المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لله درك ....... يادكتور


الرمادي
28-05-03, 06:17 pm
هذا مقال للدكتور حسن الهويمل في صحيفة الجزيرة وقد كتبه بجزئين الأول يوم الثلاثاء 12/3/1421 والثاني يوم الثلاثاء 26/3/1424

وهو بعنوان

هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة


وهو بالفعل مقال يستحق أن تقطع الأتصال من أجل التمتع بقرأته

لاأطيل عليكم وأترككم مع كلام الدكتور حسن الهويمل ...


( 1/2 )
الحالة الراهنة في الوطن العربي حالة استثنائية قلقة، لا تحتمل أنفاساً كريهة، ولا تنقيباً عن نوَّم الفتن، وإنما تقتضي تحامي مناطق التماس، وتوقي مكامن الإثارة، وتحتم استدعاء القواسم المشتركة، والعمل على تقوية الروابط من خلالها، والعفو والصفح، وتجافي المحظور والمسكوت عنه، والكف عن النيل من أقوام بأعيانهم، تغليباً للمصلحة المرحلية، ولماً للشمل. ومثل هذه الظروف الضاغطة مجال خصب للانتهازيين، الذين يبيّتون مالا يرضى من القول. وحين يجازف الفارغون من فقه الواقع، والمفتقرون إلى أدنى حد من الثقافة الشرعية في اقتحام الحمى، والخلط بين مواجهة المبادىء والإجراءات والوقوعات، ينتفض الرأي العام، المحتقن من ضغوط الواقع، وينتقض غزله، ويتفكك ترابطه، متصورا أن مثل هذه المفرقعات الفارغة قادرة على تحويل المسار، وما هي في حقيقة الأمر إلا تجشؤات من فراغ، لا تقدم، ولا تؤخر ولكن كيف يتأتى لك إقناع الرأي العام، وتبشيره بطول السلامة كما «مربع»؟ وفي ظل التداعيات المزعجة، يحس المقتدر أن التوتر وردود الفعل الانفعالية قد بلغت حداً لا يحسن معه السكوت، ومن ثم وجبت الموعظة: إما للهداية، أو للمعذرة، على حد {مّعًذٌرّةْ إلّى" رّبٌَكٍمً وّلّعّلَّهٍمً يّتَّقٍونّ} ومع هذه الزوابع الكلامية، التي تكاد تحجب الرؤية، ترددت كثيرا في مقاربتها، لأنها زوابع متربية، اختلط فيها الجد بالهزل، والحق بالباطل، واللغو بالسَّبِّ، ومما صعد الشعور بالتردد أن تجربتي مع ذات الكتبة البائسين بؤس مراميهم تجربة سيئة، لا تشجع على مزيد من المقاربات، غير أن ترك الثنيات يتسلل منها الخائضون في سمعة الأبرياء والمتحرشون بالمبادئ بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير إغراء بمزيد من التجاوزات، وكم كان بودي توفر الأجواء المناسبة للحوار المهذب، لنصل بقضايانا إلى بر الأمان.
ومما حفز على القول تنادي الأشباه والنظائر، واتخاذ بعضهم بعضا ظهرياً لمنع المدافعين عن أنفسهم، على الرغم من لغطهم بحرية الرأي، وتكافؤ الفرص، وذلك عين المقت. ومع كل المحاذير والتحفظات، يظل رد المسيئين لغيرهم من الأناسي والقضايا على أعقابهم واجباً عينياً لا كفائياً، وبخاصة حين تمتد الأذية للمبادىء. وإذا قوي المرتاب بارتيابه، فإن على صاحب اليقين ألا يضعف بيقينه. ومتى بادر المهتاج الأعزل إلى النيل من قناعات المقتنع مبتدئاً تعديه، ولم يتهيب من جرح المشاعر، وكان المتأذي قادراً على دفعه، تعين ذلك، ولكن بالتي هي أحسن، دون الإحالة إلى ما يسيء إليه، ودون النفي المتعمد له، أو مصادرة حقه في البرهنة عن وجهة نظره، إذ إن مطارحة الأفكار حق مشروع، ولا يتحصحص الحق إلا بالحوار المتوفر على برهانه وآدابه ودواعيه المشروعة. مع استشعار أن الخطأ ابتداء، لا يحمل على الإدانة. وأن الإصرار عليه بعد ما يتبين وجه الصواب، يقتضي ممارسة الحق السلطوي، فالناس لا يستقيم أمرهم مع الفوضى. ومن تصور أن حرية الرأي تبيح الخوض في كل شيء، والإيغال في أعراض الآخرين، وجب تعليمه بالطريقة التي يفهم من خلالها.




