المتأمل
14-02-12, 08:38 pm
تعريف قنوت النازلة:
القنوت: يطلق على معان والمراد به هناالدعاء في الصلاة في محل مخصوص من القيام.
قال ابن القيم في زاد المعاد (1/276): "فإن القنوت يطلق على القيام، والسكوت، ودوام العبادة، والدعاء، والتسبيح، والخشوع".
ونقل الحافظ في الفتح عن شيخه زين الدين العراقي نظم معان القنوت في أبيات فقال:
ولفظ القنوت اعدد معانيه تجد http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
مزيداً على عشر معانٍ مرضيّة http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
دعاء، خشوع، والعبادة، طول سكوت http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إقامتها، إقراره بالعبوديّة http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
صلاة، صيام، وطوله http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
كذلك دوام الطاعة الرابح القنيّة http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
[والقنيّة: ما اقتني من شاة أو ناقة ونحوهما].
وقنوت النوازل: هو الدعاء في النوازلالتي تنزل بالمسلمين لدفع أذى عدو أو رفعه أو رفع بلاء ونحو ذلك.
قال النوويفي شرح مسلم:"والصحيح المشهور أنه إذا نزلت نازلة كعدو وقحط ووباء وعطش وضرر ظاهر بالمسلمين ونحو ذلك، قنتوا في جميع الصلوات المكتوبات".
من الأحاديث الواردة في قنوت النازلة:
1. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: "أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَنَتَ شَهْرًا يَلْعَنُ رِعْلاً وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ عَصَوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ " متفق عليه واللفظ لمسلم.
2. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: "أَنَّ رِعْلاً وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لَحْيَانَ اسْتَمَدُّوا رَسُولَ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى عَدُوٍّ فَأَمَدَّهُمْ بِسَبْعِينَ مِنَ الْأَنْصَارِ كُنَّا نُسَمِّيهِمُ الْقُرَّاءَ فِي زَمَانِهِمْ كَانُوا يَحْتَطِبُونَ بِالنَّهَارِ وَيُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ حَتَّى كَانُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ قَتَلُوهُمْ وَغَدَرُوا بِهِمْ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو فِي الصُّبْحِ عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لَحْيَانَ قَالَ أَنَسٌ فَقَرَأْنَا فِيهِمْ قُرْآنًا ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ رُفِعَ (بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا أَنَّا لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا) " . أخرجه البخاري.
[قوله (كُنَّا نُسَمِّيهِمُ الْقُرَّاءَ) جاء في رواية ثابت أن هؤلاء القراء بعدما يحتطبون بالنهار يشترون به طعاماً لأهل الصُفَّة، ويتدارسون القرآن]
3. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: "كَانَ الْقُنُوتُ فِي الْمَغْرِبِ وَالْفَجْرِ " أخرجه البخاري.
4. عَنِ الْبَرَاءِ - رضي الله عنه - قَالَ: "قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ " أخرجه مسلم.
5. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: "أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ قَنَتَ اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ " أخرجه البخاري.
[قوله (اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ) هؤلاء رجال من أهل مكة أسلموا ففتنتهم قريش وعذبوهم، ثم نجوا ببركة دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - وقوله (اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) من الدعاء العام بعد الخاص، وقوله (اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ) المقصود بهم كفار مضر وهي قبيلة مشهورة، واشدد وطأتك: أي خذهم بشدة والمراد به الإهلاك، وقوله (اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ) أي كالسنين السبع الشداد ذات القحط والغلاء ليضعفهم بالجوع، وهي التي وقعت في عهد يوسف عليه السلام].
6. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: "لأقَرِّبَنَّ صَلَاةَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقْنُتُ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَصَلَاةِ الْعِشَاءِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ بَعْدَ مَا يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَيَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَلْعَنُ الْكُفَّارَ " متفق عليه.
7. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: "قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - شَهْرًا مُتَتَابِعًا فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ إِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَيُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ " أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم كلهم من طريق ثابت بن يزيد عن هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس به، قال النووي: "رواه أبو داود بإسناد حسن أو صحيح" (المجموع 3/482). وقال ابن القيم: "وهو حديث صحيح" (زاد المعاد 1/280).
وقال ابن حجر: "هذا حديث حسن" (نتائج الأفكار 2/130) وحسنه الألباني (انظر صحيح سنن أبي داود ج3/144).
يستفاد من الأحاديث السابقة أحكاماً عدة منها:
أولاً: مشروعية القنوت في النوازل
لدلالة الأحاديث السابقة من فعله - صلى الله عليه وسلم - وعلى هذا سار صحابته رضوان الله عليهم والتابعين من بعدهم.
قال ابن تيمية: "القنوت مسنون عند النوازل، وهذا القول هو الذي عليه فقهاء أهل الحديث، وهو المأثور عن الخلفاء الراشدين" (مجموع الفتاوى 23/ 108). وقنوت النازلة إنما يكون في الركعة الأخيرة كما هو ظاهر حديث أبي هريرة السابق في الصحيحين.
وما الحكمة من جعل القنوت في القيام لا في السجود؟
قال الحافظ ابن حجررحمه الله تعالى في فتح الباري في فصل القنوت: (وظهر لي أن الحكمة في جعل قنوتالنازلة في الاعتدال دون السجود مع أن السجود مظنة الإجابة أن المطلوب من قنوتالنازلة أن يشارك المأمومُ الإمام في الدعاء ولو بالتأمين ومن ثم اتفقوا على أنيجهرَ به).
ثانياً: أن القنوت يجوز فعله في الصلوات الخمس وآكدها الفجر:
ويدل على ذلك: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قنت في النوازل في الصلوات الخمس كلها، فقد ثبت في الصحيحين أنه قنت في: الفجر والظهر والمغرب والعشاء. أما العصر فقد ثبت عند أحمد وأبي داود، وهذا قول، وأكثر ما رواه الصحابة في قنوت النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يظهر من الأحاديث السابقة وغيرها - كان في الفجر، ثم المغرب والعشاء، ثم الظهر، ثم العصر.
قال ابن تيمية رحمه الله:".. فيشرع أن يقنت عند النوازل يدعو للمؤمنين ويدعو على الكفار في الفجر وفي غيرها من الصلوات، وهكذا كان عمر يقنت لما حارب النصارى بدعائه الذي فيه (اللهم العن كفرة أهل الكتاب)" (مجموع الفتاوى 22/270).
وقبل ذلك قال: "وأكثر قنوته - يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - - كان في الفجر" (مجموع الفتاوى 22/269).
وقال ابن القيم: "وكان هديه - صلى الله عليه وسلم - القنوت في النوازل خاصة، وترْكَه عند عدمها، ولم يكن يخصه بالفجر، بل كان أكثر قنوته فيها". (زاد المعاد 1/273).
وأما النوافل فلا يُقنت فيها؛ لعدم ورود ذلك في حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
واختلف العلماء في القنوت في صلاة الجمعةلعدم وروده في الأحاديث:
فقيل: يقنت في الجمعة، واختاره شيخنا ابن عثيمين (في الممتع 4 / 47).
وقيل: أنه لا يقنت، وهو اختيار شيخ الإسلام وابن المنذر، وهو الأظهر والله أعلم؛ لعدم ثبوته عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن صحابته رضي الله عنهم ولو ثبت لنقل إلينا كغيره من الصلوات المفروضة حيث نقلت كلها بلا استثناء، ولذا يكتفي الخطيب بأن يدعو للمسلمين في خطبة الجمعة.
قال ابن عبد البر (في الاستذكار 2/282): "وليس عن أحد من الصحابة أنه قنت الجمعة".
