سوار
21-08-03, 02:52 pm
هذه صورة من الرد المرسل لجريدة الرياض على مقال منصور النقيدان الأخير ، حرره أخونا خالد الشايع وفقه الله وجزاه خيرأ ، وذب عن عرضه . آمين . -------------------------------------------------------------------------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
رداً على مقال ( نادي التكفير ) للنقيدان
بل التكفير بضاعتك … وعلماؤنا مما رميتهم به براء
بقلم : خالد بن عبد الرحمن الشايع الحمد لله ولي المؤمنين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، وصلى الله وسلم على النبي الأمي محمد بن عبد الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، أما بعد :
فمرةً أخرى أجد من المتعيِّن أن ندافع عن علمائنا ومشايخنا مما يفتري عليهم أو يتنقصهم ، وكان من آخر هذه الافتراءات على العلماء ما كتبه منصور النقيدان ، هداني الله وإياه ، حيث اتهم علماء الأمة الذين عرف الناس قدرهم وفضلهم ومكانتهم وجهَّلهم ، وافترى عليهم أباطيل ليضرب بعضهم ببعض ، وليفسد على الناس ثقتهم بعلمائهم ، وليرمي العلماء بما هم منه براء ، مما ابتلي به هو في سنين ماضية ، ولا زال يعاني من آثاره ، وأضاف إلى ذلك دعوته إلى بدعة ضلال وانحراف طالما حذر منها العلماء .
فوا أسفاً لهذا الكاتب يأتي اليوم ليتعمد ـ كما يقول ـ ذكر أمثلةٍ عاصرها أو كان شاهداً على بعضها ، وما هو في ذلك بشاهد صدق ولا ناقل عدل فيما يذكر ، لأنه افترى على العلماء ، واستغل بعض المواقف ولبَّس بها لينسب علماءنا قاطبةً إلى ما سماه ( نادي التكفير ).
عجيبٌ حقاً !! أن يأتي الكاتب المذكور ليحاول مصادمة العلماء بعضهم ببعض ، وهم الأئمة الأعلام وهداة الأنام من أمثال العلماء الأفاضل الذين أورد ذكرهم في مقاله أو لمح لهم : ( ابن باز ، ابن عثيمين ، الألباني ، المعلمي ، سليمان بن حمدان ، البليهي ) ولو كان هؤلاء العلماء أحياء لما تجرأ النقيدان على أن ينسبهم لما ذكر من انتشار التضليل والتكفير واشتغالهم ببعض ، ولكن ينبغي أن يعلم النقيدان وغيره أن الله يدافع عن عباده المؤمنين ، وأن من افترى على العلماء كشف الله أسراره وهتك أستاره .
وإن من مظاهر خطورة إثارة الخلافات بين العلماء وتشعيبها أن يوجد الشقاق والفراق بين تلاميذهم من بعدهم ، وأن يكون هو الشغل للناس عن التفقه في الدين ، مما يتسبب في جعل مجتمعنا شيعاً وأحزاباً ، في وقتٍ نحن أحوج ما نكون فيه إلى ردم الفجوات وإزالة النزاعات ومعالجة مسبباتها ، خاصةً في غضون ما يتعرض له وطننا المبارك اليوم من محاولات داخلية وخارجية للنيل منه ومن منهاجه القويم .
كان هذا من النقيدان فيما كتبه في جريدة الرياض تحت عنوان ( نادي التكفير .. بضاعتكم رُدَّت إليكم ) ( العدد 12834 ـ الخميس 16/6/1424هـ ص 24 ) .
وقبل أن نتوقف عند بعض ما تضمنه المقال المشار إليه ، فيجدر أن نعلم بأن الكاتب منصور النقيدان وكما صرَّح هو في مقالات ماضية في جريدة الرياض عن نفسه كان من أوائل المؤسسين لـما سماه ( نادي التكفير ) وكان أستاذه صاحب كتاب ( الكواشف الجلية في تكفير الدولة السعودية ) الذي أورده في مقال له سابق ، كما أنه صاحب البدايات الأولى للتخريب والاعتداء على المنشآت في بلاد الحرمين وهو وثلة مهترئة من أمثاله ممن ( استشرى ) فسادهم و ( ذادوا ) عن منهج الفساد في الأرض ردحاً من الزمن ، وقد صرح الكاتب في مقال له سابق ( ينظر :جريدة الرياض الخميس 15/5/2003 ) بأن الإفراج عنه من سجن الرويس بجدة نتيجة منهجه المختل إنما كان عام 1997 ، وكان حقه أن يستر على نفسه وأن يلزم المنهج الحق ؛ فإن التوبة تجبُّ ما قبلها ، لكنه أشهر ذلك عن نفسه عبر الصحف وغيرها ، وراح مع ذلك ينظر لمسائل الإرهاب والتكفير !! بل ويرمي بها أئمة علمائنا !!.
ولذا لا زلت أقول : إن الكاتب مهما قال إنه تائب وراجع عن عضوية ( نادي التكفير ) الذي ابتدعه وأمثاله في مجتمعنا ، فإن فترة الرجوع هذه غير كافية لمحو إجرامه في حق الوطن ، كما أنها غير كافيه لأن يتجاوز مشكلاته النفسية السابقة ، والتي ظهرت اليوم من خلال اتهامه لوطننا كله وبجميع شرائحه ، بل ولعلماء الأمة .
وإن محاولته عبر هذا المقال أن يظهر للناس بأن العلماء كانوا مجترئين على تكفير بعضهم لبعض ، أو تضليل بعضهم لبعض ، ما هي إلا افتراء على علمائنا الأثبات ، وهي في الحين نفسه دليلٌ على تهور الكاتب ، وعدم مبالاته بالمفاسد التي يجرها تصوره هذا ، والذي هو إرث ثقافته السابقة . وفي هذا أيضاً دليلٌ على جهله بعقيدة أهل السنة والجماعة ، وإلا فكيف يدعو لنشر عقائد باطلة من الإرجاء وغيره ، وكيف يفتري على علماء أهل السنة والجماعة .
ولنتوقف الآن مع بعض المآخذ على الكاتب :
1ـ استمرأ النقيدان استعمال الألفاظ البشعة والموغلة في الوقاحة ونسبتها للعلماء ، كقوله : إن ( مقام إبراهيم قذارةٌ يجب تطهير المسجد الحرام منها ) (!!) فهذه اللفظة لا يتجاسر على إنشائها إلا من خَفَّ عنده تعظيم الشعائر ، نسأل الله أن يهدينا وإياه .
