الخيّال
17-04-09, 09:57 pm
الكتاب والكليجا وحراسة الوهم
في خلال الشهر الماضي تسنى لي حضور معرض الكتاب الدولي الذي أقيم في مدينة الرياض ومهرجان الكليجا الذي أقيم في مدينة بريدة. وكاد الأول يفقدني توازني الإنساني لولا أن الثاني أعاده لي بعفوية وسلام.
في معرض الكتاب في الرياض، كالعادة كان الجو مكهرباً، وكنت لا أدري هل أتجول بين دور النشر وأطالع الكتب أم أراقب، من أعتقد، أنه يراقبني بحذر، حتى لا أقفز على سيدة أو تقفز علي سيدة. حتى خفت على نفسي أن أفعلها أو تفعل بي، وإلا فلماذا كل هذا التحفز والتيقظ الهستيري.
أما هاجس الجنس الذي أخذ يكبر ويعشش في حياتنا وأربك توازننا الإنساني حتى أصبح غولاً بدأ يأكل الأخضر واليابس من إنسانيتنا وعقولنا وثقافتنا واقتصادنا وتعليمنا وحياتنا بشكل عام، فلن يستطيع الفكاك من براثنه الهستيرية أحد كائناً من كان. خاصة كون هناك من يعتقدون واهمين أن دورهم وإثبات أهميتهم في المجتمع، فقط يتمحور حول عملية النفخ ثم النفخ ونفخ النفخ في جسد غول الهاجس الجنسي الذي يريد أن يلتهم المجتمع. ولدرجة الظن بأن ليس لديهم القدرة على عمل أي شيء ينفع أنفسهم، ناهيك عن نفع الناس والوطن بشكل عام، إلا امتهان الحديث عن الجنس والتحذير منه. خاصة عندما يتحول همهم الدائم والدؤوب وتركيز كل طاقاتهم الذهنية والجسدية إلى عملية التخويف والتحذير الهستيري من غول الجنس الذي يمسكون بتلابيبه ويصرخون على الناس بأنه لو انطلق منهم عليهم، فسوف يرميهم بجحيم مستنقعات الفساد والرذيلة.
وكأنهم يخشون أنه لو بانت حقيقة هذا الغول الوهمي الذي يحذرون منه، بأنه سيلتهم المجتمع ويمرغ شرفه وكرامته وعزته بوحل الرذيلة، ما هو إلا غول لا يوجد إلا في مخيلتهم؛ سيفقدون مكانتهم وميزاتهم ووجاهتهم الاجتماعية. ولا شك، بأن الهاجس الجنسي موجود في ثقافتنا من قديم، إلا أنه لم يتحول بالنسبة للأجداد إلى غول مخيف أو هستيريا؛ يعطل حياتهم ويشلها ويساوي بين إرادتهم الإنسانية وبهيمية الحيوانات.
وهكذا تم اختزال الجسد المتحرك والمجلل بالسواد من رأسه حتى أخمص قدميه، بجسد الخطيئة الذي تكمن وتتجسد داخله روح غول الجنس الدنيئة المتمكنة منه.
وقد أحسست بأزمتنا مع هيستيريا شبح هاجس الغول الجنسي المتمكن منا والذي أفقدنا التوازن الطبيعي لإنسانيتنا، أثناء تجولي في معرض الكتاب في الرياض. كنت إذا رأيت في ركن دار نشر جسدا متجللاً بالسواد، لا أدخله حتى يخرج منه. وفي أحد أركان دور النشر كنت منسجماً بمطالعة بعض عناوين الكتب، وإذا بسواد يقترب مني، ويبدو بأنه كذلك كان منسجماً بمطالعة العناوين، والكارثة حدثت عندما أخذ هذا الجسد من حيث لا يدري كتابا كنت اشتريته من دار نشر أخرى، وكنت وضعته على الرف حتى أنتهي من مطالعة العناوين التي أمامي. وبدأ يقلب في صفحاته. فدخلت في حيرة وربكة من أمري، هل أهرب من المكان، أم أتشجع وأقول له وأنا أنظر للجهة المعاكسة وبصوت خافت" هذا كتابي جزاك الله خيراً يا أخية وهو ليس للبيع." فلو فعلت ذلك وشاهدني أتحدث معها محتسباً نظامياً أم غير نظامي، وهم الأكثر، وقادني وإياها، بتهمة "الخلوة غير الشرعية في معرض كتاب دولي". ساعتها من سيصدقها أو يصدقني بأنني كنت أنبهها بأن هذا كتابي.
