المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الدكتور/عبدالله الحامد ـ عبر حلقات أربع ـ يستعرض مظاهرالخلل التربوي في الثقافةالعربية


أباالخــــــيل
27-06-03, 02:39 pm
بإيجازيتحدث الحامد عن تصدّع قلاع التربية وأرجعه إلى استبداد الدولة العربية المعاصرة . وخضوع التشكيلات الثقافية للقمع، جعل العقل يستهوي مظاهرالحضارة على مضمونها، فكانت إستجابة التربية لهذه الأجواء الملغومة سريعة عندما أصبحت ولوداً للقطيع، وعقيمة عن حمل الأحرار. وخلص إلى أن الاستبداد خصوصية عربية أم إسلامية.!!!!!!!!!!!!!

إليك التفصيل........
+++++++++++++++++++++++++++++
تصــّدع قلاع التربيــة القمعيّـــة
(1-4)
الدولة العربية المعاصرة قامعة داخليا مقموعة خارجيا

"الاستبداد جرثومة كل فساد"
الكواكبي: في كتاب طبائع الاستبداد

1-الأخطبوط
لم يمررعلى العرب والمسلمين، بعد سقوط الخلافة العثمانية، ماهو أفظع من اليوم.
بل لعله لم يمرر على جيل عربي من مشاعر المرارة؛ مامر على جيلنا اليوم، من تتابع الهزائم والنكبات، وتوالي الإذلال والإهانات، وما يتبعها من مشاعر اليأس والقنوط والإحباط، فلماذا نحن العرب من دون بقية دول العالم؛ تدور بنا عقارب الساعة إلى الوراء؟.
حاولت السلطة العربية الحديثة(في غالبها)؛ أن تنتصر في مجالات ثلاثة: التنمية والعدالة الاجتماعية واستقلال الإرادة( وهمشت الإسلام)، ولكنها لم تنتصر في واحدة منها.
لأنها في الإدارة تبنت نموذج (الإدارة المركزية) أي الأخطبوط، الذي يدس أطرافه الثمانية في كل شيء، لكي يستحوذ عليه. فإذا أمسك شيئا لم يفلته. وكان من الطبيعي أن ينتج الأخطبوط إدارة بطيئة متصلبة أحادية قمعية، تنهش فيها أنياب المحسوبية والرشوة، ويعيث فيها سوس الفساد، والاختلاس من المال العام، وعاشت الدولة في واد، والمجتمع في واد آخر، وكانت الحصيلة الطبيعية؛ مزيدا من الفقر والقسوة والتغريب، وكان فشل التنمية هو كشف الحساب في موسم الحصاد الأول.
وانتهبت السلطة اللقم من أفواه الجائعين،كي تشتري بها سلاح معركة الكرامة، وكممت الأفواه، كي لا يعلو صوت على صوت معركة الكرامة، وأضاعت ما لشعوبها من ثروة، في مظاهر فارغة، وفي شراء أسلحة فاسدة، وأغفلت التخطيط للمستقبل البعيد، وتحدثت عن النصر في فلسطين، والصلاة في المسجد الأقصى، فلم نصل في الأقصى، بل صلت بنا الغطرسة الأمريكية في كل مكان قريب، ولم ننتصر في فلسطين بل ساقنا الهوان إلى الاستسلام لإسرائيل باسم السلام.
الصراع الصهيوني العربي؛ ألهم اليهود مزيدا من الإصرار على الدستور: ضمان حقوق الإنسان والشورى ومؤسسات المجتمع الأهلي، وحرية الرأي والتعبير والتجمع، وفصل السلطات الثلاث. أما السلطة العربية المعاصرة، فأوحى لها الميراث السياسي؛ بأن كرامة الإنسان والأمة تتنازعان، فأجلت كرامة المواطن، ووأدت المجتمع المدني، وفتكت بحقوق الإنسان، من أجل كرامة الوطن والتصدي للعدوان.
فكيف أدرك العقل الإسرائيلي من الدستور؛ مالم يدرك العقل العربي لزعيم كجمال عبد الناصر، وفي أكثر العربيات تحضرا مصر؟. وكانت نتيجة البطولة المستبدة، أن ضاعت الضفة الغربية وسيناء والجولان. وكان ذلك كشف الحساب الثاني في موسم الحصاد الثاني.
وتواصل تحويل المواطن الحر الشريف، إلى مهمش وضيع، وظيفته أن يسمع ويطيع، تسوقه السلطة، كما يسوق الراعي القطيع،ولكن الفارق بينهما:أن الراعي يقود إلى المرعى الخصيب، أماهي فتجر إلى الهوان والجوع.ومكنتها المخترعات الحديثة، وأجهزة الاتصالات، من إحكام السيطرة على المجتمع وابتلاعه، وتفننت في سبل ترعيعه وتركيعه؟.
وكان من الطبيعي أن ينتج القمع أغلبية سادرة لامبالية، وشذاذا متمردين، وتنقل العنف في كل البلدان العربية، وحط رحاله في مصر والجزائر، ومر بكل قطر عربي، وشغل السلطة طويلا، وكان ذالك الحصاد المر،في موسم رابع، لا لبذور التطرف الديني-كمازعموا-، بل هو ثمرة طبيعية، من ثمرات حقول حقول التطرف السياسي:الاستبداد، وكان ذلك كشف حساب الحصاد الثالث.
يفترض أن طريق الوحدة العربية؛ يفضي إلى استرداد الكرامة،،وأن البداية تكون بالشورى، ولكن كلما حاولت دولة أن تتمقرط؛ أعادتها الأخوات الراشدات إلى الخيام.وانشغل الجميع بالصراعات على الحدود، وبالتقاتل والتناحر على النفوذ، وقدمت المصلحة المحلية الصغرى على مصالح الأمة الكبرى،وحاولت الدولة الصغيرة الغنية ؛أن تتقمص شخصية الكبيرة القوية، وسعت الدولة الكبيرة إلى الهيمنة على الصغيرة، فكانت حرب العراق الكويت، وسعت كل دولة صغيرة؛ إلى الاستقواء بالأجنبي، خيفة بطش الكبيرة،فوقعت في داء ملوك الطوائف في الأندلس؛ العياذ من ظلم الأهل بالأجانب.
واكتشف العرب أن قلوبهم وارتباطاتهم شتى، وإن كانت مظاهرهم وجامعتهم واحدة، وأنهم بحاجة إلى الدول الكبرى،(التي تتقمص قناع الأمم المتحدة) من أجل إصلاح ذات البين، ففقدوا الإرادة المستقلة، التي ظلوا يتغنون بها دهورا، وأخيرا ركعوا في المعبد الأمريكي واليهودي. كان الإذلال الخارجي؛ هو فصل الختام في التراجيديا الكسروية الصحراوية،التي خلاصتها: كل سلطة تقمع شعبها، تجد نفسها مقموعة أمام أعدائها في نهاية المطاف، هذه هي النهاية الطبيعية لتلك البداية الشاذة.
وكان ذلك كشف الحساب والحصاد المر، في الموسم الرابع.

2-الاستبداد جرثومة كل فساد:
لماذا كل هذه النتائج الفظيعة؟،رغم أن السلطة العربية، لم تخل من أشخاص وأعمال وأفكار، فيها من الإخلاص والحماسة، والإصلاح شيء غير قليل؟ .
لأن الخلل الجوهري ليس في الأشخاص، ولا في الأعمال ولا في الأفكار، الخلل في منهج الإصلاح، لأن الإصلاح العربي سار عبر طريق الاستبداد، والاستبداد طريق –في سنن الله الاجتماعية الحتمية-لا يؤدي إلا إلى الهاوية،كما قال الكواكبي"الاستبداد جرثومة كل فساد"، الاستبداد كمرض السكري, يفتك بجهاز المناعة, فيخلخل وظائف الأعضاء، ويصل أثره إلى العيون والآذان, كما يصل إلى العظام والأقدام, ويصل في النهاية إلى الكلى والدماغ, كما يصيب الإنسان بالخمول والإعياء.
وقد يتصور من لم يدرك طبيعة الداء؛ أن ثقل السمع كامن في الأذن، وأن غبش البصر كامن في العين، و يتصور أنه يكفي العلاج عند طبيب الآذان أو العيون, فلا يدرك أن هذه مضاعفات الداء, وأن العلاج الأساسي, ينبغي أن يتجه إلى جوهر الداء.
من أجل ذالك ظلت الدولة العربية وليدا لا يكير، أميا لايتعلم، وصحراويا لايتمدين؟ لذلك تولد السلطة العربية قامعة، وتشب قامعة، وتشيب قامعة وتموت أيضا قامعة، لا تبلغ رشدها في أي مرحلة من عمرها.
من أجل ذلك أيضا تتابعت الانقلابات، بين التصحيح وتصحيح التصحيح، والمراجعة ومراجعة المراجعة، والتجديد وتجديد التجديد.وتعددت الانتماءات بين الدولة القومية والاشتراكية، والوطنية والثورية والمحافظة، والإسلامية والعلمانية، وتعددت الولاءات بين الغرب والشرق، وأجمعت الدول الأشتات على الاستبداد.