وقد راجعنا ما حرره الشيخ سليمان ابن حمدان في الموضع الذي أشار إليه النقيدان ، فلم نعثر على هذه البذاءة ، وحاشا العلماء أن يتجاسروا على إطلاقها ، ونطالب النقيدان بأن يوقفنا عليها بالصفحة والسطر ، فقد نكون مخطئين في البحث ، وإلا كان مفترياً على العلماء ما لم يقولوه ، وحسبه بذلك خيانة للأمانة .
2ـ ادعى النقيدان بأن كتاب ( الدُّرُّ النضيد في شرح كتاب التوحيد ) وغيره من كتب الشيخ العلامة سليمان بن حمدان رحمه الله تجمع أخطاء كثيرة ، وخاصة في العقيدة ، وأنها ترشحه ليكون كافراً !!!
سبحانك اللهم هذا بهتانٌ عظيم .
ثم متى كنا بحاجة للنقيدان وأمثاله ممن خالف منهج أهل السنة والجماعة ، ليحكم على العلماء الذين أمضوا سني عمرهم في العلم وتعليمه وحفظ عنهم الخير والرشاد ، وشهد بفضلهم القاصي والداني .
وإن كان الأخ النقيدان محقاً في دعواه ، فليوقفنا على الأخطاء التي يزعم ، اللهم إن كانت أخطاء يراها هو بحسب منهجيته الجديدة في تمييع الأحكام الشرعية ومناداته بالإرجاء .
أما كتاب " الدُّرّ النضيد " فهو اسمٌ على مسمى ، ومن قرأ فيه أدرك ما فيه من العلم الغزير ، وهو محل ثناء علمائنا الأثبات ، وممن امتدح الكتاب وأثنى عليه كثيراً كلٌّ من صاحبي الفضيلة الشيخ صالح الفوزان ، والشيخ بكر أبو زيد عضوي هيئة كبار العلماء وعضوي اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء حفظهما الله ، وحسب القارئ بهما علماً وزكاءً ورسوخاً في العلم ، ولا نزكيهما على الله .
3ـ محاولة الكاتب تصوير الخلاف المعروف بين العلماء بأنه كافٍ في الحكم عليهم بالتسرع بالتكفير والتضليل ، وحاشاهم من ذلك ، فنحن نعلم بأن الخلافات بين أهل العلم لم تزل موجودة منذ الصدر الأول لهذه الأمة ، ومهما وقع فالموقف منه معروف ، ولا يغض من مقام أحد منهم ، ولا يجعلنا نتهم أحداً منهم بالكفر ، كما صنع النقيدان حين اتهم الشيخ سليمان بن حمدان ـ رحمه الله ـ بأنه بأخطائه العقدية المزعومة مرشح للكفر ، بل نعتذر لبعضهم من بعض ، ونعذرهم فيما أخطأوا فيه مما يسوغ فيه ذلك ، ما دامت سوابقهم حميدة وسيرهم كريمة ، وقد فصل هذه المسألة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه الماتع : " رفع الملام عن الأئمة الأعلام " .
وحاصل الأمر كما قال بعض السلف : لو أنه كلما أخطأ عالم تركناه لما بقي معنا أحمد ولا سفيان ولا غيرهما .
4ـ تجرأ الكاتب على مقام الشيخ العلامة محمد بن عثيمين رحمه الله ، واتهمه بأنه يظهر خلاف ما يبطن ، حين قال عنه : ( غير أنه كان يسعى في ذلك إلى تهدئة النفوس . وبقي الشيخ في دروسه الخاصة وبين طلابه المقربين يؤكد دائماً ما أنكره معارضوه ) .
والكاتب يدرك أن هذه المسألة التي عناها حول ( صفة المعية ) قد كان للعلامة الشيخ محمد بن عثيمين سلفٌ في تقريرها ، وأن الشيخ رحمه الله قد أزاح موضع الإشكال لدى البعض ، فصفة المعية ثابتةٌ لله تعالى على ظاهرها ، بما يليق بجلاله سبحانه ، وهذا لا يقتضي مشابهة المخلوقين من المخالطة والممازجة وغيرها من الظنون الكاذبة ، فكما نثبت المعية على حقيقتها ؛ نثبت أن الله سبحانه مستوٍ على عرشه بائنٌ من خلقه ، ولهذا قال الشيخ محمد رحمه الله في " شرح الواسطية " ( 1/409) : " ولهذا نرى أن من قال : إن الله معنا في الأرض ؛ فهو كافرٌ ، يستتاب ويبين له الحق ، فإن رجع وإلا وجب قتله " .
إذاً فالمسألة ليست مجالاً لاستغلال النقيدان وأمثاله ليتوصل من خلالها لنبز العلماء وتجريحهم وتنقصهم ، وإن ما حرره الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في مؤلفاته في هذا الباب أصدق عندنا وعند الناس وأوثق مما يروج له النقيدان في مقاله هذا ، أو في غيره .
5ـ ردد النقيدان غير مرة نقده لما يسميه ( الفكر التكفيري ) و ( نادي التكفير ) وطرحه هذا يوصل إلى إغلاق باب التكفير بالمرة حتى في حق من كان له أهلاً ، وهذا الإغلاق ضلال ، كما أن التهور في التكفير وإطلاق ألفاظه من غير أهله وعلى غير أهله بغيٌ وضلال ، فالشريعة كما جاءت بحماية الدين أن يُسلبَه أحدٌ أو يتهم بالخروج منه ، كما قال سبحانه : ( ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً ) الآية ( النساء : 94 ) …. جاءت أيضاً بإثبات حكم الكفر وما يترتب عليه لمن كان له أهلاً ، قال الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا مَن يَرْتَدَّ منكم عن دينه ) الآية ( المائدة : 54 ) وفي صحيح البخاري عنه عليه الصلاة والسلام قال : " من بدَّل دينه فاقتلوه " ، ولهذا فإن عامة أهل العلم من الفقهاء ممن ألَّف في الفقه يذكر باب حكم المرتد ، وهو الذي يكفر بعد الإسلام .