فائدة: حديث أنس " مازال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا " رواه أحمد والبيهقي والدارقطني وغيرهم، وهو حديث ضعيف فيه أبو جعفر الرازي، ضعفه الإمام أحمد وشيخ الإسلام ابن تيمية (في مجموع الفتاوى 3/664)، وابن القيم (في زاد المعاد 1/276) والشوكاني (في نيل الأوطار 1/631) واللجنة الدائمة (7/44) وابن عثيمين (في شرح بلوغ المرام (227) كتاب الصلاة).
ثالثاً: المشروع أن يكون القنوت يسيراً:
فالسنة أن يبتعد عن الإطالة ولا يشق على الناس وأن يهتدي بهدي النبي - صلى الله عليه وسلم - كان دعاؤه كلمات يسيرة كما هو ظاهر الأحاديث السابقة.
ويدل على ذلك: حديث أَنَسٍ - رضي الله عنه - لما سئل: هَلْ قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ؟ قَالَ: "نَعَمْ بَعْدَ الرُّكُوعِ يَسِيرًا " أخرجه مسلم. لأن العبرة بصدق الدعاء، وطهارة قلب صاحبه وعبوديته لله تعالى.
إلا أن يحتاج الإنسان للتطويل اليسير ليُلِحَّ على ربه تعالى لاسيما إذا اشتد الكرب والنازلة بالمسلمين ما لم يكن في ذلك مشقة على المسلمين فلا بأس.
قال شيخنا ابن عثيمين: "الوارد عنه - صلى الله عليه وسلم - في قنوت النوازل أنه قنوت قصير، يدعو لقوم أو يدعو على قوم بدون إطالة، ولكن إذا أطال الإنسان إطالة لا يحصل فيها تعب على المصلين، وكان يرى فيهم الرغبة في هذا، والدعاء لا يتجاوز ما يتعلق بالنازلة، فإن هذا لا بأس به، لأن الإلحاح في الدعاء من الأمور المشروعة، ولم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما أعلم النهي عن إطالة القنوت إلا إذا كان شاقاً على المصلين" [انظر فتاوى نور على الدرب في موقع الشيخ ابن عثيمين].
رابعاً: لا يشترط في القنوت في الصلاة أن تحل النازلة ببلاد المسلمين:
بل يشرع القنوت في النازلة ولو وقعت خارج بلاد المسلمين إن لحق المسلمون منها ضرر أو أذى.
ويدل على ذلك: حديث أبي هريرة _- رضي الله عنه -_ السابق نص في هذا حيث قنت الرسول – - صلى الله عليه وسلم - على أولئك المذكورين من أهل مكة، ومكة آنذاك لا تزال دار كفر.
خامساً: يجوز الدعاء لأشخاص بأعيانهم من المستضعفين المسلمين - إن دعت الحاجة لذلك-:
كما في حديث أبي هريرة- رضي الله عنه - السابق وفيه قال النبي - صلى الله عليه وسلم - (اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ....) الحديث.
وهل يجوز لعن الكافر المعين كما أنه يجوز الدعاء للمسلم المعين المستضعف؟
اختلف أهلالعلم في ذلك على قولين:
القول الأول: أنه لا يجوز لعنه لأن حاله عند الوفاة لا تُعْلَم، واختاره شيخنا ابن عثيمين، وقالوا: ربما يسلم هذا الكافر فيموت مقرباً عند الله فكيف نحكم بكونه ملعوناً وقد قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾ فقد قيَّدت هذه الآية استحقاق اللعنةبالوفاة على الكفر.
وأيضاً نُهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك لما دعا على أشخاص بأعيانهم.
فعنِ ابن عمرَ أنه سمعَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يقول في صلاةِ الفجر - ورفَعَ رأسَه من الركوع - قال: "اللهم ربَّنا ولك الحمد" في الأخيرةِ، ثم قال:" اللهم العَنْ فلاناً وفلاناً "، فأنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: ﴿ لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ ﴾. (آل عمران: 128) رواه البخاري.
القول الثاني: جواز لعن الكافر المعين، وهو مذهب الإمام أحمد. (انظر المغني لابن قدامة 2 / 586).
