هيم ون
10-03-11, 02:58 pm
بسم الله الرحمن الرحيم
بلغ أبو مح ماح من الكبر عتياً، وحصل من الأموال ما يحثى حثواً، ومن الذهب ما يشدخ بالفؤس شدخاً، فلا ينقسم بالسوية، لصلابته، وضخامته،
ولم يبق له من العمر كالذي مضى، فقد دنت شمسه من المغيب، وبات رميه يصيب شؤاً ويخطيء دوماً،
فسلاحه خاب، وظهره عاب، وأحناكه ترتاب، لكنه ما زال مفتوناً، مولعاً، مشتاقاً،
به وله الكناري، وأنين النواجي، ولوعة الشوادي،
إلا أنه لم يعد له بالناس وأحوالهم، ومخالَطِهم حسن تدبير، ولا رأي مستنير،
فأصبح يقضي أوقاته في مزرعته التي أنشأها حديثاً، وجلب إليها أنجب وأعرب وأبهج آرام الدنيا، ما بين شدن، ومهاة، وجآذر، ووضحاة، وريم،
وأطلقها وانطلق معها بين كرّ وفرّ، وضرّ وسرّ، يرقبها بالنظر، ويرعى شؤنها، ويغالبها وتغلبه دوماً،
يأنس بمداعبتها، وملاعَبها، يمسحها بكفه، وأحياناً يقعدها في حجره ويدخل إصبعه بين فكيها لترضعه، يغررها ويدللها لتسكن وتركن إليه، وتألفه،
حتى إن إصبعه قد أصابتها الآكلة، من كثر رضع الآرام لها، وقد منعه الآطباء، وأخبروا بأنه لابد أن يمتنع من هذا الفعل، وإلا سوف تقطع إصبعه، حتى لا تسري الآكلة في سائر الجسد،
فامتنع أبو مح ماح (مكرهاُ لا بطل) من إدخال أصبعه في فم الآرام، واكتفى بإقعادها في حجره واضعاً خده على عاتقها، يشمها ويقبلها، تفيض منه مشاعر الحب والوجد والهيام، حتى إن عيناه لتسكبان الدمع من فرط التعلق وخشية الفرآق، وحسرة على خبو الشهاب، وكل النشاب،
وقد وصل به الوله والهيام إلى إدخالها معه في فراشه، يحظنها، ولا ينام إلا وهي بين ذراعيه، حتى أن فرائسها لترتعد، وأنها لتبعر على السرير، من شدة الخوف، وقوة ضغط أبو مح ماح عليها، وهو لا يبالي، فالأمر عنده سواء، لأن أهم شيء عنده أن ينام وهي في حظنه، (كما يفعل الأربيون بكلابهم)،
وقد توعد غلمانه ألا يخرجوها حتى يعلو أزيزه، وتنزوي أساريره، وتغشاه جلجلة، وتنتابه حشرجة، وهي العلامة لهم على استغراقه في هلاكه المؤقت،
حتى إذا ضربت الشمس بأطنابها في كبد السماء أفاق، وليته ظل في حشجرة ونعاق، ثم انتفض انتفاضة الهرش، فثارت منه غمامة سوداء بها أنتن ريح على وجه الأرض، فإذا بغلمانه بعد زوال الغمامة قد أقبلوا والشدن يجرونه جراً قد أصابه الذهول وعلاه الذبول، وتحجرت مقلتاه بالدمع، حاملين لأبي مح ماح فطوره، فأجلسوا الشدن والفطور قَبَالَتَه،
فأكل وشبع، وشرب وامتلاء كرشه، وتجشأ، وتمخط، وضرط ضراطاً، عجيباً غريباً، له صوت مدو، لم يبق طائر في المزرعة إلا وفر، ولا دابة إلا صالت وجالت فزعاً من شدة الصوت وتقريعه، (فسبحان من خلق أبو مح ماح، وخلق سائر الناس)،
إلا أنه مع تلك المشاعر الجياشة والأحاسيس الفياضة لأبي مح ماح نحو الآرام فإن له وجه آخر، وطبع كاسر، ينتابه ضرب من الجنون، وحدث من العفون، تصيبه حالة إطباق، وإغلاق، وترياق، عندما يرى الضباء مجتمعة متآلفة مترادفة، قد اقترب بعضها من بعض، الله أعلم ما سبب ذلك العي الذي يصيبه، وهذا البغي الذي يجعله يجلدها جلد الحجاج، ويفرقها تفريق السبع للنعاج، عندما يراها مجتمعة متآلفة،
مع أنها ضباء ملاح، لا تبحث إلا عن أرض بها مستراح، وعن المرعى والمشرب والنكاح، فليس لها مخالب فتغرزها، ولا أنياب تفرس بها، تريد أن تحيا كما حيي دواب الأرض جميعاً،
