سَـاكنة القـلب
29-04-10, 09:44 pm
قبل الأمس .. الثلاثاء ..
قرابة الساعة العاشرة والنصف صباحًا ..
كنت على الانترنت .. سعيدة بأول غياب لي منذ أن توظفت ..
وسبب الغياب .. هو إعدادي لحفلة صغيرة لأهلي بمناسبة راتبي الأول ..
كانت غرفتي في فوضى رهيبة .. فحتى أكواب العصير الجديدة ركنتها في الغرفة كي تكون مفاجأة في الحفل !!
اتصل والدي على أمي يخبرها عن تعب جدتي المفاجئ وأنها في المستشفى منذ ساعات !!
جدتي التي كانت معنا الأحد وليس بها إلا تمام العافية !
ذهبت وأمي .. وقلوبنا ترجف في خوف وألسنتنا تلهج في ابتهال لله بأن يحفظ لنا ريحانة أفئدتنا ..
دخلنا إلى مكان مقارب للعناية المركزة لأشاهد حالًا لا أظنني سأنساه في حياتي كلها !
كانت عمتي الكبيرة ( هيا ) والتي هي صديقة لأمي نورة قبل أن تكون ابنتها !
تصرخ على عمي سعود .. والله يا سعود ما اسامحك واميمتي ما تسامحك !!
هي من يوم طلعنا للدنيا موصيتنا أنها ما تبي تدخل مستشفيات يكشفون جسمها ويحطون لها ليات ..
ويوم طاحت تعاندونها !!
والله ما أسامحك !!
وعمي سعود يصرخ في نفاذ صبر .. نفعل السبب .. وش تبينا نسوي نتفرج !!
والبقية ما بين بكاء وصلاة وتهليل .. وأصغر أعمامي وعمره ثلاثين سنة .. كان يبكي في ركن الغرفة مثل الأطفال !!
فشخصيته غاية في الضعف .. وأمي نورة كانت كل شيء بالنسبة له !!
أم وصديقة وأخت !!
لم يسمحوا لنا بدخول العناية المركزة .. وبعد محاولات وضغط .. سمحوا بدخول اثنين اثنين ..
دخلت .. ولم أشاهد أمي نورة أبدًا !!
بل مجموعة عظام تيبست فجأة .. تعلوها أجهزة المستشفى كلها !!
خرجت لأمسك ابنة عمي التي أغمي عليها ..
ولكننا عاودنا الدخول –كلنا- بعد أن سمعنا صراخ عمتي .. أمي بتموووت .. أمي بتموووت !!!
كانت أمي نورة – يرحمها الله-رافعة لسبابتها .. أي والله رافعة لها !!
وعمتي هيا تصرخ في الممرضين .. شيلوا الأجهزة خلوا أمي تتشهد !!
وخالد ابن عمي يردد الشهادتين بصوتٍ عال !!
وجهازين بجانبها تنزل أرقامهما .. 60 .. 50 .. 40 ..
أسألهم من بين دموعي وخوفي عن ماهية هذه الأجهزة ولا من مجيب !!
صراخ وبكاء فقط !!!
إلى أصبحت كل الأجهزة بلا حراك !!
صفر !
أمامي مباشرة ..
قال الدكتور بأنه سيعمل إنعاش للقلب !
وقتها – بلا مبالغة- كادت عمتي هيا أن تضربه !
وهي تصرخ .. ما تعترفون بالموت !!
وش لقينا منكم غير تحسير أميمتي الضعيفة ولياتكم اللي نخرت جسمها !!
الضعيفة ماتت وبتمون تحسرونها .. ما نبيكم .. إنا راضين بقضاء الله وقدره ..
يله بس شيلوا لياتكم !!!!
وكان لها ما أرادت وسط تعجب الممرضين والممرضات !!!!
والله العظيم .. وسط هذا الهرج والمرج .. كنت أشاهد الوجه الآخر للحياة !
بل الوجه الحقيقي بمعنى أدق وأصح !
حقيقة الممر الزائل .. حقيقة الفناء .. حقيقة الشقاء ..
أي فرحة في دنيا تعطيني مبلغ زهيد وتأخذ مني ريحانة قلبي وسلوة عمري ؟!!!
حقيقة ألم سكرات الموت !!
وأقسم بالله .. كانت جدتي الصوامة القوامة التي يتعجب الناس من ثباتها على دينها .. عاضة على شقتها السفلى ..
وملامح الألم واضحة عليها !!!
فكيف – بربكم – بسكراتنا ولم نقدم ما يهونها علينا من الأعمال الصالحة ؟!!!
في المغسلة .. قرأت آية وكأنني أقرأها للمرة الأولى !
