذلك أن ابن طفيل وديفو عاشا زمنا في بلاد الأندلس، وقيل أن ديفو استوحاها من الحكاية الحقيقية للبحار الاسكتلندي ألكسندر سلكيرك الذي عاش مرغما ووحيدا قبل أن يُنقذ من قبل وودز روجرز لمدة أربع سنوات وأربعة أشهر في جزيرة جوان فيرنانديز على بعد مئات الكيلومترات من سواحل شيلي في أمريكا الجنوبية، هذه الجزيرة المهجورة والتي تعرف اليوم باسم جزيرة روبنسون كروزو.


ولعل اختيار ديفو لجزيرة مهجورة من جزر أمريكا الجنوبية مكانا لأحداث روايته روبنسون كروزو يُرجح أنه استوحاها من أحداث ألكسندر سلكيرك التي استمرت وحدته على الجزيرة ما بين 1704 - 1709، وكتابة ديفو لروايته «روبنسون كروزو» بعد ذلك الحدث بسنوات قليلة حيث نشرها سنة 1719.


وترجع أهمية رواية روبنسون كروزو إلى كونها من أولى الروايات القديمة التي تزاوج بين الحقيقة والخيال وترجع إلى بدايات القرن الثامن عشر وتتحدث عن عطش الإنسان الأوربي إلى الخلوة وأهميتها بالنسبة إليه في مطلع ذلك القرن، واضفاء صبغة الحياة المدنية عليه حتى في العزلة، ويتضح ذلك مما بناه كروزو من مأوى مزود بأبسط الاحتياجات المتاحة، والاستفادة من حياته الماضية في المدينة التي علمته كيف يعيش؟ وما أعقب ذلك من أحداث الرواية وإسقاطات القيم الروحية والفكرية والسلوكية كما سيأتي.


نشر ديفو القسم الأول من الرواية سنة 1719، وحققت نجاحا كبيرا حتى أنها أدخلت مؤلفها عالم الشهرة الواسعة كروائي خلق إطارا واقعيا للرواية وفتحت له أبواب الثراء فعاش بقية حياته ميسورا بعد إفلاس غير أنه مات بمرض النقرس سنة 1731، وكمدا من عقوق ولده بعد أن ترك أكثر من مائتي أثر أدبي، ومن قائل أنه ترك أكثر من 550 مؤَلَفا.


وبتحليل مبسط لما حملته رواية روبنسون كروزو من عنف إنساني يرى البعض أنه أقسى من العنف الحيواني المرتبط عند الحيوان بدوافعه البيولوجية المتعلقة بغريزة البقاء، في الوقت الذي يظهر العنف الإنساني بمنطق زائف مضلل يؤكد وجود حالة من الشلل العقلي تصاحب الإنسان والتصاقه بالمشاعر البدائية التي عاش عليها الأجداد. يقول ديفو: حيثما يبني الله دارا للصلاة، يبني الشيطان مصلى هناك.


تبدأ أحداث الرواية عندما يقرر الشاب ابن العشرين ربيعا روبنسون كروزو من تحقيق حلمه في ركوب البحار مغامرا بعد أن عرض عليه صديق مرافقته في رحلته بسفينة والده. أيقظ ذلك العرض حب روبنسون كروزو للبحر، ذلك الحب الذي كادت جذوته تخبو تحت وطأة الأيام، حتى أن كروزو لم يأبه لرفض والديه، وهو الأمر الذي حدا بوالده الغاضب إلى الدعاء عليه فطلب من الله أن يضع في طريقه المتاعب. وبعد بضعة أيام من الإبحار وبعد المرور بالقرب من جزيرة فيرناندو بدأت عاصفة مخيفة بالهبوب، تلاعبت الرياح الهائجة بالسفينة ودفعتها الأمواج على مدى 12 يوما لتصطدم أخيرا في الرمال، بعد أن دخلت المياه إليها، هذا الحادث جعل البحارة الباقين يسرعون إلى قارب النجاة الصغير، ولكن ذلك القارب لم يصمد أمام الموج العالي، فسرعان ما جاءت موجة قذفت بالجميع إلى البحر، ولم ينجُ من ذلك الحادث سوى روبنسون كروزو الذي وجد نفسه على رمال شاطيء جزيرة مجروحا.


وجد كروزو نفسه وحيدا متعبا، والسفينة جانحة على بعد كيلو متر واحد من الشاطيء، وبعد يوم واحد من الراحة والترقب سبح إلى السفينة وهناك صنع طوفا من أربعة ألواح كانت في السفينة، وعلى الطوف حمل ما وجد من متاع وغذاء ينفعه، كما وجد سبعة مسدسات والكثير من البارود لها، حملها جميعا إلى مأواه الجديد على اليابسة.