فقسا ليزدجروا ومن يك راحماً
فليقس أحياناً على من يرحم


ومن مات، وليس في رقبته بيعة، مات ميتة جاهلية، وتحمل البيعة تحمل لتبعاتها، ولهذا سميت الولايات بالسلطات، والإيمان بالعقيدة وهي عقد. والواقع في الخطيئة: جهلاً وتأولاً وتعمداً وإصراراً، للمجادلة معه ثلاث حالات:
فإما أن يكون طالب حق، لم يهتد إليه، ومن واجب المجادل أن تهديه سواء السبيل.
أو يكون طالب باطل مصراً عليه، مدركا خطورته أو غير مدرك، ومسؤولية أهل الذكر والحل والعقد أن يبينوا له خطورة مطلبه، فإن امتثل وإلا وجب على السلطة رده إلى الجادة.
أو يكون عاشق أضواء، يريد ان يكون حاضر المشاهد، وحديث المجالس، متقناً انتهاز الفرص المواتية، مستغلاً الظروف العارضة، وواجب الناصحين أن يخاطبوا الدهماء الذين يخلقون بالتفافهم حوله بطلاً زائفاً لا قيمة له، لينفضوا من حوله.
وأيا ما كان الأمر، فإن طائفة من الكتبة يتقنون لعبة الإثارة والقفز إلى بؤر الأضواء، وليس يعنيهم ما يقال بحقهم، ومثل هؤلاء لا يتورعون من الرتوع في الأعراض المصونة، ولا يعفون عن العناد والتعدي والإيذاء، لفقدهم المثمنات واستسهالهم الهوان، والمتعقب لما تتداوله صحف الإثارة من اندفاعات فجة في الدين والسياسة والفكر والأدب والثقافة ينتابه الخوف. فالمشاهد حفية بكل متقول لا يهاب يوم الحساب.
ومشاهد الفكر والسياسة والدين لا تصلح فوضى لا ضابط لها، وتقحم الجهل والمبتدئين ، وأنصاف المتعلمين، ومثقفي السماع إرباك لمسيرة الحياة الفكرية، والواقعون تحت طائلة الأمية التخصصية، يهرفون بما لا يعرفون، ويعولون على نخبوية خاوية، وفهم سقيم للحرية.
والمشاهد الإعلامية لا تخلو أبدا من أناس يستعذبون إثارة الرأي العام، وشد انتباهه، وإرباكه، وذلك بالخوض في مسلماته، دون مصلحة مرجوة، كما لا تخلو من دعاة على أبواب جهنم حذر منهم رسول الهداية. والموغلون في المواقع الحساسة، يعرفون حجم الإساءة، ولكنهم ك «الساديين »الذين يلذ لهم التعذّب والتعذيب، والخطورة أنهم كالمستهمين على السفينة، إن تركوا يخرقون في نصيبهم غرق الجميع. والمهتم بالمثمنات والقيم، يسوؤه أن يخوض فيها من لا يقدرها قدرها، ومن لا يقتدي برسول الهداية واللين والرفق، المراعي للرأي العام، المتجنب لإثارته، والمبقي على المفضول إيثاراً لتهدئة الأمور، وقد فعلها بأبي هو وأمي، حين دخل مكة. والذي لا يعرف خطورة الإثارة، ولا يخشى عواقبها، يظل ناقماً ومنقوما عليه، ولما يزل تتخطفه صحافة الإثارة وقنوات الضرار، معولة على حرية التعبير، وحرية التعبير تتحقق فيما دون القطعيات والثوابت، وفيما دون المعلوم من الدين بالضرورة، وبئست حياة يكرهها شهود الله في أرضه، ويكرهون انبعاثها، وكفى بالمرء عيباً ألا يعرف حدود حضارته، التي هي في النهاية حدود الله، ولا يمكن تصور حضارة أو سلطة بدون خطوط حمراء، ومن تصور الحضارة والحرية بدون حدود فقد ضل سواء السبيل. والتعدي على الحرمات تحت مظلة الحرية، تحفز المهتمين بأمر الجماعة إلى ركوب المكاره، وليس ما أكتبه قصراً على من قال في شأن «الدعوة والدعاة» بغير علم، ولكنه تصد لظاهرة تزداد يوماً بعد يوم، باسم حرية التعبير وحقوق الإنسان، كما تراها الحضارة المادية والمفوضون إلى العقل.