ولأحسن الظن وأفترض، بأن شخصا ما، في مكتب الاحتساب في المعرض، تفهم الوضع، مع شكي في ذلك خاصة لو عرف من أكون، وخرجنا بتوقيع تعهد والبصم عليه، بألا نتحدث مع أحد غريب من الجنس المغاير، فستنهال عليها من ذويها الأسئلة المعهودة والمكررة وعن إيمان وقناعة، لماذا لم يتهم إلا أنت من بين كل الأجساد المجللة بالسواد؟! وهل يعرفونك حتى يتبلوك؟! مع كون إدارة إعلام الحسبة تخرج إحصائيات سنوية بمئات الآلاف من المقبوض والمستور عليهم!! وهنا يتم نسف وتمزيق إنسانيتها وتسقط على هامتها تهمة الغواية الجنسية التي نسجت مع كل خيط حيكت منه الأقمشة المجللة لجسدها بالسواد.
أما أنا فلن أسمع مثلما ستسمعه المغدورة علانية، ولكن سيقال عني مثل ما قيل عنها وأكثر، ولكن من خلفي. ومع ذلك فلن أسلم من جزر إنسانيتي خاصة لو أن خبر إلقاء القبض علي مع أنثى، بتهمة الخلوة غير الشرعية بمعرض كتاب دولي، تم تسريبه لوسيلة إعلامية. وذلك وحتى لو ذكرت هذه الوسيلة بأن التهمة لم تثبت عليه وتم إطلاق سراحه بسرعة قياسية بعد أربع أو خمس ساعات من إلقاء القبض عليه وبدون كفيل. حيث ستتناقل ساحات (النت) والمجالس، خبرا مؤكداً "بأن ضغطا من أعلى استخدم ضد مركز الحسبة لتبرئته ولإطلاق سراحه، حسبنا الله ونعم الوكيل، متى سيطبق شرع الله على الليبراليين الفسقة... ولصالح من يتم تعطيل شرع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم... حسبنا الله ونعم الوكيل."
وبعد أن ستر الله ووضعت المرأة كتابي مكانه، وتحركت من ذاتها، إلى جهة أخرى، أخذت كتابي وخرجت من معرض الكتاب. وغنمت فقط بالخروج من المعرض، بالحفاظ على ما تبقى من إنسانيتي وتوازني النفسي، مردداً بيني وبين نفسي، اللعنة على أطنان الكتب التي عجزت عن زحزحة ثقافة الهستيرياً الجنسية والسحر والشعوذة ومصادرة الكتب خوفاً على العقيدة السليمة قيد أنملة. فكان الحل لعودة توازني وثقتي بنفسي وإنسانية الإنسان يكمن بمهرجان الكليجا.
منقول:عبدالرحمن الوابلي
http://www.alwatan.com.sa/news/writerdetail.asp?issueno=3115&id=10372&Rname=213
في خلال الشهر الماضي تسنى لي حضور معرض الكتاب الدولي الذي أقيم في مدينة الرياض ومهرجان الكليجا الذي أقيم في مدينة بريدة. وكاد الأول يفقدني توازني الإنساني لولا أن الثاني أعاده لي بعفوية وسلام.
في معرض الكتاب في الرياض، كالعادة كان الجو مكهرباً، وكنت لا أدري هل أتجول بين دور النشر وأطالع الكتب أم أراقب، من أعتقد، أنه يراقبني بحذر، حتى لا أقفز على سيدة أو تقفز علي سيدة. حتى خفت على نفسي أن أفعلها أو تفعل بي، وإلا فلماذا كل هذا التحفز والتيقظ الهستيري.
أما هاجس الجنس الذي أخذ يكبر ويعشش في حياتنا وأربك توازننا الإنساني حتى أصبح غولاً بدأ يأكل الأخضر واليابس من إنسانيتنا وعقولنا وثقافتنا واقتصادنا وتعليمنا وحياتنا بشكل عام، فلن يستطيع الفكاك من براثنه الهستيرية أحد كائناً من كان. خاصة كون هناك من يعتقدون واهمين أن دورهم وإثبات أهميتهم في المجتمع، فقط يتمحور حول عملية النفخ ثم النفخ ونفخ النفخ في جسد غول الهاجس الجنسي الذي يريد أن يلتهم المجتمع. ولدرجة الظن بأن ليس لديهم القدرة على عمل أي شيء ينفع أنفسهم، ناهيك عن نفع الناس والوطن بشكل عام، إلا امتهان الحديث عن الجنس والتحذير منه. خاصة عندما يتحول همهم الدائم والدؤوب وتركيز كل طاقاتهم الذهنية والجسدية إلى عملية التخويف والتحذير الهستيري من غول الجنس الذي يمسكون بتلابيبه ويصرخون على الناس بأنه لو انطلق منهم عليهم، فسوف يرميهم بجحيم مستنقعات الفساد والرذيلة.
وكأنهم يخشون أنه لو بانت حقيقة هذا الغول الوهمي الذي يحذرون منه، بأنه سيلتهم المجتمع ويمرغ شرفه وكرامته وعزته بوحل الرذيلة، ما هو إلا غول لا يوجد إلا في مخيلتهم؛ سيفقدون مكانتهم وميزاتهم ووجاهتهم الاجتماعية. ولا شك، بأن الهاجس الجنسي موجود في ثقافتنا من قديم، إلا أنه لم يتحول بالنسبة للأجداد إلى غول مخيف أو هستيريا؛ يعطل حياتهم ويشلها ويساوي بين إرادتهم الإنسانية وبهيمية الحيوانات.
