التاج
31-01-03, 03:53 pm
هناك أمور في الحياة أعتدنا عليها وهناك كلمات تعودت مسامعنا عليها وارتاحت أنفسنا لها . فيكفي شاباً مثلاً أن يقال له : ونعم . بغض النظر عن فحوى هذه الكلمة وبغض النظر عن مناسبتها . فما الذي يجعل ذلك الشاب منصاعاً لها وهو يعلم حقيقتها ودقة مناسبتها ؟ أسئلة ترد الخاطر دائماً ولكننا لا نجيب والمثل الشعبي يقول : حدر جبل ولا تحدر طبع . لعل العادات التي نتصف بها هي المحرّك الرئيس لمثل تصرفاتنا عند قبول ذلك الكلام . لماذا ننجرف خلف عاداتنا ولا نحكّم فيها قبل إصدارها . إن محور كلامي ينصب في قول أحد الأشخاص لشخص ما : ونعم . فمن المؤهل في هذه الحالة ؟ الشخص الذي أصدر الحكم أم الشخص الذي قيل فيه الحكم ؟ سؤال يجرنا إلى سؤال أصعب ، إذا كان كلا الشخصين لا يستحقان ذلك فمن يستطيع إصدار الأحكام على الأشخاص ؟ في ظل عدم جدوى كليهما . أو السؤال مرة أخرى وبأسلوب أشمل : ما مواصفات الشخص الذي يصدر أحكامه على الأشخاص ؟ إنها أسئلة متداخلة وشائكة . وباعتقادي لا يستطيع أحد الإجابة عليها لأن المحكّم الحقيقي فينا هو العادات ليس إلا . إذاً من يستطيع إصدار أحكامه على الناس هو العادات وليس أحد من الناس . فالناس هم سواء يتكيفون مع نمط بيئي معين فينساقوا مجبورين على التمسك بعاداته . هذا ما توصلت إليه في قرارة نفسي . ولكن هناك سؤال آخر وهو ناتج عن تداخلات الأسئلة السابقة .ماذا لو وجد شخص يستحق قول : ونعم ؟ أعتقد أنه لا وجود للتعارض فيما ذهبت إليه إن وجد شخص فالمحكّم هنا هم الناس وليس العادات .
كلمة : ( ونعم ) وهي كلمة عامية نطلقها على من يستحق ، فهي كلمة لها مدلولاتها الشعبية الكثيرة وكثيراً ما تستخدم هذه الكلمة بالذات عن غيرها عند السؤال مثلاً عن النسب فيقول المسؤول : أنا بن فلان فيرد عليه السائل : ونعم . وهذه النظرة لا تتفق أبداً مع قول الشاعر : ليس الفتى من قال هذا أبي ……… إن الفتى من قال هاأنا ذا
فالشاعر يثبت أن النسب الحقيقي هو فعل الفتى وليس الاعتماد على فعل وذكر أبيه . وغيره الشاعر الذي يقول وهو جواب للشاعر آنف الذكر ، يقول :
إنا وإن أحسابنا كرمت ………………. لسنا على الأحساب نتكل
نبني كما كانت أوائلنا ………………. تبني ونفعل فوق ما فعلوا
فهنا الشاعر يثبت أحقية النسب ولكن من وجه آخر ألا وهو كرم الأفعال وحسن الصنيع والمعاملة مع الناس .
على كل شخص إدراك حقيقة أحقيته بقول : ونعم . فمهما قيلت له ، وهو يعلم أنه لا يستحقها كان للفشل أقرب ولن ينجح أبداً إذا لم يغيّر ما بنفسه ويسعى لتحقيق جوهر كلمة : ونعم . والشعراء قالوا في هذا الشأن الكثير من القصائد نذكر منها أبيات على سبيل التمثيل :
يقول الشاعر مخاطباً نفسه : تريدين إدراك المعالي رخيصة ……… ولابد دون الشهد من إبر النحل
فالمعالي لن تتحقق بالانتساب لأب عظيم أو لأم عظيمة بل لابد من العمل الدؤوب من أجل انتشال النفس من هواها .
ويقول شاعر آخر : لا تحسب المجد تمراً أنت آكله ………… لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا
فالشاعر يقرر كما يقرر غيره أن المجد الذي يبحث عنه لابد له من صعوبات فمن أراد النجاح عليه تجاوزها .
