سيف وفيصل
15-12-08, 12:46 am
عبدالله القصيمي " تموت الأشجار واقفه وتبقى جذورها حيه
عبدالله القصيمي ، او شيخ الليبرالين العرب ، أو الثائر ، تعددت
الأسماء والذات واحده ، تعددت الأراء قبل الأسماء حول حقيقة
العقلية التي يحملها هذا الرجل ، هل هو إنساني أكثر من اللازم ،
أم صارخ وثائر بلا قضية ؟ ام مفكر سبق عصره كما يحلو للمعجبين أن
يطلقوا عليه ؟ شخصية حيرت كل من أطلع عليها او سمع عنها . فمن
منافح عن الإسلام وعن الدين ومتصدياً للعلمانيه( وليس العلمانيين)
ومن يتبعها إلى " ملحداً " مثلما حكم عليه المشائخ .
كيف يمكن للإنسان أن يتنقل بين عدة أمكنه كل واحد منها مغاير لما
قبله في جميع صوره ، من سلفي إلى علماني إلى ملحد . هل بالفعل
تنقل عبدالله القصيمي بين هذه المناخات الواحد تلو الآخر ، أم أن
الناس هم من تحكموا في تنقله هذا ؟ إقرأوا السطور التاليه ففيها
سيرة عن حياة هذا المفكر من مولده مروراً بمرحلة الدراسة
وإنتقاله إلى مصر وطرده منها وسفره إلى بيروت . كما سنستشهد
ببعض كتاباته التي من خلالها تصدى لها مشائخ المملكة والأزهر
الشريف وإنزعاج بعض المفكرين العرب منه ومن كتبه التي أصدرها في
بيروت وأنتشرت منذ وقت مبكر في مكتبات باريس وواشنطن . فإلى
ضيفنا لهذا الشهر ، إلى عبدالله القصيمي :
المحطه الأولى : الطفوله والمنشأ
هو عبدالله بن علي القصيمي ، سعودي المنشأ ، سمي بهذ الأسم إحتراماً
له لإختياره ولرضاه بهذا الأسم ، كثيرون يقولون لأنه لم يعرف له
نسباً بحكم أن والده طلق أمه في ولم يزل صغيراً ، ولد عبدالله
القصيمي في " خب الحلوه " غرب مدينة بريدة ، والخب هو مكان يقع
بين كثبان رمليه يتم إتخاذه مكان للإستقرار . ولد عبدالله القصيمي
سنة 1907م وما أن تجاوز هذا الصبي العاشره من عمره حتى بدأ رحلة
البحث عن أبيه فمن القصيم إلى الرياض إلى إمارة الشارقه التي
سمع بأن أباه قد أطال به المقام هناك إلى العراق وسوريا وأخيراً
مصر التي ما أن قدٍم إليها حتى ألتحق بجامعها الشريف وهولم
يتجاوز التاسعة عشر ربيعاً .
بدأ القصيمي رحلتة إلى الشارقه لملاقاة والدة ، والتقى به وأقام
معه لمدة سنتين حتى توفي والدة سنة 1922 وما أن توفي والده حتى
أقترن بإبن رشد الذي أصبح فيما بعد من أكثر المقربين إليه ،
سافر الأثنان إلى الهند للدراسة في المدرسة الرحمانيه ومكثا هناك
سنتين بعدها رجعا وأقاما جوله علميه في كل من العراق وسوريا ومن
هناك سافر وأستقر في مصر .
المحطة الثانية ( دراسته و صراعه مع الصوفيه ) .
التحق القصيمي بالأزهر الشريف ، وتفاجأ بالتنوع الفكري الذي يضمه
هذا الجامع ، كانت التوجهات في هذا الجامع منها ماهو ليبرالي
ومنها ماهو سلفي ومنها ماهو صوفي . فكان الأزهر الشريف يغلب عليه
توجه ما حينما يكون عميد الجامع ينتمي لأحد المذاهب او التوجهات
الفكريه . هذا غير الصراع الدائر بين الصحف المصريه في ذلك
الوقت .