لكن الذي يخفى على النقيدان ومن شرب من مشربه أن التكفير لا يُوكَل إليه ، ولا إلى الرعاع ولا الأحداث ، الذين كانوا بالأمس يكفرون المسلمين أئمتهم وعامتهم ، واليوم ينادون بمذاهب المرجئة الذين يقولون : لا يضر مع الإيمان ذنب ، كما ينادي به هو في مقاله هذا. وإنما تسند هذه المسألة إلى العلماء الربانيين ، الذين يهدون بالحق وبه يعدلون ، والذين يدركون أن إخراج رجلٍ من الإسلام أو إدخاله فيه أعظم أمور الدين ، والذين يتمثل منهجهم فيما قاله الإمام الطحاوي رحمه الله في عقيدته الشهيرة : " ولا نشهد عليهم ( أي أهل القبلة ) بكفرٍ ولا بشركٍ ولا بنفاق ، ما لم يظهر منهم شيءٌ من ذلك ، ونذر سرائرهم لله تعالى ، وذلك لأنَّا قد أُمرنا بالحكم بالظاهر ، ونُهينا عن اتباع الظن واتباع ما ليس لنا به علم " .
والكاتب وبكل أسف لم يكتف بالافتراء على علمائنا المعاصرين ، بل إنه كان قد قذف منهج إمام الدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وتلامذته من بعده بأنه منهج يقوم على التكفير والخروج على الحاكم ، حيث يقول في مقالةٍ له سابقة بجريدة الرياض ( الأحد 11/5/2003) : ( التنقيب في تراث وفتاوى علماء أئمة الدعوة ( الشيخ محمد بن عبدالوهاب وتلاميذه ) فيما يخص مسائل تكفير المسلم ، وشروط تكفير المعين وموانعه ، ومسوغات الخروج على الحاكم ، أبرز الوجه الآخر ، واستخرج كنوزاً عانت من تراكم الغبار ، وأفكاراً أصابها الضمور ، تم توظيفها سلاحاً فتاكاً لتكفير الحكومة ) .
ونحن نسائل النقيدان : أيُّ وجه آخر للدعوة وأئمتها تعنيه ؟!. وهل كانت الحكومة معروفة إلا بتأكيدها السير على منهج الدعوة الإصلاحية وترسمه ، فلماذا تسعى إلى إرهاب الحكومة من منهجها وأساس وجودها ؟ .
فنحن لا نعلم في تراث أئمة الدعوة وفتاويهم إلا وجهاً واحداً هو وجه الرشاد ، والمتابعة لسلف الأمة من الصحابة والتابعين ، وهذه مؤلفاتهم بين أيدينا ، فهي كنوزٌ وإن ساءك ذلك ، وهي دعوةٌ إصلاحية لم تعانِ من تراكم غبارك ، ولم يصبها ضمور كما تزعم ، بل إنها في رسوخ وسمو وانتشار بحمد الله وفضله ، حتى بلغت آفاق المعمورة .
وأما أن يفهمها أحدٌ فهماً باغياً كفهمك ، أو ينسب إليها ما ليس منها ، فكما في التنزيل الحكيم : ( فَمَن أَبصَرَ فلنفسه ومن عَمِيَ فعليها وما أنا عليكم بحفيظ ) ( الأنعام : 104).
وهذا التشويش من النقيدان نحو أئمة الدعوة ومنهجهم من خلال هذا الكلام هو في واقعه من أبشع ما يمكن أن يصدر نحوهم عن أحد ينتسب لبلاد الحرمين ، منطلق هذه الدعوة الإصلاحية ، وهو كلام خطير له أبعاده الواسعة ، وينبغي أن يُرد على من شوش به .
وهذا كله سببه غياب المنهج المتوازن لدى النقيدان ومن على شاكلته ، ممن يعانون من طَرفَي التناقض الإفراط والتفريط .
6ـ سعى الكاتب للتهوين من عقيدة الولاء والبراء ، بل واحتمل كلامه نبرة المستهتر المستهزئ بالنصوص الواردة في هذا الباب حين قال : ( فلا أدري كيف سيتم قبول من يكررون صباحاً ومساءً نصوصاً دينية مقدسة تنضح بكُره الآخر غير المسلم ومعاداته في مجتمع ليس مسلماً ) .
ونقول للنقيدان : إن نصوص الولاء والبراء مقدسةٌ ما بقيت السموات والأرض وإن رغم أنفك أو طاش فهمك . ثم كيف فاتك وأنت الكاتب المتمنطق أن هذه النصوص المقدسة بقدسية مصدرها حين تأمر بالبراء من المشركين فإنها آمرة أيضاً بالعدل معهم والمعاملة لهم بالقسط والبر ، وأنها تحرم ظلمهم أو الاعتداء عليهم . ودلائل ذلك لا يتسع المقام لسردها ، وقد أوضحتها في موضع آخر ، ولله الحمد والمنة .
7ـ يقول الكاتب النقيدان في مقاله هذا : ( لدي قناعةٌ تامةٌ أن من الحكمة الآن التركيز على تدريس الدين بشكل أكثر رحابةً واعتدالاً وأكثر تسامحاً ) .
وأقول له : قناعتك هذه متأخرة ومصابة بالعَشَى ، ذلك أن هذه الرحابة والاعتدال والرفق والتسامح هي منهج علمائنا ، ومنهم الذين نبزتهم في صدر مقالك ، دَرَسوها ودرَّسُوها لتلاميذهم ، ولم يشذَّ عنها أحدٌ منهم .
وإنما غاب إدراكها عمَّن كانت له تلك السقطات التي تعلَمُها أنت وأترابك ، ممن سلكوا مسالك العنف والتخريب .
ولا تزال مناهج التعليم في المملكة بحمد الله متميزةً بالتأكيد على حفظ الحقوق والتحذير من الإخلال بها ، فكونك لا تعلم هذا ولا تفقهه ليس مشكلة في مناهج التعليم ، ولكنها مشكلتك النفسية وعلَّتك الذهنية ، كما أنها مشكلةُ من لم يقنع بها وأبت نفسه إلا الخروج والبغي .
8 ـ نادى النقيدان بأن يصير الناس إلى مذاهب المرجئة ، ووصفها بأنها أفضل الحلول ، كالقول بـ ( قصر مفهوم الإيمان على الاعتقاد القلبي فقط ، وما عداه فهو كمال ) إلى آخر يرى أنه ( قاصرٌ على الاعتقاد واللفظ ـ الإقرار ) إلى من يذهب إلى القول بأن ( الإيمان المنجي في الآخرة يكفي فيه الاعتقاد مع الإقرار اللفظي مع أداء شيء من أعمال الإيمان يتحقق بها جنس العمل الذي يدخل به المسلم الجنة ) .
