المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حكمة امرأة ورّثتها ندماً ... قصة


التاج
15-01-03, 07:33 pm
قصة المدرسة وزوجها العابث ...........

هيا استيقظوا هيا يا أولاد هيا يا بنات ومثل كل أم تنادي أبناءها للاستعداد ليوم دراسي جديد . فهي أم حريصة على تربية وتنشئة أبنائها على طريق الخير والصلاح ، فكل صباح يوم دراسي تبلغ السعادة في داخلها أبعد الفضاءات المملوءة بكل بالحب والوفاء . هي تلك المربية والمعلمة التي تسعى لانتشال ما تبقى لنا من عادات جميلة ، وتصارع أمواج التغيير بكل ثباتٍ ، وتعمل على نفض الأتربة والغبار عن ما طمس لنا من أخلاق حميدة . إنها الأم التي تضحي من أجل أبنائها فيحققوا آمالهم وطموحاتهم الكبيرة . ومع ذلك فهي زوجة ناجحة استطاعت أن توّفق بين عملها وبين متطلبات زوجها فهي بعين الصديق تكبر وبعين العدو تعظم .
في يومٍ من الأيام وبينما المعلمة نورة تشرف على الطالبات في الفسحة أحست بإعياء شديد لم تستطع أن تتمالك نفسها وكادت أن تسقط لولا عناية الإله . أسرعت زميلتها المعلمة ريم قائلةً : ما بك يا أم محمد . نورة : لا عليك أحس بتعب شديد وبدوار في رأسي . ريم : سالمةٌ أن شاء الله ، اذهبي إلى المديرة واستأذني لتخرجي وترتاحي . نورة : حسناً ، سأفعل . ذهبت نورة متثاقلةً خطواتها لا تشعر بالأرض التي تدوس عليها فما إن وصلت إلى المديرة هيلة قالت لها : إنني أحس بآلام في رأسي أرجو منك السماح لي بالذهاب إلى المنزل . قالت هيلة : لا عليك ، اذهبي إلى بيتك وأنا سأتصرف . نورة : شكراً لك . هيلة : أتمنى لك دوام العافية . حملت نورة نفسها واتجهت إلى منزلها القريب من مدرستها . كانت تكابر فتقول في نفسها : لعلي أظلم نفسي بهذا الإحساس ، ولعل تعبي ما هو إلا ألم خفيف وهكذا استمرت تحدّث نفسها إلى أن دخلت بيتها المطمئن . أقبلت وهي تجر نفسها جراً من آثار التعب الذي تحسه ، فسمعت صوتاً غريباً في البيت . ما هذا الصوت ؟
هل ما أحس به من آثار شدة الألم ؟ بدأت تحدّث نفسها عن صحة ما سمعت . وعندما اقتربت من غرفتها تأكدت من مصدر الصوت فاقتربت كثيراً كي تسمع عن قرب . في هذه اللحظة انصدع تمييز الأصوات عندها ، وانخنقت العبرات في صدرها ، وأظلمت الدنيا بأسرها . إن هذا الصوت هو صوت زوجي يا الله هل هو بالفعل زوجي إنه صوت زوجي إنني متأكدة من صوته الرخيم وما هذا الصوت لا لا لن يكون صوت الخادمة يا الله لا إنني واهمة بل إني في حلم عميق لم أصحو منه كلا والله إنه صوت خادمتي نوريا . ما الذي تفعله هنا مع زوجي ؟ ذهلت المرأة من هول ما سمعت ووضعت يديها على رأسها المتعب استجمعت قواها وألفت الصمت إلى أن تأكدت مما يفعلانه داخل الغرفة، فانسلت ورجعت بحيث لم يشعر أحد منهما . رجعت المعلمة إلى مدرستها وهي لا تدري أين تولي . فلما وصلت استقبلتها المديرة : ما الذي أتى بك يا أم محمد . فأجابت : تحسنت حالتي وأحسست بقوتي فرجعت إلى عملي . المديرة : أهلاً بك وشكراً لاهتمامك بعملك . نورة : هذا عملي وأنا أتشرف بالانتماء إليه . أخفت نورة معالم الدهشة التي أصابتها وتحاملت كثيراً على نفسها إلى أن انتهى دوامها كالعادة ظهراً . فذهبت إلى منزلها مخفيةً في نفسها كل ما تريد القيام بعمله . اتصلت على أخيها صالح : أخي تعال بسرعة فأنا أريدك . أتى أخوها مسرعاً مضطرباً . وماذا تريدين ؟ نورة : أريد منك إبقاء الخادمة عندك في البيت إلى أن تجهز أوراقها فنسفرها إلى بلدها . صالح : ولكن ما جنايتها ؟ نورة : أنها في الأيام الأخيرة لم تعجبني ، وأريد تغييرها . صالح : لك ما تريدين فعله . ذهبت الخادمة مع صالح . وبعد ساعاتٍ أكمل صالح إجراءات رحيل الخادمة . في هذه الأثناء أقبل الزوج كعادته : أين الغداء يا أم محمد . نورة : لحظات ويكون جاهزاً . وبعد أن أكل الجميع وجبة الغداء اتجه الأب إلى غرفته ، فلحقته الزوجة مسرعةً . ولما دخلت سألها الأب باستغراب : لم أر الخادمة نوريا ؟ نورة : لقد ذهبت مع أخي وزوجته ليكشف عليها الطبيب . الأب : ولماذا يكشف عليها في هذا الوقت ؟ نورة : اعتاد أخي على الكشف على خادمته فطلبت منه أن يأخذ خادمتنا معه . الأب : حسناً فعلت ، وعن ماذا أسفرت النتائج ؟ نورة : يا أبا محمد إني أخي صالح على حق عندما كان يذهب بالخادمة ليكشف عليها ، فقد تبيّن من خلال الكشف عليها أن فيها جرثومة الإيدز حفظنا الله منها . الأب : وقد أصبح لون وجهه أسوداُ : ماذا قلتي ؟ نورة وبكل هدوء : يقول الطبيب أن فيها بدايات مرض الإيدز . الأب وكاد أن يسقط : ومن هذا الطبيب ؟ وكيف يقول ذلك ؟ وكاد الأب أن يكشف نفسه لزوجته التي تخفي ما تعلم . وكانت نورة تتصنع الكلام والشعور فكأنها منصدمةٌ مما من تشخيص الطبيب . واستمر الأب في الأسئلة التي تدور حول المرض وليست تدور حول الخادمة . قال الأب : وماذا سنفعل بها ؟ نورة : لقد طلبت من أخي سرعة عمل اللازم لترحيلها لبلدها . الأب : وكان متردداً في قبول هذا الحل فهو يعلم بموقفه وأن كل تحرك منه سيكشفه فآثر الصمت على الكلام وجعل الأمر بيد الزوجة . سافرت الخادمة بلا عودة إلى ديارها وبقي الزوج في دوامة الحزن فأصيب بمرض ألزمه فراشه . وفي يومٍ من الأيام المشهودة لنورة وبينما كانت قريبة من زوجها أحست منه صوتاً غريباً فبادرته السؤال : ما بك يا أبا محمد . وكان الأب يصارع سكرات الموت ولم يكن يتحرك فيه غير عينيه اللتين تذهبان يمنةً ويسرةً . لم يجب الأب على زوجته في موقفٍ لم تتمالك الأم نفسها بكت بأعلى صوتٍ لقد كذبت عليك لقد كذبت عليك لم يكن بالخادمة مرض الإيدز اسمعني يا أبا محمد إنني أقول الصدق الآن وعينا الأب تتحركان ولسانه معقود لا يستطيع الحديث به . ونورة تحاول وتحاول إلى أن قرب موعد خروج الروح وشهق الأب شهقة الوداع . وانكبت الأم في حجره تبكي وتصرخ لم أكن أقصد ذلك كنت أريد حفظك وحفظ أبنائنا يا أبا محمد . وأصبحت الأم في حزنٍ وندمٍ جرّاء ما أملت عليها حكمتها التي كانت تنجرف خلف صحتها وتأثيرها ، فكانت هذه الحكمة بداية وداعها الأخير ونهاية علاقة استمرت سنين . لقد مات الأب مخلفاً وراءه تركةً من الحزن و الندم الملازمين . وبقيت الأم على حالها الحزينة .