( و أن ليس للإنسان إلا ما سعى و أن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى و أن إلى ربك المنتهى )
هي دعوة جادة .. للالتفات إلى الآخرة .. إلى الحياة الأبدية !
فلقد غفلنا بما فيه الكفاية
بكى والدي الحبيب .. ولأول مرة أراه على هذا الحال !!!
فقد والده في سن صغيرة .. ثم ثلاثة من إخوانه .. ثم فجع بريحانة قلبه !!
كنت أطل عليه من استراحة المغسلة .. ومن فتحات المسجد .. وقد لف شماغه حول رأسه .. وألمه يعتصر قلبي
ويرسل دمعاتي !!
كأني به يتساءل .. إلى من سأذهب كل ضحى ؟
من ستجتمع العائلة عنده كل ثلاثاء و جمعة ؟
من ستدعو لي وتغمرني بحنانها ؟
من بقي لي في هذه الدنيا لأبر به ؟!!!
الكل كان في بكاء بلوعة ..
الخادمات اللاتي كانت تصر على إعطائهن من مالها في كل مرة !
الأطفال الذين لا تحضر إلا ومعها ما يسرهم ..
بيتها البسيط المتواضع الذي رفضت تغييره رغم محاولاتنا المتكررة ..
دجاجاتها اللاتي ترفض المبيت عند أحدنا لأجلهن !
وتسأل عنهن ، وتوصي بهن خيرًا .. حتى وهي في فراش المرض !
ورودها !
رائحة النعناع التي تملأ غرفها !!
شيلاتها الموزعة في كل مكان !!
سجادتها الزرقاء الجميلة !!
كل شيء بكاك يا أمي نورة
الجماد قبل الإنسان !
وآهٍ لو تعلمين كم حضر أحبابك من كل مكان .. ليشهدوا جنازتك يا أطهر الخلق ..
والناس شهداء الله في أرضه .. وكلهم يثنون عليكِ بخير !!
رحمك الله يا أمي نورة .. وحفظكِ كما حفظته في دنياكِ !
يـــــــــــا ربُ ودعتك جوهرة قلبي .. يا رب فأحفظها
نصيحة ..
تفقدوا أحبابكم .. راضوهم .. أسعدوهم ..
فلا أنا و لا أنتم على علمٍ بـ متى نفقدهم ؟!!
وربما كان الموت أقرب مما نتصور !
إنا لله وإنا إليه راجعون ..
قرابة الساعة العاشرة والنصف صباحًا ..
كنت على الانترنت .. سعيدة بأول غياب لي منذ أن توظفت ..
وسبب الغياب .. هو إعدادي لحفلة صغيرة لأهلي بمناسبة راتبي الأول ..
كانت غرفتي في فوضى رهيبة .. فحتى أكواب العصير الجديدة ركنتها في الغرفة كي تكون مفاجأة في الحفل !!
اتصل والدي على أمي يخبرها عن تعب جدتي المفاجئ وأنها في المستشفى منذ ساعات !!
جدتي التي كانت معنا الأحد وليس بها إلا تمام العافية !
ذهبت وأمي .. وقلوبنا ترجف في خوف وألسنتنا تلهج في ابتهال لله بأن يحفظ لنا ريحانة أفئدتنا ..
دخلنا إلى مكان مقارب للعناية المركزة لأشاهد حالًا لا أظنني سأنساه في حياتي كلها !
كانت عمتي الكبيرة ( هيا ) والتي هي صديقة لأمي نورة قبل أن تكون ابنتها !
تصرخ على عمي سعود .. والله يا سعود ما اسامحك واميمتي ما تسامحك !!
هي من يوم طلعنا للدنيا موصيتنا أنها ما تبي تدخل مستشفيات يكشفون جسمها ويحطون لها ليات ..
ويوم طاحت تعاندونها !!
والله ما أسامحك !!
وعمي سعود يصرخ في نفاذ صبر .. نفعل السبب .. وش تبينا نسوي نتفرج !!
والبقية ما بين بكاء وصلاة وتهليل .. وأصغر أعمامي وعمره ثلاثين سنة .. كان يبكي في ركن الغرفة مثل الأطفال !!
فشخصيته غاية في الضعف .. وأمي نورة كانت كل شيء بالنسبة له !!
أم وصديقة وأخت !!
لم يسمحوا لنا بدخول العناية المركزة .. وبعد محاولات وضغط .. سمحوا بدخول اثنين اثنين ..
دخلت .. ولم أشاهد أمي نورة أبدًا !!
بل مجموعة عظام تيبست فجأة .. تعلوها أجهزة المستشفى كلها !!
خرجت لأمسك ابنة عمي التي أغمي عليها ..