وادعاء الكاتب أن المذهبَين الأخيرين كانا واسعي الانتشار في العصور الأولى بين علماء وفقهاء الأمة دعوى مبطلة ، إنما كان ذلك مذهباً مبتدعاً صاح أئمة الأمة وسلفها الصالح بكل من قال به ، وبدَّعوه وشنَّعوا عليه وتركوه .
قال الإمام الشافعي رحمه الله في " الأم " : وكان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ومن أدركناهم يقولون : إن الإيمان قول وعمل ونية ، لا تجزيء واحدة من الثلاثة إلا بالأخرى.
وهذه البدعة التي يدعو الكاتب الأمة لسلوكها بدعة ضلالة عرفت بها طوائف الضلال من المرجئة والكُرَّامية والجهمية ، كما حققه غير واحد من أئمة أهل العلم ، ومن ذلك ما فصَّله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " منهاج السُّنة " ( 3/965 وما بعدها ).
وهذه المقولة من الكاتب عفا الله عنَّا وعنه نوع من المضادة لما كان عليه في عهده الأول ، فقد كان في بادئ أمره على إرثٍ من منهج الخوارج والذي أدى به إلى السجن كفاً لضرره ، كما صرح عن نفسه ، حيث يقولون : نكفِّر المسلم بكل ذنب ، أو بكل ذنب كبير .
ومقولة الإرجاء التي يدعو إليها الكاتب قد جرَّت بعض قائليها من قبل ـ كما بينه الحافظ ابن حجر رحمه الله في " فتح الباري " ( 13/ 348 ) ـ إلى معذرة العصاة ، ثم غلا بعضهم فعذر الكفار ، ثم غلا بعضهم فزعم أن المراد بالتوحيد اعتقاد وحدة الوجود ، وعظم الخطب حتى ساء ظن كثير من أهل العلم بمتقدميهم ، وحاشاهم من ذلك . ثم قال ابن حجر : ولهؤلاء الغلاة في ذلك كلام طويل ينبو عنه سمع كل من كان على فطرة الإسلام ، والله المستعان . انتهى ملخصاً .
وما تجاسر النقيدان على وصف مقام إبراهيم بما تقدم إلا من هذا القبيل .
فهل يريد النقيدان أن يجر الأمة إلى هذه الضلالات ؟!.
فما الذي استفادته المجتمعات الإسلامية التي يعنيها النقيدان من أخذها بعقائد الإرجاء ، وهل ضيَّع الدِّين وأضعف المسلمين وأوجد بينهم أنواع المعاصي والموبقات من استحلال الدماء والأعراض والأموال وإشاعة أنواع الفساد إلا هذا المذهب الذي يدعو إليه النقيدان ، ويصفه بأنه أفضل الحلول !!.
وهل تميزت بلاد الحرمين إلا بما حباها الله من تكامل منهجها الديني وفق عقيدة أهل السنة والجماعة ، وما هيأ الله لها من إعادة هذا المنهج بما يسَّره سبحانه من الدعوة الإصلاحية التي ابتدأها الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأيده فيها الإمام الأمير محمد بن سعود رحمهما الله .
وهل كان التكفير لمن لا يستحقون التكفير إلا نتاج مذهب الإرجاء الذي ينادي به النقيدان؟!.
ثم ألا يدرك النقيدان أن المنهج الحق هو وسط بين هذين السبيلين الضالين سبيل الخوارج وسبيل المرجئة .
ولا ريب أنَّ التحذير من كلي الطريقتين متعين ، ولأجل ذلك اشتد تحذير السلف من هذه البدعة التي يريدها النقيدان ، فثبت عن سعيد بن جبير أنه قال : مثل المرجئة مثل الصابئين . وقال عبدالرحمن بن مهدي : بلغني أن شعبة قال لشريك : كيف لا تجيز شهادة المرجئة ؟ قال : كيف أجيز شهادة قوم يزعمون أن الصلاة ليست من الإيمان . وقال شريك في المرجئة : هم أخبث قوم ، وحسبك بالرافضة خبثاً ، ولكن المرجئة يكذبون على الله تعالى .
ومهما يكن من أمرٍ فإني لأرجو لأخي منصور أن يصيب الحق كما أرجو ذلك لنفسي ، وإن كان في الرد شيءٌ من غلظ العبارة فأنا لا أريد به شخص الكاتب ، ولكن لما كانت آراؤه شديدة التطرف ، ولما كانت عباراته تجاه مبادئنا وثوابتنا وتجاه علمائنا موحشةً جافية ، فلم يكن بدٌّ من الإغلاظ في القول مما لم أتعوده في الردود ، ولكن قد قال الله تعالى : ( يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ) ( التوبة : 73 ) .
وختاماً : فإني أذكِّر نفسي والأخ منصور والذي كان له بدايات في طلب العلم ، من أن يكون ما تعلَّمه تكأةً لأصحاب الأهواء والرعاع ممن يختلون الدنيا بالدين ، أو أولئك الذين جمعتهم مذاهب العقلانيين والفلسفيين وأضرابهم ، فإنهم لن يغنوا عنه ولا عن أنفسهم شيئاً ، ما داموا مبتعدين عن منهج أهل السنة والجماعة ، وما مثلهم إلا كما قال الربُّ سبحانه : ( كذلك يضرب الله الحقَّ والباطل فأما الزَّبَدُ فيذهب جُفَاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ) ( الرعد : 17 ) .
وتلك الفئة الجافية التي تطبِّل للنقيدان وتشجعه على شقاق علماء الأمة وقدحهم ، إنما هي تلك الرؤوس التي صار لها ( إيلاف ) مع الانحرافات الفكرية ( وطوت ) لأنفسها ( سقيفة ) الضلال ، فجمعت الأوباش ممن ( لا يحمد ) مسلكهم ( ولا يرشد ) منهجهم ( ولا يعمر ) أثرهم .
وإني والله لأفرح لأخي منصور أنه كما ترك مذهب التشدد والاعتداء الذي كان عليه ، أن يدع مذهب الإرجاء وتمييع الدين ، وأن يكون على سبيل الوسطية التي كان ولا زال يسلكها العلماء الربانيون . فإن سبب الضلال هو العدول عن الصراط المستقيم الذي أمرنا الله باتباعه فقال سبحانه: ( وأنَّ هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) ( الأنعام : 153 ) .
والله المسئول أن يوفقني وإياه للهدى والرشاد ، وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا ، وأن يهب لنا منه رحمة ، إنه سبحانه هو الكريم الوهاب . ( ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم ) .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين بإحسانٍ إلى يوم الدين .