سنة 1930 تقلد منصب عمادة الجامعه عميداً صوفياً فأخذت الجامعه
تُصبغ بالمذهب الصوفي ، الأمر الذي جعل القصيمي يتمرد وهو لم يزال
صغيراً ( واحد و عشرون سنه ) ، كان الظواهري عميد الجامعه آنذاك
أحد العلماء البارزين في الدفاع عن الصوفيه و عن التوسل
بالأولياء ، فألف القصيمي كتابه " البروق النجدية في اكتساح
الظلومات الدجوية " الذي هاجم فيه طقوس الصوفيه وتقدسيهم للأضرحه
، شاع هذا الكتاب بين جمهور العلماء الأمر الذي أدى إلى فصل
القصيمي من الجامعه سنة 1931م .
ركز القصيمي هجومه على علماء الأزهر الشريف وألف كتابين عنهما
الأول : " شيوخ الأزهر والزيارة في الإسلام " . والثاني بعنوان "
الفصل الحاسم بين الوهابيين وخصوهم " .
تم الإستغناء عن الظواهري كعميد للجامعه ، وتم تعيين المراغي
صاحب التوجه العلماني ، فتوقف القصيمي عن نقد الأزهر ورجاله
وأتجه في نقده للعلمانية . فألف كتاب أسمه " نقد كتاب محمد "
لمحمد حسنين هيكل . تصدى فيه للتفسيرات التي فسرها هيكل (
معجزتا الإسراء والمعراج وشق الصدر ) بعيداً عن الدين مستخدماً
العقل في هذا التفسير .
كان لعبدالله القصيمي موقفاً مضاداً للشيعه ، فما أن ألف أحد أئمة
الشيعه كتباً أسمه " كشف الإرتياب في أتباع محمد بن عبدالوهاب "
حتى ألف القصيمي كتابه المشهور " الصراع بين الإسلام والوثنيه " .
حيث ينفي في هذا الكتاب ، إنتماء الشيعه للإسلام وأنهم يرجعون إلى
اليهودي عبدالله بن سبأ ، بعد هذه الكُتب أصبح عبدالله القصيمي هو
المعترف به في الدفاع عن السلفيه على نطاق واسع .
المحطة الثالثه " مرحلة العلمانية " :
أنتشرت في مرحلة ما بعد سقوط الدولة العثمانية الكتب التي تنتقد
وضع العرب المخزي في تلك المرحلة ، كثُر المؤلفون وكتُرت كُتبهم ،
فألف القصيمي كتابه الشهير " هذه هي الأغلال " ، أثار الكتاب ردود
فعل واسعه بين اصحاب التوجهات العلمانية فقال عنه محمود عباس
العقاد " شكل ابن خلدون طليعة الإصلاح في الشرق وشكل الأفغاني
ومحمد عبده جوانبه ، أما القصيمي فهو قلبه " . وكان من أكثر
المؤيدين لكتابه الشيخ محمد شلتوت الذي أعرب عن أسفه من عدم
تمكن جامعة الأزهر خلال تاريخها الطويل الممتد إلى ما قبل ألف عام
من من تأليف كتاب بحجم كتاب " هذه هي الأغلال " . في المقابل
أنتقد الشيخ العلامه بن سعدي كتاب القصيمي فألف كتاباً سماه "
تنزيه الدين ورجاله مما افتراه القصيمي في أغلاله " . هذه هي
مواقف المشائخ حول مؤلفات القصيمي الأولى ، فهو دائماً ما يؤكد
بأنه مؤمن بالله ورسوله ، إلى أنه يريد التخلص من هذه الأغلال التي
لصقت بالدين . فكان ينتقد العلماء وتفسيراتهم للدين . بعد الضجه
الذي أحدثها كتابه هذا ، اعتزل القصيمي الحياة العامه وأقتصر جُل
وقته على عقد ندوات مع بعض الطلبه اليمنيين ، الأمر الذي دعى
الحكومة في اليمن في إرسال طلب للحكومة المصريه لطرده من مصر
فذهب إلى بيروت . بعدها بسنوات سُمح له بالعودة إلى أسرته في مصر
.