ويقول بشار بن برد : إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى ………. ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه
نعم . أي الناس تصفو مشاربه ؟ طبعاً الجواب لا يوجد ، فعلى كل شخص المبادرة للتخلص من وهم الركون للنفس ومتطلباتها الكثيرة .
فهذا الشاعر أبو العلاء المعري يقول : وإني وإن كنت الأخير زمانه ……. لآت بما لم تستطعه الأوائل
فهو هنا يتحدى في مجال يحسن الصنع فيه ألا وهو الشعر ونحن لا يعننا مغزى الشاعر بقدر ما يعننا هذه النفس الطموحة الآخذة بالعزة والنصر .
وهذا الشاعر الشريف الرضي يقول : فحسبي إني في الأعادي مبغّض …… وأني إلى غر المعالي محبّب
يكتفي بهذه الفكرة الجميلة كجمال وروعة البيت فهو إنسان يرى أن إبغاض الأعداء له هو انتصار عليهم وهو بطبيعة الحال انتصار لنفسه على الخور ، أما من يحبه فهو رأس العلا الذي يبحث دائماً عنه .
يقول المتنبي : إذا غامرت في شرف مروم ……… فلا تقنع بما دون النجوم
وهذه دعوة للشرف الحقيقي ، فالانتساب للشرف حق مشروع ولكن أين الشرف الحقيقي ؟ إنه يوجد في كل مجالات الحياة فاختر لنفسك مجالاً واحداً منها وأبدع فيه إلى أن تصل إلى النجوم .
وفي بيت آخر يقول المتنبي : لا خيل عندك تهديها ولا مال ……… فليسعد النطق إن لم تسعد الحال
ففي هذا البيت يبيّن الحال التي هو عليها فهو لا يستطيع إهداء الخيل ولا إهداء المال فلم يتبق له إلا الكلام الجميل الرائع وبسبب هذه القناعة أصبح المتنبي شاعر اللغة العربية باتفاق كثير من النقاد .
وهذا شاعر آخر يقول : إني إذا خفي الرجال وجدتني ……….. كالشمس لا تخفى بكل مكان
يوّسع في قناعاته حتى أنه يشبّه نفسه بالشمس التي تغطي كل المساحات ، انظر إلى آماله وقوة وصعوبة متطلباتها ومع ذلك فهو إنسان يعشق التحدي وليتنا نتحدى أنفسنا لنحقق ما نصبوا ونتطلع دائماً إليه .
والبيت المشهور الذي اتخذ مثلاً يقول : نفس عصام سودته عصاماً ……. وعلمته الكر والإقداما
فالنفس هي التي تتمنى وهي التي تكل وتتعب ، والنفس العصامية القوية هي من يربح غالباً . فلنجعل أنفسنا أنفساً عصامية .
وأنا عندما أركز على كلمة : ونعم . فإن هذا لا يمنع من اتخاذها نبراساً لكل من أحسن صنعاً ، ولا يعني كذلك عدم أحقية استخدامها لأي شخص . فما أردته من كلامي هو التركيز على كلمة نتفوه بها ولا نعلم أحياناً حقيقتها أو لنقل أننا لا نستخدمها في مناسبتها الحقيقية .
وفي الأخير نقول دائماً لكل من تغلب على نفسه : ونعم .
ودمـــــــــتم
كلمة : ( ونعم ) وهي كلمة عامية نطلقها على من يستحق ، فهي كلمة لها مدلولاتها الشعبية الكثيرة وكثيراً ما تستخدم هذه الكلمة بالذات عن غيرها عند السؤال مثلاً عن النسب فيقول المسؤول : أنا بن فلان فيرد عليه السائل : ونعم . وهذه النظرة لا تتفق أبداً مع قول الشاعر : ليس الفتى من قال هذا أبي ……… إن الفتى من قال هاأنا ذا
فالشاعر يثبت أن النسب الحقيقي هو فعل الفتى وليس الاعتماد على فعل وذكر أبيه . وغيره الشاعر الذي يقول وهو جواب للشاعر آنف الذكر ، يقول :
إنا وإن أحسابنا كرمت ………………. لسنا على الأحساب نتكل
نبني كما كانت أوائلنا ………………. تبني ونفعل فوق ما فعلوا
فهنا الشاعر يثبت أحقية النسب ولكن من وجه آخر ألا وهو كرم الأفعال وحسن الصنيع والمعاملة مع الناس .
