عبد الله من قحطان
17-09-11, 12:43 pm
تعقيب الشيخ علي أبابطين على وزير تركيا قرأته في أحد المنتديات يسعدني المشاركة به
بسم الله الرحمن الرحيم
لا ديمقراطية في الإسلام ولا إسلام في الدمقراطية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ المبلغ الأمين، وعلى آله وصحابته أجمعين، وبعد:
قرأت ما نشره موقع ( لجينيات ) بتاريخ 18 / 10 من تصريحٍ لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان حول الديمقراطية الغربية الملحدة، وهذا نصُّه:" الإسلام والديمقراطية لا يتعارضان، وأنَّ نجاح العملية الانتخابية في تونس سيؤكد للعالم أن الديمقراطية والإسلام يمكن أن يسيرا معا". وقال إيضاً: إنَّ تركيا دولة ديمقراطية علمانية، حيث تحظى جميع الأديان بالمكانة نفسها، فالمسلم والمسيحي واليهودي متساوون في دولة علمانية". ا هـ المقصود من كلامه. وأقول:
لا أظن المسلم يجهل أنّ الدعوة لتطبيق الديمقراطية في بلاد أهل الإسلام، هي دعوة أعدائنا لإقرار مناهجهم في بلاد المسلمين تحت شعاراتهم البرّاقة، وأعلامهم الجذّابة، وعناوينهم الأخّاذة، ومصطلحاتهم الموهمة، تارة باسم ديمقراطية الشعوب، وتارة باسم مدنيّة المجتمعات، وتارة باسم حرية الأفكار والآراء، وغير ذلك مما تفطّن له عقلاء الأُمة وناصحوها، فأقلق ذلك مضاجعهم، وأثار غيرتهم، ولاسيما أنّهم أبصروا في تلك الدعوات والنداءات نتحية للدين عن الدنيا لتكون السيادة للشعب لا للشرع، والحكم بين العباد بالأهواء والرغبات؛ لتمييع عقيدة المسلمين ومسخ دينهم وتفريق كلمتهم وزرع العداوة والضغائن بينهم، وإحياء الجاهلية الأولى التي أنقذهم الله منها، وحذّرهم من النكوص على أعقابهم إليها غاية التحذير بقوله: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم}.
قال ابن كثير رحمه الله: وهذا السياق في شأن الأوس والخزرج، فإنّه كانت بينهم حروب كثيرة في الجاهلية وعداوة شديدة وضغائن وإحنٌ وذحولٌ طال بسببها قتالهم والوقائع بينهم، فلما جاء الله بالإسلام فدخل فيه من دخل منهم، فصاروا إخواناً متحابين بجلال الله متواصلين في ذات الله، متعاونين على البر والتقوى ... إلى أن قال: وكانوا على شفا حفرة من النار بسبب كفرهم فأنقذهم الله منها بأن هداهم للإيمان" ا هـ كلامه رحمه الله.
فعلم العقلاء والناصحون أنّ تلك النداءات والدعوات للديمقراطية والحرية معارِضةٌ - في عاجل أمرها أو آجله - لنصوص الكتاب والسُّنّة؛ لأنّ الديمقراطية والحرية بمفهومها الغربي تعني حكم الشعب أو سيادة الأُمّة، أي: إنّ الشعب هو صاحب السيادة في التشريع والتنفيذ والقضاء، فهو المرجع الأعلى في كل شؤون الحياة، له الحرية في تبنِّي ما يشاء من عقائد وأفكار وآراء ومناهج، حتى ولو كانت معارضة للشرع.
فالديمقراطية والحرية بهذا المفهوم نظامٌ منبثقٌ من المبدأ الرأسمالي القائم على عزل الدين عن الحياة، بل: هي حكم الجاهلية الطاغوتي، وشركٌ في الطاعة المنافي لتوحيدي الربوبية والألوهية معًا، قال الله جل وعلا عن اليهود والنصارى لما جعلوا أحبارهم ورهبانهم سادة يُحِلُّون لهم ما حرَّم الله، ويُحرِّمون عليهم ما أحلَّ الله، قال: ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلاَّ ليعبدوا إلها واحدًا... ) الآية، فلما سئل عنها النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنهم كانوا إذا أحلُّوا لهم شيئًا استحلوه، وإذا حرَّموا عليهم شيئًا حرَّموه ) أخرجه الترمذي وغيره من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه.
