طائر في الهواء
26-03-10, 10:08 pm
أزمة السكن والمساكن
ناصر الحجيلان / جريدة الرياض
يكافح كثير من الناس للحصول على سكن مريح ومناسب في المدن الكبيرة في المملكة ، ولايجدون سوى إيجارات باهظة الثمن لشقق متوسطة الحجم ، أو ملايين الريالات لشراء فيلاّ صغيرة . وأصبح الحصول على السكن من الصعوبات التي تواجه الأسرة السعودية في الآونة الأخيرة . وفي ظل عدم وجود إحصائيات دقيقة، فمن المتوقع أن تحتل أزمة السكن مكانة تنافس أزمة البطالة والفقر .
ففي مدينة كالرياض ، ترتفع أجرة الشقق في بعض أحيائها إلى ثلاثين وخمسين ألف في السنة ، وتصل أسعار الفلل الجديدة التي لاتزيد مساحتها على خمسمائة متر إلى ثلاثة ملايين أو أربعة وربما تزيد . والسؤال هو : من يستطيع الوفاء بهذه الأسعار لتأمين سكن بسيط لعائلته في ظل بقاء الرواتب على ماهي عليه منذ سنوات ؟ هل يُعقل أن ينتظر الشخص حتى يحال على التقاعد بسنوات لكي يحصل على سكن متواضع؟ أو يظل يترقّب الأمنيات بأن تتحقق له معجزة فيحصل على كنز مدفون في غياهب الظلام ؟
وتشير إحصائيات غير مؤكدة إلى أنه يوجد فقط 20% من السعوديين يملكون سكنًا، وهناك إحصائيات أخرى ترفع النسبة إلى 56%؛ وفي كلتا الحالتين ، ثمة حاجة كبيرة إلى السكن لما يقرب من نصف السكان أو يزيد . ويلاحظ أن نسبة زيادة السكان في المملكة عالية، فقد ارتفع العدد من 7.3 ملايين نسمة في عام 1975م إلى 24.24 مليون نسمة في عام 2007م. ونسبة الشباب من السكان أكثر، فالذين يبلغون من العمر 65 سنة فأكبر، لايمثلون سوى 2.8% من السكان؛ بما يعني تزايد الطلب على السكن مع السنوات القادمة .
وفي دراسة حديثة قام بإعدادها فريق بحثي برئاسة الدكتور فهد الحريقي أستاذ العمارة والتخطيط في جامعة الملك فيصل ، نشرت معلومات عنها في 29 أغسطس 2009، أشارت إلى أن 47.9% من السكان يعيشون في شقق مستأجرة . ووجدت أن الساكنين في مساكن يملكونها – وهم قلة - يقومون بتمويل البناء بجهودهم الذاتية، فقد كشفت الدراسة المشار إليها عن أن ما يقرب من نصف الوحدات السكنية يموّل ذاتيًا من مدخرات الأسر، فيما أتى دعم صندوق التنمية العقارية في المرتبة الثانية بحوالي 37.7 %، وكانت مساهمة القطاع الخاص في مجال التمويل متدنية حيث بلغت 13.5% .
والواقع أن وجود سكن ملائم للأسرة من العوامل التي تساهم في استقرار الأفراد والجماعات ، والأمن السكني عنصر حيوي في التأثير على عطاء الأفراد وإنتاجهم العملي. فلو تأملنا حال موظف راتبه بحدود عشرة آلاف ريال ، لم يحصل على الترقية التي يستحقها منذ سنوات ، وليس لديه سكن ، وتواجهه متطلبات الأسرة الكثيرة ومايصاحبها من نفقات صحية وتعليمية متعددة ، ويضطر للاستدانة والتقسيط ، فيتكبل بالديون والالتزامات المالية التي تتضاعف عليه عامًا إثر عام .