المرحلة الثالثه " مرحلة الإلحاد " :
أحس القصيمي بعد طرده من مصر بغضب العالم عليه ، فأمتنع عن عقد
الندوات والدورات وكرس جهده في التأليف ، فألف سنة 1963 كتابه "
العالم ليس عقلاً " ولم يلق هذا الكتاب الصدى الذي كان يتمناه (
أعتقد السبب يعود لإستقرار الأوضاع السياسة في العالم العربي في
بداية الستينات ) . الف بعده بثلاث سنوات كتابين ، الأول : " هذا
الكون ماضميره " والثاني بعنوان : " كبرياء التاريخ في مأزق " .
بين سنة 1967م وسنة 1972م بلغ القصيمي أوج شهرته في العالم
العربي لسببين ، الأول طرده من بيروت الأمر الذي جعل المفكرين
العلمانيين يقفون بجانبه ، والثاني هزيمة 1967م ، الحرب التي
اطلقت موجات من النقد في العالم العربي فكانت هذه الحرب فرصه
للقصيمي في الدخول في فلسفه النقد وتأليف الكُتب حولها . تمت
إعادة طباعة كتاب " العالم ليس عقلاً " الذي لم يلقى صدى واسعاً في
البداية . وألف بعده " أيها العار إن المجد لك " وكتاب آخر سماه
" فرعون يكتب سفر الخروج " .
بعد نشوء الحرب الأهلية اللبنانية ( 1975م ــ 1990م ) أنقطع نشاط
القصيمي الأدبي بحكم أن جُل مؤلفاته يتم طباعتها هناك ، فنشر
بنفسه كتابة المشهور " العرب ظاهره صوتيه " الذي ترك صدى قوياً
حين نشره .
ظل القصيمي مقيماً في مصر حتى إلى أن توفي سنة 1996م فغادرها
محمولاً إلى السعودية التي يم يزرها إلا مرة عند أداءه فريضة الحج
.
كانت علاقة القصيمي مع الحكومة السعودية علاقة وطيدة لكن حبه
للعلم وليكن قريباً من دور النشر جعله بعيداً عن موطنه ، ونستشهد
بهذه العلاقة الطيبه في أهداءات لكتبه لجلالة الملك عبدالعزيز ،
وكذلك عند وفاتة حينما أرسلت المملكة وفداً ليرافق جثمانه في
عودته إلى بلده .
الآن أتركم مع بعض أقوال القصيمي وبعض مؤلفاته في مرحلة الأولى "
الدفاع عن السلفيه " وبين مرحلتة الأخيرة " الإلحاد " كما يصفه
أعداءه .
مؤلفات المرحلة الأولى :
1 ) الصراع بين الإسلام والوثنية
2 ) البروق النجدية في اكتساح الظلمات الدجوية ، يرد فيه على من
يتوسلون بالبشر .
3 ) مشكلات الأحاديث النبوية وبيانها ، وفيه يرد على الملاحده
وعلماء المادة .
من أقواله في تلك المرحلة :( إيماني بالله والأنبياء والأديان ليس
موضوع خلاف بيني وبين نفسي أو بيني وبين تفكيري. ولا ينبغي أن
يكون موضوع خلاف بيني وبين قرائي.. ولو أردت من نفسي وعقلي أن
يشكا لما استطاعا، ولو أرادا مني أن أشك لما استطعت. ولو أني
نفيت إيماني لما صدقت أقوالي. فشعوري أقوى من كل أفعالي ! (...)
إن الحقائق الكبرى لا تسقطها الألفاظ, كذلك الإيمان بالله والأنبياء
والأديان من الحقائق القوية التي لا يمكن أن تضعفها أو تشك فيها
الكلمات التي قد تجيء غامضة أو عاجزة أو حادة لأن فورة من الحماس
قد أطلقتها. إن إيماني يساوي: انا موجود، إذن أنا مؤمن. أنا
أفكر, إذن أنا مؤمن. أنا إنسان إذن أنا مؤمن ).