لكن أنى لها ذلك، وأبو مح ماح لا تقر له عين، ولا يهنؤ له خاطر، إلا إذا رأى كل ظبي وحده ليس حوله إلا الصخور، أو الأشجار ، أو الرمال،
هذه أجمل صورة يراها في مزرعته، وألذ وأطيب منظر يبصره في ذلك اليوم، بهما تطيب نفسه، وتمتع روحه، ويطمئن، وينام قرير العين مرخي الجفن، قد انفتح منه كل مخرج وصرّ، وتعاركة يداه، وضطربت جوانبه، وأرجله تعتر،
وهذه هي العلامة الدالة على أنه تلك الليلة بات غير رضي، ولا مرضي، لأن الضباء قد أشغلته وأنهكته في ذلك اليوم بتفريقها، وتشتيتها، وشرذمتها، فأصبحت تخافه وجفلت منه، ولم تعد تألفه، لأن طبعها التألف، والاجتماع، والترادف، وهو لا يريد لها ذلك،
فلا تحقق له ما أراد، ولا بات مألوفاُ محبوباً بينها،
فقد اتقى بأشر مما فر منه،
فوقع في شر النظرين، وهو الهروب من الناس ومعايشتهم ومكاشفتهم بالمكث في مزرعته،
والنظر الآخر السعي لتفريق الضباء وتشتيها،
ووقع أيضاً في سوء العاقبتين، وهما العزلة عن الناس وواقعهم، وحصول الجفوة بينه وبين الناس،
ثم العاقبة الآخرى نفرة الضباء منه وعدم ألفه،
فلا أحسن مع الناس، ولا مع الضباء في مزرعته، فجمع بين شريين وسوأتين،
ولا يجمع الله لمؤمن بين ثقلين، ثقل في الجثة، وثقل في النفس،
جعلها الله على النفوس خفيفة، ظريفة، طريفة، بها أنس، ومتعة، وفائدة، وعبرة، وهي جانب من حياة صاحبكم أبو مح ماح، وهناك جوانب كثيرة، وزوايا منفتحة حادة مثيرة، ستكشفها لنا الأيام القادمة،
كنت قد وادعتكم ثم عدت، فعساه عود أحمد، وعسا أن تكون أخيرة إن شاء الله،
،،، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته...
بلغ أبو مح ماح من الكبر عتياً، وحصل من الأموال ما يحثى حثواً، ومن الذهب ما يشدخ بالفؤس شدخاً، فلا ينقسم بالسوية، لصلابته، وضخامته،
ولم يبق له من العمر كالذي مضى، فقد دنت شمسه من المغيب، وبات رميه يصيب شؤاً ويخطيء دوماً،
فسلاحه خاب، وظهره عاب، وأحناكه ترتاب، لكنه ما زال مفتوناً، مولعاً، مشتاقاً،
به وله الكناري، وأنين النواجي، ولوعة الشوادي،
إلا أنه لم يعد له بالناس وأحوالهم، ومخالَطِهم حسن تدبير، ولا رأي مستنير،
فأصبح يقضي أوقاته في مزرعته التي أنشأها حديثاً، وجلب إليها أنجب وأعرب وأبهج آرام الدنيا، ما بين شدن، ومهاة، وجآذر، ووضحاة، وريم،
وأطلقها وانطلق معها بين كرّ وفرّ، وضرّ وسرّ، يرقبها بالنظر، ويرعى شؤنها، ويغالبها وتغلبه دوماً،
يأنس بمداعبتها، وملاعَبها، يمسحها بكفه، وأحياناً يقعدها في حجره ويدخل إصبعه بين فكيها لترضعه، يغررها ويدللها لتسكن وتركن إليه، وتألفه،
حتى إن إصبعه قد أصابتها الآكلة، من كثر رضع الآرام لها، وقد منعه الآطباء، وأخبروا بأنه لابد أن يمتنع من هذا الفعل، وإلا سوف تقطع إصبعه، حتى لا تسري الآكلة في سائر الجسد،
فامتنع أبو مح ماح (مكرهاُ لا بطل) من إدخال أصبعه في فم الآرام، واكتفى بإقعادها في حجره واضعاً خده على عاتقها، يشمها ويقبلها، تفيض منه مشاعر الحب والوجد والهيام، حتى إن عيناه لتسكبان الدمع من فرط التعلق وخشية الفرآق، وحسرة على خبو الشهاب، وكل النشاب،