وما أكثر الكتبة الذين يخوضون في قضايا الدين، ويتجرؤون على الفتيا، وينصبون من أنفسهم قادة فكر وأهل ذكر، ولما يعرفوا النص واحتمالاته: الدلالية والثبوتية، أو قطعيتها، ولا قواعد الفقهاء وآلياتهم الاستنباطية، وليس لهم من شفيع إلا أنهم حملوا الشهادات العالية، أو تذبذبوا بين الإيغال في الدين والسياسة بدون رفق، ثم نكصوا على أعقابهم، وبهذا الاضطراب أو الجهل فرضوا أسماءهم كتابا مسموعين، وهم أجهل الناس فيما عدا رسيس تخصصاتهم، وأقلهم وعياً بنواقض الإيمان، ومقتضيات الحضارة التي ينتمون إليها، وأضعفهم فقهاً للواقع. ولهذا تراهم يثورون، ويثيرون، وحين تناصحهم، وتبين لهم إن الذي قالوه محض افتراء، وفرضيات مؤذية، وتعد على الثوابت، يتحرفون لمقولات جاهزة، كالتجهيل والوصاية والمزايدة، ويتحيزون لمشايعيهم كشاعر غزية، معولين على رغبتهم في الإصلاح، وما هم بمصلحين، فالمصلح الناصح يتثبت من الأنباء، ويتبين دقائق الحقائق، ويتحامى إثارة الرأي العام.
ولقد شهد أحدهم بمحض إرادته، معترفاً بمئات الاتصالات، وعشرات الكتابات الناقمة عليه، فهل كل هؤلاء البرمين من التعدي والتجني جهلة، وهو وحده العالم النحرير، والناصح الأمين؟ ولقد سبق لي أن أشرت من قبل، وأنا بصدد الرد على ذات الكاتب إلى من لم يؤصلوا لمعارفهم، ولم يعرفوا ثوابت حضارتهم ومتغيراتها، ومن يغطون افتقارهم متظاهرين بالتشبع بالعلم الشرعي عبر سياقهم لقاعدة فقهية في غير محلها، أو حكماً شرعياً على غير وجهه، أو حادثة عارضة أو دليلاً لا يصح. والأسوأ من هذا وذاك: اختلاف المفاهيم حول حدود الحرية، ومجالات الاختلاف، وحق الاجتهاد. ومن فاته الركب تعجل في اللحاق به عن طريق الحديث عن المسكوت عنه، معللاً تسلقه محاريب العلم الشرعي بحرية التعبير وحق الاجتهاد. والعلماء الناصحون يعرفون حقهم في القول، وحق حضارتهم التي ينتمون إليها، وتأبى كرامتهم أن ينالوا منها، تحت تأثير الحضارات المهيمنة، وأخص خصائص الحضارة «الحكومة المدنية المسلمة» و«الدعوة إلى الله» {كٍنتٍمً خّيًرّ أٍمَّةُ أٍخًرٌجّتً لٌلنَّاسٌ تّأًمٍرٍونّ بٌالًمّعًرٍوفٌ وّتّنًهّوًنّ عّنٌ المٍنكّرٌ} ، ومن قال بالاستغناء عن الدعوة، تعويلاً على إسلاميته أو فطرته، فهو إما جاهل أو مكابر، وكيف يتأتى له ما يريد، والقرآن الكريم استنفر من كل فرقة طائفة، للتفقه في الدين، وإنذار قومهم إذا رجعوا إليهم، وجعل الذكرى تنفع المؤمنين. والمستبرئون لعرضهم ولدينهم هم الذين إذا قاربوا قضايا الدين، حرروا مسائلهم، وحددوا مواقفهم، وأحكموا آراءهم، وفصلوا مقاصدهم. والمخفون من المعارف يعتمدون على الإطلاق والتعميم، لكي تكون أقوالهم حمالة أوجه، وما هي إلا حمالة الحطب.
وإذ يكون الاجتهاد مطلبا إسلاميا، وحقاً متاحاً، يكون من أوجب الواجبات، أن يعرف المقارب له، أنه ممارسة علمية، وأن من ضوابطه: أن يملك المجتهد شرط الاجتهاد، وآلياته، ومتطلباته المعرفية. وعلماءالأصول ذكروا ذلك، وحدودا مجالاته وآلياته وشروطه، ومواصفات المجتهد، ومن أطلق مقولة: «من اجتهد فأصاب فله أجران ومن اجتهد فاخطأ فله أجر واحد». ثم أتاح الاجتهاد لكل أعزل من معرفة، وخال من ورع، فقد ضل ضلالاً بعيدا. وفوق ذلك، إن الاحتهاد لا يكون إلا في النصوص الحمَّالة. والزمن المأزوم زمن مؤسسات ومجمعات فقهية، تنظر في النوازل، لا زمن مبادرات فردية، وذهاب كل متقول بما اختلق، فذلك مؤذن بالتنازع، وفقد للاعتصام بحبل الله.