تم تحريره يوم الثلاثاء
21/ 6/ 1424هـ
Khalidshaya@hotmail.com
منقوووووول
:for3:
بسم الله الرحمن الرحيم
رداً على مقال ( نادي التكفير ) للنقيدان
بل التكفير بضاعتك … وعلماؤنا مما رميتهم به براء
بقلم : خالد بن عبد الرحمن الشايع الحمد لله ولي المؤمنين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، وصلى الله وسلم على النبي الأمي محمد بن عبد الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، أما بعد :
فمرةً أخرى أجد من المتعيِّن أن ندافع عن علمائنا ومشايخنا مما يفتري عليهم أو يتنقصهم ، وكان من آخر هذه الافتراءات على العلماء ما كتبه منصور النقيدان ، هداني الله وإياه ، حيث اتهم علماء الأمة الذين عرف الناس قدرهم وفضلهم ومكانتهم وجهَّلهم ، وافترى عليهم أباطيل ليضرب بعضهم ببعض ، وليفسد على الناس ثقتهم بعلمائهم ، وليرمي العلماء بما هم منه براء ، مما ابتلي به هو في سنين ماضية ، ولا زال يعاني من آثاره ، وأضاف إلى ذلك دعوته إلى بدعة ضلال وانحراف طالما حذر منها العلماء .
فوا أسفاً لهذا الكاتب يأتي اليوم ليتعمد ـ كما يقول ـ ذكر أمثلةٍ عاصرها أو كان شاهداً على بعضها ، وما هو في ذلك بشاهد صدق ولا ناقل عدل فيما يذكر ، لأنه افترى على العلماء ، واستغل بعض المواقف ولبَّس بها لينسب علماءنا قاطبةً إلى ما سماه ( نادي التكفير ).
عجيبٌ حقاً !! أن يأتي الكاتب المذكور ليحاول مصادمة العلماء بعضهم ببعض ، وهم الأئمة الأعلام وهداة الأنام من أمثال العلماء الأفاضل الذين أورد ذكرهم في مقاله أو لمح لهم : ( ابن باز ، ابن عثيمين ، الألباني ، المعلمي ، سليمان بن حمدان ، البليهي ) ولو كان هؤلاء العلماء أحياء لما تجرأ النقيدان على أن ينسبهم لما ذكر من انتشار التضليل والتكفير واشتغالهم ببعض ، ولكن ينبغي أن يعلم النقيدان وغيره أن الله يدافع عن عباده المؤمنين ، وأن من افترى على العلماء كشف الله أسراره وهتك أستاره .
وإن من مظاهر خطورة إثارة الخلافات بين العلماء وتشعيبها أن يوجد الشقاق والفراق بين تلاميذهم من بعدهم ، وأن يكون هو الشغل للناس عن التفقه في الدين ، مما يتسبب في جعل مجتمعنا شيعاً وأحزاباً ، في وقتٍ نحن أحوج ما نكون فيه إلى ردم الفجوات وإزالة النزاعات ومعالجة مسبباتها ، خاصةً في غضون ما يتعرض له وطننا المبارك اليوم من محاولات داخلية وخارجية للنيل منه ومن منهاجه القويم .
كان هذا من النقيدان فيما كتبه في جريدة الرياض تحت عنوان ( نادي التكفير .. بضاعتكم رُدَّت إليكم ) ( العدد 12834 ـ الخميس 16/6/1424هـ ص 24 ) .
وقبل أن نتوقف عند بعض ما تضمنه المقال المشار إليه ، فيجدر أن نعلم بأن الكاتب منصور النقيدان وكما صرَّح هو في مقالات ماضية في جريدة الرياض عن نفسه كان من أوائل المؤسسين لـما سماه ( نادي التكفير ) وكان أستاذه صاحب كتاب ( الكواشف الجلية في تكفير الدولة السعودية ) الذي أورده في مقال له سابق ، كما أنه صاحب البدايات الأولى للتخريب والاعتداء على المنشآت في بلاد الحرمين وهو وثلة مهترئة من أمثاله ممن ( استشرى ) فسادهم و ( ذادوا ) عن منهج الفساد في الأرض ردحاً من الزمن ، وقد صرح الكاتب في مقال له سابق ( ينظر :جريدة الرياض الخميس 15/5/2003 ) بأن الإفراج عنه من سجن الرويس بجدة نتيجة منهجه المختل إنما كان عام 1997 ، وكان حقه أن يستر على نفسه وأن يلزم المنهج الحق ؛ فإن التوبة تجبُّ ما قبلها ، لكنه أشهر ذلك عن نفسه عبر الصحف وغيرها ، وراح مع ذلك ينظر لمسائل الإرهاب والتكفير !! بل ويرمي بها أئمة علمائنا !!.
ولذا لا زلت أقول : إن الكاتب مهما قال إنه تائب وراجع عن عضوية ( نادي التكفير ) الذي ابتدعه وأمثاله في مجتمعنا ، فإن فترة الرجوع هذه غير كافية لمحو إجرامه في حق الوطن ، كما أنها غير كافيه لأن يتجاوز مشكلاته النفسية السابقة ، والتي ظهرت اليوم من خلال اتهامه لوطننا كله وبجميع شرائحه ، بل ولعلماء الأمة .
وإن محاولته عبر هذا المقال أن يظهر للناس بأن العلماء كانوا مجترئين على تكفير بعضهم لبعض ، أو تضليل بعضهم لبعض ، ما هي إلا افتراء على علمائنا الأثبات ، وهي في الحين نفسه دليلٌ على تهور الكاتب ، وعدم مبالاته بالمفاسد التي يجرها تصوره هذا ، والذي هو إرث ثقافته السابقة . وفي هذا أيضاً دليلٌ على جهله بعقيدة أهل السنة والجماعة ، وإلا فكيف يدعو لنشر عقائد باطلة من الإرجاء وغيره ، وكيف يفتري على علماء أهل السنة والجماعة .
ولنتوقف الآن مع بعض المآخذ على الكاتب :
1ـ استمرأ النقيدان استعمال الألفاظ البشعة والموغلة في الوقاحة ونسبتها للعلماء ، كقوله : إن ( مقام إبراهيم قذارةٌ يجب تطهير المسجد الحرام منها ) (!!) فهذه اللفظة لا يتجاسر على إنشائها إلا من خَفَّ عنده تعظيم الشعائر ، نسأل الله أن يهدينا وإياه .