قال الشيخ العلامة عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله: في الحديث دليلٌ على أنَّ طاعة الرهبان والأحبار في معصية الله عبادة لهم من دون الله" ا هـ كلامه.
فالمعلوم قطعاً من نصوص الشريعة أنّ السيادة في الدولة الإسلامية للشرع لا للشعب، فشَرْعُ الله سبحانه هو صاحب السيادة، والله جلّ وعلا هو الآمر لعباده الحاكم بينهم بشرعه، قال سبحانه: {أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} وقال {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ} وقال سبحانه {لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}.
ولهذا شرع سبحانه إقامة الولاية ، وجعل قيامها على الناس فرضًا من فروض الدين، وقد حكى الإجماع على فرضيتها الإمام ابن حزم والحافظ أبو الحسن ابن القطان وغيرهما. قال أبو الحسن الماوردي في الأحكام السلطانية: الإمامة موضوعةٌ لخلافة النبوَّة في حراسة الدين وسياسة الدنيا"، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع فتاواه: ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين، بل: لا قيم للدين والدنيا إلا بها".
وأوجب في المقابل على الرعيّة للولاة السمع والطاعة بالمعروف، في نصوص كثيرة متضافرة يضيق المقام عن استقصائها؛ كل ذلك لإقامة شرعه سبحانه وتنفيذ حكمه وأمره، وإظهار شعائره.
وفي المقابل نجده سبحانه يحذر نبيّه صلى الله عليه وسلم أعداءه وأهواءهم في الحكم والتشريع غاية التحذير لئلا يفتنوه عما أنزل عليه، ويأمره بما هو خير له في العاجل والآجل: وهو: حكمه العدل وشرعه الحق، فقال سبحانه: {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ}، وقال: {فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ}وقال {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئًا وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمِ يُوقِنُونَ}.
فصدق الله في علاه، ما أنزل على عباده هو الهدى والرحمة، وما قاله هو الصدق، وما حكم به هو العدل، قال سبحانه: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً}، وقال: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً}، وقال: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ}.
أما الديمقراطية وغيرها ممن ألبسها الأعداء لباس الرحمة، وفي باطنها العذاب، فهي الظلم والجور والضلال، فليست هي أو غيرها من أنظمة البشر حلاً لمشاكل الأُمّة، وإصلاح حالها، ورفع ظلم الأعداء الواقع عليها، وإنما الحل والعلاج الحقيقي، فهو تطبيق شرع الله وحكمه بين عباده، بهذا أمر الله العباد ليسود بينهم العدل ويرتفع عنهم الظلم، ويعم بينهم الأمن وينتشر بينهم الخير، وتتنزّل عليهم البركات، ويندفع عنهم شر الأعداء.
وإنّنا لنأسف أشد الأسف حين نرى بعض إخواننا المسلمين - هداهم الله - ممن انبهر بثقافة الغرب ينادي بحريتهم وديمقراطيتهم - جهلاً بحقيقتها - يريد تسويغها في الإسلام، ليكون - في نظره - إسلاماً ديمقراطياً ليبرالياً متحضراً، وربما وصف من خالفه بالجمود وقصور الفهم والتخلُّف عن ركب الحضارة، وأقول: لا ديمقراطية في الإسلام، ولا إسلام في الديمقراطية، فهما متناقضان، وبينهما من البون ما بين المشرق والمغرب، فالإسلام دين إلهي قائم على العبودية والخضوع لله والانقياد لأمره، والاستسلام له بتوحيده والتسليم لحكمه وقضائه، قال سبحانه {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}وقال سبحانه {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا}
أما الديمقراطية فهي منهج وضعي قائم على مبدأ السيادة للشعب والحرية المطلقة للفرد، فكيف يجتمعان؟ فمتى ما أردنا تطبيق الديمقراطية بمفهومها الغربي، فإنّنا ننسخ الإسلام، ونحلها محله، وحاشا من استسلم وانقاد لله وكانت حياته ومماته له سبحانه، وتحاكم إلى شرعه أن يرضى بهذا، لأنّه يعلم يقيناً أن لا عزّ ولا رفعة له، ولا منعة له من الأعداء إلاّ بهذا الانقياد والاستسلام، والتحاكم إليه سبحانه، قال الله تعالى {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا}
أسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته أن يكفي الإسلام وأهله شر الأعداء، وأن يرد كيدهم في نحورهم، وأن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.