واستدلوا: بحديث عمرَ بن الخَطاب أن رجلاً كان على عهدِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - كان اسمه عبد الله وكان يُلقبُ حِماراً وكان يُضحكُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - قد جَلدَهُ في الشراب، فأُتيَ به يوماً فأمرَ به فجُلدَ، فقال رجلٌ منَ القوم: اللهمَّ العَنْهُ، ما أكثرَ ما يؤتى به! فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "لا تَلعَنوهُ، فو الله ما علمتُ إلا أنه يحبُّ الله ورسوله". رواه البخاري.
قالوا فدل على أن من لا يحب الله ورسوله يُلعن.
وممن صرح بذلك ابن العربي مستدلاً بجواز لعنه لظاهر حاله ولجواز قتله وقتاله، فقال في أحكام القرآن (1/50): "والصحيح عندي جواز لعنه لظاهر حاله كجواز قتاله وقتله "ا.ه - .
والأظهر والله أعلم: جواز لعنه لاسيما الذين يحاربون المؤمنين ويصدون عن الدين، لورود ذلك عن بعض الصحابة.
وأقوى ما استدل به المانعون هو سبب نزول قوله تعالى: ﴿ لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ ﴾، فإن سبب نزولها مختلف فيه وفيه خمسة أقوال كما ذكر ابن الجوزي (في زاد المسير 1/386). أشهرها قولان: أحدها: ما ذكره أصحاب القول الأول من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لعن رجالاً من المنافقين فأنزل الله هذه الآية كما عند البخاري من حديث ابن عمر، والثاني: ما رواه مسلم من حديث أنس بن مالك، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كُسِرت رباعيته يوم أحد، وشُجَّ في جبهته حتى سال الدم على وجهه، فقال: "كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم، وهو يدعوهم إلى ربهم" فنزلت هذه الآية. وهو قول ابن عباس، والحسن، وقتادة، والربيع.
واختار جواز لعنهم أكثر العلماء من أبرزهم: مالك (انظر الاستذكار لابن عبد البر 5/172)، وأحمد كما سبق، وابن حبان (في صحيحه 5/327)، وابن بطال (في شرحه للبخاري 3/6)، وابن قدامة (في المغني 2/587)، وشيخ الإسلام، وابن القيم (في زاد المعاد 1/272)، والنووي (في المنهاج 5/283) وابن حزم (في المحلى 3/58)، والصنعاني (في سبل السلام 1/255) وغيرهم.
قال ابن حجر (في الفتح 11/ 234): "وحكى ابن بطال أن الدعاء للمشركين ناسخ للدعاء على المشركين ودليله قوله تعالى ﴿ لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْء ﴾. قال: والأكثر على أن لا نسخ، وأن الدعاء على المشركين جائز، وإنما النهي عن ذلك في حق من يرجى تألفهم ودخولهم في الإسلام".
وقال شيخ الإسلام (في مجموع الفتاوى 22/ 270 ، 271): "وهكذا كان عمر – - رضي الله عنه -- يقنت لما حارب النصارى بدعائه الذي فيه: "اللهم العن كفرة أهل الكتاب " إلى آخره، وكذلك علي – - رضي الله عنه -– لما حارب قوماً قنت يدعو عليهم وينبغي للقانت أن يدعو عند كل نازلة بالدعاء المناسب لتلك النازلة، وإذا سمى من يدعو لهم من المؤمنين، ومن يدعو عليهم من الكافرين المحاربين كان ذلك حسناً "
والأفضل أن يقال: أن الدعاء على الكافرين على قسمين:
1. من يحاربون المؤمنين وينتهكون أعراضهم ويستبيحون دمائهم وأرضهم فهؤلاء تجوز لعنتهم وبه قال أكثر العلماء.
2. من لم يقاتلوا المؤمنين ويرجى تألفهم، فهؤلاء لا تجوز لعنتهم، وإنما يدعى لهم بالهداية كما دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - لدوس فقال:
(اللهم اهد دوساً وائت بهم) وبهذا تجتمع الأدلة والله أعلم. (انظر في هذا التقسيم شرح ابن بطال للبخاري 3/7).