وقد راجعنا ما حرره الشيخ سليمان ابن حمدان في الموضع الذي أشار إليه النقيدان ، فلم نعثر على هذه البذاءة ، وحاشا العلماء أن يتجاسروا على إطلاقها ، ونطالب النقيدان بأن يوقفنا عليها بالصفحة والسطر ، فقد نكون مخطئين في البحث ، وإلا كان مفترياً على العلماء ما لم يقولوه ، وحسبه بذلك خيانة للأمانة .
2ـ ادعى النقيدان بأن كتاب ( الدُّرُّ النضيد في شرح كتاب التوحيد ) وغيره من كتب الشيخ العلامة سليمان بن حمدان رحمه الله تجمع أخطاء كثيرة ، وخاصة في العقيدة ، وأنها ترشحه ليكون كافراً !!!
سبحانك اللهم هذا بهتانٌ عظيم .
ثم متى كنا بحاجة للنقيدان وأمثاله ممن خالف منهج أهل السنة والجماعة ، ليحكم على العلماء الذين أمضوا سني عمرهم في العلم وتعليمه وحفظ عنهم الخير والرشاد ، وشهد بفضلهم القاصي والداني .
وإن كان الأخ النقيدان محقاً في دعواه ، فليوقفنا على الأخطاء التي يزعم ، اللهم إن كانت أخطاء يراها هو بحسب منهجيته الجديدة في تمييع الأحكام الشرعية ومناداته بالإرجاء .
أما كتاب " الدُّرّ النضيد " فهو اسمٌ على مسمى ، ومن قرأ فيه أدرك ما فيه من العلم الغزير ، وهو محل ثناء علمائنا الأثبات ، وممن امتدح الكتاب وأثنى عليه كثيراً كلٌّ من صاحبي الفضيلة الشيخ صالح الفوزان ، والشيخ بكر أبو زيد عضوي هيئة كبار العلماء وعضوي اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء حفظهما الله ، وحسب القارئ بهما علماً وزكاءً ورسوخاً في العلم ، ولا نزكيهما على الله .
3ـ محاولة الكاتب تصوير الخلاف المعروف بين العلماء بأنه كافٍ في الحكم عليهم بالتسرع بالتكفير والتضليل ، وحاشاهم من ذلك ، فنحن نعلم بأن الخلافات بين أهل العلم لم تزل موجودة منذ الصدر الأول لهذه الأمة ، ومهما وقع فالموقف منه معروف ، ولا يغض من مقام أحد منهم ، ولا يجعلنا نتهم أحداً منهم بالكفر ، كما صنع النقيدان حين اتهم الشيخ سليمان بن حمدان ـ رحمه الله ـ بأنه بأخطائه العقدية المزعومة مرشح للكفر ، بل نعتذر لبعضهم من بعض ، ونعذرهم فيما أخطأوا فيه مما يسوغ فيه ذلك ، ما دامت سوابقهم حميدة وسيرهم كريمة ، وقد فصل هذه المسألة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه الماتع : " رفع الملام عن الأئمة الأعلام " .
وحاصل الأمر كما قال بعض السلف : لو أنه كلما أخطأ عالم تركناه لما بقي معنا أحمد ولا سفيان ولا غيرهما .
4ـ تجرأ الكاتب على مقام الشيخ العلامة محمد بن عثيمين رحمه الله ، واتهمه بأنه يظهر خلاف ما يبطن ، حين قال عنه : ( غير أنه كان يسعى في ذلك إلى تهدئة النفوس . وبقي الشيخ في دروسه الخاصة وبين طلابه المقربين يؤكد دائماً ما أنكره معارضوه ) .
والكاتب يدرك أن هذه المسألة التي عناها حول ( صفة المعية ) قد كان للعلامة الشيخ محمد بن عثيمين سلفٌ في تقريرها ، وأن الشيخ رحمه الله قد أزاح موضع الإشكال لدى البعض ، فصفة المعية ثابتةٌ لله تعالى على ظاهرها ، بما يليق بجلاله سبحانه ، وهذا لا يقتضي مشابهة المخلوقين من المخالطة والممازجة وغيرها من الظنون الكاذبة ، فكما نثبت المعية على حقيقتها ؛ نثبت أن الله سبحانه مستوٍ على عرشه بائنٌ من خلقه ، ولهذا قال الشيخ محمد رحمه الله في " شرح الواسطية " ( 1/409) : " ولهذا نرى أن من قال : إن الله معنا في الأرض ؛ فهو كافرٌ ، يستتاب ويبين له الحق ، فإن رجع وإلا وجب قتله " .
إذاً فالمسألة ليست مجالاً لاستغلال النقيدان وأمثاله ليتوصل من خلالها لنبز العلماء وتجريحهم وتنقصهم ، وإن ما حرره الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في مؤلفاته في هذا الباب أصدق عندنا وعند الناس وأوثق مما يروج له النقيدان في مقاله هذا ، أو في غيره .
5ـ ردد النقيدان غير مرة نقده لما يسميه ( الفكر التكفيري ) و ( نادي التكفير ) وطرحه هذا يوصل إلى إغلاق باب التكفير بالمرة حتى في حق من كان له أهلاً ، وهذا الإغلاق ضلال ، كما أن التهور في التكفير وإطلاق ألفاظه من غير أهله وعلى غير أهله بغيٌ وضلال ، فالشريعة كما جاءت بحماية الدين أن يُسلبَه أحدٌ أو يتهم بالخروج منه ، كما قال سبحانه : ( ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً ) الآية ( النساء : 94 ) …. جاءت أيضاً بإثبات حكم الكفر وما يترتب عليه لمن كان له أهلاً ، قال الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا مَن يَرْتَدَّ منكم عن دينه ) الآية ( المائدة : 54 ) وفي صحيح البخاري عنه عليه الصلاة والسلام قال : " من بدَّل دينه فاقتلوه " ، ولهذا فإن عامة أهل العلم من الفقهاء ممن ألَّف في الفقه يذكر باب حكم المرتد ، وهو الذي يكفر بعد الإسلام .