كتبه: علي بن فهد بن عبد الله أبا بطين
في 18 / 10 / 1432 هـ
المدينة النبوية
بسم الله الرحمن الرحيم
لا ديمقراطية في الإسلام ولا إسلام في الدمقراطية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ المبلغ الأمين، وعلى آله وصحابته أجمعين، وبعد:
قرأت ما نشره موقع ( لجينيات ) بتاريخ 18 / 10 من تصريحٍ لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان حول الديمقراطية الغربية الملحدة، وهذا نصُّه:" الإسلام والديمقراطية لا يتعارضان، وأنَّ نجاح العملية الانتخابية في تونس سيؤكد للعالم أن الديمقراطية والإسلام يمكن أن يسيرا معا". وقال إيضاً: إنَّ تركيا دولة ديمقراطية علمانية، حيث تحظى جميع الأديان بالمكانة نفسها، فالمسلم والمسيحي واليهودي متساوون في دولة علمانية". ا هـ المقصود من كلامه. وأقول:
لا أظن المسلم يجهل أنّ الدعوة لتطبيق الديمقراطية في بلاد أهل الإسلام، هي دعوة أعدائنا لإقرار مناهجهم في بلاد المسلمين تحت شعاراتهم البرّاقة، وأعلامهم الجذّابة، وعناوينهم الأخّاذة، ومصطلحاتهم الموهمة، تارة باسم ديمقراطية الشعوب، وتارة باسم مدنيّة المجتمعات، وتارة باسم حرية الأفكار والآراء، وغير ذلك مما تفطّن له عقلاء الأُمة وناصحوها، فأقلق ذلك مضاجعهم، وأثار غيرتهم، ولاسيما أنّهم أبصروا في تلك الدعوات والنداءات نتحية للدين عن الدنيا لتكون السيادة للشعب لا للشرع، والحكم بين العباد بالأهواء والرغبات؛ لتمييع عقيدة المسلمين ومسخ دينهم وتفريق كلمتهم وزرع العداوة والضغائن بينهم، وإحياء الجاهلية الأولى التي أنقذهم الله منها، وحذّرهم من النكوص على أعقابهم إليها غاية التحذير بقوله: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم}.
قال ابن كثير رحمه الله: وهذا السياق في شأن الأوس والخزرج، فإنّه كانت بينهم حروب كثيرة في الجاهلية وعداوة شديدة وضغائن وإحنٌ وذحولٌ طال بسببها قتالهم والوقائع بينهم، فلما جاء الله بالإسلام فدخل فيه من دخل منهم، فصاروا إخواناً متحابين بجلال الله متواصلين في ذات الله، متعاونين على البر والتقوى ... إلى أن قال: وكانوا على شفا حفرة من النار بسبب كفرهم فأنقذهم الله منها بأن هداهم للإيمان" ا هـ كلامه رحمه الله.
فعلم العقلاء والناصحون أنّ تلك النداءات والدعوات للديمقراطية والحرية معارِضةٌ - في عاجل أمرها أو آجله - لنصوص الكتاب والسُّنّة؛ لأنّ الديمقراطية والحرية بمفهومها الغربي تعني حكم الشعب أو سيادة الأُمّة، أي: إنّ الشعب هو صاحب السيادة في التشريع والتنفيذ والقضاء، فهو المرجع الأعلى في كل شؤون الحياة، له الحرية في تبنِّي ما يشاء من عقائد وأفكار وآراء ومناهج، حتى ولو كانت معارضة للشرع.
فالديمقراطية والحرية بهذا المفهوم نظامٌ منبثقٌ من المبدأ الرأسمالي القائم على عزل الدين عن الحياة، بل: هي حكم الجاهلية الطاغوتي، وشركٌ في الطاعة المنافي لتوحيدي الربوبية والألوهية معًا، قال الله جل وعلا عن اليهود والنصارى لما جعلوا أحبارهم ورهبانهم سادة يُحِلُّون لهم ما حرَّم الله، ويُحرِّمون عليهم ما أحلَّ الله، قال: ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلاَّ ليعبدوا إلها واحدًا... ) الآية، فلما سئل عنها النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنهم كانوا إذا أحلُّوا لهم شيئًا استحلوه، وإذا حرَّموا عليهم شيئًا حرَّموه ) أخرجه الترمذي وغيره من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه.
قال الشيخ العلامة عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله: في الحديث دليلٌ على أنَّ طاعة الرهبان والأحبار في معصية الله عبادة لهم من دون الله" ا هـ كلامه.
فالمعلوم قطعاً من نصوص الشريعة أنّ السيادة في الدولة الإسلامية للشرع لا للشعب، فشَرْعُ الله سبحانه هو صاحب السيادة، والله جلّ وعلا هو الآمر لعباده الحاكم بينهم بشرعه، قال سبحانه: {أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} وقال {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ} وقال سبحانه {لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}.
ولهذا شرع سبحانه إقامة الولاية ، وجعل قيامها على الناس فرضًا من فروض الدين، وقد حكى الإجماع على فرضيتها الإمام ابن حزم والحافظ أبو الحسن ابن القطان وغيرهما. قال أبو الحسن الماوردي في الأحكام السلطانية: الإمامة موضوعةٌ لخلافة النبوَّة في حراسة الدين وسياسة الدنيا"، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع فتاواه: ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين، بل: لا قيم للدين والدنيا إلا بها".
وأوجب في المقابل على الرعيّة للولاة السمع والطاعة بالمعروف، في نصوص كثيرة متضافرة يضيق المقام عن استقصائها؛ كل ذلك لإقامة شرعه سبحانه وتنفيذ حكمه وأمره، وإظهار شعائره.
وفي المقابل نجده سبحانه يحذر نبيّه صلى الله عليه وسلم أعداءه وأهواءهم في الحكم والتشريع غاية التحذير لئلا يفتنوه عما أنزل عليه، ويأمره بما هو خير له في العاجل والآجل: وهو: حكمه العدل وشرعه الحق، فقال سبحانه: {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ}، وقال: {فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ}وقال {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئًا وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمِ يُوقِنُونَ}.
فصدق الله في علاه، ما أنزل على عباده هو الهدى والرحمة، وما قاله هو الصدق، وما حكم به هو العدل، قال سبحانه: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً}، وقال: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً}، وقال: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ}.
أما الديمقراطية وغيرها ممن ألبسها الأعداء لباس الرحمة، وفي باطنها العذاب، فهي الظلم والجور والضلال، فليست هي أو غيرها من أنظمة البشر حلاً لمشاكل الأُمّة، وإصلاح حالها، ورفع ظلم الأعداء الواقع عليها، وإنما الحل والعلاج الحقيقي، فهو تطبيق شرع الله وحكمه بين عباده، بهذا أمر الله العباد ليسود بينهم العدل ويرتفع عنهم الظلم، ويعم بينهم الأمن وينتشر بينهم الخير، وتتنزّل عليهم البركات، ويندفع عنهم شر الأعداء.
وإنّنا لنأسف أشد الأسف حين نرى بعض إخواننا المسلمين - هداهم الله - ممن انبهر بثقافة الغرب ينادي بحريتهم وديمقراطيتهم - جهلاً بحقيقتها - يريد تسويغها في الإسلام، ليكون - في نظره - إسلاماً ديمقراطياً ليبرالياً متحضراً، وربما وصف من خالفه بالجمود وقصور الفهم والتخلُّف عن ركب الحضارة، وأقول: لا ديمقراطية في الإسلام، ولا إسلام في الديمقراطية، فهما متناقضان، وبينهما من البون ما بين المشرق والمغرب، فالإسلام دين إلهي قائم على العبودية والخضوع لله والانقياد لأمره، والاستسلام له بتوحيده والتسليم لحكمه وقضائه، قال سبحانه {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}وقال سبحانه {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا}
أما الديمقراطية فهي منهج وضعي قائم على مبدأ السيادة للشعب والحرية المطلقة للفرد، فكيف يجتمعان؟ فمتى ما أردنا تطبيق الديمقراطية بمفهومها الغربي، فإنّنا ننسخ الإسلام، ونحلها محله، وحاشا من استسلم وانقاد لله وكانت حياته ومماته له سبحانه، وتحاكم إلى شرعه أن يرضى بهذا، لأنّه يعلم يقيناً أن لا عزّ ولا رفعة له، ولا منعة له من الأعداء إلاّ بهذا الانقياد والاستسلام، والتحاكم إليه سبحانه، قال الله تعالى {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا}
أسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته أن يكفي الإسلام وأهله شر الأعداء، وأن يرد كيدهم في نحورهم، وأن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.
كتبه: علي بن فهد بن عبد الله أبا بطين
في 18 / 10 / 1432 هـ
المدينة النبوية