ولكننا عاودنا الدخول –كلنا- بعد أن سمعنا صراخ عمتي .. أمي بتموووت .. أمي بتموووت !!!
كانت أمي نورة – يرحمها الله-رافعة لسبابتها .. أي والله رافعة لها !!
وعمتي هيا تصرخ في الممرضين .. شيلوا الأجهزة خلوا أمي تتشهد !!
وخالد ابن عمي يردد الشهادتين بصوتٍ عال !!
وجهازين بجانبها تنزل أرقامهما .. 60 .. 50 .. 40 ..
أسألهم من بين دموعي وخوفي عن ماهية هذه الأجهزة ولا من مجيب !!
صراخ وبكاء فقط !!!
إلى أصبحت كل الأجهزة بلا حراك !!
صفر !
أمامي مباشرة ..
قال الدكتور بأنه سيعمل إنعاش للقلب !
وقتها – بلا مبالغة- كادت عمتي هيا أن تضربه !
وهي تصرخ .. ما تعترفون بالموت !!
وش لقينا منكم غير تحسير أميمتي الضعيفة ولياتكم اللي نخرت جسمها !!
الضعيفة ماتت وبتمون تحسرونها .. ما نبيكم .. إنا راضين بقضاء الله وقدره ..
يله بس شيلوا لياتكم !!!!
وكان لها ما أرادت وسط تعجب الممرضين والممرضات !!!!
والله العظيم .. وسط هذا الهرج والمرج .. كنت أشاهد الوجه الآخر للحياة !
بل الوجه الحقيقي بمعنى أدق وأصح !
حقيقة الممر الزائل .. حقيقة الفناء .. حقيقة الشقاء ..
أي فرحة في دنيا تعطيني مبلغ زهيد وتأخذ مني ريحانة قلبي وسلوة عمري ؟!!!
حقيقة ألم سكرات الموت !!
وأقسم بالله .. كانت جدتي الصوامة القوامة التي يتعجب الناس من ثباتها على دينها .. عاضة على شقتها السفلى ..
وملامح الألم واضحة عليها !!!
فكيف – بربكم – بسكراتنا ولم نقدم ما يهونها علينا من الأعمال الصالحة ؟!!!
في المغسلة .. قرأت آية وكأنني أقرأها للمرة الأولى !
( و أن ليس للإنسان إلا ما سعى و أن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى و أن إلى ربك المنتهى )
هي دعوة جادة .. للالتفات إلى الآخرة .. إلى الحياة الأبدية !
فلقد غفلنا بما فيه الكفاية
بكى والدي الحبيب .. ولأول مرة أراه على هذا الحال !!!
فقد والده في سن صغيرة .. ثم ثلاثة من إخوانه .. ثم فجع بريحانة قلبه !!
كنت أطل عليه من استراحة المغسلة .. ومن فتحات المسجد .. وقد لف شماغه حول رأسه .. وألمه يعتصر قلبي
ويرسل دمعاتي !!
كأني به يتساءل .. إلى من سأذهب كل ضحى ؟
من ستجتمع العائلة عنده كل ثلاثاء و جمعة ؟
من ستدعو لي وتغمرني بحنانها ؟
من بقي لي في هذه الدنيا لأبر به ؟!!!
الكل كان في بكاء بلوعة ..
الخادمات اللاتي كانت تصر على إعطائهن من مالها في كل مرة !
الأطفال الذين لا تحضر إلا ومعها ما يسرهم ..
بيتها البسيط المتواضع الذي رفضت تغييره رغم محاولاتنا المتكررة ..
دجاجاتها اللاتي ترفض المبيت عند أحدنا لأجلهن !
وتسأل عنهن ، وتوصي بهن خيرًا .. حتى وهي في فراش المرض !
ورودها !
رائحة النعناع التي تملأ غرفها !!
شيلاتها الموزعة في كل مكان !!
سجادتها الزرقاء الجميلة !!
كل شيء بكاك يا أمي نورة
الجماد قبل الإنسان !
وآهٍ لو تعلمين كم حضر أحبابك من كل مكان .. ليشهدوا جنازتك يا أطهر الخلق ..
والناس شهداء الله في أرضه .. وكلهم يثنون عليكِ بخير !!
رحمك الله يا أمي نورة .. وحفظكِ كما حفظته في دنياكِ !
يـــــــــــا ربُ ودعتك جوهرة قلبي .. يا رب فأحفظها
نصيحة ..
تفقدوا أحبابكم .. راضوهم .. أسعدوهم ..
فلا أنا و لا أنتم على علمٍ بـ متى نفقدهم ؟!!
وربما كان الموت أقرب مما نتصور !
إنا لله وإنا إليه راجعون ..