وقد وصل به الوله والهيام إلى إدخالها معه في فراشه، يحظنها، ولا ينام إلا وهي بين ذراعيه، حتى أن فرائسها لترتعد، وأنها لتبعر على السرير، من شدة الخوف، وقوة ضغط أبو مح ماح عليها، وهو لا يبالي، فالأمر عنده سواء، لأن أهم شيء عنده أن ينام وهي في حظنه، (كما يفعل الأربيون بكلابهم)،
وقد توعد غلمانه ألا يخرجوها حتى يعلو أزيزه، وتنزوي أساريره، وتغشاه جلجلة، وتنتابه حشرجة، وهي العلامة لهم على استغراقه في هلاكه المؤقت،
حتى إذا ضربت الشمس بأطنابها في كبد السماء أفاق، وليته ظل في حشجرة ونعاق، ثم انتفض انتفاضة الهرش، فثارت منه غمامة سوداء بها أنتن ريح على وجه الأرض، فإذا بغلمانه بعد زوال الغمامة قد أقبلوا والشدن يجرونه جراً قد أصابه الذهول وعلاه الذبول، وتحجرت مقلتاه بالدمع، حاملين لأبي مح ماح فطوره، فأجلسوا الشدن والفطور قَبَالَتَه،
فأكل وشبع، وشرب وامتلاء كرشه، وتجشأ، وتمخط، وضرط ضراطاً، عجيباً غريباً، له صوت مدو، لم يبق طائر في المزرعة إلا وفر، ولا دابة إلا صالت وجالت فزعاً من شدة الصوت وتقريعه، (فسبحان من خلق أبو مح ماح، وخلق سائر الناس)،
إلا أنه مع تلك المشاعر الجياشة والأحاسيس الفياضة لأبي مح ماح نحو الآرام فإن له وجه آخر، وطبع كاسر، ينتابه ضرب من الجنون، وحدث من العفون، تصيبه حالة إطباق، وإغلاق، وترياق، عندما يرى الضباء مجتمعة متآلفة مترادفة، قد اقترب بعضها من بعض، الله أعلم ما سبب ذلك العي الذي يصيبه، وهذا البغي الذي يجعله يجلدها جلد الحجاج، ويفرقها تفريق السبع للنعاج، عندما يراها مجتمعة متآلفة،
مع أنها ضباء ملاح، لا تبحث إلا عن أرض بها مستراح، وعن المرعى والمشرب والنكاح، فليس لها مخالب فتغرزها، ولا أنياب تفرس بها، تريد أن تحيا كما حيي دواب الأرض جميعاً،
لكن أنى لها ذلك، وأبو مح ماح لا تقر له عين، ولا يهنؤ له خاطر، إلا إذا رأى كل ظبي وحده ليس حوله إلا الصخور، أو الأشجار ، أو الرمال،
هذه أجمل صورة يراها في مزرعته، وألذ وأطيب منظر يبصره في ذلك اليوم، بهما تطيب نفسه، وتمتع روحه، ويطمئن، وينام قرير العين مرخي الجفن، قد انفتح منه كل مخرج وصرّ، وتعاركة يداه، وضطربت جوانبه، وأرجله تعتر،
وهذه هي العلامة الدالة على أنه تلك الليلة بات غير رضي، ولا مرضي، لأن الضباء قد أشغلته وأنهكته في ذلك اليوم بتفريقها، وتشتيتها، وشرذمتها، فأصبحت تخافه وجفلت منه، ولم تعد تألفه، لأن طبعها التألف، والاجتماع، والترادف، وهو لا يريد لها ذلك،
فلا تحقق له ما أراد، ولا بات مألوفاُ محبوباً بينها،
فقد اتقى بأشر مما فر منه،
فوقع في شر النظرين، وهو الهروب من الناس ومعايشتهم ومكاشفتهم بالمكث في مزرعته،
والنظر الآخر السعي لتفريق الضباء وتشتيها،
ووقع أيضاً في سوء العاقبتين، وهما العزلة عن الناس وواقعهم، وحصول الجفوة بينه وبين الناس،
ثم العاقبة الآخرى نفرة الضباء منه وعدم ألفه،
فلا أحسن مع الناس، ولا مع الضباء في مزرعته، فجمع بين شريين وسوأتين،
ولا يجمع الله لمؤمن بين ثقلين، ثقل في الجثة، وثقل في النفس،
جعلها الله على النفوس خفيفة، ظريفة، طريفة، بها أنس، ومتعة، وفائدة، وعبرة، وهي جانب من حياة صاحبكم أبو مح ماح، وهناك جوانب كثيرة، وزوايا منفتحة حادة مثيرة، ستكشفها لنا الأيام القادمة،
كنت قد وادعتكم ثم عدت، فعساه عود أحمد، وعسا أن تكون أخيرة إن شاء الله،
،،، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته...