تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : فـيح السنين


كرمع
01-04-10, 01:30 pm
1

نحن في أواخر شهر ذي القعدة من عام 1368 هـ ، الأفواه تتحدث في سوق جردة بريدة عن سيارة مقبلة من الزلفي تقصد الحج ، حمالية أو حصنية ، سيكون دخولها في بريدة بعد العصر ، سيتزودون من الوقود والمتاع ومن ثم ستنطلق نحو الحجاز .

هذا ماكنت تبحث عنه يارجل ، فتوكل على الله .

انتظرتك
01-04-10, 01:33 pm
وكلنا أمل بإن يكون الوقود والمتاع

مناسبين لتلك الرحلة ..






بالإنتظار دائماً ,,

yousef
01-04-10, 01:53 pm
إذن
< سوف يكون لنا في المجلس
مدن الملح الحديثة
ولكن يا خوفي من التيه في الحمالية >.!!
تحياتي الدائمة ،،

كرمع
01-04-10, 02:11 pm
2

- هذا ماكنت تبحث عنه يارجل
- صحيح ، ولكني خرجت من أم عبدالكريم قاصدا السوق ، وهؤلاء حجاج الزلفي كما تعلم على مشارف بريدة ..
سكت وهو يحك ذقنه ويفكر مطرقا ..
- ألا تذهب وتخبرها بعزمك على الحج معهم وتودع أولادك ؟
- مستحيل ! هذا مستحيل ، وأنت تعلم أن بيتي على بعد عشرة أكيال من السوق ، وهذا يعني أنني حينما أذهب وأعود فإن الحجاج سيكونون قد بلغوا قريبا من البكيرية وربما أبعد ، لقد ذهب وقت الجمال يارجل وليس بمقدوري اللحاق بسيارة تضرب الأرض بهذه السرعة !
- وماذا تنوي إذن ؟
أخذ أبوعبدالكريم نفسا عميقا اضطرم له فؤاده وهبت عليه نفحات الحج ولواعج الشوق إلى الحرم فقال وهو يجمع نيته ويعزم رأيه :
- خذ هذه الصرة أوصلها لأولادي ، وبلغ سلامي لأم عبدالكريم وأخبرها بما نويت ، وتمتم في سره : يارب ، إنهم وداعة بين يديك فاحفظهم .

راشد الصليحان
01-04-10, 02:14 pm
أديبنا القدير كرمع
هل كان في ذاك الزمن حصنية ..؟؟
معلوماتي .. الونيت ( فورد ) الذي تم تحويله إلى أتوبيس بلاكاش هو أفضل وسيلة نقل
كما ان الحمالية في ذاك الوقت ( ونيت فورد )

ننتظر المزيد

مشقاص
01-04-10, 02:32 pm
أديبنا القدير كرمع
هل كان في ذاك الزمن حصنية ..؟؟
معلوماتي .. الونيت ( فورد ) الذي تم تحويله إلى أتوبيس بلاكاش هو أفضل وسيلة نقل
كما ان الحمالية في ذاك الوقت ( ونيت فورد )

ننتظر المزيد

راشد هذه صورة الحمالية أو الستيك بدي .



http://www.t63ys.com/mjaled/old%20cars/g.a38.jpg


http://sudeer-up.com/upload/uploads/images/sudeer-51b5062b3a.jpg

كرمع
01-04-10, 03:01 pm
3

في المكان الذي تشرق فيه الشمس على بريدة بدأ الصوت يزمجر ، وتسمع ارتطام العجلات بالصخور ، ناقلة حمراء اللون وفي جنبات الحوض منها أخشاب متراصة ومطرزة بألوان شتى ، تبصر من بعيد مزاود المسافرين وأمتعتهم المعلقة وهي تتدلى وتتأرجح والسيارة تترنح وتعلو وتهبط ، والغبار يتطاير ، والأجساد المتكدسة على بعضها في الداخل ، والوجوه الشعث التي تهتز ، وصاح الصائح في السوق :
- حجاج ، حجاج الزلفي وصلوا بريدة .. حجااج ..
نهض أبوعبدالكريم من عتبة الدكان وأخذ مزودته على عجل وهرول ناحية الصوت ويمشي حوله الرجل والرجلان والرجل مع المرأة حتى بلغوهم .
يقول أبوعبدالكريم :
تنامى إلى سمعي لغطهم من بعيد ، وحينما وصلنا تأفف راكب كان في الحوض وقال : لايمكنكم الركوب ، المكان مزدحم جدا ، وثمة أناس في الطابق السفلي ، وقال آخر : على هذه الحالة ربما لن نستطيع الخروج من القصيم ! وهمهمت امرأة تحت غطائها وهي تبكي وتقول : يالله انك ترحمهم ياكريم ، كان السائق يدفعهم وهم يركبون ! ويقول لهم : يارجال ! ليس هاهنا مكان ، وهم يقولون : لاعليك ، ويتشبثون ويزاحمون ويندسون أما أنا فقد تعلقت على الباب ومزودتي في يدي ، وتحلحلت السيارة الضخمة ، ونضحت رائحة العرق والغبار والأفواه الجائعة و انطلقنا تموج بنا الوهاد ، وقد سرت رعشة الفرح في جسدي كله .

كرمع
01-04-10, 08:53 pm
استراحة قصيرة /

- الأحداث التي تروى هنا واقعية .
- لست من أهل الردود ، وأتمنى أن يعذرني المداخلون حينما لا يجدون تجاوبا سريعا ، مع شكري وتقديري لهم سلفا .
- أنا على اتفاق مبدئي في طباعتها مع أحد دور النشر على شرط أن أنشرها في أحد المنتديات مفصلة قبل الطباعة .

كرمع
01-04-10, 08:56 pm
انتظرتك
شكرا لك على حضورك الجميل وانتظارك

yousef
أشكر لك ثقتك وحسن ظنك مع أنك أقحمت صاحبك بما لاقبل له به

راشد
أهلا وسهلا بك كثييرا ، اشتقنا لك يارجل ، دمت قريبا وعزيزا .

مشقاص
ممتن لحضورك واهتمامك

قبون
03-04-10, 10:20 pm
سأكون معهم على متن القافلة
متابع ياكرمع

كرمع
06-04-10, 08:37 pm
4


بدأت الشمس تختفي شيئا فشيئا خلف التلال الغربية ، الناقلة تهتز بنا وهي تصدر صوتا مع كل كومة رمل تعترضها ، والهواء الذي صرنا نتنفسه مزيج من الغبار والوقود ، وأنا واقف على الصدام الخلفي وقد غرزت أصابعي في الشبك الحديدي الملون ، وحانت مني التفاتة نحو الأفق اللامتناهي وتخيلت موقف زوجتي أم عبدالكريم وقد بلغها الخبر ومن حولها الأفراخ الذين لم يسمح لي الوقت بضمهم وتقبيلهم قبل الرحيل ، وقال الرجل الواقف إلى جانبي بصوت خفيض :
- أحس بدوخة .
- دوخة قوية وإلا بداية دوخة ؟
- دوخة قوية ولا أستطيع التحمل .
كنا قريبا من خمسة أنفار نحن الواقفون وقوفا على الباب ، وكان الحوض ممتلئا بالناس ، وكلمة ممتلئ هنا لاتصف الحالة كما هي وإنما تقترب منها وإلا فليس لمن قام من مكانه أن يعود إليه فيجده فارغا ، لقد كانوا متراصين جدا ، تماما مثل مكنوز التمر الذي نخزنه للشتاء ، وقد قام صاحب السيارة بفصل الحوض إلى طابقين علوي وسفلي ، وفي كل طابق تتكدس النساء في جهة والرجال في الجهة الأخرى ويكون الفاصل بينهم كل امرأة وبجانبها محرمها ، بعضهم يحتضن متاعه أو مزادة طعامه ، وبعضهم قام بتعليقه على جانب الناقلة من الداخل أو من الخارج ، حتى لتهب على أنفك أحيانا رائحة السمن والأقط وطحين البر وقديد اللحم ، وصحت فيهم وقد هبط الليل واحتوانا الظلام :
- ياجماعة ، هنا رجل متعب ، هل يجد لديكم مكانا في الداخل ؟
ولم يرد علي أحد !
- ياجماعة الخير ، هذا الرجل يحس بدوخ شديد ولا يستطيع الوقوف ، فهل يتبرع أحد منكم ويبادله مكانه ؟
لم يقل أحد شيئا سوى أن رجلا من أولئك الذين كانوا يجلسون ملتصقين بمحارمهم في الوسط صاح :
- ياجماعة الخير يقوم واحد منكم ويبادله حتى يرتاح ويرجع إلى مكانه ، نحن هنا في الوسط ليس من اللائق أن نتركه ملتصقا بمحارمنا !
وسادت فترة صمت صعدت فيها السيارة رمثة صغيرة اهتز لها الرجل المريض بجانبي ..

