المتأمل
31-10-09, 09:26 pm
وقفات** ودروس ** وشخصيات ** حادثة الإفك ** للشيخ ( وفقه الله ) **
بسـم الله الرحمـن الرحيـم
ذكر الشيخ في تفسير سورة النور **
) إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ) وهو أولُ ما سنُفسرهُ إلى قوله سُبحانه وتعالى
) أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ{26} (هذا التأصيل الأول
ستكلم ابتداءً عن الشخصيات التي تتعلقُ بقصة الإفك حتى إذا شرعنا بعد ذلك في تفسير الآيات تكون الصورة واضحة جلية لك :
* أولها : بالطبع رسول الله صلى الله علية وسلم وهو غنيٌ عن التعريف .
* ثُمّ الصديق بوصفه والدٌ لعائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها .
* وأُم رُمان أُمُ عائشة رضي الله عنها وزوجةُ من ؟ زوجةٌ أبي بكر
وهؤلاء الثلاثة قد لا يكونون مقصودين أصلاً بالأمر وإنما الأمر أول ما ينصرف إلى عائشة وإلى صفوان ابن المُعطلّ .
* عائشة هي الصديقة بنت الصديق رضي الله تعالى عنها وأرضاها وهي كذلك أشهرُ من أن يُعرف بها لكن ّ نُعرّف بالشيء الذي يتعلق بالقضية رُزق النبي صلى الله علية وسلم حُبها وآتاهُ جبريل بصورتها ـ يعني وضع في رواية
سرقة من حرير وفي رواية كفهُ ـ وفي تلك القطعة من الحرير كانت صورة عائشة فعرف النبي صلى الله علية وسلم أنها ستكون زوجتهُ أو شيءً من هذا وقال " إن يُرد الله خيراً يُمضه " أو " إن يُرد الله شيءً يُمضه " ثُمّ كانت زوجته رضي اله تعالى عنها وأرضاها بعد الهجرة بنى بها النبيُ في شوال هذه المُباركة أنزل الله جل وعلا فيها هذه الآيات
بيانً ببراءتها وتوفي النبي علية الصلاة والسلام بين سحرها ونحرها ودُفن في حُجرتها رضي الله تعالى عنها وأرضاها .
* أما من رُمي بها أو رُميت به فهو صفوان ابن المُعطلّ السُلمي أحدُ خيار الصحابة ومما يدلُ على أن الله جل وعلا
أراد به خيراً أنه مات شهيداً والظفرُ بالموت شهادة ليس بالأمر الهين فقلما يُعطاهُ كُل أحد والله يقول (وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ
شُهَدَاء} آل عمران 140) ليس كُل الناسُ يُتخذ شهيداً فصفوان ابن المُعطل لمّا رآها قال " إنا لله وإنا إلية
راجعون " فكان ذلك سبباً جعلهُ الله في نجاته كما سيأتي .
من الشخصيات شخصياتٌ خاضت في الأمر بشدة وبعضُها دخلهُ مُقارنة.
• تولى كبر الأمر على الصحيح عبدُ الله ابن أُبي منافق خزرجي النسب قدم النبيُ علية الصلاة والسلام المدينة وكان القومُ من الأوس والخزرج قد أجمعوا أمرهم على أن يولوه أن يكون ملكاً عليهم اصطلحوا على أن يولوه ملكاً ولهذا اغتاظ من قدوم النبي علية الصلاة والسلام إلى المدينة.
* حسان ابن ثابت شاعر رسول الله صلى الله علية وسلم والمشهور عند العُلماء أنه وقع في الأمر وشارك في نشرة .
و حمنةٌ بنتُ جحش و حمنة أًُختُ زينب من زينب ؟ زينب بنتُ جحش زوجة النبي صلى الله علية وسلم المُنافسة
لعائشة حضوةً عند رسول الله علية الصلاة والسلام فلو قُدر أن زينب هي التي شاركت لكان الأمرُ فيه بعضُ العُذر لا بعضُ الجواز لكونها مُنافسة لعائشة لكن الورع عصمها ولم تقُل كلمةً واحده في عائشة لكن حمنة أُختها انتصرت لها وأحياناً الإنسان تغلبُ عليه العاطفة فيُريدُ أن ينفع غيره فيضرُ نفسهُ ويضرُّ غيرهُ وربما لا يصلُ إلى ضرر غيره
كما فعلت حمنة فحمنة لا علاقة لها بعائشة هي زوجةٌ لطلحة لكنها أرادت أن تنصُر أُختها أمام عائشة فشاركت في النقلِ لعلها تُصيبُ من ذلك نقصً في عائشة وهي لا تعتقدُ صحة ذالك لأن الله قال (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم) لا يوجد شيءٌ مُستقرٌ في القلب لكن المُراد أنها أردت نُصرة أُختها فنُصرتُها لأُختها أعمت بصيرتها عما تنظُرُ إليه .
* مسِطح ابنُ اثاثة ابنُ خالة لأبي بكر فقير مُستضعف كان أبو بكر يُنفق علية هذا شارك في قضية إشاعة الأمر كان أبو بكر يُنفق عليه وهو بدريٌ والنبيُ صلى الله علية وسلم قال لأهل بدر قال الله جل وعلا اطلع على أهل بدر فقال { اعملوا ما شئتُم فإني قد غفرتُ لكُم } وليس المعنى أنني قد أذنتُ لكُم بالمعاصي لو كان المقصود هذا لما عُتبَ مسطح وغيره ولا ما حُد على قول أهل العلم وأُقيم عليه الحد هذا مسطح أحدُ الذين شاركوا .
* أبو أيوب الأنصاري أحدُ الذين عصمهُم الله هو وزوجتهُ وقالوا خيراً وقالوا عن ذلك الإفك هو الكذبُ بعينه .
* الجارية التي سألها النبي علية الصلاة والسلام بعضُ أهل العلم يقول إنها بريرة وبعضُهم ينفي يقول إن بريرة لك تكُن بعدُ في عُهدت عائشة و أياً كانت تلك الجارية فإنها امرأةٌ عصمها الله قالت يا رسول الله " أهلُك ولا أعلمُ إلا خيرا " وذكرت إنها امرأةٌ ـ عن عائشة ـ أنها امرأةٌ تغفلُ عن عجين أهلها فيأتي الداجن فتأكُله .
* أُسامة ابنُ زيد مولى رسول الله صلى الله علية وسلم من الشخصيات الحاضرة في القصة استشارهُ النبي علية الصلاة والسلام فقال يا رسول الله "أهلُك ولا نعلمُ إلا خيرا " وعبارة ولا نعلمُ إلا خيرا تدلُ على كمال عقله فهي ليست مُفرطة في المدح ولا تُقارب الذمّ أبدا لكنها في نفس الوقت فيها شيءٌ من التزكية وهي عبارةٌ استخدمها المزكون اليوم تكونُ جيدةً .
* علي ابن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأرضاه خاتم الخُلفاء ورابعُ الحُنفاء رضي الله عنه وأرضاه هذا الصحابيُ الجليل قال يا رسول الله " النساءُ غيرُها كثير " وليس المقصود اتهام عائشة لكن ّ علياً ليس كأُسامة أُسامة مولى لا يلحقهُ عيب لو وقع الأمرُ حقاً أمّا عليٌ ابنُ عمٍ لرسول الله صلى الله علية وسلم كلاهُما ينتسب إلى بني هاشم فهو عصبة لرسول والرسول صلى الله علية وسلم عصبةٌ لهُ فهو ينظُر من باب أن الأمر يتعلق ببني هاشم وزوجاتهم وهو يُريدُ أن يُغلق الباب ويسُد على الناس طرائق أقوالهم ولم يُرد أن يتهم عائشة لكنهُ ملفٌ يُريدُ أن يُغلقه وقضيةٌ لا يُريدُ لها أن تُثار هذا المقصود من قول عليٌ رضي الله تعالى عنه " النساءُ غيرُها كثير " يعني تعلق قلبُك بها حُباً تزوج غيرها يُنسيك إياها وأنفك من مسألة أن يقدح الناسُ فيها هذا مقصود قول عليٌ رضي الله تعالى عنه وأرضاه وقد قال في الصديقة بنتُ الصديق رضي الله تعالى عنها وأرضاها بعد سنين من هذه الحادثة أن عليٌ لم يكُن بيني وبينهُ إلا ما يكون ما بين المرأةِ و أحمائها أي من قرابة زوجها .
هذه الشخصيات التي يأتي خبرُها في قصة الإفك
ثُمّ شخصيات غير مُسماة وهم عامة المؤمنين وعامة المُنافقين لكن هذه أحاد ذُكرت وأفراد مُميزون جاء ذكرهم في القصة . هذا كُله قبل أن نعرف ما هي القصة قبل أن ندخُل على التفسير.
القصة هي ::ـ تاريخياً كانت في غزوة المُريسيع غزوة بني المُصطلق في السنة الخامسة تقريباً .
ـ المكان قبل دخول المدينة في منطقة تُسمى اليوم العشيرة إلى الآن حوالي عشرين ثلاثين كيلو بعد الخروج من المدينة بطريق الهجرة الجديد .هذا الزمان وهذا المكان وهؤلاء هُم أفرادُ القصة .
أما القصة إجمالاً على وجه الإجمال لأنني أُفسر لا أشرحُ سيرتُها قبل أن أدخُل في الآيات ...
النبي صلى الله علية وسلم أقرع بين نساءه ابتغاءً للعدل يذهبُ إلى غزوة جاءت القُرعة على عائشة بقدر الله خرج علية الصلاةٌ والسلام بعائشة أتى المريسيع حصل ما حصل سبيٌ ، بعضُ قتال ، اقتتالٌ على الماء ، مناوشة بين المُهاجرين والأنصار أراد أن يُثيرها عبد الله ابن أُبي أراد النبي صلى الله علية وسلم أن يُنهي القضية أمر الركب بالرحيل بغير ساعة يرحلون فيها تفقدُ أُم المؤمنين عقدً
كان عليها العقد أي شيء يُحيط بالعُنق يُرادُ به الزينة يُسمى عقد فإذا أُحيط بالمعصم يُسمى سوار فإذا أُحيط بالإصبع يُسمى خاتم هذا في حالة كسر العين وإذا فتحتها قُلت عَقد فهو أيُ اتفاقً بين طرفين
ـ هذه لغويات ـ ذهبت إلى ذلك المكان الذي يُرجى فيه ِ أن تكون فقدت فيه عقدها في تلك اللحظات رحل الجيش هُناك مسؤلون عن هودج أُم المؤمنين امرأةٌ نحيلة آنذاك حوالي في الرابعة عشرة من عُمرها قليلاً ما تأكُل اللحم لا يُقد في بيت رسول الله صلى الله علية وسلم نار ليس لها متزوجة إياها إلا ثلاث سنين أو أربع على الأكثر مازالت خفيفة اللحم فالهودج هي فيه أو غير فيه لا يكادُ يتغير على أشداء الرجال عندما يكون الذي يحملُ ضعيفاً يُميز لكن أشداءُ الرجال حتى يحملوا امرأة في الرابعة عشر لن يظهر لهم فرق حملوا الهودج وهم لا يشكون لحظة أن أُم المؤمنين فيه وهي خارجه عادت لم تجد نبي الله علية الصلاة والسلام لم تجد القوم جميعاً ماذا تصنع لا يُمكن أن تغدوا وتروح لا يوجد وسائل اتصال ذهبت إلى شجرة في نفس المكان أخذت عليها لثامها وغطائها وجلست غلبها النوم بقدر الله ،
صفوان ابن المُعطل كُلّف بساقة القوم على الأظهر تأخر عن الجيش لأي سبب ليمضي قدرُ الله ولا نوغلِ في البحث عن هذه الأسباب لأنه تأخر تأخُر بصرف النظر عن سبب تأخُره أتى إلى المكان الذي فيه الجيشُ أصلاً وجد الجيش قد ذهب هو يعلمُ ذالك أصلا لكنهُ وجد شبحاً خيالاً اقترب منه فإذا هي أُم المؤمنين مع نومها أُنيط اللثام عن وجهها فعرفها وكان يرها قبل الحجاب فلما عرفها ولن تخفى عليه فمجتمع المدينة مُجتمع صغير قد لا يعرفُ كُل صغيرة وكبيرة فيها لكن الإنسان لا يجهلُ إن هذه امرأة فُلان إذا رآها مرة أو مرتين فاقترب منها
بقدر الله أُلهم أن يقول " إنا لله وإنا إليه راجعون " وإذا أراد اللهُ شيئاً هيأ أسبابه ومن أراد اللهُ أن يرحمهُ فتح له طرائق الرحمة وألهمهُ ما يقول وأعانه على ما يفعل وينبغي أن تعلم أنه ما يُرفع شيء من الأرض إلى السماء أعظم من الإخلاص ولا ينفذ شيء من السماء إلى الأرض أعظم من التوفيق
المقصود قال رضي الله عنه وأرضاه إنا لله وإنا إلية راجعون سمعت عائشة استرجاع صفوان أفاقت على استرجاعه فلم تتكلم أناخ الناقة ركبت أُم المؤمنين ركبت ـ وسأقول بعد ذلك ماذا قالت عندما ركبت لكن في آخر الأمر
ـ ثُمّ أخذها لم يُكلمها ولم تكُلمه وهو يعلمُ قطعاً أنه سيتعرضُ للبلاء أما هي صغيرة في الرابعة عشرة رُبما لم يدُر في خلدها هذا الجيش قبل أن يصلوا إلى المدينة أناخوا المطايا في عزّ الظهيرة قُلت في منطقة تُسمى العشيرة الآن لما أناخ الجيش وقت الظهيرة وقت مكشوف ومنطقة أصلاً وادٍ مكشوف فإذا بصفوان يُقبل وأُم المؤمنين على ناقته وهو يسوق الناقة رآهم عبدُ الله ابن أُبي فطار بها فرحاً فقال بصوتٍ يُسمع ولا يُسمع ـ يعني يسمعهُ الضُعفاء الذين لا يُمكن أن يُثبتوا أمام الشهادة وقادرون على أن ينقلوه ـ
ولا يسمعهُ من يستطيع أن يأتي شاهدً عليهم فوقف يقول امرأةُ نبيُكم مع رجُل والله ما نجت منه ولا نجى منها كلمة تكادُ تُسقط بعض الجبال ولا أقول الجبال كُلها لآن هذا يُقال في حق الله فقط فلما قال انتشرت الكلمة كُل هذا وأٌُم المؤمنين لا تدري فلما رجعت إلى بيتها أصابتها وعكة في بيت رسول الله صلى الله علية وسلم رُبما كونها عائدة من سفر لكن الأمر أُذيع وأُشيع وبلغ النبي علية الصلاة والسلام فرأت في النبي علية السلام تغيُراً في مُعاملته وذلك اللُطف الذي كانت تعهدهُ منه قلّ أو ارتخى قليلاً لكن لم يدُر بخلدها أن يكون ذالك بسبب شيءٌ سمعهُ عنها قُدّر لها أن تتعافى تدريجياً
خرجت مع أُم مسطح أحدُ الذين أسهموا في نشر الأمر خرجوا إلى الصحراء إلى الكُنف لقضاء الحاجات ولم يكُن العرب يوم ذاك عهدٌ بتلك الأمور فلما خرجتا هذه المرأة الأُم تُريد أن تُدخل عائشة في القضية علمت أن عائشة لا تعلم بدليل أنها لو كانت تعلم لسألتها لماذا ابنُها يخوضُ فيّ لكنها لم تسألها فأرادت أن تُشركها في القضية فأصبحت تتعمد السقوط فإذا سقطت ـ الإنسان جبلِة إذا سقط تصدُر منه كلمات يُعبر ردة فعل ـ
فلما تسقُط قالت تعس مسطح ولا يوجد ارتباط بين تعس مسطح وما بين سقوطها في البرية فعائشة أنكرت ولو قالت كلمةً مألوفة لما أنكرت عائشة وهي لا تُريدُ أن تقول كلمةً مألوفة تُريدُ أن تُقحم عائشة في القضية تُريدُ أن تفتح بابً للحديث رددتها مرة مرتين تعجبت أُم المؤمنين قالت سُبحان الله رجلٌ شهد بدراً تدعين علية أو كلمة نحوها قالت يا هنتاه ـ
هي أين عائشة عنها ـ بجوارها هنتاه كلمة تُقال للبعيد لكن تُريد أن تُبين لها أنها امرأة تعيش في عالم آخر لا تدري ماذا يحصُل في الساحة والمفروض تقول يا هذه فقال يا هنتاه أما علمتي ثُمّ أخبرتها قالت سُبحان الله وتحدث الناسُ بهذا قالت نعم فرجعت تزدادُ بكاءً كان مرضاً جسدياً الآن أصبح هماً أصبح غماً أصبح مرضاً قلبياً فرجعت فسألت أُمها فقالت لها أُمها تُريدُ أن تُخفف وطأ الأمر عليها " يا بُني إنه قلّ أن تكون امرأة وضيئة ـ يعني مثلُك ـ لها حضوة عند زوجها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها فقالت هُنا ـ رُبما نسيتُ في الأول ـ أو تحدث الناسُ بهذا قالت نعم فازدادت حُزناً على حُزن رضي الله عنها وأرضاها كُلُ هذا يحصُل والوحي لا يتدخلُ بشيء ولا ينزلُ قرآناً من السماء ونبي الأمة ورأسُ الملة يُتهم في زوجته لكن أراد الله جلّ وعلا أن يُمحص بشريتهُ علية السلام من نبوته .
أي شيء عظيم تُريد أن تكشفه إذا كان مُختلط بغيره وتُريد لمعانه الحق أخرجهُ عن غيره حتى يظهر جلياً بيناً لكنه وسط الأشياء التي تشوبه وتختلط معهُ لا يظهر .
فالله جل وعلا أراد أن يُميز نعمة النبوة على رسول الله صلى الله علية وسلم بأن تكون مُنفكة بعض الشيء عن بشريته ففي بشريته ذهب يستشير دعا الجارية دعا أُسامة دعا علياً يغدوا ويروح صعد المنبر من يعذُرني في رجُل أذاني في أهلي يختصم الحيان الأوس والخزرج فلا يلبُث أن ينزل ويحاول إسكاتهُما علية الصلاة والسلام ويقولُ في حق صفوان ـ والأمور عند الحكُم لابد أن تكون هناك خلفية سابقة في الظن الحسن أو في الظن السيئ ـ فقال لقد ذكروا لي رجُلاً ـ يقصد صفوان ـ لا أعلم عنهُ إلا خيراً ولا يدخُل على أهلي إلا معي هم لا يتحدثون عن رجُل اغتبتُ فيه مرة أو ارتبتُ فيه مرتين أو وجدتهُ مرة وأنا غير موجود أو رأيتهُ لحظات يتحسسُ على أهلي يتكلمون عن رجُل لا أعلم عنه إلا خيراً لا يدخُل على أهلي إلا معي يتجنب أن يأتي البيت وأنا غير موجود فبعيدٌ جداً أن يُتهم وهذا كُله كلام بشر كلام يحصُل في أي مُجتمع يقولهُ أي فرد لأن هنا مُحمد ابن عبد الله ليس محمدٌ النبي الرسول النبي الأُمي الوحي الآن مُنفك في القضية هذه ليس النبي صلى الله علية وسلم ليس نبياً تلك الفترة مُحال هو نبيٌ على كُل حال لكن نكلم في مُعاملته مع هذا الحدث هنا يتعامل على كونه بشر علية الصلاة والسلام فلما استُفرغ الجُهد البشري جاء الوحيُ الرباني والتنزيلُ الإلهي ليفصل في القضية دخل علية الصلاة والسلام على عائشة وقد استأذنت منه من قبل أن تُمرّض عند أبويها ولك أن تتصور خيرُ الأصحاب يعرفُ النبي منذُ أن كان عُمرهُ ثمانية عشر عاماً وصديقٌ له اثنين وعشرين عاماً أو عشرين عاماً لما جاء الإسلام كان الصديق عمره ثمانية وثلاثين سنة ثُمّ بعد ذلك ليس صديقاً صاحباً بتعبير الشرع ومعهُ كل سنين العذاب في مكة بالدعوة بمرحلتيها السرية و الجهرية ثم معه المدينة في بدرٍ وأُحد والخندق ثُمّ زوجة ذلك الصاحب النبي تعود إليك بوصفك أباً لها مُتهمة بأنها خانتهُ في عرضها شيءٌ مُذهلٌ بالنسبة لصديق لكن الأدب لما سكت الله من الذي سكت ؟ سكن النبي فلما سكت النبي سكت أبو بكر لما سكت الله ما أنزل شيئاً سكت رسول الله ما حكم بشيء فلما سكت رسول الله سكت أبو بكر ما أستطاع أن يُدافع عن ابنته وقطعاً لن يتهمها لكنه سكت بسكوت رسول الله صلى الله علية سلم تعود إليه أبنتهُ فلا يزالُ يبكي رضي الله عنه وأرضاها حتى ورد في بعض الروايات أنهُ كان يقرأ القرآن على سطح المنزل يسمع ابنتهُ تبكي وهو يبكي فوق لكن الأدب منعهُ أن يتكلم بكلمة واحده دخل نبيُنا صلى الله علية وسلم يعرض الأمر مكشوفاً على عائشة إن كُنت أذنبتي فاستغفري وإن كُنت كذا فكذا وهي لا تزيدُ على أن تقول فصبرٌ جميل تقول كما قال أبو يوسف نسيت اسم يعقوب في هذه اللحظات انقطعت كُل الطرائق الدنيوية فمن حول النبي قال مشورته وأبو بكر سكت والنبي صلى الله علية وسلم لا يدري كيف يفصلُ في القضية و المرأةُ تبكي فأنزل الله جل وعلا قوله
(إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ)
وما زال الوحيُ يتنزلُ علية حتى انفصم عنه صلوات الله وسلامه عليه وإن جبينهُ لينزلُ عرقاً مع أنه في يوم شات هذه كانت براءة عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها ونهاية شهر الأسى في حياة سيد الخلق صلى الله علية وسلم فقال لها احمدي الله ففرح الأبوان أبو بكر وأُم رومان قومي إلى رسول الله قالت والله ما أقوم إليه ولا أحمدُ إلا الله.
طبعاً ليس المقصود أنها تغيرت على نبي الله صلى الله علية وسلم حاشاها هذا لا يقعُ في قلب أي أحد من المسلمين الصادقين لكنها أرادت أن تُبين دلالها وفضلها وحقها على رسول الله صلوات الله وسلامهُ عليه المُهمُ أن النبي صلى الله علية وسلم تلا القرآن وأظهر بما تلاهُ من كلام الله براءة أُم المؤمنين وصفوان ابن المُعطل رضوان اله تعالى عليهم .
هذا مُجمل حديث الإفك كما هو قائم في صحيح الأخبار وصريح الاثار
الآن نعودُ إلى التفسير
نقول قال الحق تبارك وتعالى (إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ)
جاءوا بالإفك ابتدعوه لأنه ليس له أصل والإفك ليس له أصل وهو أقبح الكذب لأن الإفك القلب قال الله جل وعلا ({وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى }النجم53)
من المؤتفكة قوم لوط وسموا المؤتفكة لأن الله قلب عليهم الأمر جعل عاليها سافلها فالصديقة رضي الله عنها وأرضاها أهلٌ لكل فضيلة فكيف يُنسب إليها أعظمُ شيء في الرذيلة هذا قلبٌ للحقائق ولهذا سماه الله جل وعلا إفكاً (إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ) العصبة قالوا الجماعة دون الأربعين .
(لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ{11} )
الله يقول في سورة القمر (وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ }القمر3) العبرة يا أُخي بالنهايات فالنقص في البدايات لا يضر في النهايات على ما استقر الأمر هو المطلوب هو
المقصود وقد استقر الأمر على براءة عائشة وصفوان قال الله (لَا تَحْسَبُوهُ) والعلماء هنا رحمهم الله بعض منهم يقول إن المقصود صفوان وعائشة لكن الله جمع من باب أساليب لغة العرب هذا بعيد صحيح أن هذا الأسلوب موجود في لغة العرب لكن لا يُمكن حمل المعنى عليه بل المعنى أن الأمة كلها تستفيد من هذا وكيف تستفيد؟ أما الذين ظلموا في الإفك فهو رفع درجات لهم وشرف لهم أن يذكروا في القرآن وأن تنزل براءتهم في القرآن ، وأما الذين لم يذكروا من المؤمنين المعاصرين للحدث أو المؤمنين التالين للآيات كأهل عصرنا فإن في ذلك موعظة وأدب و كمالات لهم باختيار طرائق الله جل وعلا في تربية المجتمع على أنه ينبغي أن يُعلم أنه لا يوجد خيرٌ محض ولا شرٌ محض بل الأمور بالغالب الخير المحض في الجنة والشر المحض في النار (لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم) من الذين خاضوا في الإفك (مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ) وأكتسب توافق كسب إلا أن العرب تستعمل أكتسب في الآثام وكسب في الخيرات ، العربُ في فصيح كلامها تستعملُ كسب في الخيرات
وأكتسب في الآثام (لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ) تولى أصل القضية حرص على إذاعتها تبنى إشاعتها (لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ) وهو المقصود به عبد الله ابن أُبي ابن سلول هذا ذكرٌ للحدث .
أما الآداب الناجمة عن الحدث فجاء تفصيلُها بعد أن ذكر الله الحدث جُملةً وبين أن الأصل فيه أنه خير للناس.
قال جل ذكره (لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً)
كلمة أنفُس هنا تعبير على أن المجتمع المسلم مجتمع واحد و هذه طريقة القران (وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ} الحجرات 11) (اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ} النساء 66)
تكررت في أكثر من مرة أن مجتمع المؤمنين كالمجتمع الواحد (لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً) وهذا الذي وقع من ماذا ؟ من أبي أيوب الأنصاري كما بينا ولهذا أنا حرصت على أن أُقدم شخصيات القصة قبل أن اشرح حتى يصبح الشرح مجرد تحرير ألفاظ يسيرة (لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً) فإذا كان الإنسانُ أصلاً يظن بنفسه الخير فكيف الظن بأم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها
) وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ{12 }(يعني كان الواجب أن يُقال إن هذا إفك واضح
ظاهر بيّن لا أن نخوض فيه بعد أن خاطب الله جل وعلا المؤمنين فيما ينبغي عليهم أن يفعلوا خاطب جل وعلا أولئك الذين تولوا الأمر.
قال الله تبارك وتعالى) لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ{13} (
وقد بينا أن هذا مرتبط بأول القصة لأن الله ذكر في أول السورة قضايا القذف وأن القذف يُشترط فيه أربعةٌ من الشهود وإنما استثنى الله جل وعلا من هذا الإجمال الزوج إذا رمى زوجته أما هُنا فليس هناك زوج يرمي زوجته وإنما أُناس خارجون عن القضية يرمون زوجة نبيهم فالإعتبارات والمعايير الشرعية المطلوبة هنا أربعة شهداء قال الله (فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ{) والكذب على الله أعظم الذنوب ثم الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم الكذب على الناس.
قال الله جل وعلا (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ{14})
هذه لولا حرف امتناع لوجود وهي عند سيبويه يوجدُ اسمها أي يوجد المبتدأ بعدها ولا يُقال اسمها وخبرها يُحذف وجوبا حرّرهُ ابن مالك بقوله :
وبعد لولا واجبا حذف الخبر *//* كما تقول لولا زيدٌ في هجر
يعني لولا زيد موجود في هجر
المعنى هنا أن فضل هي مُبتدأ لكن جواب لولا قول الله تعالى (لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) أي أن الله جل وعلا رحمكم وأعطاكُم مُهلة لتوبة وعفا عنكُم كونكم لم تُنكروا إنكاراً جلياً واضحاً على من خاض في الإفك و إلا ما وقعتُم فيه أمرٌ يستوجبُ أشد العذاب لكن أشد العذاب رُفع عنكُم بسبب فضل الله جل وعلا ورحمته لكم .
(إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ{15})
قُلنا في الابتداء في أول الدرس (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ) ومعلومٌ أن الإنسان يتكلم بفمه (وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم) لكن الله جل وعلا لم يُرد أن يُبين الجارحة التي نتكلم بها إنما أراد أن يتكلم أن هذا الأمر لم يكُن مُستقراً في القلوب ولا توجد لهُ حقيقة أصلاً حتى يستقر وإنما شخصٌ ينقُل وشخصٌ يحملهُ وشخصٌ يُذيعُ وشخصٌ يزيدُ علية شأنُ أكثر الضُعفاء أكثر الناس وقد خاض في هذا الأمر كبار المُنافقين وبعضُ الصحابة وقد عفا الله تبارك وتعالى عنهم والكلام عن الصحابة حتى لو أخطأوا يجبُ أن يكون مُقيداً بوفق تعبير القرآن ولا نقذف أنفُسنا في أمواج لا نستطيعُ أن نواجهُها ونترضى عليهم أجمعين رضوان الله تبارك وتعالى عليهم .
(وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ) هذا تأديبٌ لناس (قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ{16}) الأصل فيه تنزيه الله جل وعلا عما لا يليقُ به فلماذا قيل التسبيحُ هنا قيل التسبيحُ هنا أي سُبحانك أن تكون زوجة نبيُك فاجرة المقصود من ذكر سُبحانك هنا أي سُبحانك ربُنا أن تكون زوجة نبيك امرأةً فاجرة
قال ربُنا تبارك وتعالى (وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا) أي بهذا الإفك
(وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا )
لا يكون العود لمثله إلا بشيءً واحد إما قذفُ عائشة أو قذفُ من ؟ إحدى أُمهات المؤمنين لا يكون العود لمثله إلا بشيءً واحد إما قذفُ عائشة مرةً أخُرى أو بقذف إحدى أُمهات المؤمنين .
(يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً) هل (إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ{17}) هنا يجري عليها الحُكم الذي يجري على ما ورد في السُنة " من كان يؤمنُ بالله واليوم الآخر فليُكرم ضيفة " فلو لم يُكرم ضيفهُ لا ينفي عنه كُل الإيمان " ولا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " فلو زنى مؤمن لكن ليس كامل الإيمان فهل هذا هو المقصود بالآية ؟
هذا الذي علية جمهور أهلُ التفسير وذهب بعضُهم إلى أن العودة إلى قذف أحدٍ من أُمهات المؤمنين كُفرٌ بالله جعلوا الشرط على مفهومه الواضح .
قال الله تعالى بعدها (وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ{18} إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ{19})
أولاً نربط ما بين ذيل الآية وما بين صدر الآية أو ما ختم الله به الآية بتعبير أوضح وما بين صدر الآية (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ ) المحبة شيء أين يقع ؟ في القلب شيء خفي كامن فناسب أن يقول الله جل وعلا بعدها ) وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) قد يُجدُ بيننا من يُحبُ الفاحشة من يُحبُ أن تنتشر لكنهُ لا يتصرف تصرُفاً يدلُ على تلك المحبة المستوطنة في قلبه فلا سبيل لنا علية أن نُنكر أو نؤدب أو نُعزر أو نمنع ربُما بوأناه مكاناً قيماً فنجم عن تبويئه ذلك المكان مفسدة في الأمر لذلك قال الله جل وعلا (وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) فإذا كان الذين في قُلوبهم محبة لإشاعة الفاحشة في المؤمنين توعدهم الله جل وعلا بهذا فكيف بمن يحملُ الأمر برُمته ويسعى في الناس والعياذُ بالله في إشاعة الفاحشة كأرباب القنوات التي تبعثُ الشرور وتنشُر الفجور أو أصحابُ المجلات أو أصحابُ الصُحف التي تبُث شيئاً مُحرماً يدخلون في هذا من بابً أولى أو الذين يُحبون أن يُجدوا أو يُقيموا أسواقً أو أي أمورٍ يقصدون من ورائها أن يكون هنالك نوعٌ من الفاحشة ظاهر واختلاطٌ بين الرجال والنساء و دعواتٌ في الفجور هؤلاء يدخلون بصورة أوليه في قول الله جل وعلا (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) .
ثُمّ قال الله جل وعلا (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّه رَؤُوفٌ رَحِيمٌ{20})
الآن عُد إلى الأولى قال في الأولى (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ) هنا لم يقُل شيئاً فجواب لولا هنا مُصرّح به أو محذوف ؟ محذوف لم يذكُرهُ الله جل وعلا وأختلف العُلماء في تقديره والأظهر ولولا فضلُ الله عليكم ورحمتهُ لهلكتُم ، هذه واحده لكنها عامة .
وبعضُ أهل العلم يقول ولولا فضلُ الله عليكم ورحمته لشاعة الفاحشة وذاعت لكن الله جل وعلا برحمته لكم منع الفاحشة أن تذيع وتشيع.
ثُم قال جل شأنهُ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ{21} )
هذه دعوة بعد أن بين الله جل وعلا أن الفاحشة لا يجوز نشرُها ولا محبةٌ نشرها بين جل وعلا أن السبيل إلى الخلاص من إشاعة الفاحشة عدمُ إتباع خطُوات الشيطان لأن في إتباع خطوات الشيطان والمقصود بخطوات الشيطان طرائقهُ مسالكُهُ ما يدعوا إلية الشيطان هذا المقصود بخطواته وخَطوة بفتح الخاء إذا كانت مُفرده فإذا جمعت تضُم الخاء ـ أٌُعيد ـ إذا أردت الإفراد تقول خَطوة خطوتُ خَطوةً بفتح الخاء وإذا جمعت تقول خُطوات كما هو نصُ القرآن
(لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ) لماذا ؟ لأن الشيطان أصلاً لا يدعوا إلا إلى الفحشاء والفحشاءُ تُطلق على العمل الرذيل إذا كان فعلاً أما إذا كان قولاً يُسمى عورات ومنه قول بعضهم :
ولا استعذب العوراء يوماً فقال لها
في مدح أحد الفُضلاء الصالحين .
قال ربُنا جل شأنهُ (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )
باختصار العملُ الزاكي هو العمل الذي يرضى الله عنه العملُ الزاكي هو العمل الذي يجلبُ رضوان الله فمن هو الشخصُ المُزكى ؟ من عملِ عملاً رضي الله عنه به ولا سبيل إلى معرفة هذا فلهذا لا نستطيع أن نُزكيَ أحدً ولا سبيل إلى معرفة هل رضي الله عن صاحب هذا العمل بذالك العمل وعلى هذا يمتنع أن نُزكي أحدً تزكية باطنةً وظاهرة لكن عندما نُحرر ورقةً أو نقول قولاً في تزكية أحد فإنما نُزكي ماذا ؟ ظاهرهُ ونكلُ سرائرهُ إلى الله جل وعلا .
ثُم قال جل شأنهُ:( وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ (
أجمع المُفسرون على أنها نازلةً في حقِ أبي بكر وهذه الآية تأخر نزولها لم تنزل هذه الآيات الست عشر جُملةً واحده هذه الآيات لم تنزل جُملة واحده فماذا صنع أبو بكر سكت ولم يتصرف فلما نزلت الآيات ببراءة عائشة ـ وهذا من فرائد العلم ما ينجُم عنه ـ لما نزلت الآيات ببراءة عائشة تصرف أبو بكر كيف تصرف ؟ منع إنفاقً ورزقً كان يسوقهُ على من ؟ على مسطح لأن مسطح ممن شارك في المسألة ـ هذا ظاهر الكُل يعرفه ـ أين فرائد العلم عاتب الله الصديق لما منع مسطح من رزقه قال أهلُ العلم حررها بسجعها ما صنعهُ مسطح يُنزل النجم من أُفقه فمنعهُ الصديقُ من رزقه فعاتب الله الصديق في حقه . ـ.أُعيد ـ ما صنعه مسطح وتقول به يُنزل النجم من أُفقه يعني يحطُ من أي شرف من أي شيء فمنعهُ الصديق من رزقه أيُ رزق ؟ الذي كان يُنفق به علية ماذا جرى بعد ذالك ؟ عاتب الله الصديق في حقه في حق من ؟ في حق مسطح واضح
ماذا تستفيد ؟ تستفيد لا تكُن سبباً في منع أرزاق الناس إذا أردت أن تؤدب أحدً أدبه بأي طريقً كانت إلا أن تمنعهُ رزقه لأنهُ لو كان منعُ الرزق سائغاً لساغ في حق مسطح لكن الله جل وعلا عاتب الصديق فيه . ماذا قال الصديق أقسم حلف يمين أنهُ لا يُنفق على مسطح ماذا قال ربُِنا (وَلَا يَأْتَلِ) جمهورُ المُفسرين على أن يأتلِ هُنا بمعنى يحلف ((وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ وهذه تزكيةٌ من الله لصديق لأن الله سمّاهُ بأُولي الفضل ، لكن لاحظ تعبير القرآن قال الله ( (وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ ) ما قال والنعيم والترف والثراء والغنى كُلها مُفردات رُبما تؤدي نفس المعنى لكن قال (وَالسَّعَةِ) لأنه يُسعُ على نفسه ويُسعُ على غيره وقد قال العُلماء وسيأتي هذا إن التقوى قرينةٌ العفو فالناسُ الذين فيهم خصيصةٌ العفو قريبون من التقوى يقولون إن التقوى والعفو مُتلازمان سيأتي تحرير هذا .
قال الله جل وعلا (وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ)
والمقصود مسطح وهذا دليلٌ ظاهرٌ بينُ بالإجماع على أن الكبائر لا تُحبطُ العمل الصالح إذ لو كانت الكبائر تُحبُط العمل الصالح لكان أولى أن يُحبط عملُ مسطح لأنه خاض في عرض أُم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها ومع ذالك أسماهُ الله جل وعلا مُهاجرا فأبقى الله جل وعلا على هجرةً مسطح وجعلها عملاً صالحاً زاكياً لهُ وأقرها ولم يحبطها دلالة على أن الكبائر مهما بلغت لا تُحبطُ العمل الصالح .
قال الله تعالى :( وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا)
الخطابُ لمن ؟ في المقام الأول أجيبـوا ؟ لأبي بكر (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا) الخطاب لمن لأبي بكر وقال الله لنبيه في سورة أُخرى في غير هذه القضية قال ( فاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ }المائدة13) قال العُلماء خاطب الله أبا بكرٍ بما خاطب به نبيه حتى يُبين للخلق أن الصديق فعلاً ثانيَ اثنين ـ واضح ـ هذه استنبطها العُلماء لكنني لا أجزمُ بها .
(وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{22})
هذه فيها مُلاطفة من الله لأبي بكر فيها دعوة وفيها حُجة كما أنت تُريدُ العفو من الله والمغفرة من الله كذالك الناس يُريدون منك أن تعفوا عنهم ويُريدون منك أن ترزُقهم فعامل الناس بما يُحبُ أن يُعاملوك به وقد قُلنا مراراً إنك إذا أردت أن تتعامل مع أحد وخرجت قضية الحدود الشرعية فعاملهُ بما تُحبُ أن يُعاملك الله جل وعلا به ولا تُسدرُ رحمة الله بشيءً أعظم من هذا .
ثُم قال جل شأنه :( إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ{23})
العُلماء في هذه الآية على قسمين هل هذه الآية عامة ؟
وهذا قول الجمهور و هو الأظهر في كُل قاذف (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ) فإذا قُلنا بهذا القول إنها عامة لكُل قاذف فيُصبح معنى اللعن هنا إقامةٌ حد القذف عليهم وأما إذا قُلنا بالمعنى الآخر الذي قالهُ العُلماء وهو أن المعنى الآخر: أن الآية في عائشة وأُمهات المؤمنين وإن المُخاطبين في هذه الآية المُنافقون فقالوا لعنهم في الدُنيا بطردهم من رحمة الله ولعنهم في الآخرة بعذاب النار فجعلوا إن هذه الآية خاصة فيمن قذف أُمهات المؤمنين ولذلك قالوا لم يذكُر الله جل وعلا بعدها توبة فكون الله لم يذُكر بعدها توبة قرينة لمن قال إنها في أُمهات المؤمنين ومن قال إنها عامة هذا الأصلُ في الخطاب الشرعي .
(لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) نبقى في اللعن ـ كفائدة ـ يعني اختلف الناس كثيراً تسمع هذا جيداً في قضية لعنً مُعين لكن أرجح الأقوال ما قالهُ الحافظُ ابن حجر رحمة الله تعالى علية وحرره وهو قول جيدٌ لمن تدبرهُ وهو أن اللعن إذا أُريد به الدُعاء وإخرجُ الإنسان من رحمة الله فهذا لا يقعُ على مُعين إلا على كافرٍ مات أما إذا أُريد به شدة النكال شدة التضييق عليه فيجوز لعنُ المُعين ـ واضح
نأتي بمثــــال :مثلاً أأُتونا برجُلً آذى المُسلمين كثيراً في العصر من الكُفار ـ مثلاً شارون ـ شارون لم يمُت بعد فإذا أردت باللعن التشديد عليه والتضييق وشدة النكال جاز وإذا أردت بأنك تدعوا بأن لا يرحمهُ الله بمعنى أنه يموت على الكُفر لا يجوز لأن ليس لأحد أن يتدخلّ في أين تقع رحمة الله [ واضح ] وهذا القول لأبن حجر قولٌ مُحرر علمياً يحلُ إشكالاً قائماً في القضية جزاهُ الله خيراً وعفا الله تبارك وتعالى عنه .
نقول قال الله تعالى بعدها: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ{23} يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{24})
هذا يكون يوم القيامة وقد حررنا قرائن له كثيرة من قبل
(يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ) مُحال أن يكون دين الكُفار حق فكلمة دين هُنا ما معناها ؟
الجزاء كلمة دين هُنا معناها الجزاء فيئُصبح المعنى يومئذٍ يوفيهم الله جزائُهم الحق وكيف يكون جزائهم الحق ؟ إن مُعاقبة المُسيء على إساءته عينُ ماذا ؟ عينُ الحق ، إن مُعاقبة المُسيء على إساءته عينُ الحق كما أن الإحسان إلى المُحسن لإحسانه كذلك هو عينُ الحق .
(يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ{25} الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ) للعُلماء فيها قولان :
قولٌ يقول إنها في الأقوال وقولٌ يقول إنها في المُشاكلة ومعنى أنها في الأقوال المقصود من الآية أن الخبيثات من الأقوال تليق بالخبيثين والخبيثات من الرجال والطيبات من الجُمل المادحة المُعبرة تعبيراً حسن تليق بماذا ؟ بالطيبين من الرجال والطيبين من النساء هذا قول الجُمهور .
وقال آخرون إن من سُنن الله الإلهية المُلائمة ما بين كُل مُتفق فالخبيثات من النساء لا تُلائم إلا الخبيث من الرجال والخبيث من الرجال لا تُلائمهُ إلا الخبيثة من النساء وعلى الضد الطيبات من النساء لا يُلائمُها إلا الطيبات من الرجال والطيبُ من الرجال لا تُلائمهُ إلا الطيبات من النساء وحملُ هذا المعنى عندي أقرب ولكن يرد إشكال عند الناس منعهم من هذا القول إذا خالطتهم يقولون إنك ترى الآن امرأة صالحة صوامة قوامة مُحسنة إلى أولادها وزوجها الله أعلمُ به فيه من الخُبث والشرور بل رُبما يُتاجر في المخدرات ويسعى في المُسكرات وكيف تقول لي (وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ) بهذا المعنى نقول يجب أن تُفرق ـ
وهذا القول فيه نوع من المُجازفة لأني لا أعلمُ أحدً نصّ عليه بهذا التعبير ـ نقول ينبغي أن يُفرق ما بين الحياة المُعايشة وحياة المُلائمة فالزوجات الطيبات الصالحات المُقترنات بأزواج مُرتكبون للكبائر لا يكون هناك تلاءُم روحي وإنما المرأة هنا صابرة إما لبنيها أو تحتسب تغيير زوجها والعكس إذا كان الرجُل هو الطيب و المرأة هي السيئة ويمنعهُ من طلاقها خوفه على شتات أبنائها ولا توجد مُلائمة روحية أما ما كان ما بين رسول الله صلى الله علية وسلم وعائشة فقد كان تآلفٌ جمّ وتلائمٌ تام ومحبةٌ قائمةٌ بين الطرفين ولهذا قيل لهُ من أحبُ الناس إليك قال عائشة واضح الفرق بهذا الأمر يعني استبعد الإشكال القائم على أن الذي منعهم كونه أن الواقع وهو أعظم الشهود كما يقولون يمنع أن يكون المعنى التلاؤم لكن قُلنا يُفرق ما بين التعايُش ما بين التلاؤم
وقد قال المُتنبي :
ومن نكد الدُنيا على الحرّ أن يرى *//* عدوً له ما من صداقته بُردُ
هذا ما تيسر قولهُ وتهيأ إيراده وأنا قُلت سأُأُجل الكلام عن ماذا قالت عائشة عندما ركبت هذه فائدة لمن يُشاهدُنا لنا في المقام الأول وهو أمرٌ لا يحتاجُ إلى أن نُجّربه يقولون إن زينب بنت جحش رضي الله عنها تُنافس عائشة كما مرّ معنا وأحياناً يحصُل بينهما تفاخرٌ محمود وعندما أُمهات المؤمنين يحصل بينهما تحاور ينجُم عن ذالك علم نشأن في بيت النبوة فقالت حفصه أنا التي أنزل الله تزويجي من فوق سبع سنوات فقالت عائشة رضي الله عنها وأرضاها وأنا الذي أنزل الله براءتي لما حملني صفوانٌ ابن المُعطل على راحلته هُنا نسيت زينب قضية المُحاورة صارت تتكلم بالفائتة
قالت يا عائشة ماذا قُلتي عندما ركبتي الراحلة ؟ قالت قُلت حسـبي الله ونعـم الوكـيل ماذا قالت ؟ حسـبي الله ونعم الوكيــل قُلنا هذا الأمر لا يحتاجُ إلى تجربة والله الذي لا إله غيره جبال تعرفون جبال تهُدها كلمة حسبُنا الله ونعم الوكيل وكُلما أُغلق عليك أمر لم تجد مثلَ حسبُنا الله ونعم الوكيل .
أنا أعرفُ رجُلاً صالحاً كان عندهُ طالب علم فكان دائماً يوصيه بحسبُنا الله ونعم الوكيل فذات يوم كأن الطالب يعني استقلّها فعاتبهُ قائلاً : يا بُني حسبُنا الله ونعم الوكيل هذه تهُد جبال فكُلّ أحدٍ منّا إذا وقع في مُعضلة أو رأى شيئاً أقبل عليه مما لا يُطاق فليعتصم بقول حســبي الله ونعــم الوكيــل فإنه لن يكفيك أحدٌ مثلَ الله ولا وكيل بعد الله .
جعلنا الله وإياكم ممّن توكل عليه فكفاه واستهدى به فهداه
عذرا على الإطالة لكن أحببت أن أنقل لكم مايتعلق بحادثة الإفك بشرح شيخنا الماتع وفقه الله
منقول من موقع الشيخ صالح المغامسي (الراسخون في العلم)
بسـم الله الرحمـن الرحيـم
ذكر الشيخ في تفسير سورة النور **
) إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ) وهو أولُ ما سنُفسرهُ إلى قوله سُبحانه وتعالى
) أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ{26} (هذا التأصيل الأول
ستكلم ابتداءً عن الشخصيات التي تتعلقُ بقصة الإفك حتى إذا شرعنا بعد ذلك في تفسير الآيات تكون الصورة واضحة جلية لك :
* أولها : بالطبع رسول الله صلى الله علية وسلم وهو غنيٌ عن التعريف .
* ثُمّ الصديق بوصفه والدٌ لعائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها .
* وأُم رُمان أُمُ عائشة رضي الله عنها وزوجةُ من ؟ زوجةٌ أبي بكر
وهؤلاء الثلاثة قد لا يكونون مقصودين أصلاً بالأمر وإنما الأمر أول ما ينصرف إلى عائشة وإلى صفوان ابن المُعطلّ .
* عائشة هي الصديقة بنت الصديق رضي الله تعالى عنها وأرضاها وهي كذلك أشهرُ من أن يُعرف بها لكن ّ نُعرّف بالشيء الذي يتعلق بالقضية رُزق النبي صلى الله علية وسلم حُبها وآتاهُ جبريل بصورتها ـ يعني وضع في رواية
سرقة من حرير وفي رواية كفهُ ـ وفي تلك القطعة من الحرير كانت صورة عائشة فعرف النبي صلى الله علية وسلم أنها ستكون زوجتهُ أو شيءً من هذا وقال " إن يُرد الله خيراً يُمضه " أو " إن يُرد الله شيءً يُمضه " ثُمّ كانت زوجته رضي اله تعالى عنها وأرضاها بعد الهجرة بنى بها النبيُ في شوال هذه المُباركة أنزل الله جل وعلا فيها هذه الآيات
بيانً ببراءتها وتوفي النبي علية الصلاة والسلام بين سحرها ونحرها ودُفن في حُجرتها رضي الله تعالى عنها وأرضاها .
* أما من رُمي بها أو رُميت به فهو صفوان ابن المُعطلّ السُلمي أحدُ خيار الصحابة ومما يدلُ على أن الله جل وعلا
أراد به خيراً أنه مات شهيداً والظفرُ بالموت شهادة ليس بالأمر الهين فقلما يُعطاهُ كُل أحد والله يقول (وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ
شُهَدَاء} آل عمران 140) ليس كُل الناسُ يُتخذ شهيداً فصفوان ابن المُعطل لمّا رآها قال " إنا لله وإنا إلية
راجعون " فكان ذلك سبباً جعلهُ الله في نجاته كما سيأتي .
من الشخصيات شخصياتٌ خاضت في الأمر بشدة وبعضُها دخلهُ مُقارنة.
• تولى كبر الأمر على الصحيح عبدُ الله ابن أُبي منافق خزرجي النسب قدم النبيُ علية الصلاة والسلام المدينة وكان القومُ من الأوس والخزرج قد أجمعوا أمرهم على أن يولوه أن يكون ملكاً عليهم اصطلحوا على أن يولوه ملكاً ولهذا اغتاظ من قدوم النبي علية الصلاة والسلام إلى المدينة.
* حسان ابن ثابت شاعر رسول الله صلى الله علية وسلم والمشهور عند العُلماء أنه وقع في الأمر وشارك في نشرة .
و حمنةٌ بنتُ جحش و حمنة أًُختُ زينب من زينب ؟ زينب بنتُ جحش زوجة النبي صلى الله علية وسلم المُنافسة
لعائشة حضوةً عند رسول الله علية الصلاة والسلام فلو قُدر أن زينب هي التي شاركت لكان الأمرُ فيه بعضُ العُذر لا بعضُ الجواز لكونها مُنافسة لعائشة لكن الورع عصمها ولم تقُل كلمةً واحده في عائشة لكن حمنة أُختها انتصرت لها وأحياناً الإنسان تغلبُ عليه العاطفة فيُريدُ أن ينفع غيره فيضرُ نفسهُ ويضرُّ غيرهُ وربما لا يصلُ إلى ضرر غيره
كما فعلت حمنة فحمنة لا علاقة لها بعائشة هي زوجةٌ لطلحة لكنها أرادت أن تنصُر أُختها أمام عائشة فشاركت في النقلِ لعلها تُصيبُ من ذلك نقصً في عائشة وهي لا تعتقدُ صحة ذالك لأن الله قال (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم) لا يوجد شيءٌ مُستقرٌ في القلب لكن المُراد أنها أردت نُصرة أُختها فنُصرتُها لأُختها أعمت بصيرتها عما تنظُرُ إليه .
* مسِطح ابنُ اثاثة ابنُ خالة لأبي بكر فقير مُستضعف كان أبو بكر يُنفق علية هذا شارك في قضية إشاعة الأمر كان أبو بكر يُنفق عليه وهو بدريٌ والنبيُ صلى الله علية وسلم قال لأهل بدر قال الله جل وعلا اطلع على أهل بدر فقال { اعملوا ما شئتُم فإني قد غفرتُ لكُم } وليس المعنى أنني قد أذنتُ لكُم بالمعاصي لو كان المقصود هذا لما عُتبَ مسطح وغيره ولا ما حُد على قول أهل العلم وأُقيم عليه الحد هذا مسطح أحدُ الذين شاركوا .
* أبو أيوب الأنصاري أحدُ الذين عصمهُم الله هو وزوجتهُ وقالوا خيراً وقالوا عن ذلك الإفك هو الكذبُ بعينه .
* الجارية التي سألها النبي علية الصلاة والسلام بعضُ أهل العلم يقول إنها بريرة وبعضُهم ينفي يقول إن بريرة لك تكُن بعدُ في عُهدت عائشة و أياً كانت تلك الجارية فإنها امرأةٌ عصمها الله قالت يا رسول الله " أهلُك ولا أعلمُ إلا خيرا " وذكرت إنها امرأةٌ ـ عن عائشة ـ أنها امرأةٌ تغفلُ عن عجين أهلها فيأتي الداجن فتأكُله .
* أُسامة ابنُ زيد مولى رسول الله صلى الله علية وسلم من الشخصيات الحاضرة في القصة استشارهُ النبي علية الصلاة والسلام فقال يا رسول الله "أهلُك ولا نعلمُ إلا خيرا " وعبارة ولا نعلمُ إلا خيرا تدلُ على كمال عقله فهي ليست مُفرطة في المدح ولا تُقارب الذمّ أبدا لكنها في نفس الوقت فيها شيءٌ من التزكية وهي عبارةٌ استخدمها المزكون اليوم تكونُ جيدةً .
* علي ابن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأرضاه خاتم الخُلفاء ورابعُ الحُنفاء رضي الله عنه وأرضاه هذا الصحابيُ الجليل قال يا رسول الله " النساءُ غيرُها كثير " وليس المقصود اتهام عائشة لكن ّ علياً ليس كأُسامة أُسامة مولى لا يلحقهُ عيب لو وقع الأمرُ حقاً أمّا عليٌ ابنُ عمٍ لرسول الله صلى الله علية وسلم كلاهُما ينتسب إلى بني هاشم فهو عصبة لرسول والرسول صلى الله علية وسلم عصبةٌ لهُ فهو ينظُر من باب أن الأمر يتعلق ببني هاشم وزوجاتهم وهو يُريدُ أن يُغلق الباب ويسُد على الناس طرائق أقوالهم ولم يُرد أن يتهم عائشة لكنهُ ملفٌ يُريدُ أن يُغلقه وقضيةٌ لا يُريدُ لها أن تُثار هذا المقصود من قول عليٌ رضي الله تعالى عنه " النساءُ غيرُها كثير " يعني تعلق قلبُك بها حُباً تزوج غيرها يُنسيك إياها وأنفك من مسألة أن يقدح الناسُ فيها هذا مقصود قول عليٌ رضي الله تعالى عنه وأرضاه وقد قال في الصديقة بنتُ الصديق رضي الله تعالى عنها وأرضاها بعد سنين من هذه الحادثة أن عليٌ لم يكُن بيني وبينهُ إلا ما يكون ما بين المرأةِ و أحمائها أي من قرابة زوجها .
هذه الشخصيات التي يأتي خبرُها في قصة الإفك
ثُمّ شخصيات غير مُسماة وهم عامة المؤمنين وعامة المُنافقين لكن هذه أحاد ذُكرت وأفراد مُميزون جاء ذكرهم في القصة . هذا كُله قبل أن نعرف ما هي القصة قبل أن ندخُل على التفسير.
القصة هي ::ـ تاريخياً كانت في غزوة المُريسيع غزوة بني المُصطلق في السنة الخامسة تقريباً .
ـ المكان قبل دخول المدينة في منطقة تُسمى اليوم العشيرة إلى الآن حوالي عشرين ثلاثين كيلو بعد الخروج من المدينة بطريق الهجرة الجديد .هذا الزمان وهذا المكان وهؤلاء هُم أفرادُ القصة .
أما القصة إجمالاً على وجه الإجمال لأنني أُفسر لا أشرحُ سيرتُها قبل أن أدخُل في الآيات ...
النبي صلى الله علية وسلم أقرع بين نساءه ابتغاءً للعدل يذهبُ إلى غزوة جاءت القُرعة على عائشة بقدر الله خرج علية الصلاةٌ والسلام بعائشة أتى المريسيع حصل ما حصل سبيٌ ، بعضُ قتال ، اقتتالٌ على الماء ، مناوشة بين المُهاجرين والأنصار أراد أن يُثيرها عبد الله ابن أُبي أراد النبي صلى الله علية وسلم أن يُنهي القضية أمر الركب بالرحيل بغير ساعة يرحلون فيها تفقدُ أُم المؤمنين عقدً
كان عليها العقد أي شيء يُحيط بالعُنق يُرادُ به الزينة يُسمى عقد فإذا أُحيط بالمعصم يُسمى سوار فإذا أُحيط بالإصبع يُسمى خاتم هذا في حالة كسر العين وإذا فتحتها قُلت عَقد فهو أيُ اتفاقً بين طرفين
ـ هذه لغويات ـ ذهبت إلى ذلك المكان الذي يُرجى فيه ِ أن تكون فقدت فيه عقدها في تلك اللحظات رحل الجيش هُناك مسؤلون عن هودج أُم المؤمنين امرأةٌ نحيلة آنذاك حوالي في الرابعة عشرة من عُمرها قليلاً ما تأكُل اللحم لا يُقد في بيت رسول الله صلى الله علية وسلم نار ليس لها متزوجة إياها إلا ثلاث سنين أو أربع على الأكثر مازالت خفيفة اللحم فالهودج هي فيه أو غير فيه لا يكادُ يتغير على أشداء الرجال عندما يكون الذي يحملُ ضعيفاً يُميز لكن أشداءُ الرجال حتى يحملوا امرأة في الرابعة عشر لن يظهر لهم فرق حملوا الهودج وهم لا يشكون لحظة أن أُم المؤمنين فيه وهي خارجه عادت لم تجد نبي الله علية الصلاة والسلام لم تجد القوم جميعاً ماذا تصنع لا يُمكن أن تغدوا وتروح لا يوجد وسائل اتصال ذهبت إلى شجرة في نفس المكان أخذت عليها لثامها وغطائها وجلست غلبها النوم بقدر الله ،
صفوان ابن المُعطل كُلّف بساقة القوم على الأظهر تأخر عن الجيش لأي سبب ليمضي قدرُ الله ولا نوغلِ في البحث عن هذه الأسباب لأنه تأخر تأخُر بصرف النظر عن سبب تأخُره أتى إلى المكان الذي فيه الجيشُ أصلاً وجد الجيش قد ذهب هو يعلمُ ذالك أصلا لكنهُ وجد شبحاً خيالاً اقترب منه فإذا هي أُم المؤمنين مع نومها أُنيط اللثام عن وجهها فعرفها وكان يرها قبل الحجاب فلما عرفها ولن تخفى عليه فمجتمع المدينة مُجتمع صغير قد لا يعرفُ كُل صغيرة وكبيرة فيها لكن الإنسان لا يجهلُ إن هذه امرأة فُلان إذا رآها مرة أو مرتين فاقترب منها
بقدر الله أُلهم أن يقول " إنا لله وإنا إليه راجعون " وإذا أراد اللهُ شيئاً هيأ أسبابه ومن أراد اللهُ أن يرحمهُ فتح له طرائق الرحمة وألهمهُ ما يقول وأعانه على ما يفعل وينبغي أن تعلم أنه ما يُرفع شيء من الأرض إلى السماء أعظم من الإخلاص ولا ينفذ شيء من السماء إلى الأرض أعظم من التوفيق
المقصود قال رضي الله عنه وأرضاه إنا لله وإنا إلية راجعون سمعت عائشة استرجاع صفوان أفاقت على استرجاعه فلم تتكلم أناخ الناقة ركبت أُم المؤمنين ركبت ـ وسأقول بعد ذلك ماذا قالت عندما ركبت لكن في آخر الأمر
ـ ثُمّ أخذها لم يُكلمها ولم تكُلمه وهو يعلمُ قطعاً أنه سيتعرضُ للبلاء أما هي صغيرة في الرابعة عشرة رُبما لم يدُر في خلدها هذا الجيش قبل أن يصلوا إلى المدينة أناخوا المطايا في عزّ الظهيرة قُلت في منطقة تُسمى العشيرة الآن لما أناخ الجيش وقت الظهيرة وقت مكشوف ومنطقة أصلاً وادٍ مكشوف فإذا بصفوان يُقبل وأُم المؤمنين على ناقته وهو يسوق الناقة رآهم عبدُ الله ابن أُبي فطار بها فرحاً فقال بصوتٍ يُسمع ولا يُسمع ـ يعني يسمعهُ الضُعفاء الذين لا يُمكن أن يُثبتوا أمام الشهادة وقادرون على أن ينقلوه ـ
ولا يسمعهُ من يستطيع أن يأتي شاهدً عليهم فوقف يقول امرأةُ نبيُكم مع رجُل والله ما نجت منه ولا نجى منها كلمة تكادُ تُسقط بعض الجبال ولا أقول الجبال كُلها لآن هذا يُقال في حق الله فقط فلما قال انتشرت الكلمة كُل هذا وأٌُم المؤمنين لا تدري فلما رجعت إلى بيتها أصابتها وعكة في بيت رسول الله صلى الله علية وسلم رُبما كونها عائدة من سفر لكن الأمر أُذيع وأُشيع وبلغ النبي علية الصلاة والسلام فرأت في النبي علية السلام تغيُراً في مُعاملته وذلك اللُطف الذي كانت تعهدهُ منه قلّ أو ارتخى قليلاً لكن لم يدُر بخلدها أن يكون ذالك بسبب شيءٌ سمعهُ عنها قُدّر لها أن تتعافى تدريجياً
خرجت مع أُم مسطح أحدُ الذين أسهموا في نشر الأمر خرجوا إلى الصحراء إلى الكُنف لقضاء الحاجات ولم يكُن العرب يوم ذاك عهدٌ بتلك الأمور فلما خرجتا هذه المرأة الأُم تُريد أن تُدخل عائشة في القضية علمت أن عائشة لا تعلم بدليل أنها لو كانت تعلم لسألتها لماذا ابنُها يخوضُ فيّ لكنها لم تسألها فأرادت أن تُشركها في القضية فأصبحت تتعمد السقوط فإذا سقطت ـ الإنسان جبلِة إذا سقط تصدُر منه كلمات يُعبر ردة فعل ـ
فلما تسقُط قالت تعس مسطح ولا يوجد ارتباط بين تعس مسطح وما بين سقوطها في البرية فعائشة أنكرت ولو قالت كلمةً مألوفة لما أنكرت عائشة وهي لا تُريدُ أن تقول كلمةً مألوفة تُريدُ أن تُقحم عائشة في القضية تُريدُ أن تفتح بابً للحديث رددتها مرة مرتين تعجبت أُم المؤمنين قالت سُبحان الله رجلٌ شهد بدراً تدعين علية أو كلمة نحوها قالت يا هنتاه ـ
هي أين عائشة عنها ـ بجوارها هنتاه كلمة تُقال للبعيد لكن تُريد أن تُبين لها أنها امرأة تعيش في عالم آخر لا تدري ماذا يحصُل في الساحة والمفروض تقول يا هذه فقال يا هنتاه أما علمتي ثُمّ أخبرتها قالت سُبحان الله وتحدث الناسُ بهذا قالت نعم فرجعت تزدادُ بكاءً كان مرضاً جسدياً الآن أصبح هماً أصبح غماً أصبح مرضاً قلبياً فرجعت فسألت أُمها فقالت لها أُمها تُريدُ أن تُخفف وطأ الأمر عليها " يا بُني إنه قلّ أن تكون امرأة وضيئة ـ يعني مثلُك ـ لها حضوة عند زوجها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها فقالت هُنا ـ رُبما نسيتُ في الأول ـ أو تحدث الناسُ بهذا قالت نعم فازدادت حُزناً على حُزن رضي الله عنها وأرضاها كُلُ هذا يحصُل والوحي لا يتدخلُ بشيء ولا ينزلُ قرآناً من السماء ونبي الأمة ورأسُ الملة يُتهم في زوجته لكن أراد الله جلّ وعلا أن يُمحص بشريتهُ علية السلام من نبوته .
أي شيء عظيم تُريد أن تكشفه إذا كان مُختلط بغيره وتُريد لمعانه الحق أخرجهُ عن غيره حتى يظهر جلياً بيناً لكنه وسط الأشياء التي تشوبه وتختلط معهُ لا يظهر .
فالله جل وعلا أراد أن يُميز نعمة النبوة على رسول الله صلى الله علية وسلم بأن تكون مُنفكة بعض الشيء عن بشريته ففي بشريته ذهب يستشير دعا الجارية دعا أُسامة دعا علياً يغدوا ويروح صعد المنبر من يعذُرني في رجُل أذاني في أهلي يختصم الحيان الأوس والخزرج فلا يلبُث أن ينزل ويحاول إسكاتهُما علية الصلاة والسلام ويقولُ في حق صفوان ـ والأمور عند الحكُم لابد أن تكون هناك خلفية سابقة في الظن الحسن أو في الظن السيئ ـ فقال لقد ذكروا لي رجُلاً ـ يقصد صفوان ـ لا أعلم عنهُ إلا خيراً ولا يدخُل على أهلي إلا معي هم لا يتحدثون عن رجُل اغتبتُ فيه مرة أو ارتبتُ فيه مرتين أو وجدتهُ مرة وأنا غير موجود أو رأيتهُ لحظات يتحسسُ على أهلي يتكلمون عن رجُل لا أعلم عنه إلا خيراً لا يدخُل على أهلي إلا معي يتجنب أن يأتي البيت وأنا غير موجود فبعيدٌ جداً أن يُتهم وهذا كُله كلام بشر كلام يحصُل في أي مُجتمع يقولهُ أي فرد لأن هنا مُحمد ابن عبد الله ليس محمدٌ النبي الرسول النبي الأُمي الوحي الآن مُنفك في القضية هذه ليس النبي صلى الله علية وسلم ليس نبياً تلك الفترة مُحال هو نبيٌ على كُل حال لكن نكلم في مُعاملته مع هذا الحدث هنا يتعامل على كونه بشر علية الصلاة والسلام فلما استُفرغ الجُهد البشري جاء الوحيُ الرباني والتنزيلُ الإلهي ليفصل في القضية دخل علية الصلاة والسلام على عائشة وقد استأذنت منه من قبل أن تُمرّض عند أبويها ولك أن تتصور خيرُ الأصحاب يعرفُ النبي منذُ أن كان عُمرهُ ثمانية عشر عاماً وصديقٌ له اثنين وعشرين عاماً أو عشرين عاماً لما جاء الإسلام كان الصديق عمره ثمانية وثلاثين سنة ثُمّ بعد ذلك ليس صديقاً صاحباً بتعبير الشرع ومعهُ كل سنين العذاب في مكة بالدعوة بمرحلتيها السرية و الجهرية ثم معه المدينة في بدرٍ وأُحد والخندق ثُمّ زوجة ذلك الصاحب النبي تعود إليك بوصفك أباً لها مُتهمة بأنها خانتهُ في عرضها شيءٌ مُذهلٌ بالنسبة لصديق لكن الأدب لما سكت الله من الذي سكت ؟ سكن النبي فلما سكت النبي سكت أبو بكر لما سكت الله ما أنزل شيئاً سكت رسول الله ما حكم بشيء فلما سكت رسول الله سكت أبو بكر ما أستطاع أن يُدافع عن ابنته وقطعاً لن يتهمها لكنه سكت بسكوت رسول الله صلى الله علية سلم تعود إليه أبنتهُ فلا يزالُ يبكي رضي الله عنه وأرضاها حتى ورد في بعض الروايات أنهُ كان يقرأ القرآن على سطح المنزل يسمع ابنتهُ تبكي وهو يبكي فوق لكن الأدب منعهُ أن يتكلم بكلمة واحده دخل نبيُنا صلى الله علية وسلم يعرض الأمر مكشوفاً على عائشة إن كُنت أذنبتي فاستغفري وإن كُنت كذا فكذا وهي لا تزيدُ على أن تقول فصبرٌ جميل تقول كما قال أبو يوسف نسيت اسم يعقوب في هذه اللحظات انقطعت كُل الطرائق الدنيوية فمن حول النبي قال مشورته وأبو بكر سكت والنبي صلى الله علية وسلم لا يدري كيف يفصلُ في القضية و المرأةُ تبكي فأنزل الله جل وعلا قوله
(إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ)
وما زال الوحيُ يتنزلُ علية حتى انفصم عنه صلوات الله وسلامه عليه وإن جبينهُ لينزلُ عرقاً مع أنه في يوم شات هذه كانت براءة عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها ونهاية شهر الأسى في حياة سيد الخلق صلى الله علية وسلم فقال لها احمدي الله ففرح الأبوان أبو بكر وأُم رومان قومي إلى رسول الله قالت والله ما أقوم إليه ولا أحمدُ إلا الله.
طبعاً ليس المقصود أنها تغيرت على نبي الله صلى الله علية وسلم حاشاها هذا لا يقعُ في قلب أي أحد من المسلمين الصادقين لكنها أرادت أن تُبين دلالها وفضلها وحقها على رسول الله صلوات الله وسلامهُ عليه المُهمُ أن النبي صلى الله علية وسلم تلا القرآن وأظهر بما تلاهُ من كلام الله براءة أُم المؤمنين وصفوان ابن المُعطل رضوان اله تعالى عليهم .
هذا مُجمل حديث الإفك كما هو قائم في صحيح الأخبار وصريح الاثار
الآن نعودُ إلى التفسير
نقول قال الحق تبارك وتعالى (إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ)
جاءوا بالإفك ابتدعوه لأنه ليس له أصل والإفك ليس له أصل وهو أقبح الكذب لأن الإفك القلب قال الله جل وعلا ({وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى }النجم53)
من المؤتفكة قوم لوط وسموا المؤتفكة لأن الله قلب عليهم الأمر جعل عاليها سافلها فالصديقة رضي الله عنها وأرضاها أهلٌ لكل فضيلة فكيف يُنسب إليها أعظمُ شيء في الرذيلة هذا قلبٌ للحقائق ولهذا سماه الله جل وعلا إفكاً (إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ) العصبة قالوا الجماعة دون الأربعين .
(لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ{11} )
الله يقول في سورة القمر (وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ }القمر3) العبرة يا أُخي بالنهايات فالنقص في البدايات لا يضر في النهايات على ما استقر الأمر هو المطلوب هو
المقصود وقد استقر الأمر على براءة عائشة وصفوان قال الله (لَا تَحْسَبُوهُ) والعلماء هنا رحمهم الله بعض منهم يقول إن المقصود صفوان وعائشة لكن الله جمع من باب أساليب لغة العرب هذا بعيد صحيح أن هذا الأسلوب موجود في لغة العرب لكن لا يُمكن حمل المعنى عليه بل المعنى أن الأمة كلها تستفيد من هذا وكيف تستفيد؟ أما الذين ظلموا في الإفك فهو رفع درجات لهم وشرف لهم أن يذكروا في القرآن وأن تنزل براءتهم في القرآن ، وأما الذين لم يذكروا من المؤمنين المعاصرين للحدث أو المؤمنين التالين للآيات كأهل عصرنا فإن في ذلك موعظة وأدب و كمالات لهم باختيار طرائق الله جل وعلا في تربية المجتمع على أنه ينبغي أن يُعلم أنه لا يوجد خيرٌ محض ولا شرٌ محض بل الأمور بالغالب الخير المحض في الجنة والشر المحض في النار (لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم) من الذين خاضوا في الإفك (مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ) وأكتسب توافق كسب إلا أن العرب تستعمل أكتسب في الآثام وكسب في الخيرات ، العربُ في فصيح كلامها تستعملُ كسب في الخيرات
وأكتسب في الآثام (لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ) تولى أصل القضية حرص على إذاعتها تبنى إشاعتها (لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ) وهو المقصود به عبد الله ابن أُبي ابن سلول هذا ذكرٌ للحدث .
أما الآداب الناجمة عن الحدث فجاء تفصيلُها بعد أن ذكر الله الحدث جُملةً وبين أن الأصل فيه أنه خير للناس.
قال جل ذكره (لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً)
كلمة أنفُس هنا تعبير على أن المجتمع المسلم مجتمع واحد و هذه طريقة القران (وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ} الحجرات 11) (اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ} النساء 66)
تكررت في أكثر من مرة أن مجتمع المؤمنين كالمجتمع الواحد (لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً) وهذا الذي وقع من ماذا ؟ من أبي أيوب الأنصاري كما بينا ولهذا أنا حرصت على أن أُقدم شخصيات القصة قبل أن اشرح حتى يصبح الشرح مجرد تحرير ألفاظ يسيرة (لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً) فإذا كان الإنسانُ أصلاً يظن بنفسه الخير فكيف الظن بأم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها
) وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ{12 }(يعني كان الواجب أن يُقال إن هذا إفك واضح
ظاهر بيّن لا أن نخوض فيه بعد أن خاطب الله جل وعلا المؤمنين فيما ينبغي عليهم أن يفعلوا خاطب جل وعلا أولئك الذين تولوا الأمر.
قال الله تبارك وتعالى) لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ{13} (
وقد بينا أن هذا مرتبط بأول القصة لأن الله ذكر في أول السورة قضايا القذف وأن القذف يُشترط فيه أربعةٌ من الشهود وإنما استثنى الله جل وعلا من هذا الإجمال الزوج إذا رمى زوجته أما هُنا فليس هناك زوج يرمي زوجته وإنما أُناس خارجون عن القضية يرمون زوجة نبيهم فالإعتبارات والمعايير الشرعية المطلوبة هنا أربعة شهداء قال الله (فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ{) والكذب على الله أعظم الذنوب ثم الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم الكذب على الناس.
قال الله جل وعلا (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ{14})
هذه لولا حرف امتناع لوجود وهي عند سيبويه يوجدُ اسمها أي يوجد المبتدأ بعدها ولا يُقال اسمها وخبرها يُحذف وجوبا حرّرهُ ابن مالك بقوله :
وبعد لولا واجبا حذف الخبر *//* كما تقول لولا زيدٌ في هجر
يعني لولا زيد موجود في هجر
المعنى هنا أن فضل هي مُبتدأ لكن جواب لولا قول الله تعالى (لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) أي أن الله جل وعلا رحمكم وأعطاكُم مُهلة لتوبة وعفا عنكُم كونكم لم تُنكروا إنكاراً جلياً واضحاً على من خاض في الإفك و إلا ما وقعتُم فيه أمرٌ يستوجبُ أشد العذاب لكن أشد العذاب رُفع عنكُم بسبب فضل الله جل وعلا ورحمته لكم .
(إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ{15})
قُلنا في الابتداء في أول الدرس (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ) ومعلومٌ أن الإنسان يتكلم بفمه (وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم) لكن الله جل وعلا لم يُرد أن يُبين الجارحة التي نتكلم بها إنما أراد أن يتكلم أن هذا الأمر لم يكُن مُستقراً في القلوب ولا توجد لهُ حقيقة أصلاً حتى يستقر وإنما شخصٌ ينقُل وشخصٌ يحملهُ وشخصٌ يُذيعُ وشخصٌ يزيدُ علية شأنُ أكثر الضُعفاء أكثر الناس وقد خاض في هذا الأمر كبار المُنافقين وبعضُ الصحابة وقد عفا الله تبارك وتعالى عنهم والكلام عن الصحابة حتى لو أخطأوا يجبُ أن يكون مُقيداً بوفق تعبير القرآن ولا نقذف أنفُسنا في أمواج لا نستطيعُ أن نواجهُها ونترضى عليهم أجمعين رضوان الله تبارك وتعالى عليهم .
(وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ) هذا تأديبٌ لناس (قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ{16}) الأصل فيه تنزيه الله جل وعلا عما لا يليقُ به فلماذا قيل التسبيحُ هنا قيل التسبيحُ هنا أي سُبحانك أن تكون زوجة نبيُك فاجرة المقصود من ذكر سُبحانك هنا أي سُبحانك ربُنا أن تكون زوجة نبيك امرأةً فاجرة
قال ربُنا تبارك وتعالى (وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا) أي بهذا الإفك
(وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا )
لا يكون العود لمثله إلا بشيءً واحد إما قذفُ عائشة أو قذفُ من ؟ إحدى أُمهات المؤمنين لا يكون العود لمثله إلا بشيءً واحد إما قذفُ عائشة مرةً أخُرى أو بقذف إحدى أُمهات المؤمنين .
(يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً) هل (إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ{17}) هنا يجري عليها الحُكم الذي يجري على ما ورد في السُنة " من كان يؤمنُ بالله واليوم الآخر فليُكرم ضيفة " فلو لم يُكرم ضيفهُ لا ينفي عنه كُل الإيمان " ولا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " فلو زنى مؤمن لكن ليس كامل الإيمان فهل هذا هو المقصود بالآية ؟
هذا الذي علية جمهور أهلُ التفسير وذهب بعضُهم إلى أن العودة إلى قذف أحدٍ من أُمهات المؤمنين كُفرٌ بالله جعلوا الشرط على مفهومه الواضح .
قال الله تعالى بعدها (وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ{18} إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ{19})
أولاً نربط ما بين ذيل الآية وما بين صدر الآية أو ما ختم الله به الآية بتعبير أوضح وما بين صدر الآية (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ ) المحبة شيء أين يقع ؟ في القلب شيء خفي كامن فناسب أن يقول الله جل وعلا بعدها ) وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) قد يُجدُ بيننا من يُحبُ الفاحشة من يُحبُ أن تنتشر لكنهُ لا يتصرف تصرُفاً يدلُ على تلك المحبة المستوطنة في قلبه فلا سبيل لنا علية أن نُنكر أو نؤدب أو نُعزر أو نمنع ربُما بوأناه مكاناً قيماً فنجم عن تبويئه ذلك المكان مفسدة في الأمر لذلك قال الله جل وعلا (وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) فإذا كان الذين في قُلوبهم محبة لإشاعة الفاحشة في المؤمنين توعدهم الله جل وعلا بهذا فكيف بمن يحملُ الأمر برُمته ويسعى في الناس والعياذُ بالله في إشاعة الفاحشة كأرباب القنوات التي تبعثُ الشرور وتنشُر الفجور أو أصحابُ المجلات أو أصحابُ الصُحف التي تبُث شيئاً مُحرماً يدخلون في هذا من بابً أولى أو الذين يُحبون أن يُجدوا أو يُقيموا أسواقً أو أي أمورٍ يقصدون من ورائها أن يكون هنالك نوعٌ من الفاحشة ظاهر واختلاطٌ بين الرجال والنساء و دعواتٌ في الفجور هؤلاء يدخلون بصورة أوليه في قول الله جل وعلا (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) .
ثُمّ قال الله جل وعلا (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّه رَؤُوفٌ رَحِيمٌ{20})
الآن عُد إلى الأولى قال في الأولى (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ) هنا لم يقُل شيئاً فجواب لولا هنا مُصرّح به أو محذوف ؟ محذوف لم يذكُرهُ الله جل وعلا وأختلف العُلماء في تقديره والأظهر ولولا فضلُ الله عليكم ورحمتهُ لهلكتُم ، هذه واحده لكنها عامة .
وبعضُ أهل العلم يقول ولولا فضلُ الله عليكم ورحمته لشاعة الفاحشة وذاعت لكن الله جل وعلا برحمته لكم منع الفاحشة أن تذيع وتشيع.
ثُم قال جل شأنهُ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ{21} )
هذه دعوة بعد أن بين الله جل وعلا أن الفاحشة لا يجوز نشرُها ولا محبةٌ نشرها بين جل وعلا أن السبيل إلى الخلاص من إشاعة الفاحشة عدمُ إتباع خطُوات الشيطان لأن في إتباع خطوات الشيطان والمقصود بخطوات الشيطان طرائقهُ مسالكُهُ ما يدعوا إلية الشيطان هذا المقصود بخطواته وخَطوة بفتح الخاء إذا كانت مُفرده فإذا جمعت تضُم الخاء ـ أٌُعيد ـ إذا أردت الإفراد تقول خَطوة خطوتُ خَطوةً بفتح الخاء وإذا جمعت تقول خُطوات كما هو نصُ القرآن
(لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ) لماذا ؟ لأن الشيطان أصلاً لا يدعوا إلا إلى الفحشاء والفحشاءُ تُطلق على العمل الرذيل إذا كان فعلاً أما إذا كان قولاً يُسمى عورات ومنه قول بعضهم :
ولا استعذب العوراء يوماً فقال لها
في مدح أحد الفُضلاء الصالحين .
قال ربُنا جل شأنهُ (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )
باختصار العملُ الزاكي هو العمل الذي يرضى الله عنه العملُ الزاكي هو العمل الذي يجلبُ رضوان الله فمن هو الشخصُ المُزكى ؟ من عملِ عملاً رضي الله عنه به ولا سبيل إلى معرفة هذا فلهذا لا نستطيع أن نُزكيَ أحدً ولا سبيل إلى معرفة هل رضي الله عن صاحب هذا العمل بذالك العمل وعلى هذا يمتنع أن نُزكي أحدً تزكية باطنةً وظاهرة لكن عندما نُحرر ورقةً أو نقول قولاً في تزكية أحد فإنما نُزكي ماذا ؟ ظاهرهُ ونكلُ سرائرهُ إلى الله جل وعلا .
ثُم قال جل شأنهُ:( وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ (
أجمع المُفسرون على أنها نازلةً في حقِ أبي بكر وهذه الآية تأخر نزولها لم تنزل هذه الآيات الست عشر جُملةً واحده هذه الآيات لم تنزل جُملة واحده فماذا صنع أبو بكر سكت ولم يتصرف فلما نزلت الآيات ببراءة عائشة ـ وهذا من فرائد العلم ما ينجُم عنه ـ لما نزلت الآيات ببراءة عائشة تصرف أبو بكر كيف تصرف ؟ منع إنفاقً ورزقً كان يسوقهُ على من ؟ على مسطح لأن مسطح ممن شارك في المسألة ـ هذا ظاهر الكُل يعرفه ـ أين فرائد العلم عاتب الله الصديق لما منع مسطح من رزقه قال أهلُ العلم حررها بسجعها ما صنعهُ مسطح يُنزل النجم من أُفقه فمنعهُ الصديقُ من رزقه فعاتب الله الصديق في حقه . ـ.أُعيد ـ ما صنعه مسطح وتقول به يُنزل النجم من أُفقه يعني يحطُ من أي شرف من أي شيء فمنعهُ الصديق من رزقه أيُ رزق ؟ الذي كان يُنفق به علية ماذا جرى بعد ذالك ؟ عاتب الله الصديق في حقه في حق من ؟ في حق مسطح واضح
ماذا تستفيد ؟ تستفيد لا تكُن سبباً في منع أرزاق الناس إذا أردت أن تؤدب أحدً أدبه بأي طريقً كانت إلا أن تمنعهُ رزقه لأنهُ لو كان منعُ الرزق سائغاً لساغ في حق مسطح لكن الله جل وعلا عاتب الصديق فيه . ماذا قال الصديق أقسم حلف يمين أنهُ لا يُنفق على مسطح ماذا قال ربُِنا (وَلَا يَأْتَلِ) جمهورُ المُفسرين على أن يأتلِ هُنا بمعنى يحلف ((وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ وهذه تزكيةٌ من الله لصديق لأن الله سمّاهُ بأُولي الفضل ، لكن لاحظ تعبير القرآن قال الله ( (وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ ) ما قال والنعيم والترف والثراء والغنى كُلها مُفردات رُبما تؤدي نفس المعنى لكن قال (وَالسَّعَةِ) لأنه يُسعُ على نفسه ويُسعُ على غيره وقد قال العُلماء وسيأتي هذا إن التقوى قرينةٌ العفو فالناسُ الذين فيهم خصيصةٌ العفو قريبون من التقوى يقولون إن التقوى والعفو مُتلازمان سيأتي تحرير هذا .
قال الله جل وعلا (وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ)
والمقصود مسطح وهذا دليلٌ ظاهرٌ بينُ بالإجماع على أن الكبائر لا تُحبطُ العمل الصالح إذ لو كانت الكبائر تُحبُط العمل الصالح لكان أولى أن يُحبط عملُ مسطح لأنه خاض في عرض أُم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها ومع ذالك أسماهُ الله جل وعلا مُهاجرا فأبقى الله جل وعلا على هجرةً مسطح وجعلها عملاً صالحاً زاكياً لهُ وأقرها ولم يحبطها دلالة على أن الكبائر مهما بلغت لا تُحبطُ العمل الصالح .
قال الله تعالى :( وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا)
الخطابُ لمن ؟ في المقام الأول أجيبـوا ؟ لأبي بكر (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا) الخطاب لمن لأبي بكر وقال الله لنبيه في سورة أُخرى في غير هذه القضية قال ( فاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ }المائدة13) قال العُلماء خاطب الله أبا بكرٍ بما خاطب به نبيه حتى يُبين للخلق أن الصديق فعلاً ثانيَ اثنين ـ واضح ـ هذه استنبطها العُلماء لكنني لا أجزمُ بها .
(وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{22})
هذه فيها مُلاطفة من الله لأبي بكر فيها دعوة وفيها حُجة كما أنت تُريدُ العفو من الله والمغفرة من الله كذالك الناس يُريدون منك أن تعفوا عنهم ويُريدون منك أن ترزُقهم فعامل الناس بما يُحبُ أن يُعاملوك به وقد قُلنا مراراً إنك إذا أردت أن تتعامل مع أحد وخرجت قضية الحدود الشرعية فعاملهُ بما تُحبُ أن يُعاملك الله جل وعلا به ولا تُسدرُ رحمة الله بشيءً أعظم من هذا .
ثُم قال جل شأنه :( إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ{23})
العُلماء في هذه الآية على قسمين هل هذه الآية عامة ؟
وهذا قول الجمهور و هو الأظهر في كُل قاذف (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ) فإذا قُلنا بهذا القول إنها عامة لكُل قاذف فيُصبح معنى اللعن هنا إقامةٌ حد القذف عليهم وأما إذا قُلنا بالمعنى الآخر الذي قالهُ العُلماء وهو أن المعنى الآخر: أن الآية في عائشة وأُمهات المؤمنين وإن المُخاطبين في هذه الآية المُنافقون فقالوا لعنهم في الدُنيا بطردهم من رحمة الله ولعنهم في الآخرة بعذاب النار فجعلوا إن هذه الآية خاصة فيمن قذف أُمهات المؤمنين ولذلك قالوا لم يذكُر الله جل وعلا بعدها توبة فكون الله لم يذُكر بعدها توبة قرينة لمن قال إنها في أُمهات المؤمنين ومن قال إنها عامة هذا الأصلُ في الخطاب الشرعي .
(لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) نبقى في اللعن ـ كفائدة ـ يعني اختلف الناس كثيراً تسمع هذا جيداً في قضية لعنً مُعين لكن أرجح الأقوال ما قالهُ الحافظُ ابن حجر رحمة الله تعالى علية وحرره وهو قول جيدٌ لمن تدبرهُ وهو أن اللعن إذا أُريد به الدُعاء وإخرجُ الإنسان من رحمة الله فهذا لا يقعُ على مُعين إلا على كافرٍ مات أما إذا أُريد به شدة النكال شدة التضييق عليه فيجوز لعنُ المُعين ـ واضح
نأتي بمثــــال :مثلاً أأُتونا برجُلً آذى المُسلمين كثيراً في العصر من الكُفار ـ مثلاً شارون ـ شارون لم يمُت بعد فإذا أردت باللعن التشديد عليه والتضييق وشدة النكال جاز وإذا أردت بأنك تدعوا بأن لا يرحمهُ الله بمعنى أنه يموت على الكُفر لا يجوز لأن ليس لأحد أن يتدخلّ في أين تقع رحمة الله [ واضح ] وهذا القول لأبن حجر قولٌ مُحرر علمياً يحلُ إشكالاً قائماً في القضية جزاهُ الله خيراً وعفا الله تبارك وتعالى عنه .
نقول قال الله تعالى بعدها: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ{23} يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{24})
هذا يكون يوم القيامة وقد حررنا قرائن له كثيرة من قبل
(يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ) مُحال أن يكون دين الكُفار حق فكلمة دين هُنا ما معناها ؟
الجزاء كلمة دين هُنا معناها الجزاء فيئُصبح المعنى يومئذٍ يوفيهم الله جزائُهم الحق وكيف يكون جزائهم الحق ؟ إن مُعاقبة المُسيء على إساءته عينُ ماذا ؟ عينُ الحق ، إن مُعاقبة المُسيء على إساءته عينُ الحق كما أن الإحسان إلى المُحسن لإحسانه كذلك هو عينُ الحق .
(يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ{25} الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ) للعُلماء فيها قولان :
قولٌ يقول إنها في الأقوال وقولٌ يقول إنها في المُشاكلة ومعنى أنها في الأقوال المقصود من الآية أن الخبيثات من الأقوال تليق بالخبيثين والخبيثات من الرجال والطيبات من الجُمل المادحة المُعبرة تعبيراً حسن تليق بماذا ؟ بالطيبين من الرجال والطيبين من النساء هذا قول الجُمهور .
وقال آخرون إن من سُنن الله الإلهية المُلائمة ما بين كُل مُتفق فالخبيثات من النساء لا تُلائم إلا الخبيث من الرجال والخبيث من الرجال لا تُلائمهُ إلا الخبيثة من النساء وعلى الضد الطيبات من النساء لا يُلائمُها إلا الطيبات من الرجال والطيبُ من الرجال لا تُلائمهُ إلا الطيبات من النساء وحملُ هذا المعنى عندي أقرب ولكن يرد إشكال عند الناس منعهم من هذا القول إذا خالطتهم يقولون إنك ترى الآن امرأة صالحة صوامة قوامة مُحسنة إلى أولادها وزوجها الله أعلمُ به فيه من الخُبث والشرور بل رُبما يُتاجر في المخدرات ويسعى في المُسكرات وكيف تقول لي (وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ) بهذا المعنى نقول يجب أن تُفرق ـ
وهذا القول فيه نوع من المُجازفة لأني لا أعلمُ أحدً نصّ عليه بهذا التعبير ـ نقول ينبغي أن يُفرق ما بين الحياة المُعايشة وحياة المُلائمة فالزوجات الطيبات الصالحات المُقترنات بأزواج مُرتكبون للكبائر لا يكون هناك تلاءُم روحي وإنما المرأة هنا صابرة إما لبنيها أو تحتسب تغيير زوجها والعكس إذا كان الرجُل هو الطيب و المرأة هي السيئة ويمنعهُ من طلاقها خوفه على شتات أبنائها ولا توجد مُلائمة روحية أما ما كان ما بين رسول الله صلى الله علية وسلم وعائشة فقد كان تآلفٌ جمّ وتلائمٌ تام ومحبةٌ قائمةٌ بين الطرفين ولهذا قيل لهُ من أحبُ الناس إليك قال عائشة واضح الفرق بهذا الأمر يعني استبعد الإشكال القائم على أن الذي منعهم كونه أن الواقع وهو أعظم الشهود كما يقولون يمنع أن يكون المعنى التلاؤم لكن قُلنا يُفرق ما بين التعايُش ما بين التلاؤم
وقد قال المُتنبي :
ومن نكد الدُنيا على الحرّ أن يرى *//* عدوً له ما من صداقته بُردُ
هذا ما تيسر قولهُ وتهيأ إيراده وأنا قُلت سأُأُجل الكلام عن ماذا قالت عائشة عندما ركبت هذه فائدة لمن يُشاهدُنا لنا في المقام الأول وهو أمرٌ لا يحتاجُ إلى أن نُجّربه يقولون إن زينب بنت جحش رضي الله عنها تُنافس عائشة كما مرّ معنا وأحياناً يحصُل بينهما تفاخرٌ محمود وعندما أُمهات المؤمنين يحصل بينهما تحاور ينجُم عن ذالك علم نشأن في بيت النبوة فقالت حفصه أنا التي أنزل الله تزويجي من فوق سبع سنوات فقالت عائشة رضي الله عنها وأرضاها وأنا الذي أنزل الله براءتي لما حملني صفوانٌ ابن المُعطل على راحلته هُنا نسيت زينب قضية المُحاورة صارت تتكلم بالفائتة
قالت يا عائشة ماذا قُلتي عندما ركبتي الراحلة ؟ قالت قُلت حسـبي الله ونعـم الوكـيل ماذا قالت ؟ حسـبي الله ونعم الوكيــل قُلنا هذا الأمر لا يحتاجُ إلى تجربة والله الذي لا إله غيره جبال تعرفون جبال تهُدها كلمة حسبُنا الله ونعم الوكيل وكُلما أُغلق عليك أمر لم تجد مثلَ حسبُنا الله ونعم الوكيل .
أنا أعرفُ رجُلاً صالحاً كان عندهُ طالب علم فكان دائماً يوصيه بحسبُنا الله ونعم الوكيل فذات يوم كأن الطالب يعني استقلّها فعاتبهُ قائلاً : يا بُني حسبُنا الله ونعم الوكيل هذه تهُد جبال فكُلّ أحدٍ منّا إذا وقع في مُعضلة أو رأى شيئاً أقبل عليه مما لا يُطاق فليعتصم بقول حســبي الله ونعــم الوكيــل فإنه لن يكفيك أحدٌ مثلَ الله ولا وكيل بعد الله .
جعلنا الله وإياكم ممّن توكل عليه فكفاه واستهدى به فهداه
عذرا على الإطالة لكن أحببت أن أنقل لكم مايتعلق بحادثة الإفك بشرح شيخنا الماتع وفقه الله
منقول من موقع الشيخ صالح المغامسي (الراسخون في العلم)