يتبع.......

أباالخــــــيل
27-06-03, 02:41 pm
تصدع قلاع التربية القمعية ( 2 - 4 ) :
تشكلات الثقافة المقموعة : الحداثي والتراثي
ما يحدث في المشهد السياسي العربي ،ليس ظواهر منعزلة منفردة، لأنه الوجه البارز من أضلاع مثلث الفساد: السياسة والثقافة(التصورات) والأعراف والتقاليد الاجتماعية(التصرفات) ، فقد تبادل السياسي والاجتماعي والثقافي التأثر والتأثير،وانخنق الإنسان، جوف هذا المثلث .

ولذلك نماذج من الأنماط الشائعة: ذلك المثقف الذي قرأ أكثر من ألف بحث وكتاب،ليس فيها ما ينبهه على أهمية المناداة بقيم السمو المدني كالشورى/الدمقراطية وحقوق الإنسان، فضلا عن ذالك المثقف لايدرك أهمية المناداة بالدستور، فضلا عن ذلك الذي كره أن يكون داعية أومناضلا، وذلك المثقف الذي اعتكف في كهوف التراث، يطوف بالأضرحة باحثا عن عيون وكنوز التراث، وذاك الأكاديمي الذي شغلته أبحاث ترقيته عن ترقي المجتمع.
وذاك الشاعر الضليل الذي صف الكلمات المتقاطعة، شعرا غامضا زعمه حرا،من شعر مابعد الحداثة، ونسي أن حرية الشعر مضمون قبل أن تكون لفظا، وأن مجتمعاتنا جوعى إلى الحداثة السياسية، ولم تصل بها التخمة إلى البحث عن مابعد الحداثة الأدبية.وذو البرج العاجي الذي فضل الانعزال، كي لا يلوث (الرعاع) ذهنه، ويقطعوا عليه سلاسل(أغلال) إلهامه وأفكاره. وذالك الأديب الذي قطِِع علائق الإبداع بالمجتمع، واعتبر الرسالة الاجتماعية في الفن والأدب وعظا حقيرا.
من تجليات الذهن المقهور؛ رواج أدب الرمز والغموض، فكان أفضل إبداعنا قصصا وروايات،وصارت كليلة ودمنة؛ نموذجنا في البلاغة والبلاغ، حتى امتطاها من لم يتمرسوا بفنها، كي يريحوا ضمائرهم، من دون دفع ثمن الوضوح.
كيف تتقدم مجتمعات يمشي مثقفوها لواذا، ويهمسون عبر كواليس الرمز والغموض؟، وكل منهم يأخذ فتوى الشاعر الرصافي على محمل الجد، ويردد في سريرته :
يا قوم لا تتكلموا إن الكلام محرم
موج السياسة فاتركوا أبدا وإن لا تندموا
لا يستحق كرامة إلا الأصم الأبكم
إن قيل إن بلادكم يا قوم سوف تقسم
فتحمدوا وتشكروا وترنحوا وترنموا
هذا نمط من المثقفين