وكيع
06-04-10, 08:45 pm
نحنُ متشوقون لاكمال ماتخطه اناملك اكمل رعاك الله

المتزن
06-04-10, 09:31 pm
جئتُ هنا بمجرد أن رأيت اسمك أخي العزيز كرمع

فها أنا ذا أمد لك يدي لأصافحك ولو من بعيد :)


أهلاً ومرحباً بك عزيزي

جلوي العتيبي
15-04-10, 02:40 pm
ونحن هنا نتابع سيرهم ونتمنى لهم التوفيق

ممتع اخي كرمع

كرمع
15-04-10, 02:49 pm
5

وكاد أن يسقط ، أسرعت وأدرت يدي اليسرى خلف ظهره بينما يدي اليمنى مازالت متمسكة بالشبك الحديدي وقلت له : تماسك يارجل ثم صحت بهم : قولوا للسائق أن يقف .
وقال أحدهم في ناحية من الحوض : يجب أن يقف حتى نقضي حاجتنا ونصلي المغرب والعشاء .
ونهض رجل قريبا من قمرة السائق وصوته يختلط بضجيج الماكينة قائلا : يكفي يارجل ، توقف ، وجعل يضرب على سقف القمرة حتى هدأ صوت الضجيج ، وبدأت الأنوار الخلفية الحمراء تعلن الوقوف .
نزل الجميع وتفرقنا في الخلاء ، وسقط الرجل المريض على ظهره من الإعياء وقال السائق : لقد نزلنا مبكرين ياجماعة ، نحن لانستطيع أن نضيع دقيقة واحدة ، إننا في رحلة مؤقتة وإن تأخرنا عنه أصبحت رحلتنا هباء ولم يتبق لنا سوى وقت يسير لاندري مايعرض لنا به ، أجبته :
- لدينا رجل مريض كاد أن يسقط من الإعياء .
هز رأسه وعاد أدراجه يفتش في أشيائه داخل القمرة .
خلال الظلام تسمع صوت جلبة الأقدام ، تسمع صوت جلبة الرجال وهم يفكون المزاود من جوانب الناقلة ، تسمع همهمة النساء وقد اجتمعن في ناحية يتحدثن عن العناء والجهد والحرج والمشقة ، تسمع أحدهم يرفع الأذان بنغمة نجدية عجلة ، صوت الذين يريقون الماء على وجوههم يتطهرون ، الرجل الذي مازال يتأوه ، اقتربت منه وسألته :
- كيف حالك الآن ؟
- آآه .. لا أدري !
- هل معك رفيق هنا ؟
- لااا ..
- هل أكلت اليوم شيئا ؟
- .............
- تريد أن أحضر لك طعاما ؟
- لا أدري .. لا أشتهي شيئا ..
ذهبت وأحضرت له تمرات وجعلت أمدها له وهو لا يأكل !
وتركته لألحق بالجماعة وقد اصطفوا للصلاة .
حينما عدت إليه وجدت عنده رجلا وسألني :
- كيف حاله ؟
- إن شاء الله أنه إلى خير
- هل هو رفيق لك ؟
- لا ، ولا أعرف من هو ! ولا من أين !
- أهااا .. كنت أظنه رفيقا لك
ثم استطرد .. سأطلب من زوجتي أن تسأل النساء إن كان مع إحداهن شيء من سعوط يتداوى به .
تفرق الناس وأخذوا مضاجعهم وهدأ الصوت إلا من صرير صرصار بعيد في جوف شجرة ، ونباح كلب يبدو أنه فوق تلة بعيدة ، وظهر الرجل وسط الظلام ومعه خرقة ملفوفة ، تساعدنا هو وأنا وأسندنا الرجل وأرغمناه على التهام السعوط وشرب الماء ثم أضجعناه وجعلت تحت رأسه لفافة من الخيش ، وانتحيت عنه جانبا وجمعت لي كومة من التراب ألقيت عليها شماغي ثم اضطجعت بانتظار ماسيسفر عنه النهار ..

بنت آلهاص
15-04-10, 03:34 pm
وماذا بعد تلك الليله ماذا جرى للمرض اكمل فكلي شوق اخي

كرمع
22-04-10, 03:46 pm
6


أناس كثيرون يلبسون إحرامات الحج وجوههم شاحبة ورؤوسهم شعث مقبلون من بعيد ولهم ضجيج ، كنت أرقبهم وهم ينحدرون عبر الوادي ، ووصلني صوتهم دون أن أتبين مايقولون ، وحينما تولوا بقي واحد منهم ، كان يلقي إلي بنظرة حزينة ، كان فمه يتحرك ولكني لا أسمع مايقول ! ، وحينما دنوت منه سمعته يتلو بصوت خفيض : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لاشريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لاشريك لك ، ثم تهاوى على الأرض وأسرعت إليه لأدركه قبل السقوط ، ووجدت نفسي قد صحوت من النوم وأنا أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ، السيارة في مكانها ، الناس من حولي نائمون ، وهذا الظلام الساكن يلفهم جميعا ، سمعت همهمة تصدر من فم صاحبي المريض ، اقتربت منه وإذا هو ساهم العينين وكأنما أخذته هلوسة بفعل الحرارة التي عضته بأنيابها بينما نحن نائمون ، اقتربت لأنصت وإذا هو يلهث ويردد بصوت متقطع معجون بأنفاس حارة : .. لك لبيك .. لاشريك لك .. ، أخذتني رعدة ، أحسست بدمعة حارة تتأهب للنزول ، تلفت حولي أبحث عن كمادة ولكن الظلام شديد ، كورت شماغي وغمسته في الماء ووضعته على جبينه ، وعدت أتوسد كومة الرمل بلا شماغ ، لم يأتني النوم وسرحت أفكر وأنا أنظر إلى النجوم متناثرة في وجه السماء ، كيف هي حال أم عبدالكريم مع أولادها الصغار وحيدين في هذا الليل ؟ إنني مدين لها بكثير من الوفاء ، مسكينات هؤلاء النساء ، تضطر الواحدة منهن فتوافق على الزواج ممن يتقدم لها بعد أن تتنازل عن كثير مما كانت تطمح إليه ، كيف وافقت أن تكون زوجة لي ؟ كان بإمكانها أن ترفضني وتتزوج برجل ثري وتعيش عيشة هانئة بعيدا عن الكد والمشقة معي !
ولكن من يضمن لها أن يتقدم لها رجل ثري ؟
حقا لقد صدق الذي قال : تقلق المرأة على المستقبل حتى تجد زوجا ولا يقلق الرجل على المستقبل حتى يجد زوجة ، أستطيع أن أقول بأن الزوج للمرأة هو كل شيء ، والمرأة العاقلة هي التي تدرك هذا وتظل توازن في تعاملها بناء عليه ، وتقطعت غمامة تفكيري على صوت رجل يرتل القرآن من بعيد ، حدقت وسط الظلام واستطعت التبين من أنه ليس بعيدا ولكنه قصد أن يخفض صوته ، وسمعت رجلا يتوضأ ، وسمعت خشخشة رجال حول السيارة .
لقد طلع الفجر ، وبان الضياء في الجانب الشرقي من السماء ..

كرمع
22-04-10, 04:11 pm
قبون
شكرا لك ولمتابعتك الكريمة .