والاجتهاد: مطلق ومقيد، من حيث الإجراء والممارسة.
ولهذا يقول الأصوليون: «لا اجتهاد مع النص». والذين يتداولون مصطلح (النص) ثم لايعرفون تعدد دلالاته بتعدد الحقول المعرفية والفترات الزمانية والمذاهب الفقهية والكلامية والفلسفية وبالذات مفهومه عند السلف، يتصورون أن السلف يمنعون الاجتهاد مع وجود أي نص، حتى لقد ظهرت مصطلحات «العقلانية» و«أهل الرأي» و«الظاهريين» و«النصوصيين» مع أن كل هذه الطوائف تستخدم العقل والفكر، ولكن بطرق متفاوتة، وفات المتقولين على السلف. أن «النص» الذي ليس معه اجتهاد، يعني القول الذي لا يحتمل إلا دلالة واحدة، مثل «لا إله إلا الله» فهذا نص لا يحتمل إلا دلالة الوحدانية المتفردة، ومن اجتهد في تحميل النص دلالة «تعدد الآلهة»، فقد خالف القاعدة «لا اجتهاد مع النص». ويقال مثل ذلك في أمر «الدعوة إلى الله» و«الحكومة الإسلامية»، والله يقول: {أّفّحٍكًمّ الجّاهٌلٌيَّةٌ يّبًغٍونّ} و{وّأّنٌ احًكٍم بّيًنّهٍم بٌمّا أّنزّلّ اللهٍ} و{وّمّنً أّحًسّنٍ مٌنّ اللّهٌ حٍكًمْا}. والله يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم: {قٍلً هّذٌهٌ سّبٌيلٌي أّدًعٍو إلّى اللهٌ عّلّى" بّصٌيرّةُ أّنّا وّمّنٌ اتَّبّعّنٌي}. ويقول: {ادًعٍ إلّى" سّبٌيلٌ رّبٌَكّ} و{وّذّكٌَرً فّإنَّ الذٌَكًرّى" تّنفّعٍ المٍؤًمٌنٌينّ} و{وّادًعٍ إلّى" رّبٌَكّ} و {فّلٌذّلٌكّ فّادًعٍ وّاسًتّقٌمً} و{وّلًتّكٍن مٌَنكٍمً أٍمَّةِ يّدًعٍونّ إلّى الخّيًرٌ} و{وّمّنً أّحًسّنٍ قّوًلاْ مٌَمَّن دّعّا إلّى اللّهٌ}. }. ومع أن الدعوة سبيل المؤمنين، وأحسن القول، ولا مجال للجدل حول مشروعيتها، فإننا نسمع، ونرى مجازفين، يغثونك بتقولات غير مسؤولة، وتعميمات غير محددة، لا يحكمون، ولا يفصلون، بحيث يزيلون اللبس، ويمنعون عن أنفسهم قالة السوء، ويحولون دون البلبلة، وتصعيد العداوات. ولهذا تراهم يخلطون متعمدين أو جاهلين بين المبدأ والتطبيق. فالدعوة مبدأ، وهو أحسن القول بشهادة الله، والتطبيق ممارسة بشرية لها وعليها، ولكن لحن القول، وتوجيهه يطال المبدأ، كقول أحدهم: «وتساعد المناهج نفسها هؤلاء على أن يكونوا دعاة» إضافة إلى خروج الكاتب من التعليم إلى برامج وزارة الشؤون الإسلامية ومعارضها ومهرجاناتها، وإلى شركة الكهرباء وإسهاماتها. ولو أنه وقف حيث يكون خطأ التطبيق لحمد الناس له ذلك، وأذعنوا له، ولاسيما أننا نعاني تجاوزات مشهودة، ومعاشة في التطبيق الدعوي. والوزارة المعنية لما تزل تتعقب كل مخالف لمناصحته أو منعه. وإذ لا يخلو أي مجتمع من نوعيات تتقن لعبة الإثارة، فإنك لا ترى هذه النوعيات إلا حيث تكون الريبة، متكئة على آراء في غاية الفجاجة والاستفزاز والتسرع، منقبة عن المسلمات، موغلة في المتشابه، غير متحرجة من موضعة كل شيء، متقحمة أي محظور متناغمة مع الحرب المشبوهة على مناهج التعليم في المملكة، معطية للمتربصين بنا فرصة ذهبية، مقدمة شبهة يلتمسها أعداء الأمة. وهل بعد القول: «فقد اصطبغت الكتب الدراسية جميعها بصبغة دينية، فلا تدرس مادة اللغة الانجليزية مثلا لذاتها بل لتكون وسيلة للدعوة الى الله» من تجن مؤذ.

للحديث صلة

الرمادي
28-05-03, 06:21 pm
( 2/2 )

وإذا كان الكاتب ينقم على طائفة من المدرسين - وذلك حق، يتطلب البينة- فلماذا يربط بين (الدعوة) و(الضعف)؟ ويقحم أطرافاً أخرى، ويمتعض من امتثال أمر الله {وّلا تّقٍولّنَّ لٌشّيًءُ إنٌَي فّاعٌلِ ذّلٌكّ غّدْا، إلاَّ أّن يّشّاءّ اللهٍ}. ويتجاهل قول الله عن عيسى عليه السلام: ترديده (بإذن الله) في النفخ والإحياء والإبراء؟ وعيسى يعلم ويؤمن أن الله خالق كل شيء، وليس عنده نقص في الفقه. إن لحن القول كله، يحيل إلى مواجهة الدعوة، لا مواجهة أخطاء الدعاة، ومواجهة أسلمة المناهج، لا العمل على تفعيلها. وفي ذلك مسايرة لحملات التشويه. وعليه أن يعيد قراءة ما كتب من قبل.
وبصرف النظر عن ركاكة التعبير، وضحالة التفكير، وسوء التوقيت والتقدير في التعاطي مع أخطر القضايا، وأهم المسائل، فإن تخبيصات الكاتب، وخلطه بين أمور في غاية الأهمية، وأخرى في منتهى التفاهة دليل ارتباك وتوتر واضطراب. وكاتب يقارب أخطر قضيتين في حياة الأمة: (التعليم) و(الدعوة) ثم لا يزن الأمور، ولا يستبرئ لعرضه ودينه، يعرض نفسه للاتهام والتجهيل والمساءلة (ومن لا يتق الشتم يشتم)، ومن حق المتأذين أن يبادلوه سوءاً بسوء، فلقد وصفهم بالهلوسة ونقص الفقه، وقطع بتدهور التعليم. وما يتعرض له من ردود فعل، يراها هو، ومن شايعه مزايدة على القضايا، وتنقصاً من الحريات، وما هي كذلك، إنها استكمال للحرية التي يراها، ويتحرج منها حقيقة. وإذ لا نرى التسامي بأحد من الخلق فوق النقد والمساءلة، ولا نزكي أي مؤسسة تعليمية أو دعوية تحت أي مبرر، فإننا نفرق بين نصيحة المهتم بأمر الدعوة والتربية، وفضيحة الساخط عليهما، الناقم على ذويهما. وليس غريباً على ذات الكاتب ما نراه منه من اندفاعات، تضعه تحت طائلة المساءلة، ولا تقل ارتباكاً
(مالي أرى أقواماً يفعلون كذا)
فذلك هدي المصطفى. أما الرشق العشوائي، والمجازفة في الاتهام، فشأن المقوين من المقومات. وقادة الفكر والاصلاحيون يمنعهم الحياء من سوء الأدب مع الكافة، فضلاً عن صفوة المجتمع. وهل بعد المعلمين والدعاة من مكرم؟ وإذا لم يكن المعلم والمعلمة داعيين إلى الله على بصيرة، فمن يكون؟ وإذا لم نحصن أبناءنا وبناتنا من احتناك شياطين الإنس والجن واجتيالهم، عبر القنوات، والمواقع، وسائر الوسائل الإعلامية، فمن ذا الذي يحصنهم؟ وإذا لم تكن المملكة التي شرفها الله بخدمة مقدساته، ونشر كتابه، وتحكيم شرعه، وإقامة دينه، مهيئة الطلبة والمدرسين معاً للدعوة إلى الله، وحفظ جناب التوحيد، وحفظ التوازن بين مطالب الحياتين، فمن ينهض بمثل ذلك؟ إنه لا يضيق بالدعوة إلا مشبوه، أو مدخول في فكره، وإذا كان الكاتب مع الدعوة، كما يدعي، وكما نرجو أن يكون، وله ملاحظاته الوجيهة، فإن عليه أن يتخذ سبيل الدقة والتخصيص والتركيز. وهو قد حاول لملمة أطراف القضية، بعد أن ضيق عليه الرأي العام الخناق، ومع أن الحق قد يعتريه سوء التعبير، إلا أن المقال المثير مواجهة لا مناورة، وإدانة لا اتهام، وتقرير لا تساؤل.