2-التراثيون القابعون:
وثمة نمط آخر من تجليات الذهن المقموع، إنهم التراثيون القابعون، الذين اجتروا التراث الماضي، دون أن يشعروا بآفاته، وأغفلوا أن الفكرالديني الشائع-في صيغته العباسية-(الإسلام العباسي) يهمش القيم المدنية،وأن هذا التهميش عاهة خَلْقية، منذ حملت به أمه الأموية وولَدته قابلته العباسية، إذ لم يتح له جو الحرية،لكي يوَصِِف الإسلام كما تنزل، فوصََفه كما تأول وتشكل، فلما أخطأ في التوصيف والتعريف أخطأ التفريع، رغم أن رموزه الذين كتبوه من سلفنا العباسي الصالح-رحمنا الله وإياهم-، لكنهم عاشوا في مناخ كسروي صحراوي كاتم غير صالح،فوصََفوا الدين توصيفا مختلا،-وهم لايشعرون.
وعندما جاء العصر الحديث وظهرت المطابع؛استفاد التراثيون المقموعون؛ من المطابع والوسائل الحديثة، وأمعنوا في إعادة إنتاج الصياغة العباسية(الإسلام العباسي)، وزادهم احتماءا بها الخوف على الملة من الضغط الحضاري الهائل، وهو خوف مشروع، لكنه دفعهم إلى تصرفات غير مشروعة، فأقاموا بنيان سد الذرائع، وهو سد ألجأ الأمة بعد سقوطه إلى نفق الضرائر.
وارتاحت السلطة العربية؛ إلى هذا التدين الأليف، الذي علمه كسرى مالم يعلم: وهو أنه لاسياسة في الدين،ولا دين في السياسة، فشجعته-عندما قمعت حركات الإسلام السياسي كالإخوان المسلمين-، لأنه لا يصدع استبدادها وفسادها؛ بنقد أو احتجاج ذي بال، فلا يركز على فرائض الإسلام في العدالة الاجتماعية، ولا في حفظ المال العام،ولا في الإدارة، فضلا عن الحرية والكرامة.
مكتفيا عن الجهاد المدني وقول كلمة الحق أمام السلطان الجائر بالدعاء له،-كما صرحت بعض كتب العقيدة المعتبرة من أمهات كتب السلف العباسي الصالح -،أو بالدعاء عليه في القنوت بسلاح الأسحار، حيث يخبئ القانت ظلام الليل عن عيون النهار، ويكفي أن يقال: (ربنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا، ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا)، وبذلك ينسدل الستار، وكلام الليل يحيق به عمل النهار.
وكدأب أي عقل مقموع، لم تثمن التيارات السلفية المترهبنة القيم المدنية، فلم تستطع أن تبني على أفكار شيخ الإسلام الإمام ابن خلدون الذي قدم أفكارا مبتكرة، في أسباب شيخوخة الحضارة الإسلامية،مشخصا المرض الصحراوي، ولا شيخ الإسلام الإمام المجدد الشاطبي، الذي قدم أساسا صالحا لبناء القيم المدنية.
وبدلا من أن يبني السلفيون مرجعية إسلامية، لمنظومة المجتمع المدني، كالشورى/الدمقراطية،وحقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني، حاربوا فكرة الدستور، وفكرة الدمقراطية، وفكرة الفصل بين السلطات، وفكرة سلطة الأمة، وفكرة المواطنة. لأنهم حكموا على أشياء لم يعرفوا كنهها، لم يعرفوا الموضوعات والعلوم والوقائع، التي يطبقون نصوص الشريعة عليها،لكي يحسنوا الحكم عليها قبولا ورفضا، فكان الموقف الخاطيء من عديد من المستجدات؛ نتيجة خلل في تطبيق قاعدة "تحقيق المناط"،حسب مصطلح أصول الفقه.