(اعلم ألهمني الله واياك الرشاد وجنبنا طريق الغي والفساد . إن
العلم أفضل طلبة ، واعظم رغبة ... ونحن في زمان هرم خيره شباب
شره نائم رشاده صاح فساده ... فهذه المجلات الشهرية والاسبوعية
والجرائد اليومية مفعمة بالالحاد والفجور من الطعن على الله ورسوله
ودينه وأفعاله ، والى الدعوة الى حانات الخمر وبيوت الرقص
والعزف والربا والقمار، كأنهم في بلد لا يوجد به مسلم ولا كتاب
إلهي ولا من يقر بالصانع !! ولا الجامع الازهر ... حنى عم المصاب
وعظمت البلية )
كتب القصيمي عن " الإرهاب بأسم الدين ، فقال ذات مره : " ومن ثمّ
فإننا نعتقد أن هذه الجماعات المنسوبة إلى الدين، الناطقة باسمه
لو أنها استطاعت الوثوب على الحكم ووضعت السلاح في يدها لحكمَ
البشرَ عهدٌ من الإرهاب يتضاءل إزاءه كل إرهاب يستنكره العالم
اليوم، وهذا أمر يجب أن يعرفه أولوا الرأي والمقدرة وأن يحسبوا
له الحساب قبل فوات الأوان، ولن تجد أقسى قلباً ولا أفتك يداً من
إنسان يثبُ على عنقك ومالك، يقتلك ويسلبك، معتقداً أنه يتقرب إلى
الله بذلك، ويجاهد في سبيله، وينفذ أوامره وشرائعه!!
مؤلفات القصيمي في مرحلتة الأخيرة هي :
(1) (هذه هي الأغلال )
2 ) (الإنسان يعصي لهذا يصنع الحضارات )
3 ) ( لئلا يعود هارون الرشيد مرة أخرى )
4 ) ( فرعون يكتب سفر الخروج )
5 ) ( كبرياء التاريخ في مأزق )
6 ) ( هذا الكون ما ضميره ؟)
7 ) (أيها العار إن المجد لك )
8 ) (العرب ظاهرة صوتية)
من أقواله في تلك المرحلة " انه من الخير والصواب ألا يميز بين
الرجال والنساء في الزي ولا في العمل )
ويقول مادحاً لنفسه " بأن كتبه أصبح العالم بأسره بصيراً " .
كتب عنه المفكرون ، فمنهم من قال بأنه مجرد صوت صارخ ومنهم من
وصفه بالملحد ومنهم من فسر هذا التغيير بأنه لا يتعدى أن يكون
مرضاً نفسياً .يقول عبدالله القصيمي عن نفسه " لا تسيئوا فهمه لا
تنكروا عليه أن ينقد أو يتهم أو يعارض أو يتمرد أو يبالغ أو
يقسو ... إنه ليس شريرا ولا عنيفا ولا عدوا ولا ملحدا ، ولكنه
متألم حزين ، يبذل الحزن والألم بلا تدبير ولا تخطيط ، كما تبذل
الزهرة أريجها أو الشمعة نورها ! لقد تناهى في حزنه وضعفه حتى
بدا عنيفا ... ليس نقده إلا رثاء للعالم ورثاء لنفسه ، بل ليس
نقده إلا تمزقا ذاتيا " .
في أيامه الأخيره التي قضاها في مستشفى فلسطين بالقاهرة كان همه
الأول والأخير علاقته مع ربه ، فكان القاسم المشترك بين تلك الأيام
هو : قراءته للقرآن الكريم والحديث الشريف .
مات عبدالله القصيمي بعد عمر أمتد لأكثر من سبعة وثمانون سنه . مات
تاركاً حيره ترتسم على وجوه من عرفوه داعياً ومفكراً وناقداً ، بعد
مرور عشر سنوات على وفاته في يناير 1996م لا زال الكثيرون
يتساءلون هل هو عبارة عن عقل واحد او مجموعة عقول ، وهل بالفعل
أن هذا المفكر قد سبق عصره الأمر الذي جعله في عداد الخالدين ؟
سيبقى ذو عقلية من الصعب تفكيكها حتى ولو بعد أمد بعيدا .
لمن أدوشهم ذلك القصيمي (منقول)
عبدالله القصيمي ، او شيخ الليبرالين العرب ، أو الثائر ، تعددت
الأسماء والذات واحده ، تعددت الأراء قبل الأسماء حول حقيقة
العقلية التي يحملها هذا الرجل ، هل هو إنساني أكثر من اللازم ،
أم صارخ وثائر بلا قضية ؟ ام مفكر سبق عصره كما يحلو للمعجبين أن
يطلقوا عليه ؟ شخصية حيرت كل من أطلع عليها او سمع عنها . فمن
منافح عن الإسلام وعن الدين ومتصدياً للعلمانيه( وليس العلمانيين)
ومن يتبعها إلى " ملحداً " مثلما حكم عليه المشائخ .
كيف يمكن للإنسان أن يتنقل بين عدة أمكنه كل واحد منها مغاير لما
قبله في جميع صوره ، من سلفي إلى علماني إلى ملحد . هل بالفعل
تنقل عبدالله القصيمي بين هذه المناخات الواحد تلو الآخر ، أم أن
الناس هم من تحكموا في تنقله هذا ؟ إقرأوا السطور التاليه ففيها
سيرة عن حياة هذا المفكر من مولده مروراً بمرحلة الدراسة
وإنتقاله إلى مصر وطرده منها وسفره إلى بيروت . كما سنستشهد
ببعض كتاباته التي من خلالها تصدى لها مشائخ المملكة والأزهر
الشريف وإنزعاج بعض المفكرين العرب منه ومن كتبه التي أصدرها في
بيروت وأنتشرت منذ وقت مبكر في مكتبات باريس وواشنطن . فإلى
ضيفنا لهذا الشهر ، إلى عبدالله القصيمي :
المحطه الأولى : الطفوله والمنشأ
هو عبدالله بن علي القصيمي ، سعودي المنشأ ، سمي بهذ الأسم إحتراماً
له لإختياره ولرضاه بهذا الأسم ، كثيرون يقولون لأنه لم يعرف له
نسباً بحكم أن والده طلق أمه في ولم يزل صغيراً ، ولد عبدالله
القصيمي في " خب الحلوه " غرب مدينة بريدة ، والخب هو مكان يقع
بين كثبان رمليه يتم إتخاذه مكان للإستقرار . ولد عبدالله القصيمي
سنة 1907م وما أن تجاوز هذا الصبي العاشره من عمره حتى بدأ رحلة
البحث عن أبيه فمن القصيم إلى الرياض إلى إمارة الشارقه التي
سمع بأن أباه قد أطال به المقام هناك إلى العراق وسوريا وأخيراً
مصر التي ما أن قدٍم إليها حتى ألتحق بجامعها الشريف وهولم
يتجاوز التاسعة عشر ربيعاً .
بدأ القصيمي رحلتة إلى الشارقه لملاقاة والدة ، والتقى به وأقام
معه لمدة سنتين حتى توفي والدة سنة 1922 وما أن توفي والده حتى
أقترن بإبن رشد الذي أصبح فيما بعد من أكثر المقربين إليه ،
سافر الأثنان إلى الهند للدراسة في المدرسة الرحمانيه ومكثا هناك
سنتين بعدها رجعا وأقاما جوله علميه في كل من العراق وسوريا ومن
هناك سافر وأستقر في مصر .
المحطة الثانية ( دراسته و صراعه مع الصوفيه ) .
التحق القصيمي بالأزهر الشريف ، وتفاجأ بالتنوع الفكري الذي يضمه
هذا الجامع ، كانت التوجهات في هذا الجامع منها ماهو ليبرالي
ومنها ماهو سلفي ومنها ماهو صوفي . فكان الأزهر الشريف يغلب عليه
توجه ما حينما يكون عميد الجامع ينتمي لأحد المذاهب او التوجهات
الفكريه . هذا غير الصراع الدائر بين الصحف المصريه في ذلك
الوقت .