يتبع
القنوت: يطلق على معان والمراد به هناالدعاء في الصلاة في محل مخصوص من القيام.
قال ابن القيم في زاد المعاد (1/276): "فإن القنوت يطلق على القيام، والسكوت، ودوام العبادة، والدعاء، والتسبيح، والخشوع".
ونقل الحافظ في الفتح عن شيخه زين الدين العراقي نظم معان القنوت في أبيات فقال:
ولفظ القنوت اعدد معانيه تجد http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
مزيداً على عشر معانٍ مرضيّة http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
دعاء، خشوع، والعبادة، طول سكوت http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إقامتها، إقراره بالعبوديّة http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
صلاة، صيام، وطوله http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
كذلك دوام الطاعة الرابح القنيّة http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
[والقنيّة: ما اقتني من شاة أو ناقة ونحوهما].
وقنوت النوازل: هو الدعاء في النوازلالتي تنزل بالمسلمين لدفع أذى عدو أو رفعه أو رفع بلاء ونحو ذلك.
قال النوويفي شرح مسلم:"والصحيح المشهور أنه إذا نزلت نازلة كعدو وقحط ووباء وعطش وضرر ظاهر بالمسلمين ونحو ذلك، قنتوا في جميع الصلوات المكتوبات".
من الأحاديث الواردة في قنوت النازلة:
1. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: "أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَنَتَ شَهْرًا يَلْعَنُ رِعْلاً وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ عَصَوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ " متفق عليه واللفظ لمسلم.
2. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: "أَنَّ رِعْلاً وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لَحْيَانَ اسْتَمَدُّوا رَسُولَ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى عَدُوٍّ فَأَمَدَّهُمْ بِسَبْعِينَ مِنَ الْأَنْصَارِ كُنَّا نُسَمِّيهِمُ الْقُرَّاءَ فِي زَمَانِهِمْ كَانُوا يَحْتَطِبُونَ بِالنَّهَارِ وَيُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ حَتَّى كَانُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ قَتَلُوهُمْ وَغَدَرُوا بِهِمْ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو فِي الصُّبْحِ عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لَحْيَانَ قَالَ أَنَسٌ فَقَرَأْنَا فِيهِمْ قُرْآنًا ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ رُفِعَ (بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا أَنَّا لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا) " . أخرجه البخاري.
[قوله (كُنَّا نُسَمِّيهِمُ الْقُرَّاءَ) جاء في رواية ثابت أن هؤلاء القراء بعدما يحتطبون بالنهار يشترون به طعاماً لأهل الصُفَّة، ويتدارسون القرآن]
3. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: "كَانَ الْقُنُوتُ فِي الْمَغْرِبِ وَالْفَجْرِ " أخرجه البخاري.
4. عَنِ الْبَرَاءِ - رضي الله عنه - قَالَ: "قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ " أخرجه مسلم.
5. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: "أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ قَنَتَ اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ " أخرجه البخاري.
[قوله (اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ) هؤلاء رجال من أهل مكة أسلموا ففتنتهم قريش وعذبوهم، ثم نجوا ببركة دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - وقوله (اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) من الدعاء العام بعد الخاص، وقوله (اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ) المقصود بهم كفار مضر وهي قبيلة مشهورة، واشدد وطأتك: أي خذهم بشدة والمراد به الإهلاك، وقوله (اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ) أي كالسنين السبع الشداد ذات القحط والغلاء ليضعفهم بالجوع، وهي التي وقعت في عهد يوسف عليه السلام].
6. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: "لأقَرِّبَنَّ صَلَاةَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقْنُتُ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَصَلَاةِ الْعِشَاءِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ بَعْدَ مَا يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَيَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَلْعَنُ الْكُفَّارَ " متفق عليه.
7. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: "قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - شَهْرًا مُتَتَابِعًا فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ إِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَيُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ " أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم كلهم من طريق ثابت بن يزيد عن هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس به، قال النووي: "رواه أبو داود بإسناد حسن أو صحيح" (المجموع 3/482). وقال ابن القيم: "وهو حديث صحيح" (زاد المعاد 1/280).
وقال ابن حجر: "هذا حديث حسن" (نتائج الأفكار 2/130) وحسنه الألباني (انظر صحيح سنن أبي داود ج3/144).
يستفاد من الأحاديث السابقة أحكاماً عدة منها:
أولاً: مشروعية القنوت في النوازل
لدلالة الأحاديث السابقة من فعله - صلى الله عليه وسلم - وعلى هذا سار صحابته رضوان الله عليهم والتابعين من بعدهم.
قال ابن تيمية: "القنوت مسنون عند النوازل، وهذا القول هو الذي عليه فقهاء أهل الحديث، وهو المأثور عن الخلفاء الراشدين" (مجموع الفتاوى 23/ 108). وقنوت النازلة إنما يكون في الركعة الأخيرة كما هو ظاهر حديث أبي هريرة السابق في الصحيحين.
وما الحكمة من جعل القنوت في القيام لا في السجود؟
قال الحافظ ابن حجررحمه الله تعالى في فتح الباري في فصل القنوت: (وظهر لي أن الحكمة في جعل قنوتالنازلة في الاعتدال دون السجود مع أن السجود مظنة الإجابة أن المطلوب من قنوتالنازلة أن يشارك المأمومُ الإمام في الدعاء ولو بالتأمين ومن ثم اتفقوا على أنيجهرَ به).
ثانياً: أن القنوت يجوز فعله في الصلوات الخمس وآكدها الفجر:
ويدل على ذلك: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قنت في النوازل في الصلوات الخمس كلها، فقد ثبت في الصحيحين أنه قنت في: الفجر والظهر والمغرب والعشاء. أما العصر فقد ثبت عند أحمد وأبي داود، وهذا قول، وأكثر ما رواه الصحابة في قنوت النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يظهر من الأحاديث السابقة وغيرها - كان في الفجر، ثم المغرب والعشاء، ثم الظهر، ثم العصر.
قال ابن تيمية رحمه الله:".. فيشرع أن يقنت عند النوازل يدعو للمؤمنين ويدعو على الكفار في الفجر وفي غيرها من الصلوات، وهكذا كان عمر يقنت لما حارب النصارى بدعائه الذي فيه (اللهم العن كفرة أهل الكتاب)" (مجموع الفتاوى 22/270).
وقبل ذلك قال: "وأكثر قنوته - يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - - كان في الفجر" (مجموع الفتاوى 22/269).
وقال ابن القيم: "وكان هديه - صلى الله عليه وسلم - القنوت في النوازل خاصة، وترْكَه عند عدمها، ولم يكن يخصه بالفجر، بل كان أكثر قنوته فيها". (زاد المعاد 1/273).
وأما النوافل فلا يُقنت فيها؛ لعدم ورود ذلك في حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
واختلف العلماء في القنوت في صلاة الجمعةلعدم وروده في الأحاديث:
فقيل: يقنت في الجمعة، واختاره شيخنا ابن عثيمين (في الممتع 4 / 47).
وقيل: أنه لا يقنت، وهو اختيار شيخ الإسلام وابن المنذر، وهو الأظهر والله أعلم؛ لعدم ثبوته عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن صحابته رضي الله عنهم ولو ثبت لنقل إلينا كغيره من الصلوات المفروضة حيث نقلت كلها بلا استثناء، ولذا يكتفي الخطيب بأن يدعو للمسلمين في خطبة الجمعة.
قال ابن عبد البر (في الاستذكار 2/282): "وليس عن أحد من الصحابة أنه قنت الجمعة".
فائدة: حديث أنس " مازال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا " رواه أحمد والبيهقي والدارقطني وغيرهم، وهو حديث ضعيف فيه أبو جعفر الرازي، ضعفه الإمام أحمد وشيخ الإسلام ابن تيمية (في مجموع الفتاوى 3/664)، وابن القيم (في زاد المعاد 1/276) والشوكاني (في نيل الأوطار 1/631) واللجنة الدائمة (7/44) وابن عثيمين (في شرح بلوغ المرام (227) كتاب الصلاة).
ثالثاً: المشروع أن يكون القنوت يسيراً:
فالسنة أن يبتعد عن الإطالة ولا يشق على الناس وأن يهتدي بهدي النبي - صلى الله عليه وسلم - كان دعاؤه كلمات يسيرة كما هو ظاهر الأحاديث السابقة.
ويدل على ذلك: حديث أَنَسٍ - رضي الله عنه - لما سئل: هَلْ قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ؟ قَالَ: "نَعَمْ بَعْدَ الرُّكُوعِ يَسِيرًا " أخرجه مسلم. لأن العبرة بصدق الدعاء، وطهارة قلب صاحبه وعبوديته لله تعالى.
إلا أن يحتاج الإنسان للتطويل اليسير ليُلِحَّ على ربه تعالى لاسيما إذا اشتد الكرب والنازلة بالمسلمين ما لم يكن في ذلك مشقة على المسلمين فلا بأس.
قال شيخنا ابن عثيمين: "الوارد عنه - صلى الله عليه وسلم - في قنوت النوازل أنه قنوت قصير، يدعو لقوم أو يدعو على قوم بدون إطالة، ولكن إذا أطال الإنسان إطالة لا يحصل فيها تعب على المصلين، وكان يرى فيهم الرغبة في هذا، والدعاء لا يتجاوز ما يتعلق بالنازلة، فإن هذا لا بأس به، لأن الإلحاح في الدعاء من الأمور المشروعة، ولم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما أعلم النهي عن إطالة القنوت إلا إذا كان شاقاً على المصلين" [انظر فتاوى نور على الدرب في موقع الشيخ ابن عثيمين].
رابعاً: لا يشترط في القنوت في الصلاة أن تحل النازلة ببلاد المسلمين:
بل يشرع القنوت في النازلة ولو وقعت خارج بلاد المسلمين إن لحق المسلمون منها ضرر أو أذى.
ويدل على ذلك: حديث أبي هريرة _- رضي الله عنه -_ السابق نص في هذا حيث قنت الرسول – - صلى الله عليه وسلم - على أولئك المذكورين من أهل مكة، ومكة آنذاك لا تزال دار كفر.
خامساً: يجوز الدعاء لأشخاص بأعيانهم من المستضعفين المسلمين - إن دعت الحاجة لذلك-:
كما في حديث أبي هريرة- رضي الله عنه - السابق وفيه قال النبي - صلى الله عليه وسلم - (اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ....) الحديث.
وهل يجوز لعن الكافر المعين كما أنه يجوز الدعاء للمسلم المعين المستضعف؟
اختلف أهلالعلم في ذلك على قولين:
القول الأول: أنه لا يجوز لعنه لأن حاله عند الوفاة لا تُعْلَم، واختاره شيخنا ابن عثيمين، وقالوا: ربما يسلم هذا الكافر فيموت مقرباً عند الله فكيف نحكم بكونه ملعوناً وقد قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾ فقد قيَّدت هذه الآية استحقاق اللعنةبالوفاة على الكفر.
وأيضاً نُهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك لما دعا على أشخاص بأعيانهم.
فعنِ ابن عمرَ أنه سمعَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يقول في صلاةِ الفجر - ورفَعَ رأسَه من الركوع - قال: "اللهم ربَّنا ولك الحمد" في الأخيرةِ، ثم قال:" اللهم العَنْ فلاناً وفلاناً "، فأنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: ﴿ لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ ﴾. (آل عمران: 128) رواه البخاري.
القول الثاني: جواز لعن الكافر المعين، وهو مذهب الإمام أحمد. (انظر المغني لابن قدامة 2 / 586).
واستدلوا: بحديث عمرَ بن الخَطاب أن رجلاً كان على عهدِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - كان اسمه عبد الله وكان يُلقبُ حِماراً وكان يُضحكُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - قد جَلدَهُ في الشراب، فأُتيَ به يوماً فأمرَ به فجُلدَ، فقال رجلٌ منَ القوم: اللهمَّ العَنْهُ، ما أكثرَ ما يؤتى به! فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "لا تَلعَنوهُ، فو الله ما علمتُ إلا أنه يحبُّ الله ورسوله". رواه البخاري.
قالوا فدل على أن من لا يحب الله ورسوله يُلعن.
وممن صرح بذلك ابن العربي مستدلاً بجواز لعنه لظاهر حاله ولجواز قتله وقتاله، فقال في أحكام القرآن (1/50): "والصحيح عندي جواز لعنه لظاهر حاله كجواز قتاله وقتله "ا.ه - .
والأظهر والله أعلم: جواز لعنه لاسيما الذين يحاربون المؤمنين ويصدون عن الدين، لورود ذلك عن بعض الصحابة.
وأقوى ما استدل به المانعون هو سبب نزول قوله تعالى: ﴿ لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ ﴾، فإن سبب نزولها مختلف فيه وفيه خمسة أقوال كما ذكر ابن الجوزي (في زاد المسير 1/386). أشهرها قولان: أحدها: ما ذكره أصحاب القول الأول من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لعن رجالاً من المنافقين فأنزل الله هذه الآية كما عند البخاري من حديث ابن عمر، والثاني: ما رواه مسلم من حديث أنس بن مالك، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كُسِرت رباعيته يوم أحد، وشُجَّ في جبهته حتى سال الدم على وجهه، فقال: "كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم، وهو يدعوهم إلى ربهم" فنزلت هذه الآية. وهو قول ابن عباس، والحسن، وقتادة، والربيع.
واختار جواز لعنهم أكثر العلماء من أبرزهم: مالك (انظر الاستذكار لابن عبد البر 5/172)، وأحمد كما سبق، وابن حبان (في صحيحه 5/327)، وابن بطال (في شرحه للبخاري 3/6)، وابن قدامة (في المغني 2/587)، وشيخ الإسلام، وابن القيم (في زاد المعاد 1/272)، والنووي (في المنهاج 5/283) وابن حزم (في المحلى 3/58)، والصنعاني (في سبل السلام 1/255) وغيرهم.
قال ابن حجر (في الفتح 11/ 234): "وحكى ابن بطال أن الدعاء للمشركين ناسخ للدعاء على المشركين ودليله قوله تعالى ﴿ لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْء ﴾. قال: والأكثر على أن لا نسخ، وأن الدعاء على المشركين جائز، وإنما النهي عن ذلك في حق من يرجى تألفهم ودخولهم في الإسلام".
وقال شيخ الإسلام (في مجموع الفتاوى 22/ 270 ، 271): "وهكذا كان عمر – - رضي الله عنه -- يقنت لما حارب النصارى بدعائه الذي فيه: "اللهم العن كفرة أهل الكتاب " إلى آخره، وكذلك علي – - رضي الله عنه -– لما حارب قوماً قنت يدعو عليهم وينبغي للقانت أن يدعو عند كل نازلة بالدعاء المناسب لتلك النازلة، وإذا سمى من يدعو لهم من المؤمنين، ومن يدعو عليهم من الكافرين المحاربين كان ذلك حسناً "
والأفضل أن يقال: أن الدعاء على الكافرين على قسمين:
1. من يحاربون المؤمنين وينتهكون أعراضهم ويستبيحون دمائهم وأرضهم فهؤلاء تجوز لعنتهم وبه قال أكثر العلماء.
2. من لم يقاتلوا المؤمنين ويرجى تألفهم، فهؤلاء لا تجوز لعنتهم، وإنما يدعى لهم بالهداية كما دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - لدوس فقال:
(اللهم اهد دوساً وائت بهم) وبهذا تجتمع الأدلة والله أعلم. (انظر في هذا التقسيم شرح ابن بطال للبخاري 3/7).
يتبع