وهكذا تم اختزال الجسد المتحرك والمجلل بالسواد من رأسه حتى أخمص قدميه، بجسد الخطيئة الذي تكمن وتتجسد داخله روح غول الجنس الدنيئة المتمكنة منه.
وقد أحسست بأزمتنا مع هيستيريا شبح هاجس الغول الجنسي المتمكن منا والذي أفقدنا التوازن الطبيعي لإنسانيتنا، أثناء تجولي في معرض الكتاب في الرياض. كنت إذا رأيت في ركن دار نشر جسدا متجللاً بالسواد، لا أدخله حتى يخرج منه. وفي أحد أركان دور النشر كنت منسجماً بمطالعة بعض عناوين الكتب، وإذا بسواد يقترب مني، ويبدو بأنه كذلك كان منسجماً بمطالعة العناوين، والكارثة حدثت عندما أخذ هذا الجسد من حيث لا يدري كتابا كنت اشتريته من دار نشر أخرى، وكنت وضعته على الرف حتى أنتهي من مطالعة العناوين التي أمامي. وبدأ يقلب في صفحاته. فدخلت في حيرة وربكة من أمري، هل أهرب من المكان، أم أتشجع وأقول له وأنا أنظر للجهة المعاكسة وبصوت خافت" هذا كتابي جزاك الله خيراً يا أخية وهو ليس للبيع." فلو فعلت ذلك وشاهدني أتحدث معها محتسباً نظامياً أم غير نظامي، وهم الأكثر، وقادني وإياها، بتهمة "الخلوة غير الشرعية في معرض كتاب دولي". ساعتها من سيصدقها أو يصدقني بأنني كنت أنبهها بأن هذا كتابي.
ولأحسن الظن وأفترض، بأن شخصا ما، في مكتب الاحتساب في المعرض، تفهم الوضع، مع شكي في ذلك خاصة لو عرف من أكون، وخرجنا بتوقيع تعهد والبصم عليه، بألا نتحدث مع أحد غريب من الجنس المغاير، فستنهال عليها من ذويها الأسئلة المعهودة والمكررة وعن إيمان وقناعة، لماذا لم يتهم إلا أنت من بين كل الأجساد المجللة بالسواد؟! وهل يعرفونك حتى يتبلوك؟! مع كون إدارة إعلام الحسبة تخرج إحصائيات سنوية بمئات الآلاف من المقبوض والمستور عليهم!! وهنا يتم نسف وتمزيق إنسانيتها وتسقط على هامتها تهمة الغواية الجنسية التي نسجت مع كل خيط حيكت منه الأقمشة المجللة لجسدها بالسواد.
أما أنا فلن أسمع مثلما ستسمعه المغدورة علانية، ولكن سيقال عني مثل ما قيل عنها وأكثر، ولكن من خلفي. ومع ذلك فلن أسلم من جزر إنسانيتي خاصة لو أن خبر إلقاء القبض علي مع أنثى، بتهمة الخلوة غير الشرعية بمعرض كتاب دولي، تم تسريبه لوسيلة إعلامية. وذلك وحتى لو ذكرت هذه الوسيلة بأن التهمة لم تثبت عليه وتم إطلاق سراحه بسرعة قياسية بعد أربع أو خمس ساعات من إلقاء القبض عليه وبدون كفيل. حيث ستتناقل ساحات (النت) والمجالس، خبرا مؤكداً "بأن ضغطا من أعلى استخدم ضد مركز الحسبة لتبرئته ولإطلاق سراحه، حسبنا الله ونعم الوكيل، متى سيطبق شرع الله على الليبراليين الفسقة... ولصالح من يتم تعطيل شرع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم... حسبنا الله ونعم الوكيل."
وبعد أن ستر الله ووضعت المرأة كتابي مكانه، وتحركت من ذاتها، إلى جهة أخرى، أخذت كتابي وخرجت من معرض الكتاب. وغنمت فقط بالخروج من المعرض، بالحفاظ على ما تبقى من إنسانيتي وتوازني النفسي، مردداً بيني وبين نفسي، اللعنة على أطنان الكتب التي عجزت عن زحزحة ثقافة الهستيرياً الجنسية والسحر والشعوذة ومصادرة الكتب خوفاً على العقيدة السليمة قيد أنملة. فكان الحل لعودة توازني وثقتي بنفسي وإنسانية الإنسان يكمن بمهرجان الكليجا.
منقول:عبدالرحمن الوابلي
http://www.alwatan.com.sa/news/writerdetail.asp?issueno=3115&id=10372&Rname=213