ومع الاحتفاظ بثوابت الدين من وعظ وأمر ونهي فإن من صرف الوقت لغير ما هو له، فقد أخطأ الطريق، وفرط بالواجب، كائناً من كان، ولكن تذكير المخطئين لا يكون بهذا الأسلوب التعميمي القطعي. أما قضية ربط المواد بالدين، فالدولة تلح على أسلمة المناهج، وليس هناك ما يمنع من استحضار عظمة الخالق، حين التعرض لقانون علمي، يتعلق بالآفاق أو بالأنفس، وليس من مصلحة الأمة ان تمارس التربية بمعزل عن الدين. وكيف لا نؤسلم المناهج والمواد، ونربط الظواهر العلمية والفلكية بالإيمان؟ ما الذي يمنع من أن يكون استاذ الرياضيات واللغات داعيين إلى الله، مذكرين بعظمته وجلال قدره، ألم يقل بعض الصحابة لبعض: (تعالى نؤمن ساعة)، أو لم يقل الله عن الصالحين من عباده {الذٌينّ يّذًكٍرٍونّ اللّهّ قٌيّامْا وّقٍعٍودْا وّعّلّّى" جٍنٍوبٌهٌمً وّيّتّفّكَّرٍونّ فٌي خّلًقٌ السَّمّوّاتٌ وّالأّرًضٌ} ويقول: {وّاعًبٍدً رّبَّكّ حّتَّى" يّأًتٌيّكّ اليّقٌينٍ}. أحسب ان اتهام المناهج والمدرسين والمدرسات بالتفريط، وإضاعة التعليم، اتهام ليس في محله، ولا يمارسه إلا إنسان لا يحترم المصداقية، ولا يحسب للظروف حسابها، ولا يعرف حدود ما يجب، وواجب المقتدرين إرشاده، وواجبه قبول الحق، وعدم التبرم ممن يشاطره السفينة، مستحضراً قوله تعالى: - {لا يٍحٌبٍَ اللهٍ الجّهًرّ بٌالسٍَوءٌ مٌنّ پًقّوًلٌ إلاَّ مّن ظٍلٌمّ}.
والمدرسون الذين على جانب من التقى والورع، لا يمكن أن يفرطوا بحق الطلبة، ولا برسالة التعليم، وهم حين يجدون أنفسهم بحاجة إلى التوعية ينشئون الجمعيات، ويتطوعون بجهدهم ووقتهم، دون المساس بوقت المناهج. واتهام التعليم بهذا الحجم، وإحالة الضعف إلى الدعوة والدعاة، تشويه لرسالة المسلم في الحياة. وإذا وقع مدرس أو مدرسة فيما لا يصح من القول، فإن هذا لا يسوِّغ التعميم. الخطأ في القول حاصل، والتقصير في العمل حاصل، والتجاوز في الفعل حاصل، ولكن لا تزر وازرة وزر أخرى. ولو صدق بعض ما يقوله المرجفون المتواطئون على الخطيئة لكنا بحاجة إلى مواجهة أربعة ملايين طالب وطالبة ومئات الآلاف من المعلمين والمعلمات وأساتذة الجامعات، وهو ما لم يكن، ولن يكون إن شاء الله.
وكيف يتأتى الامتعاض من تفشي الدعوة والإرشاد في أمة تنص المادة (الثالثة والعشرون) من نظامها الأساسي للحكم على قيامها بواجب الدعوة إلى الله؟.
والدولة ومن ورائها أهل الحل والعقد من العلماء ورجال التربية والتعليم يعيشون حالة استثنائية، ويتأذون من اتهامات ظالمة، يؤزها اللوبي الصهيوني ضد التعليم في المملكة، ويتحرفون لكشف النوايا السيئة، التي ينطوي عليها أعداء الإسلام، والخائفون من (الصحوة الإسلامية) يحاولون إثبات أن المناهج تصنع الإرهاب، وأن الإرهاب بمفهومه الغربي منتج إسلامي، وفي هذه الظروف الحرجة ، يأتي من يقول كلمة في صالح الأعداء، لا يلقي لها بالاً، وواجب المسلم في الأزمات أن يكون على شاكلة من قال الله فيهم {الذٌينّ قّالّ لّهٍمٍ النَّاسٍ إنَّ النَّاسّ قّدً جّمّعٍوا لّكٍمً