2- العقل المقموع يقدم مظاهر الحضارة على المضمون: :
حداثتنا كمحافظتنا-إذن- كلتاهما دلفين أليف، من تجليات الذهن القموع، في جوف المثلث السياسي الثقافي الاجتماعي،والعقل المقهور يحسن الامتصاص والنقل، ويجيد النسخ والتقليد والتجميع كالنمل، ولكنه لايحسن الفرز والاختيار والتركيب كالنحل. وجهان اثنان لروح واحدة مقموعة:وجه يقلد الغرب وآخر يقلد التراث،محافظة انكماش، مقابل حداثة انبهار.
ولذلك لم يستطع العقل العربي عندما وقف أمام الحضارة الغربية، أن يفرز مافيها من مناسب وغير منسب، ولاما فيها من جوهري وثانوي، فأنتجنا سلما تربويا مختلا ممسوخا، يتم ترويجه حسب عقلية الوسط الاجتماعي، فهو في بلدان روح الوطنية، وفي أخرى روح القومية، وفي ثالثة روح الإسلام، وهو في الحقيقة روح كسروية وصحراوية، مذرور عليها مقبلات من شذرات علمانبة أو إسلامية.
سبقنا الصين واليابان والروس في الاحتكاك بالحضارة الغربية، ولكننا أخفقنا في ما نجحت فيه، لأن تلك الأمم آثرت ترجمة العلوم التقنية التطبيقية وأسسها البحتة، وطوعتها لتربتها الخاصة.
أما نحن فأردنا أن نصبح قطعة من أوربا، بخيرها وشرها، كما دعا طه حسين، وكما فعل أتاتورك والخديوي إسماعيل. فكانت أغلب مترجماتنا في الأدب والقصص والمسرحيات، فقدمنا الملاعب والملاهي، على المصانع والمخترعات، واهتممنا بأنواع الأطعمة والمشروبات، والمركبات والسيارات، والرياش والملبوسات، وأنواع الترف والترفيه،ونشرنا في مجتمعاتنا الفواحش والمنكرات.



يتبع.......

أباالخــــــيل
27-06-03, 02:42 pm
أما آن أن نعلن: انهيار نظامنا التربوي؟ ( 3 - 4 )
1-التربية القمعية تنتج القطيع لاالأحرار:
هل كان السبب الجوهري لانهيارنا أمام الغرب ولا سيما قاعدة تواجده أمامنا إسرائيل، عسكريا أم اقتصاديا أم تقنيا؟، وهل كان سببه الأول خارجيا؟، أم أنه أخطر من ذلك كله؛ إنه داخلي ولم يكن الاقتصاد ولا التقنية إلا مظهرا، أما الجوهر فهو تربوي إنه نظام التربية القمعي،. وإنما كان الفشل العسكري والإداري والتقني من نتائج الانهيارالتربوي الكبير،أومن مظاهره أومن مضاعفاته. كان ذلك طبيعيا، فالعقل الكسروي الصحراوي؛ غير مؤهل لإنتاج غير ذلك .

أهم كوارث السلطة العربيةالحديثة؛ هو مواصلة إفساد التربية الاجتماعية؛ أجل لم تكن البلدان بلا مدارس، ولكن المدارس كانت بلا تربية،لأن نظام التربية القمعي؛ لاينتج أجيالا سليمة.

المدارس تنتج أجيالا مقموعة، وذلك شر أنواع التربية الاجتماعية. الحقيقة التي لايريد حاكم مواجهتها:أن أكبر إنجاز السلطة العربية-شعرت أم لم تشعر- أنها حطمت إرادة شعوبها بأجهزة المباحث والمخابرات، وعندما تتحطم الإرادة يتحطم العقل والوجدان، عندها يستخدم العقل والذكاء في تدمير الذات.

2-المستبد العادل أي نحن بلاثقافة سياسية:

ليس من المنطقي أن تعتبر الدولة العربية بذرة منبتة، ليس لها من جذور، أو فاسدة في مجتمع صالح ، فالدولة هي رأس المجتمع، ولا يمكن أن يكون الجسد من فصيلة الملائكة الصالحين، ورأسه من فصيلة الشياطين الفاسدين.

أول علامة على فساد جسد أي أمة، هي عدم اهتمام الأفراد بالدفاع عن مصالح الأمة العامة العظمى، وما يحتاجه الدفاع من إيثار المصلحة العامة على الخاصة، والتضحية بحظوظ النفوس العاجلة، فصلاح الأمة ليس الصلاح الروحي الفردي القاصرالساكن، الذي رسخ في أذهاننا، منذ اختلال ثقافتنا. إن أكبر فساد في التربية الاجتماعية؛ أن لايدرك الفرد أن الصلاح في العقيدة شطران: صلاح روحي وصلاح مدني .

لم يتجذر قيم الصلاح المدني والآليات التعاونية والشورية ؛في فكرنا التراثي الذي صيغ بعد الراشدين، لا في حقوق الإنسان،ولا في الشوراطية، فضلا عن هياكل مؤسسات المجتمع الأهلي.