وبعد استكشاف سريع للجزيرة وما يحيط بها، بنى مأوى له عند كهف صغير غير موغل في الصخر وأحاطه بسور هلالي عالٍ من جذوع الأشجار ليس له باب حتى يكون في مأمن من الحيوانات واستخدم سلما بدائيا للدخول والخروج يرفعه في كل مرة حتى يكون في مأمن تام، ونصب خيمة من شراع السفينة، وبذلك حصل على غرفتين داخل السور الأولى من الخيمة للمبيت والثانية من الكهف كمخزن. وبعد ذلك شرع في تجهيز مأواه فصنع كرسيا وطاولة وبعض الأشياء الأخرى. ونظرا لامتلاكه الوقت الكافي فقد كان مثابرا في الحصول على احتياجاته.


وإلى جانب تجميعه الفاكهة المتيسرة للأكل والتجفيف فإنه طارد الحيوانات واصطادها وأكل لحومها وانتفع من شحومها حتى أنه تمكن من صناعة قنديل ترابي ملأه بدهون الحيوانات وصنع ضوءا، واعتاد أيضا على صيد الأسماك، وبذلك أمّن غذاءه للأيام الممطرة التي لا يخرج فيها. وبدأ كروزو بكتابة خطوط على الصخور لمعرفة عدد الأيام التي قضاها على الجزيرة، بعد أن أخذت الأيام تجري مكررة.


شاءت الصدفة أن وجد حقلا للذرة ينمو بعد أن رمى في نفس المكان أوساخا بينها بقايا ذرة. وعمل طويلا في صناعة قارب من جذع شجرة ضخمة كذلك الذي يصنعه الهنود يكفي لعشرة أشخاص لعله ينفعه في اجتياز البحر يوما، ونظرا لحجمه لم يتمكن من جره بمفرده إلى البحر، حاول أن يحفر المسافة بين القارب والماء، ترك الفكرة لأنها تستغرق أكثر من عشر سنوات. شاهد آثار قدم أكبر من حجم قدمه بكثير، وبعد متابعة دقيقة وحذرة اكتشف وجود عظام بشرية وجماجم، وعثر على آثار نيران قريبة من الشاطيء، أصيب بحالة من الخوف، احتمى لفترة في مأواه محترزا لأي طاريء إلى أن تمكن يوما من مشاهدة نيران عن بعد وأدرك من فوره أن هذه النيران ليست للتدفئة ذلك أن الجو كان حارا.


اقترب ببطء وحذر ليشاهد تسعة رجال عراة، رقصوا طويلا حول النار، احتفلوا، أكلوا، ثم رحلوا. تفقد كروزو المكان فوجد بقايا عظام ودماء، اجتاحته ثورة غضب عارمة. انتظر طويلا عودتهم من جديد ليقاتلهم استمرت بضع سنوات، وأخيرا عادوا بخمسة قوارب، قدّر عددهم بين العشرين والثلاثين رجلا ومعهم رجلان مقيدان، ومن فوره أدرك أنهما سيكونان طعاما للمتوحشين، وأيقن بعد أن شاهد أحدهما يُضرب بفأس، انتهز الأسير الثاني الفرصة وهرب باتجاه كروزو المختبيء، تبعه ثلاثة منهم، قرر كروزو انقاذه، بلغت المطاردة جدول الماء، عبره الأسير بعد أن سبح بمهارة كأنه سمكة، تعقبه اثنان ورجع الثالث،


وهنا تدخل كروزو ونزل من مخبئه وقتلهما. كان كروزو سعيدا بانقاذ ذلك الرجل الذي سماه فرايداي بمعنى جمعة لأنه أنقذه في يوم جمعة، والذي أصبح خادمه منذ تلك اللحظة، وكانت سعادة كروزو أعظم وهو يسمع صوت أول إنسان يحادثه بعد سنوات من الوحدة على الجزيرة، وسرعان ما تفاهما وتحابا. وفي معركة ثانية مع آكلي لحوم البشر تمكن كروزو بمساعدة فرايداي من كسب معركة ثانية وإنقاذ أسير ثانٍ تبين أنه والد فرايداي. ومضت السنون وبقي فرايداي إلى جانب كروزو خادما وفيا له، حتى إن فرايداي أوصل والده إلى جزيرته وعاد.


وأخيرا لاحت سفينة انجليزية من بعيد، جاء منها إلى الشاطيء بواسطة قارب أحد عشر رجلا، ثلاثة منهم أيديهم موثقة، وتساءل فرايداي: أترى الأنجليز يأكلون الأسرى أيضا؟!. كان الأسرى الثلاثة هم قبطان السفينة ومساعده ومسافر، أسروا بعد أن حدث تمرد على السفينة، ذلك ما فهمه كروزو من حواره معهم خلسة، وهنا قرر كروزو بمساعدة من فرايداي أن يخوض معركة أخرى لإنقاذ القبطان وجماعته تكللت بالنجاح والاستيلاء على السفينة من جديد وكانت آخر المغامرات على الجزيرة قبل أن يغادرها بصحبة فرايداي . وعندما أحصى كروزو كم مرّ عليه في الجزيرة؟ وجد أنه أمضى ثماني وعشرين سنة وشهرين وسبعة عشر يوما. جاءها شابا وغادرها كهلا، بعد أن تعلم كم هو جميل أن يعيش الإنسان آخر أيامه بسلام


كريم السماوي