فّاخًشّوًهٍمً فّزّادّهٍمً إيمّانْا وّقّالٍوا حّسًبٍنّا اللّهٍ وّنٌعًمّ الوّكٌيلٍ}. إن هناك مرتابين، يخافون من مطاردة أعداء الله لعباده، ويصدَّقون كل صيحة، ومن ثم يعطون تنازلات في ثوابتهم، ويسايرون إشاعات العدو، ويسلمون له، وتلك بوادر انهزام داخلي، وتحقيق لما حذر منه المفكر الإسلامي (مالك بن نبي) من قابلية الاستعمار، وفقد شروط النهضة. ومما لا مراء فيه، أن هناك تطرفاً دينياً ودعاة غلاة وآخرين جهلة، تتأكد معالجة أوضاعهم، والحيلولة دون تمكينهم من تشكيل ذهنيات الناشئة، بطريقة تتأذى منها المؤسسات الأمنية والدعوية، ولكن ذلك شأن ولي الأمر وعلماء الأمة، وهم جادون في معالجة كل ظاهرة بالطريقة التي نسأل الله لهم فيها التوفيق والسداد.
ومن أراد أن يدلي بدلوه في تصحيح مسار (التعليم) أو (الدعوة)، وهما بلا شك في أمس الحاجة إلى المتابعة والتصحيح، فعليه ألا يقع في فرضية واهمة، تجعل من الدعوة والدعاة سبباً رئيساً في تدهور التعليم، مجازفاً في إطلاق التهم، دون تحديد، ودون إثبات، مستفزاً الخيرين، جاعلاً منهم خصوماً، متعمداً معاداتهم. وماذا عليه لو دخل مع رجال التربية والتعليم والدعوة في حديث ودي، شاطرهم فيه همهم الدعوي والتربوي، ونبه إلى بعض التجاوزات التي نراها رأي العين، ونثق أننا أحوج ما نكون إلى من ينبه عليها، ولكن بغير هذه الطرق الفجة. وهل لا يستقيم أمر الكاتب إلا بالإثارة والعداوة، وتحميل الأمور ما لا تحتمل؟ ومن ذا الذي يتعمد الإساءة لمن بذلوا وقتهم ومالهم وجهدهم للدعوة والإرشاد؟. والتعليم بوصفه القضية الأهم والأخطر، لا يمكن تناوله بهذه المجازفات المرتجلة. التعليم في المملكة قائم على خطط ومناهج، لها وعليها. وجامعات المملكة تستوعب كل التخصصات العلمية البحتة، وأبناء البلاد يبتعثون إلى سائر دول العالم المتقدم علمياً بالآلاف، ويعودون بأرفع الشهادات، والمملكة مليئة بالمتخصصين الذين تلقوا تعليمهم في مدارس المملكة، فهل يستطيع التعليم المنهار بإمداد ثماني جامعات بمختلف التخصصات، بل يفيض عن حاجتها.
ومع هذا فلسنا من الصفاقة ولا الحماقة، بحيث نزكي أنفسنا أو مؤسساتنا، إن هناك ضعفاً ينتاب كل مرافق الدولة، وهناك مقصرين أو مهملين أو متلاعبين، يبلغ حد الفساد الإداري، نعرف ذلك حق المعرفة، وليس من حقنا أن نزكي، ولا أن ندافع، ولا أن نمنع من الإصلاح، وبودنا لو تصدى لكل هذه الهنات من يزن الأمور، ويفرض احترامه على المخطئين والمقصرين. والمتفق عليه أن التعليم في جميع أنحاء العالم ينتابه الضعف، والتربويون يتعقبون مناهجه ومواده بالإصلاح والتعديل والإضافة والحذف، وما أحد منهم سخر، أو استهجن أو افترض عامل ضعف ثم عممه. وكان على الكاتب لو كان غيوراً ناصحاً ان يضع أصابعه على مكامن الداء، لا أن يطلق المفرقعات، مسقطاً التعليم، والمعلمين، ووزارة التربية والتعليم، والتعليم العالي، والتعليم الفني، ووزارة الشؤون الإسلامية، والدعاة، والدعوة. متهماً الجميع بإضاعة الطلبة.