ولم يكن لنا ثقافة سياسية ناضجة،لم يكون مفهوم الدولة الدستورية واضحا، في فكرنا الديني، فضلا عن أن يكون واضحا في سلوكنا السياسي، لم يكن منهج الإصلاح متبلورا، حتى عند عدد من مفكري النهضة، كجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده،-على مالهما من فضل سابق-، فقد ناديا بنظرية "المستبد العادل"، متأثرين بتراث ضخم يمجد المستبدين. وكيف للمستبد أن يعدل؟، والعدل مرتبط بالشورى، ولذلك أوجبها الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، في صريح القرآن؟.

إن من المخاطرة السياسية، أن تساق الأمة بالعصا، إلىأفكار يعتقد أصحابها أنها صحيحة أو مناسبة أو متقدمة، أو أنها عدل ورحمة، لمجرد أنهم يملكون الصولجان.

3-الاستبداد خصوصية عربية أم إسلامية؟

انجلت الدكتاتورية من أكثر البلدان، حتى الزنوج في أفريقيا عرفوا طريق الحياة،ووعوا أن الدولة لاتكون دون عدالة، وأن العدالة لاتكون دون شورى، وأن الشورى لاتكون دون دستور، فأقاموا الدمقراطية ومؤسسات المجتمع الأهلي وحقوق الإنسان،فلماذا ظلت للسلطة العربية خصوصيتها(الاستبداد)؟.

لأن للاستبداد جذورا متينة ضاربة في أعماق الدماغ ، في جينات الوراثة التربوية القديمة، امتصتها الثقافة المجتمعية السائدة، وجسدتها ونمتها السلطة العربية الحاضرة.

فهل الإسلام(في تطبيقه النبوي والراشدي) منتج لهذا الوباء؟ لقد تحررت من وباء الاستبداد أمم إسلامية أخرى، كإيران وماليزيا وأخيرا أندنوسيا، وهذا دليل على أن الاستبداد خصوصية عربية، لم ينتجها الإسلام.

إنه تراثنا الذي تحول دوره من معين إلى معيق،لأن الدولة العربية القامعة؛ بنيت على تراث(عربي) قمعي ضخم أخطبوطي، ماثل في ذاكرتها وذاكرة المجتمع منذ العصر الأموي، شاعت فيه العلاقات الرأسية، حيث يرتب الناس درجات ودركات، فتدمرت العلاقات الأفقية،التي هي مظهر (المساواة). صارت إرادة الأمة العامة سجينة إرادة النخبة الخاصة،الأصل في بناء الهرم أن يبدأ بالأساس الأدنى إلى الأعلى، أي أن يكون الأدنى هو أساس مشروعية الأعلى، فصار البناء منكوسا،يبدأ من الأعلى إلى الأدنى، فصار الأدنى رهينة الأعلى.

تراثنا مليء بتمجيد المستبدين، والتركيز على بطولة الأفراد،واختزال القبيلة بزعيمها، والطائفة الدينية بشيخها، واختزال الدولة بالإمام،واختزال انتصارات الأمم وهزائمها بأشخاص،واختزال صلاح الوزارة بالوزير، وصلاح المدرسة بالمدير.

من أجل ذلك تمسكت السلطة بالاستبداد، وأمعن الرأي العام في الانقياد، لأن هذا التراث عميق الجذور، في أعراف الآباء والأجداد.

فهل آن أوان إعلان سقوط حصون التربية القمعية؟،وهل آن للسلطة العربية أن تدرك أوهام العقل السياسي الكسروي الصحراوي، لكي تدرك أنه لاصلاح للعباد ولا للبلاد، إلا بماجربته الأمم في كل الملل والنحل والأقوام والأجناس واللغات والبلاد: ثلاثية الدستور: ضمان حقوق المواطنين، والشورى /الدمقراطية، والفصل بين السلطات الثلاث.


يتبع......