لكن الذي يخفى على النقيدان ومن شرب من مشربه أن التكفير لا يُوكَل إليه ، ولا إلى الرعاع ولا الأحداث ، الذين كانوا بالأمس يكفرون المسلمين أئمتهم وعامتهم ، واليوم ينادون بمذاهب المرجئة الذين يقولون : لا يضر مع الإيمان ذنب ، كما ينادي به هو في مقاله هذا. وإنما تسند هذه المسألة إلى العلماء الربانيين ، الذين يهدون بالحق وبه يعدلون ، والذين يدركون أن إخراج رجلٍ من الإسلام أو إدخاله فيه أعظم أمور الدين ، والذين يتمثل منهجهم فيما قاله الإمام الطحاوي رحمه الله في عقيدته الشهيرة : " ولا نشهد عليهم ( أي أهل القبلة ) بكفرٍ ولا بشركٍ ولا بنفاق ، ما لم يظهر منهم شيءٌ من ذلك ، ونذر سرائرهم لله تعالى ، وذلك لأنَّا قد أُمرنا بالحكم بالظاهر ، ونُهينا عن اتباع الظن واتباع ما ليس لنا به علم " .
والكاتب وبكل أسف لم يكتف بالافتراء على علمائنا المعاصرين ، بل إنه كان قد قذف منهج إمام الدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وتلامذته من بعده بأنه منهج يقوم على التكفير والخروج على الحاكم ، حيث يقول في مقالةٍ له سابقة بجريدة الرياض ( الأحد 11/5/2003) : ( التنقيب في تراث وفتاوى علماء أئمة الدعوة ( الشيخ محمد بن عبدالوهاب وتلاميذه ) فيما يخص مسائل تكفير المسلم ، وشروط تكفير المعين وموانعه ، ومسوغات الخروج على الحاكم ، أبرز الوجه الآخر ، واستخرج كنوزاً عانت من تراكم الغبار ، وأفكاراً أصابها الضمور ، تم توظيفها سلاحاً فتاكاً لتكفير الحكومة ) .
ونحن نسائل النقيدان : أيُّ وجه آخر للدعوة وأئمتها تعنيه ؟!. وهل كانت الحكومة معروفة إلا بتأكيدها السير على منهج الدعوة الإصلاحية وترسمه ، فلماذا تسعى إلى إرهاب الحكومة من منهجها وأساس وجودها ؟ .
فنحن لا نعلم في تراث أئمة الدعوة وفتاويهم إلا وجهاً واحداً هو وجه الرشاد ، والمتابعة لسلف الأمة من الصحابة والتابعين ، وهذه مؤلفاتهم بين أيدينا ، فهي كنوزٌ وإن ساءك ذلك ، وهي دعوةٌ إصلاحية لم تعانِ من تراكم غبارك ، ولم يصبها ضمور كما تزعم ، بل إنها في رسوخ وسمو وانتشار بحمد الله وفضله ، حتى بلغت آفاق المعمورة .
وأما أن يفهمها أحدٌ فهماً باغياً كفهمك ، أو ينسب إليها ما ليس منها ، فكما في التنزيل الحكيم : ( فَمَن أَبصَرَ فلنفسه ومن عَمِيَ فعليها وما أنا عليكم بحفيظ ) ( الأنعام : 104).
وهذا التشويش من النقيدان نحو أئمة الدعوة ومنهجهم من خلال هذا الكلام هو في واقعه من أبشع ما يمكن أن يصدر نحوهم عن أحد ينتسب لبلاد الحرمين ، منطلق هذه الدعوة الإصلاحية ، وهو كلام خطير له أبعاده الواسعة ، وينبغي أن يُرد على من شوش به .
وهذا كله سببه غياب المنهج المتوازن لدى النقيدان ومن على شاكلته ، ممن يعانون من طَرفَي التناقض الإفراط والتفريط .
6ـ سعى الكاتب للتهوين من عقيدة الولاء والبراء ، بل واحتمل كلامه نبرة المستهتر المستهزئ بالنصوص الواردة في هذا الباب حين قال : ( فلا أدري كيف سيتم قبول من يكررون صباحاً ومساءً نصوصاً دينية مقدسة تنضح بكُره الآخر غير المسلم ومعاداته في مجتمع ليس مسلماً ) .
ونقول للنقيدان : إن نصوص الولاء والبراء مقدسةٌ ما بقيت السموات والأرض وإن رغم أنفك أو طاش فهمك . ثم كيف فاتك وأنت الكاتب المتمنطق أن هذه النصوص المقدسة بقدسية مصدرها حين تأمر بالبراء من المشركين فإنها آمرة أيضاً بالعدل معهم والمعاملة لهم بالقسط والبر ، وأنها تحرم ظلمهم أو الاعتداء عليهم . ودلائل ذلك لا يتسع المقام لسردها ، وقد أوضحتها في موضع آخر ، ولله الحمد والمنة .
7ـ يقول الكاتب النقيدان في مقاله هذا : ( لدي قناعةٌ تامةٌ أن من الحكمة الآن التركيز على تدريس الدين بشكل أكثر رحابةً واعتدالاً وأكثر تسامحاً ) .
وأقول له : قناعتك هذه متأخرة ومصابة بالعَشَى ، ذلك أن هذه الرحابة والاعتدال والرفق والتسامح هي منهج علمائنا ، ومنهم الذين نبزتهم في صدر مقالك ، دَرَسوها ودرَّسُوها لتلاميذهم ، ولم يشذَّ عنها أحدٌ منهم .
وإنما غاب إدراكها عمَّن كانت له تلك السقطات التي تعلَمُها أنت وأترابك ، ممن سلكوا مسالك العنف والتخريب .
ولا تزال مناهج التعليم في المملكة بحمد الله متميزةً بالتأكيد على حفظ الحقوق والتحذير من الإخلال بها ، فكونك لا تعلم هذا ولا تفقهه ليس مشكلة في مناهج التعليم ، ولكنها مشكلتك النفسية وعلَّتك الذهنية ، كما أنها مشكلةُ من لم يقنع بها وأبت نفسه إلا الخروج والبغي .
8 ـ نادى النقيدان بأن يصير الناس إلى مذاهب المرجئة ، ووصفها بأنها أفضل الحلول ، كالقول بـ ( قصر مفهوم الإيمان على الاعتقاد القلبي فقط ، وما عداه فهو كمال ) إلى آخر يرى أنه ( قاصرٌ على الاعتقاد واللفظ ـ الإقرار ) إلى من يذهب إلى القول بأن ( الإيمان المنجي في الآخرة يكفي فيه الاعتقاد مع الإقرار اللفظي مع أداء شيء من أعمال الإيمان يتحقق بها جنس العمل الذي يدخل به المسلم الجنة ) .
وادعاء الكاتب أن المذهبَين الأخيرين كانا واسعي الانتشار في العصور الأولى بين علماء وفقهاء الأمة دعوى مبطلة ، إنما كان ذلك مذهباً مبتدعاً صاح أئمة الأمة وسلفها الصالح بكل من قال به ، وبدَّعوه وشنَّعوا عليه وتركوه .