ونتساءل: كيف يمكن لهذا الموظف – الذي يمثل شريحة كبيرة في مجتمعنا - أن يوازن بين هذا الوضع الذي يعيشه، وبين أن يكون منتجًا وفعالا في عمله، وأن يكون وفيًا وعادلا في تعامله مع أسرته ومع غيره؟ وما أثر ذلك على أفراد أسرته: كيف يتخيّل أبناؤه حياتهم الآنية والمستقبلية مقارنة بوضع والدهم ؟
وفي ظل هذه الظروف ، لا ننكر أن ثمة إحباطًا يخيّم على العقول ، ذلك أن الخيبة التي يراها المرء ويعيشها الشباب ماثلة أمامهم في عجز والدهم وعجزهم عن الحصول على سكن عادي وبسيط وتوفير مستلزمات أساسية للحياة ربما يجعلهم يشعرون بعدم الرضا عن أنفسهم. وفي الغالب فإن المراهق في مجتمعنا يجد في والديه قدوته التي يبني عليها مثالا يهتدي به، فإذا كان أبوه قد وصل إلى أعلى الدرجات العلمية ونال درجة الدكتوراه وعمل أستاذًا في الجامعة وأفنى عمره في البحث والدراسة والتعليم . ومع هذا كله ، فإنه يسكن في شقة صغيرة مؤجرة ، وليس أمامه فرصة للحصول على سكن مستقل قبل التقاعد ، وهو مكبل بديون والتزامات صحية وتعليمية أساسية . فكيف يتخيل هذا المراهق نفسه بعد عشر أو عشرين سنة؟ هذا يحصل مع اسرة أستاذ جامعي، فما بالنا ببقية موظفي الدولة ممن يصل أو لا يصل دخلهم السنوي إلى مائة ألف ريال ؟
إن ماسبق لا يعني تبرير تفشي حالات الفساد والسرقات واستغلال المال العام ، وشيوع ظاهرة إتلاف الممتلكات العامة وانتشار روح الاستهتار عند الشباب، بقدر ما يشير إلى أن مجتمعنا يواجه أزمة حقيقية تحتاج إلى أن نضعها بعين الاعتبار .
إن بلدنا بحاجة إلى وجود نظام لتوفير السكن وتأمين الإسكان بطريقة مناسبة، ومن ذلك توفير شراء مساكن للمواطن بسعر يناسب دخله السنوي ، على أن يسددها بقسط لايزيد على رُبع راتبه الشهري لمدة تصل إلى ثلاثين سنة . ويمكن للدولة أن تفرض على الشركات الكبرى والبنوك وغيرها من المؤسسات الخاصة ذات الدخل العالي المساهمة (بنسبة لاتقل عن 20% من الأرباح السنوية) في تقديم تمويل طويل المدى بأرباح متواضعة لطالبي السكن. ولعل في هذا ما يساعد على الحد من أزمة السكن التي نعيشها ويخفف من معاناة كثير من الأسر، ويساهم في الرقي بالمجتمع وتحقيق نهضة حضارية لاتغفل الإنسان ضمن مسيرتها التنموية .
ناصر الحجيلان / جريدة الرياض
يكافح كثير من الناس للحصول على سكن مريح ومناسب في المدن الكبيرة في المملكة ، ولايجدون سوى إيجارات باهظة الثمن لشقق متوسطة الحجم ، أو ملايين الريالات لشراء فيلاّ صغيرة . وأصبح الحصول على السكن من الصعوبات التي تواجه الأسرة السعودية في الآونة الأخيرة . وفي ظل عدم وجود إحصائيات دقيقة، فمن المتوقع أن تحتل أزمة السكن مكانة تنافس أزمة البطالة والفقر .
ففي مدينة كالرياض ، ترتفع أجرة الشقق في بعض أحيائها إلى ثلاثين وخمسين ألف في السنة ، وتصل أسعار الفلل الجديدة التي لاتزيد مساحتها على خمسمائة متر إلى ثلاثة ملايين أو أربعة وربما تزيد . والسؤال هو : من يستطيع الوفاء بهذه الأسعار لتأمين سكن بسيط لعائلته في ظل بقاء الرواتب على ماهي عليه منذ سنوات ؟ هل يُعقل أن ينتظر الشخص حتى يحال على التقاعد بسنوات لكي يحصل على سكن متواضع؟ أو يظل يترقّب الأمنيات بأن تتحقق له معجزة فيحصل على كنز مدفون في غياهب الظلام ؟
وتشير إحصائيات غير مؤكدة إلى أنه يوجد فقط 20% من السعوديين يملكون سكنًا، وهناك إحصائيات أخرى ترفع النسبة إلى 56%؛ وفي كلتا الحالتين ، ثمة حاجة كبيرة إلى السكن لما يقرب من نصف السكان أو يزيد . ويلاحظ أن نسبة زيادة السكان في المملكة عالية، فقد ارتفع العدد من 7.3 ملايين نسمة في عام 1975م إلى 24.24 مليون نسمة في عام 2007م. ونسبة الشباب من السكان أكثر، فالذين يبلغون من العمر 65 سنة فأكبر، لايمثلون سوى 2.8% من السكان؛ بما يعني تزايد الطلب على السكن مع السنوات القادمة .
وفي دراسة حديثة قام بإعدادها فريق بحثي برئاسة الدكتور فهد الحريقي أستاذ العمارة والتخطيط في جامعة الملك فيصل ، نشرت معلومات عنها في 29 أغسطس 2009، أشارت إلى أن 47.9% من السكان يعيشون في شقق مستأجرة . ووجدت أن الساكنين في مساكن يملكونها – وهم قلة - يقومون بتمويل البناء بجهودهم الذاتية، فقد كشفت الدراسة المشار إليها عن أن ما يقرب من نصف الوحدات السكنية يموّل ذاتيًا من مدخرات الأسر، فيما أتى دعم صندوق التنمية العقارية في المرتبة الثانية بحوالي 37.7 %، وكانت مساهمة القطاع الخاص في مجال التمويل متدنية حيث بلغت 13.5% .
والواقع أن وجود سكن ملائم للأسرة من العوامل التي تساهم في استقرار الأفراد والجماعات ، والأمن السكني عنصر حيوي في التأثير على عطاء الأفراد وإنتاجهم العملي. فلو تأملنا حال موظف راتبه بحدود عشرة آلاف ريال ، لم يحصل على الترقية التي يستحقها منذ سنوات ، وليس لديه سكن ، وتواجهه متطلبات الأسرة الكثيرة ومايصاحبها من نفقات صحية وتعليمية متعددة ، ويضطر للاستدانة والتقسيط ، فيتكبل بالديون والالتزامات المالية التي تتضاعف عليه عامًا إثر عام .
ونتساءل: كيف يمكن لهذا الموظف – الذي يمثل شريحة كبيرة في مجتمعنا - أن يوازن بين هذا الوضع الذي يعيشه، وبين أن يكون منتجًا وفعالا في عمله، وأن يكون وفيًا وعادلا في تعامله مع أسرته ومع غيره؟ وما أثر ذلك على أفراد أسرته: كيف يتخيّل أبناؤه حياتهم الآنية والمستقبلية مقارنة بوضع والدهم ؟
وفي ظل هذه الظروف ، لا ننكر أن ثمة إحباطًا يخيّم على العقول ، ذلك أن الخيبة التي يراها المرء ويعيشها الشباب ماثلة أمامهم في عجز والدهم وعجزهم عن الحصول على سكن عادي وبسيط وتوفير مستلزمات أساسية للحياة ربما يجعلهم يشعرون بعدم الرضا عن أنفسهم. وفي الغالب فإن المراهق في مجتمعنا يجد في والديه قدوته التي يبني عليها مثالا يهتدي به، فإذا كان أبوه قد وصل إلى أعلى الدرجات العلمية ونال درجة الدكتوراه وعمل أستاذًا في الجامعة وأفنى عمره في البحث والدراسة والتعليم . ومع هذا كله ، فإنه يسكن في شقة صغيرة مؤجرة ، وليس أمامه فرصة للحصول على سكن مستقل قبل التقاعد ، وهو مكبل بديون والتزامات صحية وتعليمية أساسية . فكيف يتخيل هذا المراهق نفسه بعد عشر أو عشرين سنة؟ هذا يحصل مع اسرة أستاذ جامعي، فما بالنا ببقية موظفي الدولة ممن يصل أو لا يصل دخلهم السنوي إلى مائة ألف ريال ؟
إن ماسبق لا يعني تبرير تفشي حالات الفساد والسرقات واستغلال المال العام ، وشيوع ظاهرة إتلاف الممتلكات العامة وانتشار روح الاستهتار عند الشباب، بقدر ما يشير إلى أن مجتمعنا يواجه أزمة حقيقية تحتاج إلى أن نضعها بعين الاعتبار .
إن بلدنا بحاجة إلى وجود نظام لتوفير السكن وتأمين الإسكان بطريقة مناسبة، ومن ذلك توفير شراء مساكن للمواطن بسعر يناسب دخله السنوي ، على أن يسددها بقسط لايزيد على رُبع راتبه الشهري لمدة تصل إلى ثلاثين سنة . ويمكن للدولة أن تفرض على الشركات الكبرى والبنوك وغيرها من المؤسسات الخاصة ذات الدخل العالي المساهمة (بنسبة لاتقل عن 20% من الأرباح السنوية) في تقديم تمويل طويل المدى بأرباح متواضعة لطالبي السكن. ولعل في هذا ما يساعد على الحد من أزمة السكن التي نعيشها ويخفف من معاناة كثير من الأسر، ويساهم في الرقي بالمجتمع وتحقيق نهضة حضارية لاتغفل الإنسان ضمن مسيرتها التنموية .