التاج
05-06-03, 03:23 pm
يتماشى الكثير من المثقفين مع المتغيرات الاجتماعية فيدخلون بحسبتهم من لا يمثلونهم بأدنى درجة من الثقافة . ويحيطونهم بغطاء يخوّل لهم ذلك الغطاء الحكم حتى عليهم . إن انجرافات أولئك المثقفين خلف المتّبع ما هو إلا دليل أكيد على ضعفهم مع أنفسهم وإلا كيف يطيب لهم الترحيب بإقامة من لا يمتون لهم بصلة . إنهم بمجاملاتهم تلك يقضون على كثير من الإرهاصات الثقافية فيجعلون الصغير كبيراً والمتعلم عالماً . وإذا كان أولئك المثقفون يختلقون لأنفسهم الأعذار فإننا لا نوافقهم البتة . ونحن بهذا الموقف لا نطالب بغير إحقاق الحق لأهله . ولا يمكن بأي حال من الأحوال قبول أولئك المتثيقفون مهما كان توهّجهم الاجتماعي . ومن يصدّق بأن أحد شعراء العامية يمتلك داراً للثقافة العربية ، لا أدري كيف يسمح لنفسه ترأس هذه الدار . ولا نستغرب عندما يفرد له الكثير من المثقفين الصفحات الصفراء لتأييده فهو دائم السيف وهو الأقدر على حفظ الثقافة العربية !! لو كان الأمر مجرد بناء دارٍ للثقافة العربية لسعدت بذلك ولكن عندما يصل الحال بنا إلى قبول ذلك المتثيقف لسدة الرئاسة فإنني من أشد المعارضين لوجود مثل هذه الدار . وقد يسألني سائل عن سبب معارضتي تلك . وإجابتي عن هذا السؤال لن تكون بأقل من حجم معارضتي . فذلك الشاعر العامي سيجعل لنفسه حرية الحكم على الثقافة العربية من خلال منظوره الشخصي هذا أولاً ، وثانياً هو أن اهتمام صاحب الصناعة سينصب على حرفته وهذا ما يجعل الشعر العامي موعوداً بالنصيب الأكبر من ذلك الاهتمام فلا نستغرب عندما يقيم الأساتذة في الجامعات دراسات حول النص العامي ليصل من غير أن نشعر إلى طمس شعر امرئ القيس وجرير والمتنبي !! والأدهى من ذلك وهذا الشاهد أكبر دليل على صحة كلامي ، فقد قرأت مقابلة مع أحد الشعراء العاميين وكان من ضمن الأسئلة الموجهة هذا السؤال : هل سيدرس الأدب الشعبي في الجامعات ؟؟؟ أجاب سامر الشعر ووحيده : إنني طالبت في أكثر من مناسبة تدريس الشعر العامي في الجامعات ولقد أقنعت جامعة أمريكية بضرورة تدريس هذا الأدب العظيم ! وقد وافقني في إدخاله بمكتبة الجامعة وأشعروني بدراسة الأمر قريباً هذا في أمريكا ، ولكن - والكلام مازال لذلك الشاعر العامي - في جامعتنا وهي المتخصصة بدراسة الأدب يمنعون دراسة الأدب الشعبي ولا أدري لماذا يرضى غيرنا بتدريسه في المجال الأكاديمي بينما نحن نرفض !!! ومازالت محاولتي لإدخال مادة الأدب الشعبي لتكون مصدراً مهماً للشعر العربي !!! إلى هنا نكتفي . وماذا ننتظر بعد هذا الكلام ؟ إن المثقفين باختلاف مشاربهم هم المسؤولون عن مثل هذا الكلام الذي لم يجد رادعاً لمثل تلك الاطروحات التي تريد بلغتنا الفصحى الدمار . وأنا لا استبعد ذلك الشاعر العامي من جملة المحاولات التي تسعى لهد اللغة العربية فقد ظهرت دعوة للكتابة باللهجات العامية للبلاد العربية في أواخر سنة 1299هـ حين اقترحت مجلة ( المقتطف ) كتابة العلوم باللغة التي يتكلمها الناس في حياتهم العامة . وفي عام 1320هـ ألّف أحد القضاة الإنجليز في مصر وهو القاضي ( ولمور ) كتاباً سماه ( لغة القاهرة ) وضع فيه قواعد لها واقترح اتخاذها لغة للعمل والأدب . وثارت المسألة مرة أخرى حين دعا إنجليزي آخر وهو ( وليم ولكوكس ) سنة 1345هـ إلى هجر اللغة العربية من خلال ترجمته أجزاء من الإنجيل إلى ما سمّاه ( اللغة المصرية ) وقد أيّده سلامة موسى . ثم تقدّم عضو من أعضاء المجمع اللغة العربية في مصر وهو عبد العزيز فهمي سنة 1362هـ باقتراح كتابة العربية بالحروف اللاتينية ورد عليه ببطلان اقتراحه . ثم ظهر من يدعو إلى التوسّط بين الفصحى والعامية ومن يدعو إلى فتح باب التطور في اللغة والاعتراف بحق الكاتب في تغيير اللغة كيفما يشاء ، وظهر من يدعو إلى إسقاط أبواب بعينها من النحو أو تعديل بعض قواعده إلى غير ذلك من المحاولات المغرضة . وأنا أسوق تلك الحملات ليعرف الجميع أن الأدب العامي متى ما اعتبر فناً مستقلاً وسلّمنا بوجوده كأدب خالص لنفسه فإننا نكون قد وقفنا مع تلك الهجمات من غير أن ندرك حجم تلك الهجمات على اللغة العربية الفصحى . وللدكتور حسن بن فهد الهويمل رأي حول الشعر العامي حيث قال : إنني أقبل الشعر العامي ضرورة عصرية إلى أن يأتي اليوم الذي يشع فيه الشعر العربي الفصيح من جديد . إذاً على المثقفين الوقوف بكل ما أتيح لهم قوة في وجه أولئك المتثيقفون والذين يطمحون لإبراز أنفسهم من خلال اللعب على وتر الثقافة ، وعليهم ألا يوجدوا لأنفسهم أعذاراً توصل غيرهم لهم ، فقد مللنا تلك الوجوه الضاربة في كل اتجاه فلم نعرف لهم طريقاً إلا سلكوه ، ولا مكاناً إلا دخلوه .
مع تمنياتي للجميع
مع تمنياتي للجميع