أباالخــــــيل
27-06-03, 02:45 pm
المرض الصحراوي الكسروي ومضاعفاته (4-4)
منذ أمد بعيد تداخل في فكرنا السياسي والاجتماعي والديني مرضان:كسرى والصحراء، فتأثر بهذين الوباءين؛ فكرنا العربي عامة والديني خاصة، وسلوكنا الاجتماعي عامة والسياسي خاصة.
من أجل ذلك جاءت الدولة العربية الحديثة، على مظاهر حداثتها الشكلية؛ تجسد في مضمونها، النموذج السلفي العباسي؛ حيث يبدو (ولي الأمر/الحاكم المطلق) الحديث، تحت أسماء ونعوت خداعة، وهو في حقيقته قد تقمص صورة(ولي الأمر/المطلق) العباسي،فقبض براحته على أعنة السلطات الثلاث، وغاصت حداثته في أعماق التراث، فصار مهيمنا ملهما لاينطق إلا بالحكمة والصواب، وصرنا نجري خلفه في بلاهة ودروشة، ونسمي باسمه الطيب الأولاد والأحفاد.

وولي الأمر العباسي/المطلق؛ هو نتيجة تفاعل المرضين الصحراوي والكسروي، ففيه من المرض الصحراوي:الكرم الشخصي حتى الإسراف، والشجاعة المجردة من عقلانية الوسائل والأهداف، والعزوف عن طابع الحاضرة، ومافيها من قيم اقتصادية وزراعية وصناعية، وقيم عملية حرفية، والجهل الإداري والقانوني والسياسي، ، وتقديم فصاحة الأقوال على فصاحة الأفعال، والنظر إلى الحكومةعلى أنها عشيرة، لها من الحقوق ماليس للعشائر الأخرى، أي تقديم الروابط العائلية على الوطنية.

وهذه القيم أنتجت سياسة صحراوية، عليها مسحة حداثية، يمكن تسميتها الحداثة السياسية البدوية، كما أنتجت فكرا دينيا صحراويا، يمكن تسميته »الفقه الصحراوي«، الذي سماه الشيخ الغزالي:الفقه البدوي، ومظاهره أخطر من ما أشار إليه الغزالي: إنها في تبرير انتهاب ولي الأمر السلطات الثلاث، قياسا له على النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين المهديين المنتخبين، الذي كانوا قمة العدل والإنصاف والمشاورة، في طور تكوين الدولة.

وفي ولي الأمر أيضا نفحة كسروية.وللمرض الكسروي حكاية، ولكل حكاية بداية، البداية أموية، فالعباءة الأموية والعباسية، استدعى نسيجها كل ما انتج الأكاسرة، من خيوط استبداد واستفراد، وكل مالكسرى من دعاوى التفرد بالإلهام، وعدم حاجته إلا إلى شورى معْلِمة، هذا إن احتاج .

وورث الأمويون كل مالكسرى من قمع وتعذيب، وعنف جسدي ومعنوي، وحكم بالحديد والنار، وطور العباسيون فنون التنكيل بالخصوم، حتى وصلوا بها إلى الغاية، وورثهم الحكم التركي محافظا على هذا التراث.
ولم تستطع الدولة العربية ترك الانتماء إلى هذا التراث، ولو كان خصوصية الاستبداد، ولذلك ظل الوباء الكسروي والصحراوي يتزاوجان، وينتجان النموذج السياسي العربي، الذي تناسخت روحه عبر الأجيال، من الأجداد إلى الأحفاد.

منذ عهد قديم استطاع المرض الكسروي الصحراوي، أن يتداخلا في بصمة ثقافية واحدة. أفضل ما في خيام الصحراء: هي الفصاحة، صارت أَمَة في بلاط كسرى، موظفة تخدم شر مافي مدائن كسرى: الاستبداد، فكانت قصيدة المديح الشحاذة؛ أكثر وأروع ما في شعرنا القديم.

وهذا هو الرصيد الذي لابد لأي شاعر أو كاتب من استيعابه، وبقدر ما يلهم هذا الرصيد البلاغة، أصابنا بالمرض الصحراوي الكسروي،بالسلبية واللامبالاة والانقياد، فقدمنا حظوظ الذات على مصالح الأمة العظمى، فكان التيار الغالب في الثقافة العربية القديمة المعاصرة؛في إمعيته ومجاراته وتقليده وبلادته؛ من تجليات الذهن المقموع.

المرض الصحراوي أضمر العقل فلم يثمن الناس التقنية والصنائع،والمرض الكسروي وأد العدل، فخاف أهل الدين والفضل،الخوف من كسرى، كان خوفا ظاهرا محسوسا،أحس به العقل الظاهر، أما السلوك والأفكار؛ فهما حركة اشترك في إنتاجها العقلان: الظاهر والباطن،- أي شاعرين أو غير شاعرين-، كي لا يصطدموا بالسقف الكسروي والصحراوي القامع، الذي أقلم كل النفوس، وحجم كل الرؤوس.

فصاغوا العقيدة والتفسير والفقه والوعظ، صياغة محبطة خائفة، أهملت وهمشت أصولا من أصول الدين مدنية دنيوية عملية ،على هامش الروحية الأخروية والنظرية. وأغفلوا ما ينبني على قولهم:إن الدين إنما جاء لمصالح العباد في الدنيا والآخرة معا، من عناية بمصالح العباد الدنيوية، تلك التي لايمكن السعي إلى مصالح الآخرة من دونها.

فأمعنوا في التركيز على الغيبيات، فطاشت كفة القيم المدنية، كالحرية والعدالة والكرامة والمساواة، والتفكير العملي والتقني الفعال.

من أجل ذلك صاغوا الفقه السياسي والقانون الدستوري ؛ صياغة غريبة عن نصوص الشريعة الكلية القطعية، وأخلوا بأبجديات علم الاجتماع السياسي، التي يعرفها أي دارس مبتدئ في علم السياسة اليوم. ثم دسوا اجتهاداتهم في العقيدة، فأوحى ذلك للناس أن توصيفهم مسألة إجماع، علي محكم الشريعة المطهرة، غفر الله لنا ولهم.

ثم دفعهم الخوف من تماس الأجناس والثقافات، وكثرة فرق الابتداع والضلال، إلى بناء الفكر وفق مواصفات القلعة المحاصرة. فانحصرت فرائض الدين في العبادات، وهمشت فرائضه في إقامة حياة الأمة والملة، أفرادا ومجتمعات ودولة. وتكرس الانشغال بثانويات الدين العبادية، وتهميش مصالح الدنيا على متن مصالح الآخرة.

فانحصرت فرائض الدين في العبادات الروحية، وهمشت فرائضه المدنية، في إقامة حياة الأمة والملة، أفرادا ومجتمعات ودولة. وتكرس الانشغال بثانويات الدين الروحية، وتقديمها على الفرائض المدنية وتهميش مصالحه الدنيوية، على متن مصالح الآخرة.

وأسهم الجميع-من حيث لايشعرون- في قمع الحرية وروح التسامح، وعدت كل فرقة مذهبها قلعة محكمة السياج، فتكافر الناس في اجتهادات ظنية، وتمزق السلام الاجتماعي،فمهدوا-من حيث لايحتسبون-لظهور دولة الجغرافيا المذهبية. وهمشت العدالة الاجتماعية باسم درء الفتنة، فمهدوا من حيث لايدركون لسقوط حضارتنا أمام الغزو الهمجي التتري والصليبي. وانطرد الفكر التقني والعملي والعقلاني باسم الحفاظ على السنة،فمهدوا من حيث لايحتسبون لسقوط حضارتنا أمام حضارة الغرب.

وجاءت أجيال من بعدهم فاعتبرت توصيفهم هو الإسلام الذي لايزيغ عنه إلا هالك، وقررت أنه لايجوز النظر إلى الكتاب والسنة، إلا بعيون السلف العباسي الصالح،فوضعت سدا منيعا أمام كل من يحاول إعادة الصلاح المدني إلى حضن العقيدة.

وكان هذا عرَضا ثقافيا للمرضين الصحراوي الكسروي، ونمطا من أنماط تشكلات الشخصية المقهورة، وتكرس ذلك في خطاب عديد من الحركات الإسلامية، فلم تثر المكتبة العربية بالكتابة عن شطر العقيدة المدني، وما تقوم عليه سلامة أمة الملة، أفرادا ومجتمعات ودولة، ولا سيما المسألة الدستورية، ولم يؤصلوا نظرياتها تأصيلا كافيا، ولم يروجوا خطابا إسلاميا كافيا، فيثبتوا للناس مافي الإسلام من عدل ورحمة وكرامة، وغلبهم التيار السلفي القابع، الذي ضخم الجانب الروحي على حساب المدني.



http://www.mohawer.com/forum/printthread.php?s=&threadid=1195

_________________________________________


للجميع فائق تحيّاتي...