فارس 666
اهتمامك محل تقديري الكبير ، وافر الشكر لك .

المتزن
مرحبا بك أيها الصديق الجميل ، مشتاقون لك يارجل ، ولو لم يكن لي في هذا المتصفح إلا مصافحتك لكفى ، كن بخير دائما .

جلوي الشقير
أهلا ومرحبا بك أيها الرجل القدير ، الممتع وجودك هنا على مشاغلك وكثرة المتطلبات عليك ، أن سعيد بتشريفك .

بنت آلهاص
وأنا يهمني منك هذه المتابعة المستحثة ، لك وافر الشكر مني .

العبرى
23-04-10, 12:58 am
جميل مانقلته لي هذه الصفحة من شعور
ممتنه لك كرمع..

متابعه



تحيتي,,,

كرمع
23-04-10, 04:03 pm
7
قال السائق مخاطبا الجميع : سنصلي الصبح وننطلق بعدها مباشرة .
ربت أحدهم على كتفي وقال : انتبه لرفيقك يارجل ، لم أرد عليه بشيء ، لقد كانوا يعتقدون أنه رفيق لي بينما لاأعرف عنه شيئا سوى أنه جاء لوحده في هذه الرحلة مثلي ، وأنه محتاج لرعاية خاصة في وضعه الراهن .
وحالما انتهينا من الصلاة تناكب الناس يركبون في السيارة وأخذوا أماكنهم مع لغط سريع قام السائق - والذي يدعونه " أبوسعد "" -بالبت فيه بكلمة خشنة ، لملمت أغراضي وعدت للرجل المريض ، كان نحيلا جدا وليس بالطويل ، له شعرات متفرقة في ذقنه ، وبسبب ضعف جسده ربما وعدم قدرته على التحمل فقد أصبح وجهه مصفرا ، وشفتاه متيبستان ، وضعت يدي على جبينه ، وعدت بها من جذوة متقدة ، أمسكت بيده فتشبث بي كما لو أنه غريق تمسك بطوق نجاة ، كانت الشمس قد أطلت من خلف التلة الممتدة في الأفق ، وزأر صوت الماكينة ، وصاح بي أحد الواقفين في مؤخرة الناقلة : مشينا يارجل .
انكببت عليه وقلت له : هل تستطيع النهوض معي ؟
لم يجبني سوى أنه بدأ يظهر التأوه والإرهاق ، عدت إليهم في حوض السيارة وقلت لهم : صاحبنا مرهق جدا .
قال أحدهم :
- ليركب في قمرة السيارة .
ورد عليه رجل كان يقعد في المقدمة :
- قمرة السيارة لأم سعد وأخيها ، ليس في هذا نقاش ! إنها كالأميرة متربعة على الكرسي !
لم تستطع امرأة كتم ضحكتها من تحت العباءة ، وقال له أحدهم :
- حج ياحاج .
- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .
- حدث السائق بشأنه ياأبوعبدالكريم ، لعل وعسى .
ذهبت إلى السائق وفاتحته بشأن الرجل ، قال لي وقد عبس وجهه :
- وماذا تريدني أن أصنع ؟ أحمله فوق رأسي ؟
كان عصبيا جدا ، عيناه من النوع الذي يشير إلى أنه حانق على الدوام حتى ولو أن قلبه كان يقهقه من الضحك ، صوته جهوري وعريض ، ظهر لي أنه أهوج ولكنني غير متأكد من ذلك ، قلت له :
- أنا لم أقل احمله فوق رأسك ولكن مارأيك أنت بشأنه ؟
-كما ترى أنت ، نحن هنا في قلب الصحراء ، و لم يبق على الحج سوى أيام قليلة .
- أعرف هذا ، وهذا ليس له علاقة بحديثنا ، أنا أقول يجب أن نضجعه في مكان ما من السيارة يناسب وضعه الصحي .
- أين ؟
- هنا إلى جوارك .
- أين ؟ أين ؟ تريدني أن أضجعه هنا وأترك هؤلاء يصعدون فوق ؟ لو توقف الأمر على رغبتي لما حج سواي أنا وهذان الإثنان ، ولكن ماذا أفعل بهؤلاء كلهم وقد تعلقوا بي دون رغبة مني ، أليس هو رفيقك ؟
لم أشأ أن أقول له : لا وخفت أن يقرر قرارا أهوجا فقلت له :
- بلى .
ابتسم ابتسامة صفراء وقال وهو يسحب باب القمرة :
- إذن اجعله يضطجع في مكانك أنت .
قلت له عبر النافذة :
- أنا ليس لي مكان ياأبوسعد .
- كيف ؟
- أنا وهو واقفون في الخلف .
غضب وصاح والزبد يتطاير من فمه :
- ومن قال لكم تتعلقون معي ؟! أمامنا مسافة طويلة والوقت يضيق وأنتم تنشبون مثل العظم في الحلق ونزل مغضبا وهو يلفظ من الشتائم ما أعرفه وما لا أعرفه وأطل على الناس في الصندوق وإذا الحال لايسمح بغرز إبرة كيف بوضع مكان يسمح لرجل سيجلس مضطجعا ، وقال بعنجهية :
- أفسحوا لهذا الرجل المريض مكانا يضطجع فيه .
رد عليه رجل :
- دعه يركب في القمرة .
- القمرة فيها أهلها .
- مين أهلها ؟ يا أخي دع هذه الأميرة أم سعد تتنازل عن كرسيها من أجل الضرورة فقط .
احمر وجه أبوسعد واتسعت حدقة عينيه وصرخ في وجه الرجل :
- ياحمار ، إذا مانزلتك هنا ما أكون أبوسعد ، وقفز يريد أن ينتشله من بين الناس وارتفعت الأصوات وساد اللغط وحضر الشيطان ولم تعد تسمع سوى : تعوذوا من إبليس يارجال ، ادحروا الشيطان ، حج ياحاج ، حج ياحاج ..

كرمع
29-04-10, 01:17 pm
العبرى

أنا سعيد بحضورك هنا ، وتهمني متابعتك .
وافر الشكر لك .

كرمع
16-05-10, 12:02 am
8


كان أبوسعد عازما على إيقاع الأذى بالرجل لولا أن تداركته الأيدي ، واعتوره الرجال بألسنتهم ، وخبطت الفوضى بيدها على المكان ، وقهقه الشيطان ، وتنازل رجلان ليقفا إلى جواري في المؤخرة ثم قمنا بإضجاع الرجل مكانهما ، قذف أبو سعد شتائمه على كل شيء ، واصطك الباب بحنق ، و وزمجر المحرك ، واهتزت الرؤوس واختلط الغبار برائحة الوقود من جديد .
ارتفعت الشمس و مضت علينا ساعة من الزمن نضح فيها العرق وطفحت رائحة بول لا يعرف مصدرها ، وقال الرجل ذو الخصومة : الله يرحم زمان أول ، كان الواحد منا عزيزا وهو يمتطي ذلوله ، يمضي حيث يشاء ، وينيخ متى شاء .
رد عليه أحدهم :
- يارجل ! احمد الله على نعمته .
- أتعجبك رائحة البول ؟
بدا لي - من خلال ردوده على الآخرين - أنه من النوع البجيح جدا ، ذلك النوع من البشر الذين يقولون مالا يستطيع الآخرون قوله بسبب الحياء والأدب والمروءة .
انصدم الرجل بسؤاله وعقد لسانه الحياء وقال :
- لم أقل هذا ولكن لكل شيء ضريبته ، والحمدلله على كل حال .
وقال شيخ في الجانب الآخر :
- مرت بنا سنين كنا نتمنى فيها الموت ولا نجده ، جوع ، جوع شديد ، لانجد شيئا نأكله ، وإن وجدنا وأكلنا لم نشبع !
- صدقت ، أذكر أن أطفالا صغارا كانوا يخمشون الباب في الليل مثل القطط الجوعى يطلبون الطعام ، وليس في البيت شيء نطعمهم به ، ولم يكن في بيوت الحي مايسد جوعهم وجوعنا معهم ، أقسم لكم أننا نخرج لصلاة الفجر ونعثر على أحدهم ممدد على جانب الطريق وقد فارق الحياة !
- اييييه ، الله يلطف بنا ، يحدثني رجل من عنيزة - توفي قبل سنين رحمه الله - عن قصته يقول : " جهزت ذلولي وأبلغت الحجاج أني سأرافقهم ، ولم يكن لي زهاب كثير أتبلغ به ، وفي لحظة خرجت من الدار وإذا ولد لجاري الملاصق يدخل وفي يده قطعة لحم ، مكثت أنتظر هديتي منها ولكن لم يصلني شيء ! وفي صلاة العشاء وبعد أن تفرق الناس التفت إلى جاري وهمست في أذنه :
- ماقسم الله لنا من منيحتكم شيء ؟
- أي منيحة ؟
- هذا الصباح رأيت ولدك يدخل وفي يده قطعة لحم !
لم يجبني !
كنت لا أتبين ملامحه وسط الظلام ولكني أحسست بصوته قد تغير وقد غرق في حشرجة بصدره وهو يهمس في أذني ويشد على يدي بحرارة ويقول :
- هذا حقنا من فطيسة أبوحمود التي رماها في حيالته البارحة !
ثم نهض مسرعا ولحقته فأدركته عند الباب وسألته :
- تمزح علي يارجل ؟
- أنا لا أمزح ، أحلف لك بهذا ، لنا أكثر من ثلاثة أيام لم نذق فيها طعاما ، وإذا بغيت منيحتك فالحق بها في حيالة أبوحمود واستر على السالفة الله يستر عليك ! وسحب يده من يدي ومضى ، بينما تسمرت في مكاني ، واغرورقت عيناي بالدموع ، ولعنت الدنيا وزينتها ، وتصاغرت أمام عيني حتى صارت لاتساوي دمعة جار يبيت طاويا ثم يسد جوعته بميتة !
وحينما خرجت عزمت على أمر وسألت الله أن يكون فيه الخير لي .
وفي الصباح جلبت الذلول وبعته ، واشتريت زادا وطعاما وطرقت بابه ففتح لي فقمت بإدخال الأحمال والزنابل وهو يسائلني أن لا أفعل ويلهج بالدعاء ويبكي .
مضت قافلة الحج ولم أمض معهم ، وحينما قفلوا عائدين صافحني أحدهم وقال لي : مقبول السعي !
- الله يقبل من الجميع ولكني لم أحج !
- يا أخي ! عيني لا تكذب ، وقد رأيتك مع حجاج بريدة في عرفة ولوحت لك بيدي ، هل نسيت ؟!
اقشعر جلدي ، ولم ما أدر ما أقول له ، وقررت أنه كان واهما ، ولكن في المساء التقيت بآخر فصافحته ودعوت له بالقبول فعاتبني أنني اعتذرت عن الذهاب معهم ثم التحقت بقافلة حجاج بريدة ! فنفيت له هذا وقال : نسيت لقاءنا وحديثنا عند جمرة العقبة ؟! خرفت ؟!
اهتز وجداني بشيء لم أعرف معناه ، وأيقنت أن الله قد أجرى أمره لخير سألته إياه " .
وحينما أنهى الرجل حديثه عقب :
- توفي رحمه الله ، ولده مازال حيا يروي القصة ، وهو في عنيزة لمن رغب لقاءه .
اقشعر جلدي ورفع الشيخ سبابته قائلا :
- لاااا إله إلا الله ، سبحان الله ، الله يلطف بنا ، الله يلطف بنا .
خفت ضوء الشمس على إثر غبش ركامي بدأ يتبلور في السماء ، ولاح في الأفق شيء يشبه الجبل المتحرك .

إنها عاصفة رملية أقبلت تدمدم من البعيد .

شقرديه
16-05-10, 09:38 am
آي ويت ،

متابعة باهتمام

كيف حال المريض !!

راعي الجمس يوديهم مجاني والا ياخذ عليهم فلوس؟

كم يوم رحلتهم ؟!

وشلون بيشيلون حقاق الحج وهم راجعين !!

توقفت عن سرد القصة بديت افكر في التفاصيل ،،