على كل شخص إدراك حقيقة أحقيته بقول : ونعم . فمهما قيلت له ، وهو يعلم أنه لا يستحقها كان للفشل أقرب ولن ينجح أبداً إذا لم يغيّر ما بنفسه ويسعى لتحقيق جوهر كلمة : ونعم . والشعراء قالوا في هذا الشأن الكثير من القصائد نذكر منها أبيات على سبيل التمثيل :
يقول الشاعر مخاطباً نفسه : تريدين إدراك المعالي رخيصة ……… ولابد دون الشهد من إبر النحل
فالمعالي لن تتحقق بالانتساب لأب عظيم أو لأم عظيمة بل لابد من العمل الدؤوب من أجل انتشال النفس من هواها .
ويقول شاعر آخر : لا تحسب المجد تمراً أنت آكله ………… لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا
فالشاعر يقرر كما يقرر غيره أن المجد الذي يبحث عنه لابد له من صعوبات فمن أراد النجاح عليه تجاوزها .
ويقول بشار بن برد : إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى ………. ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه
نعم . أي الناس تصفو مشاربه ؟ طبعاً الجواب لا يوجد ، فعلى كل شخص المبادرة للتخلص من وهم الركون للنفس ومتطلباتها الكثيرة .
فهذا الشاعر أبو العلاء المعري يقول : وإني وإن كنت الأخير زمانه ……. لآت بما لم تستطعه الأوائل
فهو هنا يتحدى في مجال يحسن الصنع فيه ألا وهو الشعر ونحن لا يعننا مغزى الشاعر بقدر ما يعننا هذه النفس الطموحة الآخذة بالعزة والنصر .
وهذا الشاعر الشريف الرضي يقول : فحسبي إني في الأعادي مبغّض …… وأني إلى غر المعالي محبّب
يكتفي بهذه الفكرة الجميلة كجمال وروعة البيت فهو إنسان يرى أن إبغاض الأعداء له هو انتصار عليهم وهو بطبيعة الحال انتصار لنفسه على الخور ، أما من يحبه فهو رأس العلا الذي يبحث دائماً عنه .
يقول المتنبي : إذا غامرت في شرف مروم ……… فلا تقنع بما دون النجوم
وهذه دعوة للشرف الحقيقي ، فالانتساب للشرف حق مشروع ولكن أين الشرف الحقيقي ؟ إنه يوجد في كل مجالات الحياة فاختر لنفسك مجالاً واحداً منها وأبدع فيه إلى أن تصل إلى النجوم .
وفي بيت آخر يقول المتنبي : لا خيل عندك تهديها ولا مال ……… فليسعد النطق إن لم تسعد الحال
ففي هذا البيت يبيّن الحال التي هو عليها فهو لا يستطيع إهداء الخيل ولا إهداء المال فلم يتبق له إلا الكلام الجميل الرائع وبسبب هذه القناعة أصبح المتنبي شاعر اللغة العربية باتفاق كثير من النقاد .
وهذا شاعر آخر يقول : إني إذا خفي الرجال وجدتني ……….. كالشمس لا تخفى بكل مكان
يوّسع في قناعاته حتى أنه يشبّه نفسه بالشمس التي تغطي كل المساحات ، انظر إلى آماله وقوة وصعوبة متطلباتها ومع ذلك فهو إنسان يعشق التحدي وليتنا نتحدى أنفسنا لنحقق ما نصبوا ونتطلع دائماً إليه .
والبيت المشهور الذي اتخذ مثلاً يقول : نفس عصام سودته عصاماً ……. وعلمته الكر والإقداما
فالنفس هي التي تتمنى وهي التي تكل وتتعب ، والنفس العصامية القوية هي من يربح غالباً . فلنجعل أنفسنا أنفساً عصامية .
وأنا عندما أركز على كلمة : ونعم . فإن هذا لا يمنع من اتخاذها نبراساً لكل من أحسن صنعاً ، ولا يعني كذلك عدم أحقية استخدامها لأي شخص . فما أردته من كلامي هو التركيز على كلمة نتفوه بها ولا نعلم أحياناً حقيقتها أو لنقل أننا لا نستخدمها في مناسبتها الحقيقية .
وفي الأخير نقول دائماً لكل من تغلب على نفسه : ونعم .
ودمـــــــــتم