قال الإمام الشافعي رحمه الله في " الأم " : وكان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ومن أدركناهم يقولون : إن الإيمان قول وعمل ونية ، لا تجزيء واحدة من الثلاثة إلا بالأخرى.
وهذه البدعة التي يدعو الكاتب الأمة لسلوكها بدعة ضلالة عرفت بها طوائف الضلال من المرجئة والكُرَّامية والجهمية ، كما حققه غير واحد من أئمة أهل العلم ، ومن ذلك ما فصَّله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " منهاج السُّنة " ( 3/965 وما بعدها ).
وهذه المقولة من الكاتب عفا الله عنَّا وعنه نوع من المضادة لما كان عليه في عهده الأول ، فقد كان في بادئ أمره على إرثٍ من منهج الخوارج والذي أدى به إلى السجن كفاً لضرره ، كما صرح عن نفسه ، حيث يقولون : نكفِّر المسلم بكل ذنب ، أو بكل ذنب كبير .
ومقولة الإرجاء التي يدعو إليها الكاتب قد جرَّت بعض قائليها من قبل ـ كما بينه الحافظ ابن حجر رحمه الله في " فتح الباري " ( 13/ 348 ) ـ إلى معذرة العصاة ، ثم غلا بعضهم فعذر الكفار ، ثم غلا بعضهم فزعم أن المراد بالتوحيد اعتقاد وحدة الوجود ، وعظم الخطب حتى ساء ظن كثير من أهل العلم بمتقدميهم ، وحاشاهم من ذلك . ثم قال ابن حجر : ولهؤلاء الغلاة في ذلك كلام طويل ينبو عنه سمع كل من كان على فطرة الإسلام ، والله المستعان . انتهى ملخصاً .
وما تجاسر النقيدان على وصف مقام إبراهيم بما تقدم إلا من هذا القبيل .
فهل يريد النقيدان أن يجر الأمة إلى هذه الضلالات ؟!.
فما الذي استفادته المجتمعات الإسلامية التي يعنيها النقيدان من أخذها بعقائد الإرجاء ، وهل ضيَّع الدِّين وأضعف المسلمين وأوجد بينهم أنواع المعاصي والموبقات من استحلال الدماء والأعراض والأموال وإشاعة أنواع الفساد إلا هذا المذهب الذي يدعو إليه النقيدان ، ويصفه بأنه أفضل الحلول !!.
وهل تميزت بلاد الحرمين إلا بما حباها الله من تكامل منهجها الديني وفق عقيدة أهل السنة والجماعة ، وما هيأ الله لها من إعادة هذا المنهج بما يسَّره سبحانه من الدعوة الإصلاحية التي ابتدأها الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأيده فيها الإمام الأمير محمد بن سعود رحمهما الله .
وهل كان التكفير لمن لا يستحقون التكفير إلا نتاج مذهب الإرجاء الذي ينادي به النقيدان؟!.
ثم ألا يدرك النقيدان أن المنهج الحق هو وسط بين هذين السبيلين الضالين سبيل الخوارج وسبيل المرجئة .
ولا ريب أنَّ التحذير من كلي الطريقتين متعين ، ولأجل ذلك اشتد تحذير السلف من هذه البدعة التي يريدها النقيدان ، فثبت عن سعيد بن جبير أنه قال : مثل المرجئة مثل الصابئين . وقال عبدالرحمن بن مهدي : بلغني أن شعبة قال لشريك : كيف لا تجيز شهادة المرجئة ؟ قال : كيف أجيز شهادة قوم يزعمون أن الصلاة ليست من الإيمان . وقال شريك في المرجئة : هم أخبث قوم ، وحسبك بالرافضة خبثاً ، ولكن المرجئة يكذبون على الله تعالى .
ومهما يكن من أمرٍ فإني لأرجو لأخي منصور أن يصيب الحق كما أرجو ذلك لنفسي ، وإن كان في الرد شيءٌ من غلظ العبارة فأنا لا أريد به شخص الكاتب ، ولكن لما كانت آراؤه شديدة التطرف ، ولما كانت عباراته تجاه مبادئنا وثوابتنا وتجاه علمائنا موحشةً جافية ، فلم يكن بدٌّ من الإغلاظ في القول مما لم أتعوده في الردود ، ولكن قد قال الله تعالى : ( يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ) ( التوبة : 73 ) .
وختاماً : فإني أذكِّر نفسي والأخ منصور والذي كان له بدايات في طلب العلم ، من أن يكون ما تعلَّمه تكأةً لأصحاب الأهواء والرعاع ممن يختلون الدنيا بالدين ، أو أولئك الذين جمعتهم مذاهب العقلانيين والفلسفيين وأضرابهم ، فإنهم لن يغنوا عنه ولا عن أنفسهم شيئاً ، ما داموا مبتعدين عن منهج أهل السنة والجماعة ، وما مثلهم إلا كما قال الربُّ سبحانه : ( كذلك يضرب الله الحقَّ والباطل فأما الزَّبَدُ فيذهب جُفَاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ) ( الرعد : 17 ) .
وتلك الفئة الجافية التي تطبِّل للنقيدان وتشجعه على شقاق علماء الأمة وقدحهم ، إنما هي تلك الرؤوس التي صار لها ( إيلاف ) مع الانحرافات الفكرية ( وطوت ) لأنفسها ( سقيفة ) الضلال ، فجمعت الأوباش ممن ( لا يحمد ) مسلكهم ( ولا يرشد ) منهجهم ( ولا يعمر ) أثرهم .
وإني والله لأفرح لأخي منصور أنه كما ترك مذهب التشدد والاعتداء الذي كان عليه ، أن يدع مذهب الإرجاء وتمييع الدين ، وأن يكون على سبيل الوسطية التي كان ولا زال يسلكها العلماء الربانيون . فإن سبب الضلال هو العدول عن الصراط المستقيم الذي أمرنا الله باتباعه فقال سبحانه: ( وأنَّ هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) ( الأنعام : 153 ) .
والله المسئول أن يوفقني وإياه للهدى والرشاد ، وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا ، وأن يهب لنا منه رحمة ، إنه سبحانه هو الكريم الوهاب . ( ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم ) .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين بإحسانٍ إلى يوم الدين .
تم تحريره يوم الثلاثاء
21/ 6/ 1424هـ
Khalidshaya@hotmail.com
منقوووووول
:for3: