المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جريدة الوثن .. والحكومة السعودية وجهاً لوجه ؟


الشرق الأدنى
15-05-09, 12:56 am
فاضل العماني ("")للسعوديات أيضاً: كوني جميلة واصمتي لا أجد فرصة للكتابة عن المرأة السعودية إلا وأنتهزها ـ وأعتقد أن الكتاب الآخرين يفعلون ذلك ـ إيماناً مني بضرورة الوقوف ضد طابور طويل من الثقافات والاعتقادات والشبهات والأعراف تتقاطع فيما بينها مكرسة حالة من التمييز والإقصاء والتهميش تتعرض لها المرأة السعودية منذ عقود ومازالت مستمرة للأسف حتى يومنا هذا، رغم كل المحاولات والإصلاحات والمبادرات التي تتخذ من عدة مستويات لتعديل ذلك المسار الخاطئ في التعاطي مع النصف السعودي الآخر، والذي من المفترض أن يُمثل الشريك الأبدي والحقيقي في بناء وتنمية هذا الوطن الذي يزخر بنماذج أنثوية رائعة ومبهرة، ولكنها ـ للأسف ـ تُبهر القاصي فقط، بينما الداني وهو الأقرب والأهم مازال حتى هذه الساعة متحيراً ومتشككاً وقلقاً حيال ذلك المخلوق القادم من كوكب آخر والمتعارف عليه تحديداً: المرأة السعودية.
ما دفعني للكتابة عن المرأة السعودية هو ذلك الإعلان المثير للجدل والذي يجتاح شوارع وبنايات وشرفات بيروت ومعظم المدن والقرى اللبنانية منذ عدة أسابيع، والذي تظهر فيه فتاة لبنانية غاية في الجمال والأنوثة ـ كما هن اللبنانيات عموماً ـ شبيهة بفتيات الإعلانات التي تسوق عادة مستحضرات التجميل والصابون والجينز والملابس الداخلية النسائية، ولكن جيسكا منصور ـ وهو اسم فتاة الإعلان تلك ـ لا تُخاطب اللبنانيات هذه المرة كمستهلكات، ولكن كناخبات، حيث كتبت بالقرب من فمها الشهي عبارة بالفرنسية "sois belle et vote"، وتعني بالعربي "كوني جميلة..وانتخبي..". وللعلم فقط، وليس للتطبيق طبعاً ـ حتى لا يغضب مني حراس الفضيلة والعفاف ـ أن المرأة اللبنانية تُنتخَب وتنتخب منذ خمسينيات القرن الماضي!
وقد أثار هذا الإعلان جدلاً واسعاً في الأوساط اللبنانية، فهناك من يراه خروجاً عن المألوف، وإهانة لعقل وفكر المرأة واعتبارها مجرد وجه جميل وجسد مغر، بينما يدافع عنه البعض باعتباره إعلاناً موجهاً بشكل مباشر للمرأة اللبنانية العصرية التي تحرص على أن تكون جميلة وشابة دائماً، والاهتمام بالجمال يأتي في سياق الاهتمام بالديموقراطية التي تُمثل الجمال الإنساني والحضاري، كما اعتبره المؤيدون رداً مناهضاً للمقولة الشهيرة السائدة "كوني جميلة.. واصمتي.."، وأكثر المدافعين عن ذلك الإعلان المثير هم بالطبع من أتباع التيار الوطني الحر الذي أطلق هذا الإعلان لتسويق حملته الدعائية للفوز بأكثر عدد ممكن من المقاعد النيابية في الانتخابات اللبنانية والتي ستجري بعد أقل من شهر، وتحديداً في 7يونيو القادم. ويُعتبر التيار الوطني الحر من أهم الأحزاب المسيحية اللبنانية بزعامة الجنرال ميشال عون أحد أهم رموز المعارضة في لبنان.
وفي أدبيات الوكالات الإعلانية الكبرى في هوليود عبارة "كوني جميلة.. واصمتي.."، وهي عبارة تُقال للفتاة الجميلة الواعدة التي تم اختيارها للترشح للنجومية. فالمهم في هوليود الوجه الجميل والأنوثة الطاغية، أما الموهبة والإمكانات والقدرات والذكاء والفكر فهي مجرد تفاصيل لا أهمية لها، وهناك من سيتكفل بها لكي تظهر تلك الفتاة في النهاية ذكية وعبقرية وملهمة وطبعاً جميلة. وتنتشر هذه الصناعة ـ صناعة النجوم ـ في العديد من دول العالم الغربي، حيث يكثر الكشافون وصائدو الفتيات الجميلات في الأزقة والأحياء الفقيرة والمدارس والجامعات، وتتبنى الوكالات الإعلانية الكبرى تلك الفتيات الجميلات وتخضعهن لسلسلة من الاختبارات والدورات والتدريبات ليصبح ذلك الجمال في نهاية المطاف طاقة اقتصادية ومحركاً للتنمية. ويبدو أن تلك الصناعة الغربية قد بدأت تنتشر وتتمدد في مرابعنا العربية "المحافظة" لاسيما في دول المركز، بينما اقتصر دور دول الخليج، أو ما تُعرف بدول الهامش على تمويل تلك الصناعة العربية الواعدة، وهل هناك أجمل من تلك الصناعة؟! لقد استطاع سيمون أسمر عبر برنامجه الشهير "ستوديو الفن" أن يُدشن حقبة جديدة ترتكز على صناعة النجم العربي الملهم، تلك الصناعة التي تهتم بالشكل أولاً، أما الأشياء الأخرى فتأتي لاحقاً. أما الآن فنحن نعيش العصر الذهبي لتلك الصناعة العربية، وبرامج كاستار أكاديمي وشاعر المليون وهزي يا نواعم وما شاكلها تؤكد بما لا يدعو للشك بأننا نسير في الطريق الصحيح نحو الهاوية والانحطاط.
الم أقل إن المرأة السعودية تُعاني من الظلم والتهميش والإقصاء، فحتى هذا المقال المخصص أصلاً للكتابة عن المرأة السعودية قد ضل طريقه كالعادة بعيداً هناك حيث المساحات الأرحب والفضاءات الأوسع، هناك فقط يحلو الحديث عن كل شيء عن المرأة الغربية والعربية والخليجية، أما الحديث عن المرأة السعودية وعالمها المثير فيحتاج إلى لاعب سيرك ماهر يمشي على أطراف أصابعه ويُخرج الحمام من أكمامه ويُدخل رأسه في فم الأسد.
لا أعتقد أن حواء بنسختها السعودية تفكر حالياً بتلك الاستحقاقات "الكبرى" كالتصويت في الانتخابات البلدية، وقيادة السيارة، وتحمل أعباء حقيبة كبرى بحجم وزارة لا تختلف كثيراً عن بعض حقائبها التي اعتادت حملها وهي طفلة لم تتجاوز الـ12 من عمرها، ولا أظنها تُفكر في التخلص من تلك المفردة سيئة الذكر "محرم" التي تمثل العنوان البغيض الذي يردده الآخرون تهكماً واستهزاء بالمرأة السعودية، وغيرها من استحقاقات تتمتع بها كل نساء العالم، حواء السعودية لا تُفكر في كل ذلك، أظنها تُريد بعضاً من التقدير والاحترام والاهتمام والاعتراف والثقة، وهي حاجات ضرورية لتعيش في سلام وأمان في وطن يفخر بذلك.


إنتهى المقال :

هل ستطبق الأجهزة الرقابية حكم الله ورسوله على الكاتب والجريدة الوثنية ؟ أم أن في الأمر سر !!