سنة 1930 تقلد منصب عمادة الجامعه عميداً صوفياً فأخذت الجامعه
تُصبغ بالمذهب الصوفي ، الأمر الذي جعل القصيمي يتمرد وهو لم يزال
صغيراً ( واحد و عشرون سنه ) ، كان الظواهري عميد الجامعه آنذاك
أحد العلماء البارزين في الدفاع عن الصوفيه و عن التوسل
بالأولياء ، فألف القصيمي كتابه " البروق النجدية في اكتساح
الظلومات الدجوية " الذي هاجم فيه طقوس الصوفيه وتقدسيهم للأضرحه
، شاع هذا الكتاب بين جمهور العلماء الأمر الذي أدى إلى فصل
القصيمي من الجامعه سنة 1931م .
ركز القصيمي هجومه على علماء الأزهر الشريف وألف كتابين عنهما
الأول : " شيوخ الأزهر والزيارة في الإسلام " . والثاني بعنوان "
الفصل الحاسم بين الوهابيين وخصوهم " .
تم الإستغناء عن الظواهري كعميد للجامعه ، وتم تعيين المراغي
صاحب التوجه العلماني ، فتوقف القصيمي عن نقد الأزهر ورجاله
وأتجه في نقده للعلمانية . فألف كتاب أسمه " نقد كتاب محمد "
لمحمد حسنين هيكل . تصدى فيه للتفسيرات التي فسرها هيكل (
معجزتا الإسراء والمعراج وشق الصدر ) بعيداً عن الدين مستخدماً
العقل في هذا التفسير .
كان لعبدالله القصيمي موقفاً مضاداً للشيعه ، فما أن ألف أحد أئمة
الشيعه كتباً أسمه " كشف الإرتياب في أتباع محمد بن عبدالوهاب "
حتى ألف القصيمي كتابه المشهور " الصراع بين الإسلام والوثنيه " .
حيث ينفي في هذا الكتاب ، إنتماء الشيعه للإسلام وأنهم يرجعون إلى
اليهودي عبدالله بن سبأ ، بعد هذه الكُتب أصبح عبدالله القصيمي هو
المعترف به في الدفاع عن السلفيه على نطاق واسع .
المحطة الثالثه " مرحلة العلمانية " :
أنتشرت في مرحلة ما بعد سقوط الدولة العثمانية الكتب التي تنتقد
وضع العرب المخزي في تلك المرحلة ، كثُر المؤلفون وكتُرت كُتبهم ،
فألف القصيمي كتابه الشهير " هذه هي الأغلال " ، أثار الكتاب ردود
فعل واسعه بين اصحاب التوجهات العلمانية فقال عنه محمود عباس
العقاد " شكل ابن خلدون طليعة الإصلاح في الشرق وشكل الأفغاني
ومحمد عبده جوانبه ، أما القصيمي فهو قلبه " . وكان من أكثر
المؤيدين لكتابه الشيخ محمد شلتوت الذي أعرب عن أسفه من عدم
تمكن جامعة الأزهر خلال تاريخها الطويل الممتد إلى ما قبل ألف عام
من من تأليف كتاب بحجم كتاب " هذه هي الأغلال " . في المقابل
أنتقد الشيخ العلامه بن سعدي كتاب القصيمي فألف كتاباً سماه "
تنزيه الدين ورجاله مما افتراه القصيمي في أغلاله " . هذه هي
مواقف المشائخ حول مؤلفات القصيمي الأولى ، فهو دائماً ما يؤكد
بأنه مؤمن بالله ورسوله ، إلى أنه يريد التخلص من هذه الأغلال التي
لصقت بالدين . فكان ينتقد العلماء وتفسيراتهم للدين . بعد الضجه
الذي أحدثها كتابه هذا ، اعتزل القصيمي الحياة العامه وأقتصر جُل
وقته على عقد ندوات مع بعض الطلبه اليمنيين ، الأمر الذي دعى
الحكومة في اليمن في إرسال طلب للحكومة المصريه لطرده من مصر
فذهب إلى بيروت . بعدها بسنوات سُمح له بالعودة إلى أسرته في مصر
.