إذ نجد لفيفاً من الكتاب الواقعين في الحمى باسم حرية التعبير فإن على المسؤولين عن هذه الحمى أن يخرجوا عن صمتهم ليكشفوا عوار هذا التحامل، وأن يضعوا أي كاتب متعد مستفز في حجمه الطبيعي، لكيلا يسنوا سنة سيئة، تبيح الإطلاقات غير المسؤولة، وفي الوقت نفسه يجب ألا يأخذ المسؤولين العجب، بحيث يَسْمون بأنفهسم فوق النقد والمساءلة، ويغفلون عن أي تقصير. والحرية في التفكير والتعبير حين تكون مكفولة، أو حين يجب أن تكون مكفولة، فإن علينا قبل هذا وذاك أن نعرف حدودها ومجالاتها. فليس لكل مجازف في القول ان يحيل إلى الحرية. الإنسان بطبعه اجتماعي، وهو ملزم بمقتضيات «العقد الاجتماعي» المستمدة ضوابطه من حضارة الانتماء، و(العقد) يعني الحرية المنضبطة. وإشكالية المشاهد العربية كافة أن الأكثرين من نخبها لا يحتفون بحدود الحرية، ولا يعرفون مقتضيات حضارتهم، ومن ثم يوغلون في (العهر) و(الكفر)، ويعدون مثل هذا الإيغال محصناً بحرية التفكير وحق التعبير. ومثل هذه المفاهيم المريضة تضع الفوضى موضع الانضباط، وتجعل كل شيء تحت المساءلة والنقد، وقد تطال المساءلة فعل الله، وتُحقُّ الخيرة في قضائه، والله لا يسأل عما يفعل، وليس لأحد الخيرة إذا قضا الله ورسوله أمراً. والتطرف في الآراء بنشئ تطرفاً مضاداً، مما يعرض الأمة لفوضوية مخلة بالحرية المطلوبة من الطرفين. ومن المعلوم من الدين بالضرورة ان الأمة أمة دعوة، وأمر بالمعروف، ونهي عن المنكر، وما لعن الكفرة من بني اسرائيل إلا لأنهم لا يتناهون عن منكر فعلوه، ومن اقترف خطيئة من الدعاة أو الآمرين، فيجب ان يؤخذ بخطئه، دون ان يمتد ذلك إلى المبدأ أو المهمة أو الغير.
ومثل هذه الإثارات توغر الصدور، وتثير الشكوك، وتخلق كيانات متناحرة. والمملكة: حكومة وشعباً، لن تقوم لهما قائمة إلا بتقارب وجهات النظر، والانطلاق من سياسة الدولة الدعوية التي نصت عليها أنظمتها، وأنشئت لذلك (وزارة) و(رئاسة) و(مجلس أعلى) يرأسه الرجل الثالث في الدولة. وإذ لا نمانع من نقد التعليم ورجاله، والدعاة وأساليبهم، والهيئات وتجاوزاتهم، وما ينتاب بعضهم من جهل أو غلو أو تطرف، فإننا نرفض التعميم والمواطأة لأعداء الأمة، والتذمر من إظهار الدين، ونرفض الإطلاقات التي تحتمل أسوأ التأويل، وأقبح الاتهام، ونرفض الخوض بآيات الله دون علم شرعي مخول، ونرفض الركون إلى الذين ظلموا.



آمل أن يكون قد حاز على رضاكم وأستحق وقتكم وجهدكم الذي منحتوه إياه

وإن لم يكن كذلك فأطلب منكم العذر والسموحه لسوء إختياري

وتقبلوا تحياتي

عبدالله30
29-05-03, 03:48 pm
السلام عليكم00

مشكور اخي الرمادي00

وياليت كل كاتب يعي كلام الدكتور قبل ان يكتب سطرا او يخوض في قضية ما0

تحياتي لك0

الرمادي
29-05-03, 07:04 pm
أخي العزيز عبدالله30

إن ماذكره الدكتور في مقاله هو مسلك في الكتابة ومسلك في الحوار ومسلك في طرح وجهات النظر

ويبقى الدور على الآخرين بالأقتداء به وعلى الأعلام في فسح المجال أمام هذا المسلك النير

وفي النهاية تقبل خالص تحياتي شاكرا لك المرور والتعليق