المرحلة الثالثه " مرحلة الإلحاد " :
أحس القصيمي بعد طرده من مصر بغضب العالم عليه ، فأمتنع عن عقد
الندوات والدورات وكرس جهده في التأليف ، فألف سنة 1963 كتابه "
العالم ليس عقلاً " ولم يلق هذا الكتاب الصدى الذي كان يتمناه (
أعتقد السبب يعود لإستقرار الأوضاع السياسة في العالم العربي في
بداية الستينات ) . الف بعده بثلاث سنوات كتابين ، الأول : " هذا
الكون ماضميره " والثاني بعنوان : " كبرياء التاريخ في مأزق " .
بين سنة 1967م وسنة 1972م بلغ القصيمي أوج شهرته في العالم
العربي لسببين ، الأول طرده من بيروت الأمر الذي جعل المفكرين
العلمانيين يقفون بجانبه ، والثاني هزيمة 1967م ، الحرب التي
اطلقت موجات من النقد في العالم العربي فكانت هذه الحرب فرصه
للقصيمي في الدخول في فلسفه النقد وتأليف الكُتب حولها . تمت
إعادة طباعة كتاب " العالم ليس عقلاً " الذي لم يلقى صدى واسعاً في
البداية . وألف بعده " أيها العار إن المجد لك " وكتاب آخر سماه
" فرعون يكتب سفر الخروج " .
بعد نشوء الحرب الأهلية اللبنانية ( 1975م ــ 1990م ) أنقطع نشاط
القصيمي الأدبي بحكم أن جُل مؤلفاته يتم طباعتها هناك ، فنشر
بنفسه كتابة المشهور " العرب ظاهره صوتيه " الذي ترك صدى قوياً
حين نشره .
ظل القصيمي مقيماً في مصر حتى إلى أن توفي سنة 1996م فغادرها
محمولاً إلى السعودية التي يم يزرها إلا مرة عند أداءه فريضة الحج
.
كانت علاقة القصيمي مع الحكومة السعودية علاقة وطيدة لكن حبه
للعلم وليكن قريباً من دور النشر جعله بعيداً عن موطنه ، ونستشهد
بهذه العلاقة الطيبه في أهداءات لكتبه لجلالة الملك عبدالعزيز ،
وكذلك عند وفاتة حينما أرسلت المملكة وفداً ليرافق جثمانه في
عودته إلى بلده .
الآن أتركم مع بعض أقوال القصيمي وبعض مؤلفاته في مرحلة الأولى "
الدفاع عن السلفيه " وبين مرحلتة الأخيرة " الإلحاد " كما يصفه
أعداءه .
مؤلفات المرحلة الأولى :
1 ) الصراع بين الإسلام والوثنية
2 ) البروق النجدية في اكتساح الظلمات الدجوية ، يرد فيه على من
يتوسلون بالبشر .
3 ) مشكلات الأحاديث النبوية وبيانها ، وفيه يرد على الملاحده
وعلماء المادة .
من أقواله في تلك المرحلة :( إيماني بالله والأنبياء والأديان ليس
موضوع خلاف بيني وبين نفسي أو بيني وبين تفكيري. ولا ينبغي أن
يكون موضوع خلاف بيني وبين قرائي.. ولو أردت من نفسي وعقلي أن
يشكا لما استطاعا، ولو أرادا مني أن أشك لما استطعت. ولو أني
نفيت إيماني لما صدقت أقوالي. فشعوري أقوى من كل أفعالي ! (...)
إن الحقائق الكبرى لا تسقطها الألفاظ, كذلك الإيمان بالله والأنبياء
والأديان من الحقائق القوية التي لا يمكن أن تضعفها أو تشك فيها
الكلمات التي قد تجيء غامضة أو عاجزة أو حادة لأن فورة من الحماس
قد أطلقتها. إن إيماني يساوي: انا موجود، إذن أنا مؤمن. أنا
أفكر, إذن أنا مؤمن. أنا إنسان إذن أنا مؤمن ).
(اعلم ألهمني الله واياك الرشاد وجنبنا طريق الغي والفساد . إن
العلم أفضل طلبة ، واعظم رغبة ... ونحن في زمان هرم خيره شباب
شره نائم رشاده صاح فساده ... فهذه المجلات الشهرية والاسبوعية
والجرائد اليومية مفعمة بالالحاد والفجور من الطعن على الله ورسوله
ودينه وأفعاله ، والى الدعوة الى حانات الخمر وبيوت الرقص
والعزف والربا والقمار، كأنهم في بلد لا يوجد به مسلم ولا كتاب
إلهي ولا من يقر بالصانع !! ولا الجامع الازهر ... حنى عم المصاب
وعظمت البلية )
كتب القصيمي عن " الإرهاب بأسم الدين ، فقال ذات مره : " ومن ثمّ
فإننا نعتقد أن هذه الجماعات المنسوبة إلى الدين، الناطقة باسمه
لو أنها استطاعت الوثوب على الحكم ووضعت السلاح في يدها لحكمَ
البشرَ عهدٌ من الإرهاب يتضاءل إزاءه كل إرهاب يستنكره العالم
اليوم، وهذا أمر يجب أن يعرفه أولوا الرأي والمقدرة وأن يحسبوا
له الحساب قبل فوات الأوان، ولن تجد أقسى قلباً ولا أفتك يداً من
إنسان يثبُ على عنقك ومالك، يقتلك ويسلبك، معتقداً أنه يتقرب إلى
الله بذلك، ويجاهد في سبيله، وينفذ أوامره وشرائعه!!
مؤلفات القصيمي في مرحلتة الأخيرة هي :
(1) (هذه هي الأغلال )
2 ) (الإنسان يعصي لهذا يصنع الحضارات )
3 ) ( لئلا يعود هارون الرشيد مرة أخرى )
4 ) ( فرعون يكتب سفر الخروج )
5 ) ( كبرياء التاريخ في مأزق )
6 ) ( هذا الكون ما ضميره ؟)
7 ) (أيها العار إن المجد لك )
8 ) (العرب ظاهرة صوتية)
من أقواله في تلك المرحلة " انه من الخير والصواب ألا يميز بين
الرجال والنساء في الزي ولا في العمل )
ويقول مادحاً لنفسه " بأن كتبه أصبح العالم بأسره بصيراً " .
كتب عنه المفكرون ، فمنهم من قال بأنه مجرد صوت صارخ ومنهم من
وصفه بالملحد ومنهم من فسر هذا التغيير بأنه لا يتعدى أن يكون
مرضاً نفسياً .يقول عبدالله القصيمي عن نفسه " لا تسيئوا فهمه لا
تنكروا عليه أن ينقد أو يتهم أو يعارض أو يتمرد أو يبالغ أو
يقسو ... إنه ليس شريرا ولا عنيفا ولا عدوا ولا ملحدا ، ولكنه
متألم حزين ، يبذل الحزن والألم بلا تدبير ولا تخطيط ، كما تبذل
الزهرة أريجها أو الشمعة نورها ! لقد تناهى في حزنه وضعفه حتى
بدا عنيفا ... ليس نقده إلا رثاء للعالم ورثاء لنفسه ، بل ليس
نقده إلا تمزقا ذاتيا " .
في أيامه الأخيره التي قضاها في مستشفى فلسطين بالقاهرة كان همه
الأول والأخير علاقته مع ربه ، فكان القاسم المشترك بين تلك الأيام
هو : قراءته للقرآن الكريم والحديث الشريف .
مات عبدالله القصيمي بعد عمر أمتد لأكثر من سبعة وثمانون سنه . مات
تاركاً حيره ترتسم على وجوه من عرفوه داعياً ومفكراً وناقداً ، بعد
مرور عشر سنوات على وفاته في يناير 1996م لا زال الكثيرون
يتساءلون هل هو عبارة عن عقل واحد او مجموعة عقول ، وهل بالفعل
أن هذا المفكر قد سبق عصره الأمر الذي جعله في عداد الخالدين ؟
سيبقى ذو عقلية من الصعب تفكيكها حتى ولو بعد أمد بعيدا .
لمن أدوشهم ذلك القصيمي (منقول)